العلاقات الأمريكية الإسرائيلية تواجه مستقبلا هشا في ظل التخلي عن أوكرانيا
تاريخ النشر: 11th, March 2025 GMT
لم تكن مقولة هنري كيسنجر الشهيرة: "قد يكون من الخطر أن تكون عدوا لأمريكا، لكن أن تكون صديقا لها قد يكون قاتلا" أكثر دقة مما هي عليه اليوم، مع استمرار الولايات المتحدة في إعادة رسم دورها كقوة عالمية، وأصبحت تحالفاتها، التي كانت تُعدّ في الماضي ثابتة لا تتغير، أكثر هشاشة من أي وقت مضى، ويبدو هذا واضحا في المسارات المتباينة لحليفين رئيسيين: إسرائيل وأوكرانيا.
والفارق بينهما، أن إسرائيل تمتعت على مدار عقود، بدعم ثابت من الحزبين في واشنطن، مستفيدة ومعززة بنفوذ قوي لجماعات الضغط، أما أوكرانيا، فقد اعتمدت على تحالفات جيوسياسية عابرة للحصول على الدعم.
لكن مع تغيّر السياسة الأمريكية، بدأ الموقع المميز الذي تمتعت به إسرائيل يتقلص، فهناك مواجهة متزايدة بين الأجيال، وإحباط أخلاقي بين الشباب الأمريكي، إلى جانب شبح التخلي عنها كما حدث مع أوكرانيا، وكل ذلك يهدد بتفكيك هذا التحالف التاريخي (بين إسرائيل والولايات المتحدة).
ورغم أن إسرائيل تمتعت بنفوذ غير مسبوق في واشنطن، بفضل لجنة الشؤون العامة الأمريكية-الإسرائيلية (AIPAC) وجماعات الضغط الصهيونية ذات التأثير العميق، وقد ضمنت هذه القوى مليارات الدولارات من المساعدات العسكرية السنوية، فضلا عن الحماية الدبلوماسية في الأمم المتحدة، حيث تم تقديم دعم إسرائيل باعتباره واجبا أخلاقيا وضرورة استراتيجية، إلا أن هذا النفوذ لم يكن قائما فقط على قوة هذه الجماعات، بل أيضا على العلاقة التكافلية بين الأقلية اليهودية خاصة الشباب اليهود الأمريكي، الذين رأوا في إسرائيل ملاذا ثقافيا، تأثرا بصدمة "المحرقة" وسياق الحرب الباردة في شرق أوسط مضطرب، وهو ما لم تمتلكه أوكرانيا، وجعل التغيرات في السياسة الأمريكية أكثر تأثيرا عليها.
تتداعى بشدة هذه القاعدة الداعمة الأولى لإسرائيل داخل الولايات المتحدة، وتتراجع شعبيتها، خاصة بين الشباب التقدميين الأمريكيين، الذين يرون فيها دولة فصل عنصري أكثر من كونها ديمقراطية حليفة
بدأت تتداعى بشدة هذه القاعدة الداعمة الأولى لإسرائيل داخل الولايات المتحدة، وتتراجع شعبيتها، خاصة بين الشباب التقدميين الأمريكيين، الذين يرون فيها دولة فصل عنصري أكثر من كونها ديمقراطية حليفة.
جيل جديد.. وقناعة مختلفة
لعبت وسائل التواصل الاجتماعي دورا رئيسيا في تغيير الرأي العام وتراجع شعبية إسرائيل، حيث لم يعد الشباب الأمريكي يعتمد على الروايات التقليدية التي قدمتها وسائل الإعلام الكبرى.
فبينما رأى الجيل الأكبر سنا المتأثر بوسائل الإعلام التقليدية وغيرها من وسائل التأثير، إسرائيل كحليف ديمقراطي، يرى الجيل الجديد مشاهد الدمار في غزة: (مستشفيات مقصوفة، عائلات مفجوعة، وأطفال يُنتشلون من تحت الأنقاض)، دولة فصل عنصري.
واليهود الأمريكيون، الذين كانوا في السابق من أشد المدافعين عن إسرائيل، باتوا اليوم في وضع مختلفة، وبعضهم تصدر مقدمة من يوجهون لها الانتقادات.
فظهرت منظمات مثل الصوت اليهودي من أجل السلام، التي تقود احتجاجات ضد الاحتلال الإسرائيلي، وتدعو إلى مقاطعة المنتجات الإسرائيلية والمطالبة بسحب الاستثمارات منها، ورغم أن هذه الحركات لا تزال تنمو، فإن تأثيرها يتزايد مع مرور الوقت.
وكشف استطلاع أجراه مركز "بيو" عام 2023 أن 52 في المئة من اليهود الأمريكيين تحت سن الأربعين يرون أن إسرائيل تمارس الفصل العنصري، مما يعد تحول في مجتمع تربى على فكرة أن إسرائيل هي "الملاذ الآمن" لليهود.
