#سواليف

أزمة إنتاج #النخب_الثقافية: فوضى المشهد وانعكاساته على #الوعي_المجتمعي

الشاعر #أحمد_طناش_شطناوي
رئيس فرع رابطة الكتاب الأردنيين / إربد

لطالما شكّلت النخب الثقافية رافعة أساسية في بناء المجتمعات، إذ تضطلع بدور جوهري في تشكيل الوعي الجمعي، وتعزيز الهوية الوطنية، وتوجيه الرأي العام نحو قضايا فكرية وثقافية تعكس قيم المجتمع وتطلعاته.


ومع ذلك، يشهد المشهد الثقافي الأردني أزمة حقيقية في إنتاج نخب ثقافية قادرة على قيادة هذا الدور، وصياغة مشروع ثقافي وطني قادر على رسم خارطة طريق واضحة المعالم للهوية الوطنية ومآلاتها، خصوصا في ظل الأزمات التي تعصف بالمنطقة.
إن طغيان الفوضى الثقافية على الساحة، أفرز حالة من التشظي الفكري، وأسهم في تراجع مستوى الخطاب الثقافي، وانحسار دور المثقف الحقيقي أمام موجة من الرموز الثقافية المصطنعة التي تفتقر إلى العمق والإنتاج المعرفي الحقيقي.

مقالات ذات صلة إربد .. اختتام فعاليات الأسبوع الأول من رمضانيات 2025 2025/03/09

ولا شك أن هذه الأزمة تعود إلى مجموعة من العوامل المتشابكة، أبرزها تراجع دور المؤسسات الثقافية الرسمية والمدنية في تبني ورعاية المواهب الفكرية، حيث باتت هذه المؤسسات أقرب إلى كيانات شكلية تفتقد الرؤية والاستراتيجية، فبدلاً من أن تكون مراكز لإثراء الفكر والإبداع، أصبحت منصات لتكريس الوجوه ذاتها دون تجديد أو إتاحة الفرصة لأصوات جديدة.
ويضاف إلى ذلك ضعف الحواضن الأكاديمية، إذ تراجع مستوى البحث الثقافي والفكري في الجامعات الأردنية، ما أدى إلى غياب مشاريع فكرية جادة ترفد الساحة الثقافية بأجيال جديدة من المثقفين القادرين على إنتاج معرفة مؤثرة.
ومما زاد الأمر سوءًا، تفشي ثقافة الاستهلاك السريع التي رسّختها وسائل التواصل الاجتماعي، حيث بات المشهد الثقافي أسيرًا لموجة من “المؤثرين الثقافيين” الذين يتمتعون بشعبية واسعة، ليس بسبب قيمة ما يقدمونه، بل بفضل قدرتهم على إثارة الجدل، ما أدى إلى إقصاء المثقفين الحقيقيين، الذين باتوا يعانون من التهميش لصالح ظواهر إعلامية سطحية تسهم في تكريس الرداءة بدلًا من تعزيز العمق الثقافي، كما ساهم تراجع النقد الثقافي في جعل الساحة مفتوحة أمام أي خطاب يُروّج له بغض النظر عن قيمته المعرفية أو تأثيره الحقيقي.

إن الفوضى الثقافية ليست حالة عابرة، بل ظاهرة ذات انعكاسات خطيرة على المشهد الثقافي والاجتماعي، إذ أدى غياب النخب الثقافية الحقيقية إلى تفكك الهوية الثقافية، وتراجع الحس النقدي لدى المجتمع، ما جعل الأفراد أكثر عرضة للتأثر بالخطابات الشعبوية التي تفتقر إلى الرؤية العميقة.
ولا شك أن انحسار الدور الريادي للمثقف أفسح المجال أمام تصدر شخصيات غير مؤهلة لقيادة الحراك الثقافي، ما أدى إلى تهميش القضايا الثقافية الكبرى، وإفراغ النقاش الثقافي من مضمونه الفكري لصالح قضايا آنية تفتقر إلى البعد الاستراتيجي.

إلى جانب ذلك، فإن تغييب المثقف الحقيقي عن صناعة السياسات الوطنية كان أحد أبرز مخرجات هذه الأزمة، إذ لم يعد المثقف شريكًا في بلورة الرؤى الاستراتيجية، أو تقديم حلول للأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بل جرى عزله في فضاءات ثقافية مغلقة، بعيدًا عن دوائر التأثير وصناعة القرار.
إن غياب الفكر النقدي والتحليلي الذي تنتجه النخب الثقافية أضعف مستوى التخطيط الوطني، وكرّس مبدأ السياسات الآنية القائمة على ردود الفعل، بدلًا من ترسيخ مبدأ الاستراتيجيات العميقة التي تستند إلى فهم متكامل للمجتمع وتحولاته.
فمن المفترض أن يلعب المثقف دورًا جوهريًا في تقديم رؤى مستدامة لتطوير الدولة وتعزيز تماسكها الاجتماعي، غير أن ضعف التواصل بين المؤسسات الثقافية ومؤسسات الدولة حوّل المثقف إلى مجرد شاهد على الأحداث، بدلًا من أن يكون مساهمًا في تشكيلها.

