الاحتلال يتلاعب بأرواح مرضى الفشل الكلوي في غزة
تاريخ النشر: 11th, March 2025 GMT
غزة- تخشى المريضة الخمسينية راوية كامل عبد الله أن تفقد حياتها، قبل أن تأتيها فرصة السفر إلى الخارج للعلاج، في ظل قيود وتعقيدات يفرضها الاحتلال الإسرائيلي على سفر جرحى الحرب والمرضى من معبر رفح البري بين قطاع غزة ومصر.
على جهاز غسيل الكلى في مجمع ناصر الطبي بمدينة خان يونس جنوب القطاع، تلقي راوية (54 عاما) جسدها المثقل بالمرض، وبعيون تملؤها الدموع، تقول للجزيرة نت، "لدي 3 بنات وبدي (أريد) أفرح بهن".
يشغل بال راوية التفكير في مرضها ومصيرها وبناتها الثلاث، ويعتصرها الحزن والألم من إصابتها بهذا المرض في سن مبكرة، ولمّا تحقق أمنيتها بعد كأي أم تتمنى أن تزف ابنتها إلى عريسها، تقول "أمنيتي أن أطمئن عليهن قبل أن يحدث لي أي مكروه" تضيف بنبرة ألم ورجاء.
قبل ثلاثة أعوام أصيبت راوية بمرض الفشل الكلوي، ومنذ ذلك الحين دأبت على المتابعة في قسم غسيل الكلى، ثلاث مرات أسبوعيا، وتصف يوم ذهابها إلى غسيل الكلى بأنه "شاق جدا"، وتقضي ثلاث ساعات على جهاز الغسيل، وهو "أمر مرهق ويذكرني بمرضي وببناتي وبحياتي المعلقة بمعبر رفح".
إعلانوكانت راوية على موعد لإجراء عملية زراعة كلى في مستشفى الشفاء بمدينة غزة، صبيحة 7 أكتوبر/تشرين الأول من العام 2023، وقد ألغيت لتزامنها مع اندلاع الحرب الإسرائيلية على القطاع، التي أعقبت عملية "طوفان الأقصى".
وتقول هذه المريضة، إن فريقا طبيا أوروبيا عاين حالتها خلال زيارته القطاع، وتم تحديد الموعد لها لإجراء عملية زراعة الكلى بتبرع من ابنتها ريم (32 عاما)، وبصوت متعب تضيف "لكن كل شيء انهار وتبدلت أحوالنا مع هذه الحرب".
ولم يطل صمت رواية وتابعت "ومنذ ذلك اليوم دخلنا في دوامة لا نعرف نهايتها"، مشيرة إلى أنها خاضت مع زوجها وبناتها رحلة نزوح مريرة، وعادت إلى منزلها المدمر جزئيا في مدينة خان يونس، بعد انسحاب قوات الاحتلال من المدينة، إثر عملية اجتياح بري بدأتها في ديسمبر/كانون الأول عام 2023 واستمرت لأربعة شهور.
"شو ذنبنا"؟
ومنذ سبتمبر/أيلول من العام الماضي تنتظر راوية أن يأتيَ دورها للسفر إلى الخارج وإجراء عملية زراعة الكلى، لتعود إلى حياتها الطبيعية التي تفتقدها منذ أن أصابها المرض، وتتساءل: "أنا مريضة، لماذا أنتظر 6 أشهر من أجل السفر للعلاج، شو ذنبنا كمرضى؟.
وهذه المريضة واحدة من زهاء 16 ألف جريح ومريض ينتظرون على قوائم السفر، أن تسنح لهم الفرصة لمغادرة القطاع من معبر رفح البري، ويستوجب ذلك الحصول على موافقة أمنية إسرائيلية.
وبموجب البروتوكول الإنساني ضمن اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، يسمح لـ 150 جريحا ومريضا بالسفر يوميا، بناء على كشوفات مسبقة تقدم للجانب الإسرائيلي، الذي تتهمه السلطات المحلية في غزة بخرق الاتفاق وعدم الالتزام به. وخلال 35 دفعة سابقة لم يسمح بسفر أكثر من 50 حالة فقط يوميا.
ولا تتوقف معاناة مرضى الكلى عند تعقيدات السفر، وتقول راوية "إن إغلاق معبر كرم أبو سالم منذ ثمانية أيام، ووقف إدخال المساعدات الإنسانية والبضائع للقطاع، تسببا في اختفاء كثير من السلع من الأسواق، وارتفاع الأسعار أضعافا مضاعفة".
