التحقيق في مجازر الساحل: خطوة نحو العدالة أم مناورة لتجنب العقوبات؟
تاريخ النشر: 10th, March 2025 GMT
يسعى الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع إلى تحقيق توازن دقيق بين السيطرة الداخلية وتجنب العقوبات الدولية، في ظل ضغوط متزايدة على حكومته بعد مجازر الساحل. وبينما تعلن الحكومة تشكيل لجنة تحقيق وطنية، يشكك المجتمع الدولي في استقلاليتها.
فيما يبدو أنه التقاط للأضرار التي أصابت صورة الحكم الجديد بعد أعمال العنف التي شهدها الساحل السوري، واستباق لاحتمال تأثير ذلك على العقوبات الغربية ضد بلاده، وربما زيادتها، أكد الرئيس الانتقالي أحمد الشرع في مقابلة مع وكالة "رويترز" أن العقوبات المفروضة على سوريا تعرقل قدرة حكومته على ضبط الأمن وإعادة الاستقرار، مشيرًا إلى أن تصاعد العنف في البلاد مرتبط بـهجمات يقف وراءها موالون لنظام الأسد ودولة أجنبية، دون الكشف عن تفاصيل إضافية.
الشرع الذي أعلن عن لجنة تحقيق وطنية لمحاسبة المتورطين في أعمال العنف ضد العلويين والأقليات في الساحل، أكد أن المتورط سيحاسب "حتى لو كان أقرب الناس إلينا"، مؤكدًا التزام حكومته بتحقيق العدالة وعدم السماح بتحويل الوضع الحالي إلى "فرصة للانتقام" من مظالم الماضي.
وفي الوقت نفسه، رفض الرئيس السوري الإفصاح عن هوية المتورطين في عمليات القتل الأخيرة، مكتفيًا بالإشارة إلى أن الجهات الأمنية تعمل على كشف الحقيقة وتقديم المسؤولين للعدالة.
هل هذا يعني تحولاً في الخطاب الذي كان في بداية الهجوم على الساحل، مركزاً فقط على عنوان ملاحقة "فلول نظام الأسد"؟
بين الضغوط الدولية وتشكيك الاستقلاليةدخلت سوريا مع أحداث الأسبوع الثاني من مارس، مرحلة حرجة حيث زادت التحديات بوجه الحكومة الجديدة، وبدا المجتمع في غليان يهدد بانفجارٍ أمني طويل الأمد. فسرعان ما تحولت أحداث الساحل إلى أزمة سياسية وإنسانية أثارت انتقادات دولية واسعة، خاصة بعد ورود تقارير وفيديوهات وشهادات حية عن عشرات المجازر الطائفية بحق المدنيين العلويين.
Relatedالساحل السوري يتحرك ويفجر أسئلةً كبرى حول مستقبل العلاقة مع دمشقوزير الخارجية الأمريكي يدعو إلى محاسبة "مرتكبي المجازر" ضد الأقليات في سوريابعد أيام دامية.. وزارة الدفاع السورية تعلن انتهاء "العملية العسكرية" في الساحلالضغوط الغربية المتزايدة، والمطالبات بتحقيق مستقل وشفاف، دفعت حكومة الشرع إلى تغيير خطابها من التركيز على "القضاء على فلول النظام السابق" إلى إعلان تشكيل لجنة تحقيق، في خطوة وصفتها بعض الدول بأنها "استجابة للضغط أكثر من كونها التزامًا حقيقيًا بالمساءلة".
أحداث الساحل السوريوشهد الساحل السوري في نهاية الأسبوع الماضي، لا سيما محافظتي اللاذقية وطرطوس، أعمال عنف مروعة أدت إلى سقوط مئات القتلى، بينهم عدد كبير من المدنيين. في البداية، تبنت الحكومة السورية خطابًا يركز على "القضاء على مجموعات مسلحة تابعة للنظام السابق"، وأكد الرئيس أحمد الشرع في تصريح رسمي أن القوات الأمنية كانت "تخوض معركة ضرورية ضد فلول الأسد الذين يسعون إلى زعزعة الاستقرار في البلاد".
إلا أن التقارير الميدانية التي نشرتها منظمات حقوقية وإعلام دولي قدمت رواية مختلفة، إذ تحدثت عن "مجازر تطهير طائفي"، وأكدت وقوع "عمليات إعدام جماعي وتهجير قسري للمدنيين العلويين". هذه التقارير أثارت موجة من الإدانات الدولية، ووضعت حكومة الشرع تحت ضغط متزايد لمحاسبة المسؤولين.
الضغوط الأمريكية والأوروبيةمع تزايد التقارير عن "جرائم ممنهجة ضد الأقليات"، سارعت الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون إلى الضغط على حكومة الشرع لاتخاذ خطوات ملموسة لضمان عدم الإفلات من العقاب.
