صدى البلد:
2025-04-14@11:58:14 GMT

منال الشرقاوي تكتب : مارس يمرُّ.. والمرأة تبقى

تاريخ النشر: 11th, March 2025 GMT

يأتي شهر مارس محمَّلًا بالكثير من الدفء والاعتراف المتأخر بحقوق نصف المجتمع، فهو الشهر الذي يُحتفى فيه بالمرأة عالميًا، بدءًا من اليوم العالمي للمرأة في 8 مارس، وصولًا إلى عيد الأم في 21 مارس، فعلى ما يبدو أن العالم يمنحها لحظة تقدير عابرة قبل أن يعود ليفرض عليها نفس الأعباء من جديد، ثم يقول لها،"شكرًا لكِ على كل شيء.

.. ولو ليومٍ واحد!". 
لكن هل يكفي يومٌ أو حتى شهرٌ ليُنصف المرأة؟ أم أنها مجرد استراحة رمزية قبل أن تعود القوالب الجاهزة لتُعيد تشكيل صورتها كما يحلو للمجتمع؟ المرأة كانت دائمًا عنوانًا في التقويم ومناسبة تملأ الإعلانات الاحتفالية، بينما تبقى حكاياتها، رغم تعددها، أسيرة السرد غير المنصف في كثير من الأحيان.
وهنا يأتي دور الدراما التلفزيونية، تلك الشاشة الصغيرة التي تتسلل إلى البيوت بلا استئذان، وتعيد رسم صورة المرأة في وعي الأجيال. لكنها، بين الحين والآخر، تضعها في قوالب نمطية مألوفة، المضحية الأبدية، الأم المثالية، أو الفاتنة التي تدور حولها الأحداث دون أن تكون صانعتها الفعلية. فهل أنصفتها الدراما؟ أم أنها اختارت الطريق الأسهل، فأعادت صياغة الحكايات القديمة بوجوه جديدة؟ هل منحتها صوتًا حقيقيًا، أم اكتفت بتقديمها كضحية تستحق التعاطف لا التقدير؟.. كلها تساؤلات تستحق التأمل ونحن نُقلب القنوات. 
كيف يختار التلفزيون أن يروي قصة المرأة في شهرها، بين الواقع والتهميش، بين الإنصاف وإعادة التشكيل، بين البطلة الحقيقية... وتلك التي لم تُكتب لها البطولة أبدًا. المرأة ليست قصة تُحكى في مناسبة، ولا قضية تُناقش على عجل في برامج التوك شو، وإنما هي حرب يومية تُخاض في صمت، حيث لا تصفيق ولا تتويج في النهاية. نراها في "سجن النسا"، ضحية لظروف رسمها لها الآخرون، تُقاتل من أجل أن تُثبت أنها كانت تستحق حياة لم تُمنح لها. وفي "تحت الوصاية" ، و"فاتن أمل حربي" نجدها تُصارع مجتمعًا لا يرى فيها أكثر من تابع، تُجاهد لتُثبت أنها قادرة على قيادة سفينتها وسط بحر من العواصف، ليس لأن التحدي يغريها، لكن لأنها ببساطة لا تملك رفاهية الفشل. بين جدران السجون، وبين جدران القوانين التي تُحاصرها، وبين الأعباء التي تُحمل على كتفيها بلا شفقة، تظل المرأة تحارب... لتحصل على حقها في أن تكون.

