عربي21:
2025-04-17@09:43:09 GMT

الخطة العربية مقابل المقترح الأمريكي

تاريخ النشر: 11th, March 2025 GMT

أقرت القمة العربية ومن بعدها منظمة التعاون الإسلامي خطة عربية مفصلة لليوم التالي بعد الحرب على غزة تتضمن إعادة إعمار غزة دون تهجير الفلسطينيين منها، وذلك ردا على مقترح الرئيس الأمريكي إعادة الإعمار ولكن بعد تهجير الفلسطينيين من غزة ثم عدم العودة إليها. من المفيد النظر إلى بعض التفاصيل حول الفوارق بين الخطة والمقترح وواقعية كل منهما.



بدءا، من المهم الإدراك أن ما قدمه الرئيس الأمريكي لا يتجاوز المقترح دون إرفاقه بأية خطة لتنفيذه، مفاده تهجير سكان غزة إلى مصر والأردن وعدم العودة إليها، ثم إعادة تعمير غزة وجعلها «ريفييرا» المنطقة. بالطبع، لم يقدم ترامب أية آليات لتهجير مليوني فلسطيني دون إرادتهم، أو ما يعرف قانونيا بالتطهير العرقي، ولم يشرح كيف يتم التهجير إلى مصر التي رفضت ذلك بالمطلق، كما فعل الأردن الذي لا يرتبط جغرافيا بقطاع غزة أصلا. ولم يشرح ترامب أسباب رفض عودة الفلسطينيين إلى غزة بعد «إعمارها» وتناقضه مع «تعاطفه» مع أهل غزة و«رغبته» في توفير عيش كريم لهم دون السماح لهم بالعودة إلى أرضهم ووطنهم. كما لم يشرح المقترح كيف «ستتملك» الولايات المتحدة غزة كما قال ترامب ومن سيقوم بإعمار القطاع وإلى من ستؤول «ملكيته».

بالرغم من إبهامية المقترح، وخرقه الفاضح لكل القوانين الدولية، وتجاهله لحقيقة أن لا الفلسطينيين يرغبون بالهجرة ولا مصر والأردن مستعدتان لاستقبالهم، يخرج البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأمريكية لينعت الخطة العربية بمجرد صدورها «باللاواقعية» بينما ترفضها إسرائيل جملة وتفصيلا.

من المفيد استعراض الملامح الرئيسية للخطة العربية. فعدا عن تقديمها خطة فنية مفصلة تشرح كيفية إعادة الإعمار دون تهجير الفلسطينيين عبر مراحل عدة تتضمن إسكانهم في بيوت جاهزة أو خيم بينما تتم إعادة الإعمار على مراحل تمتد لخمس سنوات، وبينما يتم تزويد السكان بكل ما يحتاجونه من مستشفيات متنقلة ومدارس ودور عبادة وبنية تحتية. تتضمن الخطة أيضا الكلفة التقديرية لذلك والبالغة ثلاثة وخمسين مليار دولار، وتدعو إلى مؤتمر تمويلي في القاهرة الشهر القادم للبدء بجمع الأموال اللازمة.

عدا عن الخطة الفنية المفصلة، تشدد الخطة على أمور أساسية كي تصبح إعادة الإعمار خطوة أولى على طريق مسار سياسي يؤدي إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإقامة الدولة الفلسطينية. أهم هذه الأمور إعادة الالتزام بمبادرة السلام العربية التي تدعو إلى سلام شامل بعد انسحاب إسرائيل من كافة الأراضي الفلسطينية المحتلة، كما تدعو إلى البدء بمسار سياسي فوري لتحقيق ذلك. بدون ذلك، من الصعب تخيل من من المجتمع الدولي سيكون راغبا في تقديم مساعدات لإعادة الإعمار ليرى إسرائيل تدمرها في المستقبل كما فعلت مرارا عديدة في الماضي.

المطلوب اليوم حشد أكبر قدر من الدعم الدولي للخطة، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين واليابان، ومحاولة إقناع الإدارة بتبنيها، ثم الضغط على إسرائيل لقبولها تؤكد الخطة أيضا على وحدة غزة مع الضفة الغربية، خاصة في ضوء محاولات إسرائيل المتكررة لفصل القطاع عن غزة تمهيدا لضم الضفة الغربية.
تقترح الخطة إدارة انتقالية للقطاع تتكون من أشخاص تكنوقراط مستقلين تحت إشراف السلطة الفلسطينية وذلك بعد الاتفاق الذي تم مع حماس لعدم الاشتراك في إدارة القطاع للرد على الحجة الإسرائيلية والأمريكية التي ترفض بالمطلق مثل هذا الإشراك.

كما تدرك الخطة، ولو بشكل غير مباشر، أن السلطة الفلسطينية لا تتمتع بتأييد كبير لدى الفلسطينيين، وتبعا لذلك، وفي خطوة غير مسبوقة، سلطت القمة الضوء على حاجة السلطة لإصلاحات داخلية تتضمن انتخابات رئاسية وتشريعية في غضون سنة. وقد أوضحت الخطة، وذلك أيضا ردا على المطلب الأمريكي والإسرائيلي بنزع أسلحة حماس بأن ذلك يمكن أن يتحقق فقط إن تم الاتفاق على مسار واقعي لإنهاء الاحتلال.

