8 مارس وضرورة التوثيق لنضال المرأة السودانية

تاج السر عثمان بابو

1

أشرنا في مقال سابق إلى أن يوم المرأة العالمي 8 مارس يمر في ظروف تكتوي فيها المرأة بنيران الحرب اللعينة، كما سردنا فيه نضال المرأة السودانية ودورها في ثورة ديسمبر 2018، ونضالها المستمر ضد انقلاب 25 أكتوبر الذي قاد للحرب الجارية حاليا بهدف تصفية الثورة ونهب ثروات البلاد من المحاور الاقليمية والدولية التي تسلح طرفي الحرب.

ويبقى من المهم مواصلة وتوسيع توثيق تاريخ ونضال المرأة السودانية في مختلف الجوانب.

أذكر أنني أصدرت كتاباً بعنوان “تطور المرأة السودانية وخصوصيتها” عن دار عزة للنشر 2007 م، بهدف متابعة مسيرة المرأة السودانية التي لا تنفصل عن كل أنشطة المجتمع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والتوثيق لمسيرة المرأة السودانية التي تُعتبر الكتابة عن تاريخها ومسيرتها شحيحة، كما هو واضح من الرصد لمصادر الدراسات عن المرأة السودانية التي تيسر لنا الاطلاع عليها كما في قائمة المصادر والمراجع في نهاية الكتاب، وهنا اتفق مع ملاحظة د. مختار عجوبة  الذي أشار الى أن “الأدبيات التي كُتبت إلى نهاية السبعينيات من القرن العشرين الميلادي، سواء في مجال الاقتصاد أو الاجتماع أو التاريخ أو الأنثروبولوجيا انصبت جميعها على الرجال” (راجع مختار عجوبة: المرأة السودانية ظلمات الماضي واشراقاته ، دار عزة 2008، ص 5)، أي أن المرأة السودانية مهمشة حتى في كتابة تاريخها ومسيرتها من أجل التحرر والانعتاق.

لا شك كما اشار الكتاب أن النساء لعبن دورا مركزيا في السودان القديم لايقل عن دور الرجال في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والدينية، فهن الآلهات والمحاربات (الكنداكة) والملكات، والملوك لا يردون لهن شفاعة، ودور الملكة الأم كان واضحا في السودان القديم، واستمر دورها في الفترات التاريخية المختلفة قوة وضعفا كما اوضحت الدراسة، حتى بداية الحركة الوطنية الحديثة في بداية الحكم الثنائي الانجليزي- المصري، فشاركت في مظاهرات ثورة 1924م وشجعت بالزغاريد وحماية المتظاهرين، وتأمين وثائق ثوار 1924، وكانت العازة محمد عبد الله زوجة علي عبد اللطيف أول إمرأة سودانية تشارك في المظاهرات والنشاط السياسي في تاريخ الحركة السياسية الحديث. اضافة لصالون السيدة “فوز” التي لعبت دورا كبيرا في تأمين نشاط الثوار من خلال صالونها الأدبي والثقافي (للمزيد من التفاصيل عن السيدة فوز، راجع د. حسن الجزولي: نور الشقائق، دار مدارك للنشر 2012م).

مؤكد بعد مرور أكثر من اربعة عشر عاما من صدور الطبعة الأولى حدثت متغيرات أهمها الدور الكبير الذي لعبته المرأة السودانية في ثورة ديسمبر 2018 امتدادا لدور (الكنداكات) منذ السودان القديم، َكما أوضحنا في مقال سابق.

2

لا شك في أن تحرير المرأة السودانية، وانتزع حقوقها رهين بوقف الحرب واسترداد الثورة، وخروج العسكر والدعم السريع من السياسة والاقتصاد، وترسيخ الحكم المدني الديمقراطي، ومواصلة الثورة والصراع من أجل استكمال وتحقيق أهدافها في: الحرية والعدالة والسلام، وتحقيق مهام الفترة الانتقالية في مختلف الجبهات الاقتصادية والسياسية والثقافية والنوعية، فتحرير المرأة كان ولازال مرتبطا بتحرير المجتمع من كل أشكال الاضطهاد الطبقي والقومي والثقافي والديني والإثني والنوعي. علما بأن تقدم المجتمع كما أشار ماركس يُقاس بمدى تقدم وتحرر المرأة، وأن عمل النساء في حد ذاته تقدمي باعتباره الشرط المسبق لتحرير النساء من الحدود الضيّقة للمنزل والأسرة، والطريق الوحيد لتحرر النساء وجميع فئات المجتمع المضطهدة يمر عبر القضاء على النظام الرأسمالي، ويتطلب الوحدة بين الرجال والنساء في النضال ضدها، والوقوف ضد صراع المرأة ضد الرجل، وأن التحولات الاجتماعية العظيمة مستحيلة دون مشاركة النساء في الثورة.

كما أن عملية تحرير المرأة لا ننظر إليها فقط من الزاوية الاقتصادية، بل من الجانب الثقافي المكمل الذي يتمثل في الصراع ضد المفاهيم البالية التي تكرّس دونية المرأة الممتدة من اضطهاد القرون في مجتمعات العبودية والإقطاع والشكل الحديث للاستغلال الرأسمالي الذي انبثق مع فجر الرأسمالية، والتي تحتاج لصراع فكري متواصل ضدها.