وعلى الجانب الآخر من الصورة، بينما تُبرز بعض الأعمال المرأة قوية ومستقلة، لا تزال أخرى تصرّ على وضعها في قالب الضحية الأبدية، وكأنها لا تُخلق إلا لتُعاني، حيث تُرغم البطلة على العيش في دوامة من الألم والاضطهاد، لا لشيء سوى لأن الحياة قررت ذلك. هذه الظاهرة التي يمكن أن نطلق عليها "دراما الاستضعاف"، تجعل من المرأة كائنًا هشًا، يُنتظر إنقاذه بدلًا من أن يُمنح القوة للنجاة بنفسه. تكرار هذا النموذج في الأعمال الدرامية يرسّخ في الأذهان فكرة أن المرأة ضعيفة بالفطرة، غير قادرة على تغيير مصيرها أو كسر القيود التي تُفرض عليها. وكأن قدرها أن تبقى دائمًا في موضع الانكسار، تذرف الدموع وتتحمل الألم دون أن تملك أدوات المقاومة أو فرص النجاة.
هذا النمط لا يُظهر المرأة ككيان مستقل بقدر ما يرسّخ حاجتها الدائمة إلى دعم خارجي، وكأنها لا تستطيع الصمود إلا بوجود من يُساندها أو يُعيد إليها حقها المسلوب. وهكذا، بدلاً من تقديم صورة متوازنة تعكس تنوع التجارب النسائية بين الضعف والقوة، نجد أن الدراما تركز على جانب واحد، وكأنها تتجاهل قدرة المرأة على النهوض والتحدي والمواجهة. إن استمرار هذا التناول الأحادي لا يُلحق الضرر بالمرأة وحدها، بل يخلق أيضًا تصورًا مشوهًا عن طبيعة النضال الذي تخوضه في حياتها اليومية، فتصبح الدراما، بدلًا من أن تكون وسيلة للتحفيز والتغيير، مجرد إعادة إنتاج للصورة النمطية ذاتها، تُكرس الشعور بالعجز أكثر مما تُلهم بالمقاومة.
يأتي شهر مارس ليذكّر الجميع بأن المرأة ليست مجرد شخصية على شاشة التلفزيون، وليست مجرد بطلة في قصة تُحكى، وإنما هي نبض الحياة ذاتها. ليست سطورًا تُكتب في سيناريو، فهي واقع يومي يصحو مبكرًا ليُطعم الصغار، ويسابق الزمن ليحافظ على بيت، ويعمل ليؤمن مستقبلًا، ثم يعود ليُداوي تعب الجميع قبل أن يسمح لنفسه بالإنهاك.

في الحقيقة، المرأة لا تنتظر أن تُنصفها الدراما، فهي تمارس البطولة كل يوم دون كاميرات، دون أضواء، دون موسيقى تصويرية تُضخم معاناتها أو تُزين إنجازاتها. إنها تُناضل في صمت، تُربي وتكافح وتعمل وتحلم، تخسر أحيانًا لكنها لا تسقط، تنكسر أحيانًا لكنها لا تتلاشى، تحزن لكنها تعرف كيف تُرمّم روحها بنفسها.
المرأة لا تعيش في مشهد واحد، ولا تختزلها الدموع والمآسي وحدها. هي في الواقع تواجه، تبني، تحب، تحارب، تصمد، وتعود أقوى من جديد. كل عام والمرأة أقوى مما يظن العالم، وأشد صلابة مما يتوقع الجميع.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: اليوم العالمي للمرأة الدراما التلفزيونية عيد الأم المزيد التی ت

إقرأ أيضاً:

نهال علام تكتب: جيل العيال المحظوظة

"مُنَعَم أنت أيها الجيل"… عبارة ظلت لعقود طويلة ذات وقع وتأثير، وبعد أن مرّ زمان وأهوال وأساطير أصبح وَقع ذكرى تلك الكلمة أمرا مثيرا. 

أتذكر تلك العبارة التي كانت تلقى على مسامعي في مجالس الكبار، وكنت أنا وحفنة الأطفال الصغار نموت حنقاً من ذلك الافتراء، والاستهانة بحجم مشكلاتنا حد الشعور بالازدراء، ولولا قدرتنا على تحمل هذا الظلم؛ لتعرضت شخصياتنا للاهتراء.

كنا قلقون ومتوترون ،فكيف لم يتعاطف معنا الكبار ونحن نمر بتلك الحالةِ من الجنون، وكيف لا "والجادون" لم يعثر عليه إلا المحظوظون في أغطية المياه الغازية، وصدفة الحصول على كيمو كونو مجانية، قد تضاءلت لتصبح سبعين في المية، أما الهدية المخفية في كيس الشيبسي والمتمثلة في ربع جنيه أو بعض اللعب البلاستيكية لم تَعُد أمرا عظيما، فالحصول عليها متاحاً للجميع.

مشكلات جمة دون تعاطف من خالة أو عمة، ألا يكفي ألبوم الشمعدان الذي لا يكتمل إلا بعد صرف ما يربو على جنيهين؟، وذراع الأتاري الذي لا يتحمل أكثر من أسبوعين وينكسِر، وليس هناك من يتعاطف مع وجيعتنا ويتأثر، وحدث بلا حرج عن الدراسة فذلك مبلغ الغلاسة، فلم تعد هناك سلاسة خاصة مع تعدد الألوان المطلوبة لتجليد الكتاب والكراسة، حتى القلم السنون طالبنا المعلمون بإستخدامه فقط في حصة الفنون، كان قرار بلا كياسة، وتلك الوجيعة التي لم تمح السنون آثارها الفظيعة والمتعلقة بالقلم المتعدد الألوان، ذو السوستة التي باتت تهترئ في العام مرتين.

