(١)
يحزنني غاية الحزن ما يجري في أعالي النيل وفي منطقة الناصر بجنوب السودان، هو لا يتناسب مع النضالات الطويلة والتضحيات الكبيرة التي قدمها شعب جنوب السودان من اجل تقرير مصيره ومستقبله، وادرك ان طريق الجنوبيين لم يكن سهلاً وان هنالك مرارات خلفتها الحرب الأهلية ومصاعب مصاحبة لمستوى التطور الاقتصادي والاجتماعي الذي يطرح تحديات ضخمة على طريق البناء الوطني، والاخطاء التي ترتكبها النخب في هذا الطريق الشائك والمعقد، لكن ما يهمني هنا انني اثق وادعو لتقليب مخزون الحكمة العميق الذي يمتلكه شعب دولة جنوب السودان وقبائله في السمو فوق الجراحات، وكل تنازل يقدم لتفويت الفرصة والوقوف ضد إرجاع شعب جنوب السودان للحرب فهو تنازل لا شك أفضل من الحرب الف مرة.



(٢)

كنت اود ان اكتب هذه الرسالة في وقت مبكر ولكن انتباهي توزع في الايام القليلة الماضية بسبب ما حدث لي في مطار جومو كينياتا بنيروبي كينيا، ومع ذلك فان الجنوب لم يغب عن ذهني وخاطري ففي حديثي مع ضباط الإنتربول الكيني مررت على جنوب السودان، فقد زرت كينيا للمرة الأولى في عام ١٩٨٨ وكنت عندها في ريعان الشباب ووهج البدايات عند خريف ماطر لا يتوقف في ذلك العام، كنا في شرق الاستوائية مع قائدنا وأخانا الكبير دكتور جون قرنق دي مابيور بالقرب من مدينة كبويتا وفي رئاسته المتحركة وقد طلب منا ان نذهب في مأمورية للحدود الكينية وكان المطر لا يتوقف صباحاً ومساءً وأخذنا حوالي يومين للوصول للحدود ولمدينة لوكي شوقيو، كنا مع الغائبين الحاضرين عزيزنا بيور أسود ولوقشو لوكني ومع الاعزاء القائد كوال مينانق وويياي دينق اجاك وقير شونق وآخرين وذهبنا فيما عدا الرفيق كوال بطائرة كينية خاصة أرسلها الرئيس ارب موي لقرنق وهبطت بنا في مطار ناكورو وأمضينا ليلتين في القصر الرئاسي بالمدينة وعدنا لشرق الاستوائية مرة أخرى بصحبة أخانا الكبير قرنق مبيور، وقلت لضابط الإنتربول ان جذور علاقتي مع كينيا ترجع لذاك
العام ١٩٨٨.

(٣)

سعدت ايما سعادة بخطاب الرئيس سلفا كير الذي دعا بحزم للسلام ورفض الحرب، وبرد الدكتور رياك مشار نائب الرئيس، وان اكبر خدمة تقدم لشعبي دولة جنوب السودان ودولة السودان هو تفادي الحرب وعدم السماح لمن يعملون في داخل جنوب السودان او خارجه لاشعال الحرب، واحزنني سقوط الضحايا وادعو لهم بالرحمة وان يكونوا زاداً لبناء وتطور الجنوب وأخص بالتعزية اسرة اللواء مجور داك والذي عرفته معرفة شخصية منذ سنوات حرب التحرير، والرحمة لكل من سقط في الاحداث الأخيرة وليكن السلام هو الهدية لتلك الأرواح التي ذهبت إلى بارئها والمجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام.

(٤)

حرب السودان الكارثية والمؤلمة والتي ازهقت الأرواح وشتت المجتمع وادّت لانهيار الدولة وشربت من دم الشباب وشهدت انتهاكات واسعة ضد النساء والاطفال والشيوخ، ولأن الجنوبيين هم أهلنا وأقرب شعوب الارض قاطبة لنا لا نريد لهم نفس المصير ونحن جميعاً في خاتمة المطاف سودانيين، وحرب السودان هي درس لكي لا يدخل الجنوب في هذا النفق المظلم ونحن نحتاج الجنوب في ظل مأساة السودان ، فدخول البلدين في حروب أهلية سيجلب المصائب في كل الاقليم، ولا أحد بامكانه ان يعطي الجنوبيين دروساً في مأسي الحروب.
أيها الجنوبيون بالله تفادوا الحرب واتركوها خلفكم ولكم محبة من سويداء الفؤاد لا تغيب ولا تنطفي وانتم دوماً في القلب والخاطر.
عاشت السودانوية مكاناً يسع الجميع
والمجد لاواصر المحبة بين السودانيين في دولتي السودان

