كيف نجت مصر من طوق الإرهاب الملتهب؟
تاريخ النشر: 11th, March 2025 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
لا يمكن لأمة أن تنهار وفيها قائد يدرك حجم التحديات وجيش يحميها وشعب يدرك قيمتها
على مدار السنوات العشر الماضية، وقفت مصر على حافة هاوية سحيقة، حيث أحاطت بها نيران الإرهاب من الداخل وأطواق الفوضى من الخارج، في سيناء كانت الجماعات التكفيرية تحلم بتحويلها إلى إمارة دموية، وعلى حدودها كانت النيران تشتعل شرقًا وغربًا وجنوبًا، لكن رغم كل العواصف وقفت مصر شامخة مدافعة عن أرضها، وحافظت على كيانها وسط عالم يتهاوى.
تعالوا نسترجع معاً الأحداث التاريخية التي شاهدناها بأعيننا، منذ عام 2013 ومع نجاح ثورة الشعب فى إسقاط حكم جماعة الإخوان اندفعت قوى الظلام لتحاول أن تنتزع سيناء من جسد الوطن، مستغلة الفراغ الأمني في سنوات الاضطراب.. تنظيم "أنصار بيت المقدس"، الذي تحول لاحقًا إلى "ولاية سيناء" عقب مبايعته لتنظيم داعش في 2014 بدأ بشن عمليات وحشية، مستهدفًا الجنود والمواطنين على حد سواء.
لم يكن الإرهاب في سيناء مجرد عمليات متفرقة بل كان مخططًا مكتمل الأركان، يراد له أن يحول الأرض الطاهرة إلى وكر للمتطرفين، ويفرض على المصريين أمرًا واقعًا لا يمكن تغييره، وفي 2015 بلغت ذروة الهجمات مداها، عندما استهدفت الجماعات الإرهابية مقر الكتيبة 101 في العريش، في واحدة من أشرس العمليات التي شهدتها سيناء، راح ضحيتها العشرات.
لكن مصر لم تنتظر أن تُفرض عليها المعركة، بل أخذت زمام المبادرة وأطلق القائد الأعلى للقوات المسلحة، رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسى عملية "حق الشهيد"، التي لم تكن مجرد حملة عسكرية، بل كانت إعلانًا بأن الدولة لن تتهاون في حماية أرضها، وجاءت العملية على أربع مراحل من 2015 حتى 2018، توّجت لاحقًا بعملية "سيناء 2018"، التي كانت الضربة القاضية للجماعات التكفيرية، حيث تم تمشيط البؤر الإرهابية، وتدمير مخازن الأسلحة، والقضاء على قيادات التنظيمات المسلحة.
لم تكن حربنا ضد الإرهاب على عاتق الجيش وحده ولكن الشعب المصري كان في قلب المعركة وكان هو الحصن الذي لم ينكسر.. لم تكن حربنا سلاحًا وحيدًا فقط، بل كانت إرادةً وصمودًا، وكان للشعب دوره الذي لا يقل أهمية عن دور الجيش، لم يكن المصريون متفرجين على المعركة بل كانوا شركاء فيها. في سيناء دفعت القبائل ثمناً غالياً من دماء أبنائها، حيث انخرطت في مواجهات مباشرة مع الإرهاب، ورفضت أن تكون بيئتها حاضنة للتطرف.
في المدن، لم تنجح التنظيمات المتطرفة في كسب أي تعاطف، رغم محاولاتها المستميتة لإحداث فتنة بين الشعب والدولة، لعب الإعلام دورًا في كشف زيف دعاوى الإرهابيين، بينما ظل المواطن البسيط، الذي فقد قريبًا أو صديقًا في هجمات الغدر، مدركًا أن عدوه الحقيقي هو من يرفع السلاح في وجه وطنه.
وحتى نعرف طعم حلاوة النصر علينا أن نتخيل لا قدر الله لو سقطت سيناء كيف كان سيبدو المشهد؟ ماذا لو نجح الإرهابيون في بسط سيطرتهم على سيناء؟
المؤكد هو أن خريطة مصر كانت ستتغير إلى الأبد. كان الملايين سينزحون من مدنهم وقراهم، وسيتحول جزء من التراب المصري إلى معسكر مفتوح للموت والتدمير. كان يمكن للإرهاب أن يتمدد، متحالفًا مع جماعات أخرى في غزة وليبيا، ليشكل تهديدًا يتجاوز مصر إلى المنطقة بأسرها.