إن أية مقارنة موضوعية لكل من المقترح الأمريكي والخطة العربية تظهر أن الأخيرة أكثر واقعية بمراحل من مقترح ترامب. وبالرغم من ذلك، فإن فرص تنفيذها تصطدم بعقبات عدة، أولها أن إسرائيل ليست معنية بإعادة إعمار غزة بغض النظر عن أية خطط تقدم لا تتضمن تهجير الفلسطينيين من أرضهم، وهو الهدف الأساسي لإسرائيل. إضافة لذلك، فإن إسرائيل ليست معنية أيضا بالحديث عن أفق سياسي يؤدي إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، لأن عينها على ضم الضفة الغربية لإسرائيل. ومن الملفت للنظر أن كلتا إسرائيل والولايات المتحدة لم تعلقا على الشق المتعلق بالأفق السياسي في الخطة على الإطلاق ما يشير إلى عدم اهتمامهما به بتاتا.

وبينما أبدى الجانب الأمريكي بعض المرونة بالنسبة للخطة في تصريحات متناقضة، ليس من الواضح إن كان الجانب العربي سينجح في إقناع الولايات المتحدة بتبني الخطة وإن ببعض التعديلات. إن فرص تحقيق ذلك وخاصة مع التعنت الإسرائيلي تبدو ضعيفة.

من المهم الإدراك أن البديل عن الخطة العربية في حال رفضها ليس المقترح الأمريكي اللاواقعي والمفتقر إلى أية آليات جادة لتحقيقه. بديل الخطة العربية هو استمرار الحرب والدمار وقتل الأبرياء المدنيين. لذا، فالمطلوب اليوم حشد أكبر قدر من الدعم الدولي للخطة، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين واليابان، ومحاولة إقناع الإدارة بتبنيها، ثم الضغط على إسرائيل لقبولها. أدرك مدى صعوبة ذلك، لكن يبدو أنه الخيار الوحيد على الساحة اليوم. أما خيار التهجير فالأغلب أنه لن يمر في ضوء الصمود الفلسطيني والرفض العربي.

المرحلة القادمة صعبة للغاية، وستتطلب تنسيقا عربيا عالي المستوى، بل موقفا عربيا موحدا يستطيع الصمود أمام نوايا إسرائيل التوسعية وأفكار الإدارة الأمريكية المغالية في تشددها وعدم واقعيتها والتي تعطي إسرائيل الضوء الأخضر للتوسع في عدوانها والاستمرار في فرض حقائق جديدة على الأرض.
(القدس العربي)

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه القمة العربية سوريا الاردن القمة العربية مروان المعشر مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة اقتصاد مقالات سياسة سياسة من هنا وهناك صحافة مقالات سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تهجیر الفلسطینیین إعادة الإعمار الخطة العربیة

إقرأ أيضاً:

الاتفاق الأمريكي-الإيراني: ترتيبات الكواليس وتداعياتها على فلسطين والعرب السنّة

في عالم السياسة الدولية، لا تُكتب كل التفاهمات في البيانات الختامية، بل إنّ ما يُدار خلف الأبواب المغلقة -خصوصا في الاتفاقات بين القوى الكبرى- يحمل في طياته ترتيبات غير معلنة قد تكون أشدّ تأثيرا من العناوين الرسمية. ومن بين هذه التفاهمات، يبرز الاتفاق الأمريكي-الإيراني الأخير، الذي وإن ركّز علنا على الملف النووي والعقوبات، إلا أن تداعياته امتدّت بعمق إلى الساحة الفلسطينية والعربية، خاصة بين العرب السنّة.

أولا: القضية الفلسطينية في ظل تفاهمات "اللا تصعيد"

1- تراجع الأولوية السياسية

رغم الخطاب الإيراني المعلن حول "دعم المقاومة"، لم تحضر القضية الفلسطينية على طاولة المفاوضات كأولوية. إذ طغت قضايا الملف النووي وتجميد العقوبات وأمن الخليج وإسرائيل على ما سواها. بهذا، تم تهميش القضية الفلسطينية لصالح ملفات أكثر التصاقا بالمصالح المباشرة لطهران وواشنطن.

2- تضييق على فصائل المقاومة

برزت آثار التفاهم الأمني غير المعلن من خلال خطوات على الأرض، أبرزها:

- خفض ملموس في الدعم اللوجستي والمالي لبعض فصائل المقاومة الفلسطينية.

- جمود في خطوط الإمداد التي تمر عبر بعض أذرع إيران الإقليمية، كحزب الله أو المليشيات في سوريا والعراق، وإشارات سياسية من طهران لضبط حلفائها وعدم التصعيد من غزة أو جنوب لبنان.

3- تهدئة جبهات التماس

أحد البنود الضمنية للتفاهم كان تجميد الجبهات المشتعلة، سواء في لبنان أو غزة، مقابل مكاسب اقتصادية وسياسية لإيران. حزب الله وحماس، وإن لم يُعلن ذلك، يبدوان في حالة "إدارة تصعيد" محسوبة، تنتظر نتائج التسويات الكبرى.

