هكذا يتحرك اللوبي الصهيوني داخل واشنطن للترويج لتهجير أهل غزة
تاريخ النشر: 11th, March 2025 GMT
واشنطن ـ منذ طرح الرئيس دونالد ترامب فكرة ترحيل سكان قطاع غزة، لا يتوقف اللوبي الصهيوني الداعم لإسرائيل داخل العاصمة الأميركية عن التحرك بصورة مختلفة لدعم وتأطير هذه الفكرة من مختلف نواحيها القانونية والإنسانية والاقتصادية، والسياسية، والتاريخية، والأمنية.
ورغم التناقض وعدم اتساق رؤية البيت الأبيض حول مستقبل غزة سواء ما يتعلق بالتهجير، وما إذا كان يراه مؤقتا أو دائما، أو ما يتعلق بامتلاك الولايات المتحدة للقطاع، وإدارتها له في ظل غياب تصور واضح لما يدور بذهن ترامب، ركزت جهود اللوبي الصهيوني في مجملها على تطبيع الحديث حول التهجير كحل لمعضلة غزة.
ولم يبطِّئ طرح الدول العربية لخطة إعادة إعمار غزة التي قدمتها مصر في 4 مارس/آذار الجاري، والتي تهدف إلى إعادة بناء القطاع دون تهجير الفلسطينيين، من جهود اللوبي الصهيوني، بل وفّر لها مادة إضافية يتم استغلالها في الترويج لخطة الترحيل.
وتنوعت جهود اللوبي، والتي جاءت بصور منفصلة من شخصيات نافذة أو مراكز بحثية مؤثرة، في تقديم أطروحاتها، إلا أن تهجير سكان قطاع غزة كان النقطة الجامعة والموحدة لكل هذه الجهود، سواء تم ربط هذه السرديات بإطار قانوني أو إنساني أو أمني.
إعلان خطة ترامب واقعية.. وقانونية!وشن المسؤول السابق بعدة إدارات جمهورية، والخبير حاليا بمجلس العلاقات الخارجية إليوت إبراهام هجوما ساخرا وحادا على الخطة العربية، وكرر إبراهام ما ذكره مجلس الأمن القومي الأميركي بأن الخطة لا تعالج حقيقة أن غزة غير صالحة للسكن حاليا ولا يمكن فيها العيش بشكل إنساني حيث إنها مغطاة بالحطام والذخائر غير المنفجرة.
في حين اعتبر إبراهام أن رؤية ترامب لإعادة بناء غزة وإخلائها من حركة المقاومة الإسلامية حماس أكثر واقعية فيما يتعلق بالظروف المعيشية في غزة، لافتا إلى أن الخطة العربية تجاهلت "مشكلة غزة الحقيقية ألا وهي حركة حماس".
وسخر الخبير، المعروف بسجله وتاريخه الحافل لدعم إسرائيل، من تضمين الخطة العربية لأكثر من 100 صفحة مليئة بصور جميلة للعمارة العربية، والرسوم البيانية والخرائط الجميلة، و"حلم مطار غزة الدولي".
في حين كتب يوجين كونتوروفيتش أستاذ القانون بجامعة جورج ميسون بولاية فيرجينيا، والخبير بمؤسسة هيريتج المحافظة، مروجا لفكرة أن خطة ترامب لا تنتهك القانون الدولي.
في مقال له بصحيفة وول ستريت جورنال، قال كونتوروفيتش إن "الأساس القانوني للاقتراح واضح، غزة هي واحدة من قطع الأرض القليلة جدا التي لا تخضع لسيادة أي دولة، ويمثل ذلك موقفا نادرا لأنه في حقبة ما بعد الحرب يمكن للسكان المحليين الفوز بالاعتراف بدولة جديدة ذات سيادة بسهولة نسبية، وبمجرد تأسيس السيادة، يصعب سلبها، ولكن بسبب ظروف مختلفة، فإن غزة لديها فراغ في السيادة".
وكرر الخبير القانوني أن افتقاد غزة للسيادة، إضافة لأنها ليست دولة، يجعلها لا تخضع للاحتلال العسكري بموجب اتفاقية جنيف الرابعة، مما يجعل القيود التي تفرضها المعاهدة على قوى الاحتلال غير ذات صلة.
