الدراما المصرية بين الأمس واليوم
تاريخ النشر: 11th, March 2025 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
تُعدُّ الدراما المصرية من أقدم وأهم الصناعات الفنية في العالم العربي، فقد كانت تُعتبر في زمن ليس ببعيد مدرسة فنية تُساهم في تشكيل الوعي الثقافي والاجتماعي للمشاهدين، من خلال تقديم موضوعات اجتماعية وسياسية وإنسانية بأسلوب درامي متوازن، وقدمت أعمالًا خالدة لا زالت راسخة في الأذهان إلى اليوم.
كانت العائلة العربية، من المحيط إلى الخليج، تجتمع خلال شهر رمضان لمتابعة مسلسل واحد تنتظره بشغف، وكان من أسباب نجاحه الحبكة الدرامية التي تناقش قضايا المجتمع برقي وعمق إلى جانب مشاركة ألمع النجوم المصرية، فقد كنا نغوص في صراعات الزمن الجميل بين "سليم البدري" و"العمدة سليمان غانم" في "ليالي الحلمية"، أو نعيش صراع الطبقات في "المال والبنون"، أو حتى نتأمل أجواء الرقي في "هوانم جاردن سيتي"، لم يكن العدد المهول من الخيارات لكن الجودة كانت عالية والقصة مشوقة تجعل المشاهد يتابع الأحداث بانبهار شديد.
اليوم، اختلفت المقاييس والحسابات، فأصبحت المواضيع تكرارية تتمحور إما حول تجارة المخدرات والأسلحة، وتحولت الحارة المصرية التي كانت رمزًا للجدعنة والتكافل إلى ميدان حرب تحتضن مشاهد العنف والانتقام، وأبطالها يمتهنون "البلطجة" بكل فخر، أو أصبحت المواضيع سطحية تدور حول الخيانات الزوجية وتنتهي في الآخر بقبول الخطأ كوجهة نظر قابلة للنقاش.
أما عن دور المرأة، فقد قُدمت في زمن "هوانم جاردن سيتي" أو "ضمير أبله حكمت" كنموذج للأناقة والثقافة والحكمة، حيث كانت تواجه المشاكل بحنكة وكرامة وتدير بيتها بذكاء يفوق ذكاء الرجل، أما اليوم، فقد تغيرت الرؤية، فأصبحت المرأة في الدراما المصرية إما راقصة تتحول إلى نجمة مجتمع بعد سلسلة من المشاهد المبتذلة، أو زوجة مقهورة تتعرض لخيانة زوجها رجل الأعمال الذي يمارس عليها كل أنواع العنف والاضطهاد، أو "مِعَلمة" تجلس بين "البلطجية" في قهوة الحارة وهي تدخن "الشيشة" وتصرخ أو تتبادل الشتائم، بل وقد تصل إلى الضرب بالشباشب، مشاهد سوداوية حولت المجتمع إلى أفراد تعاني من قلة التربية وانعدام المبادئ.
الدراما ليست ترفيهًا بل هي ثقافة، وإذا كنا نريد جيلاً واعيًا ومثقفًا، فلا بد من تقديم أعمال راقية تحترم العقل والمبادئ، كما أننا بحاجة إلى صناع يعيدون لنا دراما الزمن الجميل لكي لا نظل عالقين في دوامة الضرب والرقص والسباب.
*كاتبة وإعلامية مغربية
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: شهر رمضان هوانم جاردن سيتي
إقرأ أيضاً:
الفن المقتول والرواية المبتورة
#الفن_المقتول و #الرواية_المبتورة _ د. #منذر_الحوارات
ردَّ الكاتب العظيم ومدير المسرح القومي البريطاني ديفيد هير، على قرار مارغريت تاتشر برفع الدعم عن المسرح بكلمات كانت بمثابة درس تجاوز حدود بريطانيا، إن السياح يأتون الى بريطانيا من أجل عمارتنا واسواقنا ومسارحنا، يأتون من أجل الثقافة التي أنتجتها بريطانيا عبر قرون وجسّدها المسرح، ثم أضاف: إن السياحة هي ثاني أكبر صناعة لدينا، فالسائح ينفق المال، والحكومة تجني الضرائب، فهي إذًا لا تدعم المسرح، بل تستثمر فيه، لأنها تدرك أنه ليس مجرد خشبة، بل هو أداة لتسويق بريطانيا، وأداة لتأكيد هويتها، وتحويل قصصها إلى اقتصاد وثقافتها إلى مورد وطني.