وفي ظل هذه الأزمة، أصبح من الضروري إعادة النظر في آليات إنتاج النخب الثقافية، من خلال إعادة إحياء دور المؤسسات الثقافية والفكرية لتعود كما كانت حواضن حقيقية للمثقفين، ودعم البحث الأكاديمي لتعزيز المشهد الثقافي برؤى جديدة تتسم بالعمق والابتكار.
كما يتوجب العمل على خلق بيئة نقدية حقيقية تكفل التمييز بين الثقافة الحقيقية والثقافة الزائفة، وتساهم في فرز النخب القادرة على تشكيل الوعي المجتمعي، بدلًا من ترك الساحة مفتوحة أمام موجات من الرداءة التي تكرّس الركود الفكري.

إضافة إلى ذلك، فإن إعادة الاعتبار لدور المثقف في صياغة السياسات الوطنية هو ضرورة ملحّة، إذ لا يمكن لأي دولة أن تحقق نهضة حقيقية دون أن يكون لديها مفكرون قادرون على تقديم رؤى بعيدة المدى، تسهم في توجيه المسارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتساعد في بناء دولة قائمة على المعرفة والتخطيط السليم، لا على الارتجال وردود الأفعال.

إن المشهد الثقافي ليس ترفًا كما يروج له البعض، أو كما تتعامل معه المؤسسة الرسمية، بل ضرورة وطنية للحفاظ على الهوية الثقافية وتعزيز الوعي الجمعي، إذ لا يمكن لأي مجتمع أن ينهض دون نخب ثقافية تمتلك القدرة على قراءة الواقع، وإعادة تشكيل الفكر، وطرح مشاريع ثقافية تعيد الاعتبار لدور المثقف الحقيقي، وتُسهم في إعادة توجيه بوصلة الوعي نحو قضايا أكثر عمقًا وارتباطًا بالمصلحة الوطنية.
وعليه، فإن إعادة إنتاج النخب الثقافية تتطلب مشروعًا وطنيًا متكاملًا يُعيد الاعتبار للثقافة بوصفها ركيزة أساسية في بناء الدولة والمجتمع، بعيدًا عن الفوضى التي تهدد بانزلاق المشهد الثقافي إلى حالة من الفراغ الفكري الذي لا يخدم سوى القوى التي تستفيد من تغييب الوعي وانحسار دور المثقف الحقيقي.

المصدر: سواليف

كلمات دلالية: سواليف النخب الثقافية الوعي المجتمعي المشهد الثقافی دور المثقف بدل ا من

إقرأ أيضاً:

نسرين البغدادي: تمكين المرأة ضرورة لتحقيق السلم المجتمعي ومواجهة التطرف

أكدت الدكتورة نسرين البغدادي نائبة رئيسة المجلس القومي للمرأة ، أهمية تسليط الضوء على قضايا المرأة في مجالات السلام والأمن من منظور إفريقي، مشددة على ضرورة توحيد الجهود الإقليمية لضمان تمكين المرأة في مواقع اتخاذ القرار.


جاء ذلك خلال مشاركتها في ورشة العمل التحضيرية التي نظمها مركز القاهرة الدولي لتسوية النزاعات وحفظ وبناء السلام (CCCPA) تحت عنوان "المرأة كركيزة أساسية في الوقاية من النزاعات وبناء السلام المستدام"، بالتعاون مع حكومة نيوزيلندا، واستمرت على مدار يومين.


وأشارت نسرين البغدادي إلى أن العالم يشهد تحولات سريعة ومتلاحقة تنعكس بصورة مباشرة على أوضاعه الداخلية وعلاقاته الإقليمية والدولية، مؤكدة أن المرأة والطفل هما الأكثر تأثرًا بهذه التغيرات. 


وأوضحت أن أهداف التنمية المستدامة في معظمها تدعو إلى مشاركة المرأة في مختلف المجالات، باعتبارها ركيزة أساسية في دفع المجتمع نحو التنمية الشاملة.


