جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا سؤال ورد إلى دار الإفتاء المصرية حول ما المراد من قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: «وَجُعِلَتْ لِي الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا»؟ وهل يفيد جواز الصلاة في أيِّ بُقعةٍ من الأرض؟

جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا

وقالت الإفتاء في بيانها قول النبي: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا":مما امتنَّ الله تعالى به على هذه الأمّة: أن جعل لها الأرض مسجدًا وتربتها طهورًا؛ فأيّما مسلم أدركته الصّلاة في أي موضع طاهر فله أن يصلي فيه، بالشروط المعتبرة في صحة الصلاة؛ فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ مِنَ الأَنْبِيَاءِ قَبْلِي: نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَجُعِلَتْ لِي الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، وَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلاَةُ فَلْيُصَلِّ، وَأُحِلَّتْ لِي الغَنَائِمُ، وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً، وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً، وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ» متفقٌ عليه.

قال الإمام الخطابي في "معالم السنن" (1/ 146، ط. المطبعة العلمية): [وإنما جاء قوله: «جُعِلَتْ لِي الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا» على مذهب الامتنان على هذه الأمة؛ بأن رخص لها في الطهور بالأرض، والصلاة عليها في بقاعها، وكانت الأمم المتقدمة لا يصلون إلا في كنائسهم وبِيَعِهم] اهـ.

وقال القاضي عياض المالكي في "إكمال المعلم" (2/ 437، ط. دار الوفاء): [وأما كونها مسجدًا: فقيل: إن من كان قبله صلى الله عليه وآله وسلم من الأنبياء كانوا لا يصلون إِلا فيما أيقنوا طهارته من الأرض، وخص نبينا وأمته بجواز الصلاة على الأرض إِلا ما تيقنت نجاسته منها] اهـ.

وقال العلامة القاري في "مرقاة المفاتيح" (9/ 3675، ط. دار الفكر): [صرح بعموم هذا الحكم وفرَّع على ما قبله بقوله: «فَأَيُّمَا رَجُلٍ» أي: شخص «مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلاَةُ»؛ أي: وجبت عليه ودخل وقتها، في أي موضع «فَلْيُصَلِّ» أي: في ذلك الموضع، بشروطه المعتبرة في صحة الصلاة] اهـ.

الاختلاف بين البشر سنة ربانية .. فلماذا يحدث رغم أنهم لأب واحد؟ دعاء فاطمة الزهراء ياحي يا قيوم.. 6 كلمات لصلاحي الدنيا والآخرة الفهم الصحيح لحديث اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد

وفي بيان الفهم الصحيح لحديث «لَعَنَ اللهُ اليَهُودَ والنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنبِيائِهم مَسَاجِدَ»، قالت الإفتاء: أما القول بأنَّ في ذلك اتخاذًا للمساجد على القبور، وأن ذلك هو المقصود بحديث عائشة رضي الله عنها في "الصحيحين" أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَعَنَ اللهُ اليَهُودَ والنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنبِيائِهم مَسَاجِدَ»، فهو فهْمٌ غيرُ سديدٍ للحديث الشريف؛ فالمساجد: جمع مَسجِد، والمسجد في اللغة: مصدر ميمي يصلح للدلالة على الزمان والمكان والحدث، ومعنى اتخاذ القبور مساجد: السجود لها على وجه تعظيمها وعبادتها كما يسجد المشركون للأصنام والأوثان، كما فسَّرَته الروايةُ الصحيحة الأخرى للحديث عند ابن سعد في "الطبقات الكبرى" (2/ 185، ط. العلمية)عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا بلفظ: «اللَّهُمَّ لا تَجْعَلْ قَبْرِي وَثَنًا! لَعَنَ اللهُ قَوْمًا اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنبِيَائِهِم مسَاجِدَ»، فجملة «لَعَنَ اللهُ قومًا..» بيانٌ لمعنى جَعلِ القبرِ وثنًا، والمعنى: اللهم لا تجعل قبري وثنًا يُسجَدُ له ويُعبَد كما سجد قوم لقبور أنبيائهم.

قال الإمام البيضاوي: [لما كانت اليهود والنصارى يسجدون لقبور أنبيائهم تعظيمًا لشأنهم، ويجعلونها قبلة، ويتوجهون في الصلاة نحوها، واتخذوها أوثانًا، لعنهم اللهُ ومنع المسلمين عن مثل ذلك ونهاهم عنه، أمَّا مَن اتخذ مسجدًا بجوار صالِحٍ أو صلّى في مقبرته وقصد به الاستظهار بروحه ووصولَ أثرٍ من آثار عبادته إليه -لا التعظيم له والتوجه- فلا حَرَجَ عليه؛ ألا ترى أنَّ مدفن إسماعيل في المسجد الحرام ثم الحطيم، ثم إن ذلك المسجد أفضل مكان يتحرى المصلي بصلاته، والنهي عن الصلاة في المقابر مختص بالمنبوشة؛ لِما فيها من النجاسة] اهـ. أنظر: "شرح الزرقاني على الموطأ" (4/ 367، ط. مكتبة الثقافة الدينية-القاهرة).

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: الإفتاء دار الإفتاء المصرية صلى الله علیه وآله وسلم مسجد ا

إقرأ أيضاً:

من أنوار الصلاة والسلام على سيدنا محمّد صلى الله عليه وسلّم

الصلاة على النبي: قال تعالى: “إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَه يصَلّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمنوا صَلّوا عَلَيْهِ وَسَلِّموا تَسْلِيمًا

الصلاة على النبي: اللَّهـمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنَا محَمَّدٍ صَلَاةً تحْيِي بِـهَا روْحِي وَتوَفِّرَ بِهَا فتوْحِي وَتَرفَعَ بِهَا حجبِي وَتنَوِّرَ بِهَا قَلْبِي وَتؤكِّدَ بِهَا حبِّي. وَ تـحَقِّقَ بِهَا قرْبِي وَتزَكِّي بِهَا لـبِّي وَتفَرِّجَ بِهَا كَرْبِي وَتَكْشِفَ بِهَا غَمِّي وَتَغْفِرَ بِهَا ذنْبِي. وَتَسْترَ بِهَا عَيْبِي وَتأّهِّلني لِرؤيَتِهِ وَمشَاهَدَتِهِ وَتسْعِدنِي بِـمكَالَـمَتِهِ وَمشَافَهَتِهِ وَسلّم عَلَيه وعلى آلِهِ وَأصَحَابِهِ وَسَلِّمْ وَالْـحَمْد للَّـهِ رَبِّ الْعَالَـمِينَ.

إضغط على الصورة لتحميل تطبيق النهار للإطلاع على كل الآخبار على البلاي ستور

مقالات مشابهة

  • «الإفتاء» تكشف معنى «مقام الإحسان» وكيفية الوصول إليه.. ماذا قال عنه النبي؟
  • عدد ركعات سنة الجمعة وكيفية أدائها
  • هل يجوز صلة الرحم بالرسائل على الفيسبوك؟.. الإفتاء ترد
  • من أنوار الصلاة والسلام على سيدنا محمّد صلى الله عليه وسلّم
  • حكم قراءة القرآن بصورة جماعية.. الإفتاء تجيب
  • حكم قراءة سورة الفاتحة وأول سورة البقرة بعد ختم القرآن
  • مفهوم النداء لصلاتي الكسوف والخسوف.. الإفتاء توضح
  • حكم تنبيه المرأة للإمام إذا أخطأ في الصلاة
  • هل الدعاء بعد إقامة الصلاة بدعة؟.. الإفتاء تجيب
  • فضل الإمامة في الصلاة وشروطها عند الفقهاء