ناهيك عن الكوارث اليومية كاختفاء البِلي، وتهتك كور الراكيت، وانفلات سير الدراجة، وسف شرائط الكاسيت، وقرطاس البمب الذي تجاوز ثمنه الخمس وعشرون قرشا، ولكن ليست كل بُمبة فيه قادرة على الفرقعة أليس هذا غِشا؟، لن أتحدث عن المجهود المبذول لصيانة إبرة الڤيديو والكاسيت ذو البابين باستخدام العطر أو الإسبراي، وشعور عودتك للمنزل بعد فقدان الزمزمية أو المقلمة الحديدية، ولا قدر الله إذا ضاعت المحفظة الأكتوبوس ذات الشرائط اللاصقة الفوسفورية، ولا كتب الله على أحد لحظة نفاد شحن بطاريات الووكمان كعادة أصيلة نصف شهرية.

أضف إلى ذلك مسئولية مواكبة الاختراعات الحديثة، سواء على صعيد المطاعم مثل ويمبي ومؤمّن وشو إن وأربيز، بالإضافة للحاتي الذي عَكس تطوراً طبيعياً لأبو شقرة وفرحات، ثم سلسلة أمريكانا التي أضافت لحياتنا بعض الحركات.

أو في إطار المتابعة الجادة الحثيثة، لموضة ملابس جيلنا الفضفاضة دون مبرر وذات الألوان المضيئة وقصات الشعر العنيفة، فلم يكن الاختيار سهلاً بين الموديلات الجديدة التي تتغير كل 7 أعوام، واختيار الملابس كان مأساة جلل فهي من ستصاحبك سنوات بلا عدد، فهي لا تذوب ولا تبلى ولا يتغير لونها، مهزلة.. فتلك الملابس كانت صناعتها متقنة وكأنها سلع معمرة، الأمل في فِراقها أن تتغير أنت وتكبر فيصبح التخلص منها قرار دون فرار.

أتتذكر محلات ناف ناف وميكس وبينيتون، التي تجعل الحياة أكثر تشويقاً على كوكب نبتون؛ لأن منتجاتها كانت متينة لدرجة أنها كان من الممكن أن تعيش لليوم فهي تركة ثمينة، حتى ريموندس وفرج وجلجلة عنوان الضمير الحي في صناعة ملابس المدرسة المقاومة للعب والشقاوة والبهدلة.

هل أدرك أصحاب رؤية أننا جيل مدلع، معنى أن تكون طفلاً وقصة شعرك اسمها الأسد والكنيش للبنات، والبانك والجنب للأولاد، ويزداد الطين بِلة إذا كنت ترتدي النظارة الموضة السوداء فلا يستطيع من أمامك تمييز هل أنت مبصر أم من العميان حتى وإن كانت ماركة ريبان! وتكتمل الصورة.. بأنك متشرد أو هربان من أسرتك المستورة، بوضع الكاب بطريقة عكسية وحسبك أن الناس مبهورة، لن ينقذك من ذلك الظن إلا لو كنت ترتدي الساعة الرقمية الملحق بها آلة حاسبة، أو على أقل تقدير في معصمك الساعة الفضية التي تزن قرابة الوِقَّة.

آه وآه على لحظة انتهاء حكايات أبلة فضيلة معاناة لم يطبب وجيعتها إلا صوت صفية المهندس في رسالتها اليومية إلى ربات البيوت، والتي تعني انتهاء الفترة الصباحية التي بدأت ببرنامج على الطريق وقطرات الندى وكلمتين وبس…

يقتلني الشك أن أهل الظن بجيلنا الذي تربى على أخلاق تمنعه من الزَّن، وخاصة وقت ماما سامية وبابا ماجد وسينما الأطفال حيث أن تلك الأوقات إذا ألقيت بالإبرة سترن، لكن شكوكي أنهم لم يقدروا الضغط العصبي الذي نعيشه أثناء مشاهدة مازنجر أو في الساعة ونصف التي يستغرقها جول كابتن ماجد من لحظة ركل الكُرة وحتى تستقر في الشبكة ونتنفس الصعداء، حسبي ربي فذلك ليس من عدل السماء!

أين العدل والرفاهية في سهرات ثابتة، تبدأ من السبت بنادي السينما مروراً بحدث بالفعل وتاكسي السهرة، والثلاثاء الذي يشبه الببغاء فلم يكن له هوية ولا سهرة تلفزيونية، أما الأربعاء فكان يوم العظماء من متابعي ماكجيفر وملفات إكس وباقي فقرات اخترنا لك، مسرحية يوم الخميس المحفوظة وفيلم يوم الجمعة الذي لا زالت أحداثه في الذاكرة محفورة، والذي يقطع صفو متابعته البرنامج الإخباري العريق أحداث 24 ساعة والذي يستغرق قرابة الساعة نكون خلالها انقلبنا على ظهورنا كصرصار رفصه حِمار!.