كانت قناة السويس هذا الشريان التجاري العالمي ستصبح تحت رحمة جماعات لا تعرف سوى لغة السلاح، وهو ما يهدد حركة التجارة العالمية، كانت الاستثمارات ستهرب، والسياحة ستنهار، وستدخل مصر في نفق اقتصادي لا يعلم أحد مداه.
لكن هذا السيناريو الكارثي لم يحدث، لأن هناك من دافعوا عن الأرض، ومن رفضوا أن يُسرق الوطن أمام أعينهم.
وما بين الحروب والحصار.. كيف نجت مصر من الطوق الملتهب؟ لأننا نعرف أن سيناء لم تكن وحدها ساحة المعركة، ففي كل الاتجاهات، كانت النيران تقترب من الحدود جنوبًا، كانت الحرب الأهلية السودانية تشتد، وتحول السودان إلى ساحة دمار ونزوح، لكن مصر استطاعت الحفاظ على حدودها، واستيعاب اللاجئين دون السماح بتسلل الفوضى إليها، غربًا، كانت ليبيا تغرق في مستنقع الميليشيات والصراعات القبلية، لكن مصر تعاملت بحزم، فأغلقت حدودها أمام تهريب السلاح، ودعمت استقرار ليبيا دون التورط في فوضاها.
شمالًا شرقًا، كانت غزة تعيش في أتون حرب طاحنة، ومع ذلك، تمكنت مصر من أن تحافظ على توازن دقيق، فدعمت الفلسطينيين إنسانيًا، دون أن تسمح بامتداد الحرب إلى أراضيها.
الدرس الأكبر هو أن مصر التي لا تسقط هي مصر المتماسكة جيشاً وشعباً، عشر سنوات من النار، لكن مصر لم تحترق. دفعت الثمن غاليًا، فقدمت مئات الشهداء، لكنها كسبت معركة البقاء. لم تسمح للإرهاب بأن يتمدد، ولم تترك للفوضى ثغرة تنفذ منها.
اليوم، وقد بدأت سيناء في استعادة نبض الحياة، يبقى الدرس الأهم لا يمكن لأمة أن تنهار وفيها جيش يحميها، وشعب يدرك قيمتها، وقائد يدرك حجم التحديات.
مصر لم تخرج من هذا العقد كما دخلته، بل خرجت أكثر قوةً وصلابة، وأثبتت للعالم أن من يُراهن على سقوطها، يخسر الرهان دائمًا.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: مصر سيناء لکن مصر مصر من لم تکن بل کان
إقرأ أيضاً:
مضى هذا الوفيّ الشجاع ، الذي جسد كل قيم النُبل
من حيث رأيته….
عاش ملء السمع والبصر ، ملأ الدنيا و شغل الناس ، لكنه كان يملك من الثقة في نفسه ما كان يجعله لا يهتم بحاسديه ولا يهمل ناقديه ولا يرحم خصومه ولا يفقد اصدقائه ..
خاض الكثير من المعارك ، لأجل ما يؤمن انه حق ، كان وفياً لاصدقائه حد إلا حد ، يدافع عنهم ويصلهم ويتفقدهم .
اختلف حوله الناس ،، وغضب منه الإسلاميون وهو القريب منهم ، وحاربه اليساريون فلم ينكسر لهم ، بذّ مجايليه وقرنائه ، ولم يقعده كلام الناس عن ما كان يؤمن به ، كان يحب الشُطار يبحث عنهم ويرعاهم ..لم يهزمه المرض فقد صارعه بجسده الواهن ، وبنفسه الشجاعة والمؤمنة فلم يستسلم له ، ولم يخف من الموت فيجلس حزيناً خائفاً ينتظره .
انه فقدي الكبير اليوم ، فقدي وفقد زوجي عمنا الفاتح عروة ، كان حبيباً لنا قريباً منا ناصحاً لنا ..اكتب من زاوية رأيتها وتعاملت معها لسنوات تجاوزت ربع قرن، وقد عرفنا به الشهيد إبراهيم شمس الدين – زاوية ربما لا يراها الكثيرون ، ولا يتفقون معي ، لكني رأيت عمو الفاتح الإنسان الشجاع ، والشيخ الهميم ، والصديق الوفي ، والعقل الكبير ، والقلب الحاضر ، والذاكرة المتقدة .