قيادة نتنياهو.. تعميق الشرخ
وفي الوقت نفسه، تبدو القيادة الإسرائيلية منفصلة عن هذا الواقع الجديد، فحكومة بنيامين نتنياهو اليمينية المتطرفة، إلى جانب إصلاحاته القضائية التي تقوض الديمقراطية، ورفضه انتقادات اليهود الأمريكيين -قائلا إنهم "لا يفهمون احتياجاتنا الأمنية"- أدت إلى نفور الحلفاء الليبراليين داخل الولايات المتحدة.
كما أن قانون الدولة القومية، الذي يكرّس التفوق اليهودي، والتوسع الاستيطاني المستمر، ساهما في توسيع الهوة بين إسرائيل والشباب الأمريكي وخاصة اليهودي، حيث لم يعد الخلاف مجرد نقاش سياسي، بل تحول إلى صراع هوياتي.
وقد تفجر هذا الصدام خلال حرب غزة عام 2021، ففي حين صورت وسائل الإعلام الإسرائيلية القصف على غزة كدفاع عن النفس، ملأ الأمريكيون وسائل التواصل الاجتماعي بصور الضحايا الفلسطينيين، والأمر نفسه تكرر خلال حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة.
وأصبح رد الفعل العكسي لاذعا، فقد اتهم المسؤولون الإسرائيليون اليهود الأمريكيين بــ"عدم الولاء"، في حين وصفت شخصيات مثل ستيف بانون -المستشار السابق لدونالد ترامب- اليهود التقدميين بأنهم "أسوأ أعداء إسرائيل".
ومع تزايد الانتقادات الدولية، لم تعد إسرائيل تُوصف فقط بأنها "الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط"، بل أصبحت تواجه اتهامات مباشرة بممارسة الفصل العنصري والإبادة الجماعية، ليس فقط من قبل هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية، بل حتى من منظمة بتسيلم الإسرائيلية نفسها.
كما تحقق المحكمة الجنائية الدولية (ICC) في جرائم حرب محتملة في غزة، بينما تكتسب حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS) زخما في الجامعات الأمريكية والعالمية.
أما بالنسبة للشباب الأمريكي، فقد بدأ في إعادة تقييم علاقة بلاده بإسرائيل، حيث أظهر استطلاع عام 2022 أن 25 في المائة من اليهود الأمريكيين تحت سن 35 يعارضون فكرة إسرائيل كدولة يهودية حصرية، وهو موقف كان يُعد مستحيلا قبل سنوات قليلة.
درس أوكرانيا: التحالفات ليست أبدية
لكن التحذير الأكثر خطورة يأتي من التجربة الأوكرانية، فقد تلقت كييف في البداية دعما عسكريا أمريكيا هائلا، لكن مع تراجع الاهتمام الأمريكي، وجدت نفسها تتوسل للحصول على أنظمة دفاع جوي من أوروبا، بعدما فقدت دعم الحزب الجمهوري في الكونغرس.
وبينما كان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي نجما ويُحتفى به في الكونغرس، أصبح الآن مثالا على هشاشة التحالفات القائمة على المصالح العابرة، التي تتبخر عندما تتغير الأولويات، وإسرائيل ليست بمنأى عن هذا المصير.
ورغم أن ترامب منح نتنياهو مكاسب كبيرة مثل نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، إلا أن دعمه لإسرائيل كان دائما مشروطا بالمصلحة، وقد يجد نتنياهو نفسه في مواجهة واقع جديد، لا تعد فيه إسرائيل أولوية أمريكية، خاصة مع سياسة "أمريكا أولا" وحركة "اجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى (MAGA)".
التشابه مع أوكرانيا أكثر وضوحا، فكما جفّت المساعدات عن كييف مع تغيّر الأولويات الأمريكية، قد تجد إسرائيل نفسها خارج الحسابات إذا تزايد ضغط الشباب الأمريكي على صناع القرار، ومن ثم الدعم الرسمي من واشنطن
مفترق طرق خطير
اليوم، تجد الدولة المحتلة نفسها أمام مفترق طرق مصيري، لا تزال تمتلك آلة ضغط سياسية قوية، لكنها تفقد رأسمالها الأخلاقي بسرعة، فاليهود الأمريكيون، الذين كانوا يوما ما أقوى داعميها وحلفاء راسخين، لم يعودوا مستعدين لتقديم الولاء غير المشروط، ويتخلون بشكل متزايد عن التضامن العرقي.