"لا يوجد علاج ولا يوجد أكل صحي" يقول محمود عربي المجايدة، وكان يستمع حوارنا مع راوية، وهو يجلس على جهاز غسيل الكلى بقربها، واتفق معها في ما ذهبت إليه، وقال للجزيرة نت، "حياتنا في خطر، ويوم بعد يوم تزداد الخطورة ويفقد مرضى حياتهم في غزة وهم ينتظرون السفر للعلاج".
إعلانوالمجايدة (59 عاما) مريض بالفشل الكلوي منذ ثلاثة أعوام، ويمتلك تحويلة طبية للعلاج بالخارج، ومنذ نحو عام ينتظر فرصته بالسفر على "قوائم الجرحى والمرضى".
ويصف واقع المستشفيات في القطاع بعد شهور الحرب والحصار بأنه "مأساوي"، ويقول "حتى صالة انتظار للمرضى غير متوفرة، وننتظر في العراء بدون كراسي أو مكان مناسب، حتى يأتي دورنا للغسيل، فعدد مرضى الكلى كبير وأجهزة الغسيل قليلة … ربنا يتوب علينا من الغسيل والألم".
وكلما طالت فترة انتظاره يزيد القلق لدى المجايدة الذي يعيل أسرة مكونة من (15 فردا)، وبالنسبة له فإن السفر للعلاج يعني "بوابة لحياة جديدة"، ويتابع، إن "الانتظار صعب جدا، ويصيب بشعور من القلق، دون معرفة من سيكون أسرع، الموت أم الموافقة الأمنية على السفر والعلاج.
ويقدر مسؤول ملف إجلاء الجرحى والمرضى في وزارة الصحة، الدكتور محمد أبو سلمية، أن ما بين 5 إلى 10 مرضى يفقدون حياتهم يوميا، في انتظارهم الطويل على قوائم السفر من أجل العلاج بالخارج، واضعا ذلك في سياق "جرائم القتل غير المباشر الذي ترتكبه قوات الاحتلال الإسرائيلي بانتهاج سياسة معقدة بخصوص السماح للجرحى والمرضى بالسفر من معبر رفح البري مع مصر".
وتناقص عدد مرضى الفشل الكلوي من 1150 مريضا قبل اندلاع الحرب إلى أقل من 700 مريض حاليا، ويقول أبو سلمية للجزيرة نت، إن نحو 40% من اجمالي المرضى توفوا بسبب القيود الإسرائيلية على السفر، ولعدم توفر الخدمة الطبية المناسبة لهم.
وأوضح، أن المرضى كانوا يخضعون قبل الحرب لثلاث جلسات غسيل أسبوعيا، بمعدل 4 ساعات في الجلسة الواحدة، ليمارس المريض حياته الطبيعية، ولعدم توفر الأجهزة بسبب الحرب والنزوح الكبير قُلصت إلى جلستين أسبوعيا بمعدل ساعتين في المرة الواحدة، وهذا غير كاف، يؤكد أبو سلمية.
إعلان
ووصف أبو سلمية آلية السفر الحالية بـ "العقيمة والمعقدة"، وقال، إن الاحتلال لم يلتزم بالاتفاق ويطلب يوميا قائمة تضم 50 مريضا فقط، ونرسلها إلى الجانب المصري ومنه إلى الجانب الإسرائيلي، والذي يرفض سفر بعض الأسماء، وهذه عملية عقيمة مع وجود نحو 16 ألف جريح ومريض بحاجة ماسة للسفر بغية العلاج.
وأضاف "إن استمرت هذه الوتيرة في السفر سنحتاج سنوات من أجل سفرهم".
ولا تخرق سلطات الاحتلال الاتفاق من حيث أعداد المرضى والجرحى وحسب، ولكنها تتلاعب كذلك بتصنيفات المرضى وأولوياتهم ومدى حاجتهم للسفر، فتوافق على حالات أقل خطورة وتماطل في حالات أكثر إلحاحا للسفر وتلقي الرعاية والعلاجات المنقذة للحياة، وفقا للمسؤول الطبي.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات
إقرأ أيضاً:
تحالفات الفشل في السودان
يحاول الدعم السريع أن يكسب بعد خسارته الحرب مستغلًّا محترفي النصب السياسي في البلاد للحصول على مكاسب فشلت كل جرائمه طوال عامين في تحقيقها. فها هو الدعم وأنصاره من الحركه الشعبية في جبال النوبة بزعامة عبد العزيز الحلو يشكلون تحالفًا سياسيًّا لحكم البلاد، وقد وقَّعوا على دستورهم الثلاثاء الماضي بالعاصمة الكينية نيروبي تمهيدًا لتشكيل حكومة موازية وجيش موازٍ وأقاليم منفصلة ودولة علمانية وكأنهم يصنعون أشكالًا أخرى غير السودان المستقر، وكأنهم أيضًا يحاولون إرضاء الأنظمة الأوروبية ويتناسون تمامًا وجود 45 مليون سوداني وقفوا خلف جيشهم منذ اندلاع التمرد في أبريل 2023.