وذكر أن ذلك "يجعل العرض الأميركي ممكنا من الناحية القانونية"، مشيرا إلى أن وضع غزة يُمكن إسرائيل من الاستيلاء على أجزاء من أراضيها، وإعلان سيادتها عليها كما فعلت في مرتفعات الجولان.
إعلان سكان أحراروانتقد كونتوروفيتش اعتبار عرض ترامب "تطهيرا عرقيا"، واعتبره ضمانَ أن يكون سكان غزة أحرارا في المغادرة، وهو ما يراه غير متوفر لهم حاليا.
وبدروه، طالب مدير الأبحاث في مؤسسة الحقيقة في الشرق الأوسط (EMET)، والخبير بمعهد يوركتاون، في مجلة نيوزويك، جوزيف إبستين، أن يكون للفلسطينيين الذين يريدون مغادرة قطاع غزة المدمر الحق في القيام بذلك.
وأشار إبستين إلى أن منح أهل غزة هذا الخيار لن يكون إنسانيا فحسب، بل قد يمنع جولات الصراع في المستقبل، منتقدا الدول العربية التي "اعتبرها لم تساعد أهل غزة، ولم تستقبلهم كلاجئين على الرغم من استمرار الحرب لأكثر من 15 شهرا".
وقال الكاتب، الذي سبقت له الخدمة في الجيش الإسرائيلي، إذا كان لدى سكان غزة خيار المغادرة، فمن الصعب تخيل أن الكثيرين سيختارون البقاء، لكن حماس تقف في طريقهم، ومن مصلحة حماس إبقاء سكان غزة محاصرين".
مراكز أبحاث تدخل على الخطوتتنافس مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات "إف دي دي" (FDD) مع معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى على دعم كل ما تقوم به إسرائيل منذ بدء عدوانها على قطاع غزة عقب عملية طوفان الأقصى.
وتضم المنظمتان فيما بينهما عددا كبيرا من الخبراء ممن سبق لهم الخدمة بأجهزة الاستخبارات والجيش الإسرائيلي، ومن أبرز هؤلاء رئيس الأركان الإسرائيلي الجديد إيال زامير، الذي عمل خبيرا بين عامي 2021-2023 بمعهد واشنطن، وجوناثان كونريكوس الخبير بالمؤسسة، والذي سبق له الخدمة في الجيش الإسرائيلي لمدة 24 عاما.
واستضافت المؤسسة رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق وزعيم المعارضة البرلمانية حاليا في الكنيست يائير لبيد، حيث أطلق منها فكرته حول التهجير، والتي عرفت بـ"الحل المصري".
وركز طرح لبيد على أبعاد سكان غزة إلى مصر التي تتولي بدورها المسؤولية عن إدارة غزة لمدة تتراوح بين 8 و15 عاما، مطالبا بأن تشرف مصر على نزع السلاح من غزة ومنع تهريب الأسلحة مع تمكين سكان غزة من السفر إلى الخارج.
إعلان احتفاء بمبادرة لبيدواحتفى خبراء المنظمة بطرح لبيد، وقال مارك دوبويتز المدير التنفيذي للمؤسسة إن الخطة "تحمي الحدود الجنوبية لإسرائيل، وتبعد حماس عن السلطة، وتوفر لغزة الحوكمة المطلوبة".
من جانب آخر، خرج مدير معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى روبرت ساتلوف بطرح شكله إنساني ممثلا في فكرة إعادة التوطين الطوعي لسكان غزة، معتبرا أن فكرته يمكن أن تؤدي إلى مغادرة 40% أو أكثر من سكان غزة من تلقاء أنفسهم.
ويرى ساتلوف أن لكل من الخطة العربية وخطة ترامب عيوبا يمكن تداركها، فالخطة العربية ستبقي سكان غزة في القطاع، حتى لو أراد الكثير منهم المغادرة، في حين أن اقتراح ترامب يطالب بإجبارهم على الخروج ضد إرادتهم، سواء خلال فترة عملية إعادة الإعمار التي تقدر بعقد من الزمن أو بشكل دائم.
وينصح ساتلوف بضرورة التركيز على اللاجئين، مُذكرا أن 75% من سكان غزة مسجلون رسميا لدى وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) على أنهم "لاجئون فلسطينيون" نزحوا من مناطق أخرى بسبب حرب 1948.