صحيح أن المرأة في نضالها الطويل حققت نجاحات مثل: الحقوق السياسية والاقتصادية والثقافية، والتمثيل في المجالس التشريعية والوزارية والوظائف العليا في الإدارة والخدمة المدنية والعسكرية، ورئاسة بعض الدول، ومواثيق أعلنت عنها الأمم المتحدة رصدناها في الكتاب.

لكن إعلان المواثيق شئ وتحقيقها فعليا على أرض الواقع شئ آخر، مما يتطلب الصراع من أجل تحقيقها.

كما أنه لا يكفي تحقيق انجاز (الكوتا) أو التمييز الايجابي للنساء، ورغم أنه مكسب انتزعته المرأة في نضالها الطويل، لكن يجب مواصلة النضال من أجل تغيير الأنظمة الديكتاتورية والقمعية التي تضطهد الكادحات من النساء في المصانع والمزارع، وتبقيهن في سجن الجهل والأمية وثقل العادات الضارة بصحتهن وجسدهن والعمل المنزلي المفسد للعقل والجسد، والاستغلال الرأسمالي الفظيع للنساء العاملات لاستحواذ أكبر فائض قيمة منهن، وتقليل أجورهن بعدم تحقيق الأجر المتساوي للعمل المتساوي، ومصادرة حقهن في العمل النقابي، وإجبارهن على العمل لساعات طويلة بما فيها أثناء الليل، وتحقيق المساواة الفعلية مع الرجال، وتحريرهن من الاستغلال والعبودية، ورفض اعتبار المرأة سلعة ولترويج الإعلانات الجنسي وتجارة البشر للاستغلال الجنسي.

الوسومالتمييز الإيجابي للنساء الحرب الحكم الإنجليزي- المصري العازة محمد عبد الله اليوم العالمي للمرأة تاج السر عثمان بابو ثورة 1924 حسن الجزولي دار عزة صالون فوز علي عبد اللطيف نور الشقائق

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الحرب اليوم العالمي للمرأة ثورة 1924 حسن الجزولي دار عزة علي عبد اللطيف المرأة السودانیة النساء فی من أجل

إقرأ أيضاً:

8 مارس.. العالم يحتفي بيوم المرأة تقديرًا لمكانتها في المجتمع

عرضت قناة «القاهرة الإخبارية»، تقريرًا تلفزيونيًا بمناسبة يوم المرأة العالمي، والذي يحمل عنوان «8 مارس.. العالم يحتفي بيوم المرأة تقديرًا لمكانتها في المجتمع».

رسالة من حماس بمناسبة اليوم العالمي للمرأةمفتي الجمهورية: المرأة المصرية تساند الوطن وتقف مع الرجل في مسيرة البناء

تحت شعار «حقوقها مستقبلنا فورًا»، تحتفل الأمم المتحدة هذا العام باليوم الدولي للمرأة 2025 للتأكيد على أهمية إعمال حقوق المرأة والمساواة بين الجنسين كضرورة مرحلية لبناء مستقبل أفضل.

وأوضح التقرير، أن هذا الاحتفال يأتي في ظل الإنجازات التي حققتها الحركات النسوية حول العالم، حيث ساهمت في إحداث تحولات جوهرية في المجتمعات، جعلتها أكثر عدلاً وسلاماً وقدرة على مواجهة الأزمات، ورغم التقدم المحرز في تعزيز حقوق المرأة على مدى العقود الماضية، فإن الأمم المتحدة تشير إلى وجود تراجع ملحوظ في بعض المكتسبات، ما يؤكد على الحاجة الماسّة لمواصلة التحرك العالمي من أجل المساواة بين الجنسين، خاصة وأنها ليست مجرد مطلب نسوي، بل هي أساس جميع حقوق الإنسان والكرامة الإنسانية، وتلعب دورًا محوريًا في بناء مجتمعات مستقرة ومزدهرة.

وتابع التقرير، :«ولعل ما واجهته المرأة في مناطق الحروب هو أبرز مثال على هذا التراجع، بعد ما عانته النساء في غزة ولبنان من دمار وعنف جراء القصف الإسرائيلي»، موضحًا أنه لعل تعزيز حقوق المرأة وحمايتها لا يساهم فقط في تحقيق العدالة الاجتماعية، بل يبني مستقبلاً مشتركًا وأكثر استدامة للجميع.

ويأتي الدور العالمي في مواصلة العمل لضمان تمكين النساء والفتيات في كل مكان، والتصدي لأي محاولات للانتقاص من حقوقهن التي حصلن عليها بعد نضال استمر لسنوات طوال.

مقالات مشابهة

  • تكريم نساء طرفاية في يوم المرأة وتوزيع كراس كهربائية لذوات الإحتياجات الخاصة
  • دور المرأة في ثورة 1919.. كيف كسرت المصريات الحواجز
  • أكاديمية ليبية تحذر من تهميش المرأة في صنع القرار وتدعو لإصلاحات قانونية
  • "حماس" تدعو المجتمع الدولي لحماية الفلسطينيات من جرائم إسرائيل
  • في يومها العالمي.. الماركسية والمرأة
  • البرلمان العربي ينوه بالإسهامات التي حققتها المرأة العربية على كافة الأصعدة
  • في يوم المرأة العالمي.. أرقام وإحصائيات عن مآسي النساء في قطاع غزة
  • 8 مارس.. العالم يحتفي بيوم المرأة تقديرًا لمكانتها في المجتمع
  • في يومها العالمي الماركسية والمرأة