من هذه القصة نكتشف أن دعم الفن واجب على الدول، فالأمر أبعد من المال بكثير، فالفن هو المدماك الذي تُبنى عليه حكايات الشعوب وروايات الدول، لا يمكن بدون مسرح ودراما وسينما وأدب وموسيقى، أن تُبنى قصة وطنية تخص كل مواطن، والمؤسف أننا نتعامل مع الفن باعتباره كمالية، متناسين حكمة ديفيد هير، وعلى الرغم من أن الأردن لا يعاني من مشكلة في غزارة التاريخ، فهو مليء بالقصص والحكايات، إلا أنه يفتقر إلى من يحكيها، مشكلته ليست في غياب الهوية، بل في الوسائل التي تجعلها ملموسة ومحسوسة وقادرة على التحرك بانسيابية خارج الكتب والخطابات الرسمية والبيروقراطية الحكومية، وليس هناك أداة أفضل من الفن، وخصوصاً الدراما، للقيام بذلك، فهي الوحيدة القادرة على خلق ذاكرة جماعية وشخصيات تعيش في وجدان الناس لعقود.
لذلك، فإن غياب الدراما الأردنية الجادة ليس مجرد خسارة لصناعة فنية، بل هو تراجع في قدرة الأردن على أن يكون له حضور في الوجدان المحلي وصوت في الفضاء الثقافي العربي، في الماضي وضعت الدراما البدوية الأردن في كل بيت عربي، لكنها اختفت، إما لعجزها عن إحداث النقلة بين الماضي والحاضر المتجدد، أو لأنها فشلت في مواكبة التغيير في المجتمع، أو لأنها لم تتلقَّ الدعم المناسب لمواكبة ذلك التغيير، كل ذلك جعل الأردن بلا نافذة يطل منها على مواطنيه وعلى ملايين المشاهدين العرب، وخسر بالتالي الفرصة في أن يروي حكايته ويتحكم في تشكيل صورته، ليكون جزءاً من السردية العربية، لا مجرد بلد يُذكر فقط في الأخبار، بالتالي، فإن هذا التراجع لا يتعلق بالفن وحده، بل يُعد تراجعًا في الاستثمار في الهوية الوطنية، وفي بناء سردية يلمسها الأردنيون قبل غيرهم.
مقالات ذات صلة أزمة الهويات الأوروبية.. صراع وتحالف 2025/03/10أما الفنانون الأردنيون، فلم تقتصر معاناتهم على قلة الفرص، بل وجدوا أنفسهم خارج المعادلة، إذ انعدمت أمامهم المنصات التي تمنحهم الفرصة ليعبّروا عن أنفسهم، مما دفعهم إمّا للهجرة أو الاعتزال أو القبول بأعمال لا ترقى إلى مستوى إمكانياتهم، وأصبحوا ضحايا الفقر والفاقة، ولا نذكرهم أو نتغنى بهم وبماضيهم إلا عندما يتوفاهم الله، هذه الخسارة لا تقف عند الفنانين فحسب، بل تطال المواطن الأردني الذي افتقد الدراما المحلية، وبات يستهلك الدراما المصرية والتركية والخليجية، والتي – رغم كل الاحترام لها – لن يجد فيها الأردني محتوى يعبر عنه، لا عن لهجته ولا قصصه أو مشاكله وأحلامه أو هويته، وهنا، تُرك ليتبنى هويات الآخرين وتصوراتهم، لأن الفن ليس مجرد تسلية، بل هو أداة لصياغة الوعي وترسيخ الانتماء، وخلق شعور عميق بأن المكان الذي نعيش فيه ليس مجرد جغرافيا وجواز سفر، بل ذاكرة وقصة وهوية، ففي عالم اليوم، لا يكفي امتلاك التاريخ، بل يجب معرفة كيف نحكيه ونسوّقه.
لقد دافع ديفيد هير عن المسرح لأنه جزء من إرث بريطانيا وتاريخها واقتصادها، وبالتالي فإن الدفاع عن الفن، وخصوصاً الدراما في بلدنا، يجب أن يأخذ المنحى نفسه، لأنه دفاع عن حكاية الأردن وصورته في داخله ومحيطه، ودفاع عن هويته، فغيابه يترك فراغًا تملؤه هويات الآخرين، وربما أجنداتهم، وحتى لا نجد أنفسنا لاحقًا على قارعة الطريق، غارقين في الضياع، نبكي الرواية والهوية، ينبغي ألا نقتل الفن، لأن ذلك لن يقف عنده، بل سيطال هويتنا، التي ستصبح مبتورة، غير مكتملة، بلا روح، فالدول باتت تُعرف بفنونها كما تُعرف بحدودها، لذلك، فإن السؤال الذي يجب علينا طرحه لا يجب أن يقتصر على: لماذا تراجع الفن في الأردن؟ بل يجب أن يكون: كيف يمكن إعادته ليكون جزءاً أصيلًا في بناء البلد وهويته، لا مجرد هامش يمكن الاستغناء عنه؟ لأن نتيجة ذلك وخيمة.
الغد