ويزعم أن "ثلاثة أرباع سكان غزة ليس لديهم صلات قانونية أو وطنية بالقطاع نفسه وأنهم قبلوا مزايا الأمم المتحدة للاجئين في انتظار الحل النهائي للصراع الإسرائيلي الفلسطيني"، مطالبا بمنح سكان غزة خيارات المغادرة.
وأشار إلى أن بعض الفلسطينيين سيفضلون البقاء في غزة، لكن هناك آخرين سيرحبون بفكرة المغادرة، مقترحا أن يتم تأسيس هيئة دولية مستقلة للإشراف على هذه العملية، لتحديد أين يمكن للاجئين الذهاب؟ ومتى؟ وفقا لقوانين الهجرة في البلد المضيف والمراجعات الأمنية بالطبع.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات رمضان اللوبی الصهیونی الخطة العربیة قطاع غزة سکان غزة إلى أن
إقرأ أيضاً:
الخطة العربية مقابل المقترح الأمريكي
أقرت القمة العربية ومن بعدها منظمة التعاون الإسلامي خطة عربية مفصلة لليوم التالي بعد الحرب على غزة تتضمن إعادة إعمار غزة دون تهجير الفلسطينيين منها، وذلك ردا على مقترح الرئيس الأمريكي إعادة الإعمار ولكن بعد تهجير الفلسطينيين من غزة ثم عدم العودة إليها. من المفيد النظر إلى بعض التفاصيل حول الفوارق بين الخطة والمقترح وواقعية كل منهما.
بدءا، من المهم الإدراك أن ما قدمه الرئيس الأمريكي لا يتجاوز المقترح دون إرفاقه بأية خطة لتنفيذه، مفاده تهجير سكان غزة إلى مصر والأردن وعدم العودة إليها، ثم إعادة تعمير غزة وجعلها «ريفييرا» المنطقة. بالطبع، لم يقدم ترامب أية آليات لتهجير مليوني فلسطيني دون إرادتهم، أو ما يعرف قانونيا بالتطهير العرقي، ولم يشرح كيف يتم التهجير إلى مصر التي رفضت ذلك بالمطلق، كما فعل الأردن الذي لا يرتبط جغرافيا بقطاع غزة أصلا. ولم يشرح ترامب أسباب رفض عودة الفلسطينيين إلى غزة بعد «إعمارها» وتناقضه مع «تعاطفه» مع أهل غزة و«رغبته» في توفير عيش كريم لهم دون السماح لهم بالعودة إلى أرضهم ووطنهم. كما لم يشرح المقترح كيف «ستتملك» الولايات المتحدة غزة كما قال ترامب ومن سيقوم بإعمار القطاع وإلى من ستؤول «ملكيته».
بالرغم من إبهامية المقترح، وخرقه الفاضح لكل القوانين الدولية، وتجاهله لحقيقة أن لا الفلسطينيين يرغبون بالهجرة ولا مصر والأردن مستعدتان لاستقبالهم، يخرج البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأمريكية لينعت الخطة العربية بمجرد صدورها «باللاواقعية» بينما ترفضها إسرائيل جملة وتفصيلا.
من المفيد استعراض الملامح الرئيسية للخطة العربية. فعدا عن تقديمها خطة فنية مفصلة تشرح كيفية إعادة الإعمار دون تهجير الفلسطينيين عبر مراحل عدة تتضمن إسكانهم في بيوت جاهزة أو خيم بينما تتم إعادة الإعمار على مراحل تمتد لخمس سنوات، وبينما يتم تزويد السكان بكل ما يحتاجونه من مستشفيات متنقلة ومدارس ودور عبادة وبنية تحتية. تتضمن الخطة أيضا الكلفة التقديرية لذلك والبالغة ثلاثة وخمسين مليار دولار، وتدعو إلى مؤتمر تمويلي في القاهرة الشهر القادم للبدء بجمع الأموال اللازمة.
عدا عن الخطة الفنية المفصلة، تشدد الخطة على أمور أساسية كي تصبح إعادة الإعمار خطوة أولى على طريق مسار سياسي يؤدي إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإقامة الدولة الفلسطينية. أهم هذه الأمور إعادة الالتزام بمبادرة السلام العربية التي تدعو إلى سلام شامل بعد انسحاب إسرائيل من كافة الأراضي الفلسطينية المحتلة، كما تدعو إلى البدء بمسار سياسي فوري لتحقيق ذلك. بدون ذلك، من الصعب تخيل من من المجتمع الدولي سيكون راغبا في تقديم مساعدات لإعادة الإعمار ليرى إسرائيل تدمرها في المستقبل كما فعلت مرارا عديدة في الماضي.