لم تكن حياتنا سهلة! وكيف لك ذلك خاصة إن سولت لك نفسك الوقوف ضد الريح ورفضت ارتداء أميجو اللي بتنور بينما نصف الشعب عليها بيدور.. وهذا حديث صحيح يعني أنك كائن تقليدي متأخر متمسك بالرجعية الإيطالية وخاصة إذا كنت ترتدي أحذيتك من زلط وتوب أو لطفي وكوتشي، سواء من مصر الجديدة أو من بحري أو المحافظات القبلية.

سأحدثك عن الكارثة الكبرى والتي تنسف منطق التنعيم وتذهب به إلى الجحيم، وهي تتعلق بالألعاب التي أرى في عينيك ذكراها الممتلئة بالحنين، وتلك مأساة أخرى، فالنحلة الدوارة ألوانها تخبو كالدنيا الدوارة، ألعاب الجيب التي يُعَد عدم امتلاكها عيب، نط الحبل وصلَح ودور أتوبيس كومبليه في المدرسة قبل ما نروح، Xo على الشاطئ أو الزجاج الخلفي لسيارة يكسوها التراب، بنك الحظ والساعات التي نقضيها متوترين في محاولات مضنية باستراق النظر وذلك للتحايل على مسارات الدور الطبيعية وكشف كروت اللاعبين بطرق تجسسية، مشكلات السلم والثعبان الجمة، فكم من نرد ذهب في طي النسيان وورق الكرتون المرسوم عليه اللعبة كم تعرض للامتهان، ولليوم لا أحد يعلم كيف يختفى النرد وچوكر الكوتشينة وأحجار الدومينو الثمينة!

كيف يقترن بجيل الثمانينيات والتسعينيات وصم اللهو! ونحن الجيل الذي دفع أعصابه ثمناً للحصول بانتظام على إصدارات رجل المستحيل والمغامرون الخمسة وفلاش، ومجلدات عم ذهب وكابتن ماجد، أظنوا أننا كنا نحصل عليها ببلاش! ولن أتحدث عن الأيام التي كُنا نفترش فيها الأرض أمام المكتبات لأولوية الحصول على شريط جديد مصحوباً بالبوستر الملون بسعر قد قارب الأربع جنيهات، وبالطبع هذا سعر مختلف عن شرائط الكوكتيلات العمولة.

عجيب أمركم أيها الأجداد والأباء.. كيف غاب عنكم عناءنا وداومتم على نعتنا بالعيال المحظوظة، ونحن مشكلاتنا كان علاجها قُبلة وربتة وحنية فالبيوت كانت لا تزال بالأُسر عامرة ومن الهواتف المحمولة خالية، والألواح الذكية كانت منها خاوية، وللعادات متشبثة، وبالحب متشبعة، فلم يكن هناك منصات للتواصل الاجتماعي لكن كانت هناك مناسبات للتجمع الإنساني، وسفرة الغداء التي تتسع لحل مشكلات الجميع، وصينية ساندويشات العَشاء القادرة على إعادة ترتيب الكون بحسب أحلامك وكأنك ولدت من جديد! أصناف الطعام واحدة سواء كنت غفير أو وزير، والبيوت كلها مستورة في تناغم إنساني غريب.

نحن جيل تحمل التنمر بصبر فنحن من تربينا على أن أجمل من في الحفلة دبدوبة التخينة، والطويل يعود للوراء والقصير نفضحه ونقعده بالأمام، أما أصحاب الكوبايات عفواً أعني النظارات فعليهم الجلوس في منتصف الفصل حتى لا يصيبهم حَوَل والخوف عليهم هو الأصل!

زمن ليس كمثله زمن.. تلك حقيقة أي نعم، مرت الأيام وكبر جيل الأمنيات والأحلام واختفت ملامح ذلك الزمان، وصدقاً... كنا جيل مِدلع ولكن طيب ومحترم ومتربي وغلبان، رَحَل غالبية الأهل والجيران، ولا نملك اليوم إلا أن نقاوم النسيان، لنبقي على تلك الذكريات التي صنعت أرواحنا وشكلت لقلوبنا حماية مما أخفته الأيام، وقد انقلبت رأساً ووقع على عاقِبنا سيف التكيُف والتغُير حتى لا نقف أمام قطارها الذي لا يرحم الأنام!