وأضافت أن المجلس القومي للمرأة تعاون مع مؤسسات الدولة ومنظمات المجتمع المدني لتطوير خطة تهدف إلى رفع وعي المرأة بأهمية دورها في السلم والأمن المجتمعي، بما يسهم في تعزيز جهود صنع السلام المجتمعي. ولفتت إلى أن المجلس أطلق في فبراير الماضي مبادرة وطنية تحت عنوان "معًا بالوعي نحميها" لتعزيز الأجندة الوطنية لتمكين المرأة.


واستعرضت نائبة رئيسة المجلس اختصاصات المجلس ومحاور الاستراتيجية الوطنية لتمكين المرأة المصرية 2030، والتي تعد أول استراتيجية من نوعها بشهادة الأمم المتحدة.


وأكدت أهمية الإجراءات التي يتخذها المجلس لتحويل النساء المعرضات للعنف إلى الجهات المختصة لتقديم الدعم النفسي والاجتماعي والصحي والاقتصادي لهن.


وفي هذا السياق، تطرقت البغدادي إلى مبادرة "المرأة المصرية صانعة السلام.. معًا ضد التطرف والإرهاب" التي أطلقها المجلس عام 2017 بمناسبة اليوم العالمي للسلام، بمشاركة نحو 25 منظمة من منظمات المجتمع المدني. 


وأشارت إلى أن المبادرة استندت إلى المادة 237 من الدستور المصري، التي تنص على التزام الدولة بمواجهة الإرهاب بكافة صوره وأشكاله، إضافة إلى التزامات المواثيق الدولية الداعية إلى إشراك المرأة في تطوير المقاربات الوقائية ضد التطرف والإرهاب.


وأكدت نائبة رئيسة المجلس الدور المحوري الذي تلعبه المرأة المصرية في مكافحة الإرهاب والتطرف، وفي توحيد صفوف القوى الوطنية، مشيرة إلى أن الإرهاب لا ينتمي إلى دين أو جنسية أو حضارة بعينها ، وأنه يشكل أحد أكبر التحديات التي تواجه تحقيق أهداف التنمية المستدامة. ولفتت إلى أهمية ضمان وجود مزيد من القيادات النسائية في كافة مستويات صنع القرار، لا سيما في مجالات السلم والأمن ومحاربة الفكر المتطرف.


كما شددت على ضرورة تشجيع المرأة على تربية أجيال تتبنى قيم السلم والتسامح وقبول الآخر، وتعزيز ثقافة المواطنة والمساواة بين الجنسين، داعية إلى مراجعة وتطوير المناهج التعليمية الرسمية لترسيخ هذه القيم، إلى جانب تشجيع المرأة على استخدام التكنولوجيا بطرق تسهم في تعزيز ثقافة السلم والتسامح ومكافحة التطرف.


واختتمت نسرين البغدادي كلمتها بالتأكيد على محورية دور الإعلام في نشر الوعي وتسليط الضوء على دور المرأة في المجتمع، وكذلك أهمية تطوير المنظومة الثقافية وتوظيف الفنون والإبداع كوسائل فعّالة للارتقاء بالفكر والثقافة، والمساهمة في التصدي للتطرف والعنف.


يأتي انعقاد هذه الورشة تزامنا مع النسخة الخامسة من منتدى أسوان للسلام والتنمية المستدامين، الذي يسعى إلى إحياء أجندة المرأة والسلام والأمن، والبناء على ما تحقق خلال 25 عاما من العمل في هذا المجال على الصعيدين الإفريقي والدولي.

مقالات مشابهة

  • النخب السودانية والشيطان المعرفي: قراءة في رؤية أبو القاسم حاج حمد
  • وسط فوضى عارمة.. اختطاف مستشار مدير تربية عدن من قبل مجهولين
  • "الكتاب والأدباء" تُثري المشهد الثقافي بـ25 عملًا إبداعيًا جديدًا
  • نصائح الخبراء الألمان للتخلص من فوضى البريد الإلكتروني
  • بلاغ يتهم صاحب "بلبن" و"وهمي" و" كرم الشام "بغسيل الأموال واستغلال التريندات والإساءة للرموز الثقافية
  • السيد الوزير :عبد الصمد قيوح يؤمن عودة المعتمريين لأرض الوطن بعد أزمة الطيران التي دامت لأيام
  • ترف المثقف وقضايا الأمة
  • غزة عندما يستعملها خائنوها
  • الاثنين.. ندوة حول العلاقات الثقافية المصرية الروسية في البيت الروسي
  • نسرين البغدادي: تمكين المرأة ضرورة لتحقيق السلم المجتمعي ومواجهة التطرف