١٠ مارس ٢٠٢٥  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: جنوب السودان

إقرأ أيضاً:

المقالات التي تعمل على تعزيز السلام والأمن على أرض السودان

إلى أصدقائي
ممنون لكم على هذا التقدير والإحترام والود
مقالي الذي نشرته ، تحت عنوان : ” الشمال النيلي أنشودة معاني قيم التضامن و الإحترام ” ..
ما كنت أظن أن يلقى هذا القدر الكبير من الإهتمام ، والإحتفاء الباهر والتفاعل المدهش في الوسائط المختلفة .
عدد من الرسائل ورددت بريدي الخاص ، ولا تزال الرسائل تترى تقديرا لهذا الإتجاه المنير في كتابة المقالات التي تعمل على تعزيز السلام والأمن على أرض السودان ، ورفض خطابات التنابذ والتباغض .
ممتن لكل الأصدقاء الذين عبروا عن ذلك المعنى ، منحوني من سماحة أرواحهم ما يمنح نفسي العافية …
و استأذنكم لنشر بعض الكتابات عن المقال .
* أولا : الدكتور يحيى مصطفى الصديق ، كتب مقدما المقال لقراء مجموعة ( مثقفون ) قائلا :
( الدكتور فضل الله أحمد عبد الله إبراهيم هو كاتب و أستاذ جامعي سوداني بارز ، يتميز بإسهاماته الفكرية و الأدبية ، خاصة في مجال النقد و الدراما . وُلد عام 1964 في منطقة هبيلا بولاية غرب دارفور، السودان ، و حصل على درجات أكاديمية متقدمة في تخصصات الدراما و النقد الأدبي من جامعة السودان للعلوم و التكنولوجيا و جامعة أفريقيا العالمية .
*مقاله ” الشمال النيلي أنشودة معاني قيم التضامن و الإحترام “* يعكس رؤية عميقة حول الهوية السودانية و مفهوم التضامن الإجتماعي .
في هذا المقال ، يبرز الدكتور فضل الله القيم الإنسانية التي تميز سكان الشمال النيلي ، مثل سماحة النفس و التعامل الحكيم مع تحديات الحياة .
كما يناقش تأثير الخطاب السياسي السوداني على تشكيل الهوية الوطنية ، منتقداً المفردات التي إستخدمتها بعض النخب لتقسيم المجتمع السوداني بناءً على المناطق و الإثنيات .
يستعرض المقال أيضاً دور سكان الشمال النيلي في مواجهة الظروف القاسية بروح صلبة و إرادة قوية، مع التركيز على أهمية التعليم كوسيلة لتحقيق التقدم الإجتماعي .
و يؤكد أن المركزية الحقيقية تُبنى على العطاء الإنساني و قيم الإحترام المتبادل ، بعيداً عن النزاعات و الكراهية .
الدكتور فضل الله أحمد عبد الله يُعد أحد الأصوات الفكرية المهمة في السودان، حيث يسعى من خلال كتاباته إلى تعزيز الحوار الثقافي و تأكيد قيم المحبة و الوئام بين مختلف أطياف المجتمع السوداني .
* ثانيا : الدكتور معتصم التجاني كتب قائلا :
( إلى الأستاذ الدكتور فضل الله أحمد عبدالله لعل مثقفوا الهامش وهامش الهامش كما يدعون أن يتعلموا منك
تحية إجلال وإكبار لقلمك الحر وفكرك النير الذي يسطر الحقائق بماء الذهب، فتضيء كلماتك دروب الحقيقة، وتفتح آفاق الفهم العميق لمعاني الانتماء والتلاحم الوطني. لقد وضعت يدك على الجرح النازف، وأعدت تشكيل الصورة الحقيقية لسوداننا الحبيب، وطن التسامح والتنوع، وطن جمع أبناؤه بكل أطيافهم، لا تفرقهم الجغرافيا ولا القبيلة، وإنما يجمعهم الإيمان العميق بوحدة المصير والهدف المشترك.
إن حديثك عن الشمال النيلي ليس مجرد دفاع عن منطقة، بل هو دفاع عن وطن بأكمله، عن هوية سودانية أصيلة تنبض بحب الخير، وتؤمن بقيم العدل والمساواة والتسامح. لقد أجدت وأبدعت في فضح المفاهيم الزائفة التي يحاول بعض المغرضين زرعها لتمزيق نسيجنا الاجتماعي، وأثبت أن السودان وطن يسع الجميع، وأن الكرامة لا تمنحها الجغرافيا، بل يصنعها العمل الصادق والبذل والعطاء.