زاوية عرفت منها معنى ان تكون انساناً متوازناً ، وكيف تكون قدرات الإنسان الذكي ، ور أيت فيها هذا الوطني المتبتل في محراب عشقه لبلاده .، كان الحوار معه مفيداً والنقاش معه يفتح الأفق ويوسّع المدارك .. كان مدرسةً من نوع خاص .
كان نسج وحده بين السودانيين ، جيله واجيال بعده وقبله ، كان محل الكثير من الإشاعات والقصص من الفلاشا إلى العمالة إلى غيرها ، فلم يقعده ذلك ، ولم يغتر بان الكثيرين يرونه كبطل وفارس ، ويتذكرونه بانبهار وطائرته تنزل بمِلِس زيناوي في أديس أبابا ،صانعاً اللحظة الفارقة في تاريخ إثيوبيا بالقضاء على نظام منقستو هايلي مريام ، معلنةً بداية صفحة جديدة ، ومازال الإثيوبيون يحفظون له هذا الصنيع ، ومازال شخصية يحكي أبناء زيناوي بحب وتقدير رفيع ، كما تفعل صديقتي سماهل زيناوي كبرى بنات الرئيس الراحل .كان ضابطاً متميزاً وطموحاً ، ورجل استخبارات واسع العلاقات يملك شبكة واسعةً من المعارف ، كان يهوى الطيران وطياراٌ ماهر ، حاول إقناعي عدة مرات بالحصول على رخصة طيران ، وأنه سيساهم معي في تكلفتها ، كان زوجي يضحك ويقول له طيران شنو دي بترمي الطيارة !! وكنت أقول يا عمو الفاتح انت شايف ما عندي وقت ! وكان يصر عليّ إلا اسمح للمشغوليات ان تحرمني مني أنا ، لا تسمحي للعمل العام ان يأخذ عمرك ولا تجعليه مهنة .
تحاورنا عن المغزى من تسجيلاته في الأشهر الماضية ، ياعمو الفاتح انت بتحب المعارك ، وكفاية كثيرون حكموا عليك في دينك ووطنيتك ، فلا تجعلهم يزيدون أحكامهم عليك حكماً ، أنا بيني وبينهم الله ، وكان يملك الشجاعة ليقول أنا عارف إني في كل يوم اقترب من الموت خطوات ، دعيهم فأنا عاوز أقول شهادتي للتاريخ ! للأجيال الشابة… للمستقبل ، ليتعلموا من اخطائنا ويبنوا على بنياننا .
يا عمو الفاتح انت بتقول رأيك من زاوية انت واقف فيها ، لكن هناك زوايا أخرى لم ترها ، خلي الشاهد على زاوية أخرى يطلع بشجاعة ويقول الحقيقة من زاويته ، ما أقوله انا ويقوله فلان وإلا علان ، يخدم الأجيال والتاريخ بانه يصنع صورة كاملة ، ثم يضحك ويقول هم لا يملكون الشجاعة ، ليس لأنهم مخطئون بل لان هولاء الشهود يخشون قول الحقيقة في زمن مفصلي ، بدعوى أنهم لم يعتادوا في التنظيم على ذلك !
رأيته قبل اشهر في منزل صديق لنا دعاه عنده فطلب منه مناداتنا زوجي وانا ، كان ينادي زوجي “بالِدش” ولديه اعتقاد جازم بصدق رؤاه ويصر على رأيه بانه اختبر ذلك في الجنوب ، في ذلك اليوم وجدته مرهقاً ، ولكنه ما زال ذاك المحارب ، يرفض ان يساعده احد في حركته ، كنت معه حتى ركب السيارة ، كنت انظر اليه وأصغي السمع له ، وكنت اعلم في دواخلي أني لن أراه !!
كان يفترض ان يسجل تسجيلاً اخيراً ، يضع فيه بعض النقاط على الحروف ، ويملأ بعض الفراغات ، ويسمي بعض الأسماء !إلا ان الموت وصل اليه وانتهى هذا السباق المرهق ، وفاز المنون .
مضى هذا الوفيّ الشجاع ، الذي جسد كل قيم النُبل ، إلى ربه ، ” أنا ما خايف من الموت ، ولكني احمد الله على كل يومٍ افتح فيه عيناي” !
اللهم ارحم عبدك الفاتح عروة فقد أتاك كيوم أوجدته ، فقيراً إليك محسناً الظن بك .. اللهم اكرمه كرماً تطمئن به نفسه ويعلو به مقامه …
سناء حمد العوض سناء حمد