كما أن تصاعد النزعة القومية داخل الولايات المتحدة زاد من الضغط على إسرائيل، حيث بات الشباب اليهودي الأمريكي يركز على قضايا العدالة الاجتماعية، وتغير المناخ، وعدم المساواة، بدلا من الدفاع عن سياسات إسرائيل العدوانية.
هل تصبح إسرائيل حليفا منسيا؟
التشابه مع أوكرانيا أكثر وضوحا، فكما جفّت المساعدات عن كييف مع تغيّر الأولويات الأمريكية، قد تجد إسرائيل نفسها خارج الحسابات إذا تزايد ضغط الشباب الأمريكي على صناع القرار، ومن ثم الدعم الرسمي من واشنطن.
وبالنظر إلى المسار الحالي لإسرائيل، ليس من المستبعد أن تنضم إسرائيل إلى قائمة الحلفاء الذين تخلّت عنهم أمريكا، تماما كما حذّر كيسنجر قبل عقود، وكما تجسد اليوم مأساة أوكرانيا اليوم.
(ترجمة من الإنجليزية عن ميدل إيست مونيتور)
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه إسرائيل الحلفاء إسرائيل امريكا اوكرانيا حلفاء مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة من هنا وهناك صحافة مقالات سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة داخل الولایات المتحدة الیهود الأمریکیین الشباب الأمریکی الیهود الأمریکی أن إسرائیل إسرائیل ت
إقرأ أيضاً:
إسرائيل تطرح منظومة "أرو" المتقدمة على"القبة الذهبية" الأمريكية
بعد مرور عام من إطلاق إيران صواريخ باليستية وطائرات دون طيار، على إسرائيل التي استطاعت التصدي لها، تستغل صناعة الدفاع الإسرائيلية الواقعة لعرض تقنياتها الحديثة على إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من أجل المشاركة في "القبة الذهبية" الأمريكية.
وأعلن ترامب في يناير(كانون الثاني) الماضي، الاتجاه لنشر نظام دفاع صاروخي أمريكي "القبة الذهبية" وهو عبارة عن نظام دفاعي مثل القبة الحديدية الإسرائيلية ولكنها مصممة لمجموعة أوسع من التهديدات العسكرية.وقال ترامب في ذلك الوقت: "سأوجه جيشنا لبناء درع الدفاع الصاروخي العظيم للقبة الحديدية، والذي سيصنع بالكامل في الولايات المتحدة".
Israel's defense industry is seizing the moment to pitch its technologies to the Trump administration for its "Golden Dome" missile defense initiative.https://t.co/dF5euusCNP
— The Jerusalem Post (@Jerusalem_Post) March 9, 2025 تعاونويرى مسؤولون من الدفاع الإسرائيليين أنها فرصة جيدة لتعزيز تعاونهم طويل الأمد في مجال الدفاع الصاروخي مع الولايات المتحدة، وقال بواز ليفي، الرئيس التنفيذي لشركة شركة صناعات الفضاء الإسرائيلية، إن شركته في وضع جيد للمساهمة في المشروع، لـجيروزاليم بوست "تعاوننا مع الولايات المتحدة في الدفاع الصاروخ ثلاثة عقود، وكان نظام آرو الأكثر تقدماً، والذي طورناه معاً، رائعاً في الصراعات الأخيرة. ومن المنطقي توسيع هذا التعاون مع تفكير واشنطن في دفاعها الصاروخي.
وقال ليفي: "أثبت تصدي إسرائيل لصواريخ إيران أن الصواريخ الباليستية بعيدة المدى ليست مصدر قلق إسرائيلي فقط وإنما للعالم أيضاً، وأثبتت إيران أنها قادرة على إطلاق وابل صاروخي كبير ومنسق. وتدرك الدول الأخرى أنها في حاجة إلى دفاعات ضد هذا النوع من التهديد". وأضاف ليفي "قبل الحرب، وقعنا بالفعل عقداً رئيسياً لشراء صواريخ آرو. ومنذ ذلك الحين، زاد الاهتمام بشكل كبير بهذه التكنولوجيا وتتطلع المزيد من الدول إلى هذه الحلول".
BREAKING: President Trump unveils the “Golden Dome” air defense shield initiative, a project inspired by Israel’s Iron Dome.
Reminder: America needs to spend money developing their own because lsraeI won’t share the technology (and America paid for it)
pic.twitter.com/6GbTpvnTFB
وتابع ليفي "يجمع البنتاغون حالياً مقترحات من شركات الدفاع الأمريكية، ومع ذلك، تأمل إسرائيل أن تكون خبرتها في أنظمة آرو 3 وآرو 2 - جزءاً من المناقشة".
ويُذكر أن برنامج آرو، الذي تدعمه الولايات المتحدة وطورته بالتعاون مع إسرائيل يضم نظامي آرو2 وآرو3 ، ونشر لأول مرة في 2017.