إن السودان كان وسيظل بستانًا متنوع الأزهار، يعكس ثراءه في لغاته، ثقافاته، وعاداته، ويصنع مجده بوحدة أبنائه وإرادتهم الصلبة في مواجهة المحن. وما تحدثت عنه من قيم التضامن والتكافل والتراحم في أوقات الأزمات، هو جوهر هويتنا السودانية الحقيقية، التي لا تهزمها المؤامرات ولا تعصف بها العواصف.
فلك التحية والتقدير، دكتور فضل الله، وأنت ترفع راية الوعي وتضيء العتمة بفكرك وقلمك، داعيًا الجميع للعودة إلى جادة الصواب، وإلى ما يجمعنا لا ما يفرقنا.
دمت قامة فكرية وقلمًا صادقًا في مسيرة البناء الوطني وملهما للأمن الثقافى والاجتماعى
وكما قال الاخ عادل البصرى فاوضنى بلازعل
فاوضنى ياخ انا عندى ظن
أخوك ومحبك،
د. معتصم التجانى
باحث فى دراسات السلام والتفاوض )
* ثالثا : عادل البصري ، كتب :
( صديقي وأستاذي وأخي الدكتور فضل أحمد عبدالله يكتب مقال بماء الذهب .
هذا الرجل الانسان واسع الاطلاع والمعرفة الشاملة وعلامة من أبناء السودان عامة ، وابن دارفور المعتز بدارفوريته ، الشامخ شموخ رجال السودان فهو رقم فخيم صاحب قلم حر .
سوداني حتي النخاع حجز لنفسه مقعدا بين صناع الرأي والثقافة والأدب في السودان بل والعالم العربي .
مقاله ليس دفاعا عن إنسان الشمال بل مقاله دفاع عن وطن يسكننا ونسكنه وطن نتعايش فيه كسودانيين لا تفرقنا جهة ولاقبيلة ولاعنصر ..
وطن تتجلي فيه إنسانيتنا ، وحب الخير لبعضنا البعض ، وندين بدين الاسلام الذي جعل مقام التفاضل بين الناس بالتقوي( إن أكرمكم عند الله اتقاكم ) فالنتحسس التقوى والرجوع لله رب العالمين .
والتسامح هو ديدننا في وطن حباه الله بخيراته وطن تجد فيه نفسك . تعيش في اي رقعة من اراضيه شماله شرقه ووسطه وغربه وجنوبه ..
اكرمنا الله بأن عشنا في احياء شعبية فيها كل اطياف السودان وقبايله وكان تعارف وتاخي جميل في الفرح والكره وزادت الحرب من اللحمة ولم تفرقهم واصبح الناس شركاء في كل شي واخرج الناس مافي بيوتم من زاد واقتسموه وكثر عدد الضرا في الاحياء وياكلوا ويشربوا دون حرج وكان تكافلا حقيقيا.. ..
بس نقول لعن الله ساستنا الجهلاء المتاجرين بدماء الابرياء هامش ومركز وغرابة وجلابة وفي حقيقة الامر لأ توجد هذه الادعاءات الباطلة التي تفرق ولاتجمع ..
يا أيها اعتصموا بحبل الله المتين ولاتفرقوا…ابحث عن الايمان في قلوبكم ولاتتبعوا الهوي والشيطان..
شكري وتقديري ومحبتي لابناء وطني بكل الوانهم واشكالهم وقومياتهم والسودان بستان كبيير تتنوع فيه الأشجار والازاهر هو الجمال والجلال…وشكرا جزيلا علي قول الحق د. فضل الله احمد عبدالله . )
* شكرا جزيلا أيها الأصدقاء على هذه المحبة

الدكتور فضل الله احمد عبدالله

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • الكنيسة المصرية تحمل رسالة محبة وسلام... البابا تواضروس يستقبل محافظ جنوب سيناء
  • الخارجية ترحب بالموقف الذي أعلنه الرئيس ماكرون بشأن الاعتراف بدولة فلسطين
  • الحرب ونذر تفكك السودان
  • ماذا نعرف عن جماعة أولي البأس التي ظهرت جنوب سوريا وهل هي فعلا ذراع جديد لإيران في المنطقة؟
  • السودان الجديد الذي يسوق له “دقلو” هو ارض جدباء بلا سكان ولا بنى تحتية
  • تصعيد مضاعف في الجنوب الأمامي فما الذي تريده إسرائيل مجدداً؟
  • بعد تجميد زيزو.. الزمالك يودع الكونفدرالية
  • الرئيس الإيراني: لا نسعى لامتلاك القنبلة النووية أو شن الحروب لكننا سنرد بحزم على أي عدوان
  • المقالات التي تعمل على تعزيز السلام والأمن على أرض السودان
  • قوات الدعم السريع، من الذي أنشأ الوحش حقًا؟ لا هذا ولا ذاك، بل هو اختراق استخباراتي مكتمل الأركان