ثانيا: العرب السنّة ودور المتفرج القلق

1- شعور بالخيانة

خلفت الاتفاقات الأمريكية-الإيرانية شعورا عميقا بالخيانة لدى حلفاء واشنطن التقليديين من العرب السنّة، خاصة في الخليج، إذ شعروا بأن واشنطن سلّمت مفاتيح التوازن الإقليمي لعدوهم التاريخي (إيران)، دون مراعاة لمصالحهم أو أمنهم القومي.

2- الاندفاع نحو التطبيع

تسارعت خطى بعض الأنظمة السنيّة نحو إسرائيل، ظنا بأنها تمثل توازنا مضادا للنفوذ الإيراني المتصاعد بعد الاتفاق، فكان التطبيع خيارا استراتيجيا، لا تطورا دبلوماسيا فحسب.

3- تمدد إيراني في الجغرافيا السنيّة
إدراك هذه التفاهمات الخفية لا ينبغي أن يمرّ مرور الكرام، بل يجب أن يكون دافعا لتحرك استراتيجي جديد يُعيد الاعتبار للمصالح الحقيقية لأمتنا، ويوحّد الصف أمام مشاريع التجزئة والتهميش
من اليمن إلى العراق مرورا بسوريا ولبنان، شكّل الاتفاق متنفسا سياسيا واقتصاديا لطهران، عزز من حضورها ونفوذها. والنتيجة: تصاعد التوتر الطائفي، وتراجع قوى السنّة في مساحات كانوا فيها فاعلين.

4- تنازلات أمريكية على حساب السنّة

ضمن ترتيبات ما وراء الكواليس، غضّت واشنطن الطرف عن انتهاكات مليشيات موالية لطهران في مناطق سنّية، مقابل تعاون إيراني في ملفات النووي وأمن إسرائيل. وهكذا، تمت التضحية بمطالب السنة في العراق وسوريا واليمن كجزء من "صفقة كبرى".

ثالثا: ما دار في الخفاء.. ترتيبات غير معلنة

- ترسيم غير معلن لمناطق النفوذ: تفاهمات ضمنية حول توزيع السيطرة في سوريا والعراق، بحيث تحتفظ إيران بوجودها، مقابل انسحاب جزئي أمريكي.

- التزام بتهدئة الجبهات ضد إسرائيل: إيران أبلغت -عبر وسطاء- باستعدادها لكبح حلفائها من التصعيد مع إسرائيل، مقابل تسهيلات اقتصادية ومالية.

- قنوات أمنية غير مباشرة: عُمان والعراق كانا محطات لتبادل الرسائل الأمنية، بما في ذلك ما يخص المليشيات والسلاح الإيراني الدقيق.

- تجميد الدعم للمقاومة: مقابل الإفراج عن أرصدة مجمدة، تم الاتفاق على تهدئة حلفاء إيران وتقليص دعمهم لحركات المقاومة الفلسطينية.

خاتمة: إعادة ترتيب الشرق الأوسط.

الاتفاق الأمريكي-الإيراني ليس مجرد تسوية نووية، بل هو إعادة رسم للخريطة السياسية للمنطقة، حيث يتم استبعاد بعض اللاعبين، وإعادة تأهيل آخرين. وتبدو القضية الفلسطينية -مرة أخرى- الخاسر الأكبر، إلى جانب المجتمعات السنّية التي فقدت حليفا دوليا طالما اعتبرته سندا.

إن إدراك هذه التفاهمات الخفية لا ينبغي أن يمرّ مرور الكرام، بل يجب أن يكون دافعا لتحرك استراتيجي جديد يُعيد الاعتبار للمصالح الحقيقية لأمتنا، ويوحّد الصف أمام مشاريع التجزئة والتهميش.

مقالات مشابهة

  • سعر الدولار الأمريكي في البنوك اليوم الخميس 17-4-2025
  • البنية التحتية وشبكة الطرق أولوية في خطة نقابة المهندسين لإعمار غزة
  • الاتفاق الأمريكي-الإيراني: ترتيبات الكواليس وتداعياتها على فلسطين والعرب السنّة
  • إسرائيل تواصل قصف غزة.. ارتفاع عدد القتلى والجرحى وسط أزمة إنسانية حادة
  • الرئيس السيسي وأمير الكويت يؤكدان على دعم خطة إعادة إعمار غزة ورفض تهجير الفلسطينيين
  • رئيس قوي عاملة النواب: جولة الرئيس السيسي الخليجية تدعم الخطة العربية لإعادة إعمار غزة
  • إسرائيل تسلم مصر مقترحا جديدا لوقف إطلاق النار في غزة
  • الهدنة مقابل السلاح.. حماس ترد على مقترح جديد لوقف الحرب في غزة
  • دون تهجير الفلسطينيين - الرئيس المصري وأمير قطر يدعمان خطة إعادة إعمار غزة
  • السيسي وتميم يؤكدان ضرورة دعم الخطة العربية لإعادة إعمار غزة دون تهجير