والغريب أن حمدتي نجح في استقطاب عبد العزيز الحلو، هذا المسن الذي تجاوز الثمانين وأنفق أكثر من نصف عمره يقاتل معاديًا لوحدة السودان وباحثًا عن أوهام دولة في خياله ليس لها أثر في الواقع. ومع بقايا الدعم انضم أيضًا بقايا حزب الأمة بزعامة (برمة ناصر) لإعلان الدستور الانتقالي الجديد وتشكيل الحكومة الموازية. ونص الدستور السوداني الجديد على ما أسماه بتعزيز دعائم الوحدة الوطنية الطوعية، وهو ما يعني ضمنًا أن من حق الأقاليم التي ترفض هذه الوحدة الطوعية الانفصال وتشكيل كيانات خاصة بها. كما أن تحالف نيروبي منح الأقاليم الثمانية الحقَّ في تشكيل دساتير خاصة بها بزعم مراعاة خصوصيتها، وهو تقسيم واقعي لتلك الأقاليم وتمهيد لتقسيم السودان إلى ثماني دويلات مستقلة، بعد منح كل إقليم دستورًا وتنصيب حاكم خاصٍّ به. ويرى المراقبون أن هذا البند هو الأكثر وضوحًا في سعي تحالف الدعم السريع بنيروبي لتقسيم السودان بشكل علني، خاصة مع إصرار التحالف على تدمير الجيش السوداني والأجهزة الأمنية وكل مؤسسات الدولة القائمة واستبدال جيش آخر بها يتشكل من الدعم السريع وقوات الحركة الشعبية بزعامة عبد العزيز الحلو وبعض الفصائل المسلحة الأخرى. وهو ما يعني أن هذا التحالف قد قرر تقسيم السودان بعد الانتهاء من شكل الدولة السودانية الحالي، وفقًا لطموحاته وأطماعه في الحصول على الدعم المالي والعسكري من دول إقليمية وغربية تقوم بحماية هذا التحالف منذ الانقلاب على الرئيس السابق عمر البشير.
والغريب أيضًا أن تحالف الدعم السريع الذي يعمل من نيروبي يتحرك بخطوات موازية مع نظيره تحالف (صمود) بزعامة عبد الله حمدوك، الذي أعلن أيضًا عن تصوره للتغيير وتشكيل السودان الجديد القائم وفقًا لرؤيته على الديمقراطية والمدنية والعلمانية وحقوق المرأة، والتنسيق مع الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، وكل هذه المصطلحات التي يقدم حمدوك نفسَه بها باعتباره ممثلًا للمجتمع الدولي في السودان، وهو نفس التقديم الذي جاء به بعد الانقلاب على البشير وفشله الذريع أثناء رئاسته للحكومة في إدارة البلاد أو إخراجها من أزمتها الاقتصادية وتحقيق العدالة أو إقامة نظام للحكم يتمتع بتأييد شعبي. ومع ذلك فهو يأتي اليوم بنفس الشعارات أملًا في تحقيق نتائج جديدة، مما يضع المراقبين للشأن السوداني في حيرة كبيرة من تخبط النخبة السودانية وإصرارها على الفشل. وعلى الرغم من الرفض الموسع للحكومة الموازية ودستورها المزعوم فإن إلحاح ممثليها على أندية الدعم الأوروبي يمكن أن يشكل ضغوطًا على صناع القرار في الدول الأوروبية، خاصة وأن هؤلاء الممثلين يجيدون العزف على معزوفة محاربة الإسلاميين التي تلقى صدًى واسعًا في الأوساط الأوروبية.
تخريب وتدمير السودان إذًا تتطوع به ميليشيات عسكرية وجماعات سياسية سودانية تلهث ليلًا ونهارًا بحثًا عن حفنة من الدولارات ثمنًا لوطن كبير يمكن أن يمنح شعبَها وكلَّ أمة العرب أمنَها الغذائي الذي تفتقده.