كان في جعبة الأيام تربص وسوء نية، تركتنا نفرح ونمرح ونسرح في جمالها ونتغنى بدلالها ونرقص تحت صفو سمائها، ثم انقضت علينا بغتة، تطالبنا بسداد فواتير سعادتنا وبراءتنا وأمنياتنا، واللئيمة الجريئة نسيت أنها من سرقت أحلامنا، دون أن يشفع لنا مفارق شعرنا التي تلونت بالأبيض، ومشاعرنا التي اتشحت بالأسود حداداً على سوء اختياراتنا وغباء بعض قرارتنا، تركتنا المأسوفة على مفترق السنين ننزف كالذبيحة في صباح عيد حزين.

هل كان ذلك قبيل صدفة أم فعل متعمد يشوبه الإصرار والترصد! حتماً أنه المكتوب الذي لا مهرب منه إلا الوجوب، وسبحان الموجود المستعان على معنى أن نكون مفعول به في هذا الوجود، لكنها سُنة الحياة التي فرضُها أن تلك الأيام التي نشعر فيها بغربة ساحقة ووحدة ماحقة، ستصبح يوماً ذكرى لجيل آخر.

ربما بعد عشرات السنين سيكتب أحدهم مقالاً يترحم على أيام الذكاء الاصطناعي الوسطي الجميل، والأسرة التي تتقابل كل بضع شهور، والموضة المتغيرة من دقيقة لدقيقة، وجروبات الماميز التي تزرع الكراهية بين طلاب الفصل الواحد، والجو الحارق صيفاً والشديد البرودة شتاءً، و فيروس كورونا الذي كان رحيم، ربما سيتحسر صاحب المقال أيضاً على زمن الرقي الفني في موسيقى المهرجانات وأفلام العشوائيات ونجوم المطواة والسيوف حملة لواء انحدار الأخلاقيات، قد يشتاق لأيام كانت فيه معدلات الطلاق نصف نسب الزواج بعد أن أصبحت النسبتين متساويتين!

كله وارد.. فالحياة بابها موارب، لا نرى منها إلا ما تسمح لنا به، ونصيبنا فيها هو قسمة خالقنا منها، وما باليد حيلة إلا المضي فيها قُدماً حتى تحين ساعة لن يصبح لنا فيها على كل الأحوال قَدماً، ولذلك الوقت سنفترش الذكريات ونستعين بها على ما هو آت.

وسيظل المجد كل المجد لأيام ما كان المصيف يعني العجمي والمعمورة، ورأس البر وجمصة وجهات سياحية مشهورة، ومجلات الموعد والكواكب طوق نجاة للوجوه المغمورة، والسينما والمسرح والأوبرا سهرات مشروعة، والسهر خارج المنزل مع شلة النادي لبعد الثامنة من المحرمات الممنوعة، وطوبى لكل من ظلم جيلنا وقال  "مُنعَم" فالرحمة لمن غادرنا منهم، والصحة لمن لا زالت ضحكاتنا معهم.

وعسى أن يكون ما مرّ بنا من حروب تكنولوجية، وغلاء الحياة المعيشية ووباء الإشاعات والأمراض الأخلاقية، وغباء كل من ظن أنه صاحب فكرة لوذعية، هو شاهد أن ذلك الدلع وتلك الرفاهية لم يكنا إلا هدوء سبق العاصفة، وسُكون ما قبل الزلزال، وإطراق ما قبل البركان… 

وسنظل نحكي أنه كان يا ما كان، وبكل ما أوتينا سنحمي ذكرى هذا الزمان من طوفان التكنولوجيا والصراعات والمعلومات، وما خَفي وكُتب علينا من كل المقدرات.

مقالات مشابهة

  • العرموطي يكشف تفاصيل تمرير المادة 4 من قانون المرأة والمخالفات التي حصلت
  • ما حكم الشرع في عدم تنفيذ وعود ما قبل الزواج؟ |فيديو
  • نهال علام تكتب: جيل العيال المحظوظة
  • حكم الشرع في وعود ما قبل الزواج.. عدم تنفيذها حرام أم حلال؟
  • كمال مولى: نعاني من بيروقراطية الإدارة.. وملفات المستثمرين لا تُعالج في وقتها وأحيانا تبقى بلا رد
  • تنفيذ برنامجين بسقارة حول حقوق الإنسان وريادة الأعمال بمشاركة 100متدرب
  • ليلى عز العرب : الكبير أوي من كلاسيكيات الدراما المصرية
  • هل لمن خلعت زوجها عدة.. الأزهر يجيب
  • حاله انعقاد مستمر بالمستقلين الجدد استعدادا للانتخابات المقبلة
  • رئيس حزب الوفد: الشباب والمرأة وذوي الاحتياجات على رأس الأولويات في الانتخابات النيابية القادمة