المطلوب اليوم حشد أكبر قدر من الدعم الدولي للخطة، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين واليابان، ومحاولة إقناع الإدارة بتبنيها، ثم الضغط على إسرائيل لقبولها تؤكد الخطة أيضا على وحدة غزة مع الضفة الغربية، خاصة في ضوء محاولات إسرائيل المتكررة لفصل القطاع عن غزة تمهيدا لضم الضفة الغربية.
تقترح الخطة إدارة انتقالية للقطاع تتكون من أشخاص تكنوقراط مستقلين تحت إشراف السلطة الفلسطينية وذلك بعد الاتفاق الذي تم مع حماس لعدم الاشتراك في إدارة القطاع للرد على الحجة الإسرائيلية والأمريكية التي ترفض بالمطلق مثل هذا الإشراك.
كما تدرك الخطة، ولو بشكل غير مباشر، أن السلطة الفلسطينية لا تتمتع بتأييد كبير لدى الفلسطينيين، وتبعا لذلك، وفي خطوة غير مسبوقة، سلطت القمة الضوء على حاجة السلطة لإصلاحات داخلية تتضمن انتخابات رئاسية وتشريعية في غضون سنة. وقد أوضحت الخطة، وذلك أيضا ردا على المطلب الأمريكي والإسرائيلي بنزع أسلحة حماس بأن ذلك يمكن أن يتحقق فقط إن تم الاتفاق على مسار واقعي لإنهاء الاحتلال.
إن أية مقارنة موضوعية لكل من المقترح الأمريكي والخطة العربية تظهر أن الأخيرة أكثر واقعية بمراحل من مقترح ترامب. وبالرغم من ذلك، فإن فرص تنفيذها تصطدم بعقبات عدة، أولها أن إسرائيل ليست معنية بإعادة إعمار غزة بغض النظر عن أية خطط تقدم لا تتضمن تهجير الفلسطينيين من أرضهم، وهو الهدف الأساسي لإسرائيل. إضافة لذلك، فإن إسرائيل ليست معنية أيضا بالحديث عن أفق سياسي يؤدي إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، لأن عينها على ضم الضفة الغربية لإسرائيل. ومن الملفت للنظر أن كلتا إسرائيل والولايات المتحدة لم تعلقا على الشق المتعلق بالأفق السياسي في الخطة على الإطلاق ما يشير إلى عدم اهتمامهما به بتاتا.
وبينما أبدى الجانب الأمريكي بعض المرونة بالنسبة للخطة في تصريحات متناقضة، ليس من الواضح إن كان الجانب العربي سينجح في إقناع الولايات المتحدة بتبني الخطة وإن ببعض التعديلات. إن فرص تحقيق ذلك وخاصة مع التعنت الإسرائيلي تبدو ضعيفة.
من المهم الإدراك أن البديل عن الخطة العربية في حال رفضها ليس المقترح الأمريكي اللاواقعي والمفتقر إلى أية آليات جادة لتحقيقه. بديل الخطة العربية هو استمرار الحرب والدمار وقتل الأبرياء المدنيين. لذا، فالمطلوب اليوم حشد أكبر قدر من الدعم الدولي للخطة، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين واليابان، ومحاولة إقناع الإدارة بتبنيها، ثم الضغط على إسرائيل لقبولها. أدرك مدى صعوبة ذلك، لكن يبدو أنه الخيار الوحيد على الساحة اليوم. أما خيار التهجير فالأغلب أنه لن يمر في ضوء الصمود الفلسطيني والرفض العربي.
المرحلة القادمة صعبة للغاية، وستتطلب تنسيقا عربيا عالي المستوى، بل موقفا عربيا موحدا يستطيع الصمود أمام نوايا إسرائيل التوسعية وأفكار الإدارة الأمريكية المغالية في تشددها وعدم واقعيتها والتي تعطي إسرائيل الضوء الأخضر للتوسع في عدوانها والاستمرار في فرض حقائق جديدة على الأرض.
(القدس العربي)