ووصف وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو الأحداث بأنها "مجزرة لا يمكن التغاضي عنها"، داعيًا إلى "إجراء تحقيق دولي مستقل لتحديد المسؤولين عن هذه الجرائم". كما حذرت واشنطن من أن "أي تهاون في تحقيق العدالة قد يعرض الحكومة السورية لعقوبات أمريكية".
Relatedيهود أمريكيون يطالبون ترامب برفع العقوبات عن سوريا لإعادة بناء المعابد اليهوديةهجوم إسرائيلي على ميناء طرطوس شمال غربي سورياتقرير: صفقة وشيكة بين سوريا روسيا تضمن احتفاظ موسكو بقاعدتي حميميم وطرطوس فما المقابل؟من جهته، أصدر الاتحاد الأوروبي بيانًا شديد اللهجة أكد فيه أن "عدم محاسبة مرتكبي المجازر سيؤدي إلى تعليق الدعم السياسي والاقتصادي للحكومة الجديدة". كما طالبت فرنسا وألمانيا بإشراك مراقبين دوليين في أي لجنة تحقيق لضمان شفافيتها.
أما الأمم المتحدة، فقد دعا الأمين العام للمنظمة أنطونيو غوتيريش إلى تحقيق دولي محايد، مشيرًا إلى أن "اللجان الوطنية لا توفر دائمًا الضمانات الكافية للاستقلالية والعدالة".
وفي مواجهة هذه الضغوط، وجدت حكومة الشرع نفسها في موقف حرج، حيث باتت بحاجة إلى اتخاذ إجراءات لاحتواء الأزمة، من دون أن تبدو خاضعة تمامًا للمطالب الدولية.
خطوة حقيقية أم مجرد استجابة للضغوط؟وفي محاولة لاستعادة زمام المبادرة، أعلن الشرع عن تشكيل لجنة وطنية مستقلة للتحقيق في أحداث الساحل، مؤكدًا أن الحكومة "لن تتهاون في محاسبة أي شخص يثبت تورطه في جرائم ضد المدنيين".
إلا أن هذا الإعلان قوبل بتشكيك واسع من قبل جهات دولية وحقوقية، حيث اعتبرت بعض الأطراف أن اللجنة ليست مستقلة بشكلٍ حقيقي، وأن الهدف منها هو امتصاص الغضب الدولي من دون محاسبة فعلية للمتورطين.
وعلى الرغم من ترحيبها المبدئي بالإعلان، شددت الخارجية الأمريكية على أن "أي تحقيق لا يشمل مشاركة خبراء دوليين لن يكون كافيًا"، وأكدت أنها "ستراقب عن كثب تنفيذ عمل اللجنة ونتائجها".
Relatedالشرع: سوريا غير قابلة للتقسيم وليست حقلاً للتجارب"عدّت على خير".. الشرع يطمئن السوريين ويدعوهم للوحدة الوطنيةالرئاسة السورية: توقيع اتفاق يقضي باندماج قسد ضمن مؤسسات الدولةفي الوقت نفسه، أكدت فرنسا وألمانيا أنهما "لن تعترفا بنتائج أي تحقيق لا يخضع لمراقبة أممية"، وأشارتا إلى أن "الحكومة السورية الانتقالية لديها مصلحة مباشرة في تبرئة بعض الجهات الفاعلة".
وعلى مستوى منظمات حقوق الإنسان، أبدت "هيومن رايتس ووتش" و"العفو الدولية" شكوكًا جدية في قدرة اللجنة على العمل بحرية، واعتبرت أنها "تفتقر إلى الحياد، حيث تضم شخصيات قريبة من الأجهزة الأمنية".
وعلى النقيض من ذلك، رحبت موسكو وبكين بتشكيل اللجنة، واعتبرتا أن "سوريا قادرة على التحقيق في الأحداث من دون تدخل خارجي"، مما زاد من الانقسام في المواقف الدولية حول هذه القضية.
مع استمرار الجدل حول نزاهة التحقيق، يواجه الشرع تحديًا حقيقيًا في إقناع المجتمع الدولي بجدية اللجنة، خاصة أن أي فشل في تقديم نتائج شفافة وموثوقة قد يؤدي إلى تفاقم العزلة الدولية للحكومة الانتقالية.
وبهذه التطورات، تكون حكومة الشرع أمام ثلاثة خيارات رئيسية:
- المضي قدمًا في اللجنة الداخلية من دون رقابة دولية، مما قد يزيد من التشكيك الدولي ويعرضها لضغوط سياسية واقتصادية أكبر.
- الموافقة على إشراك جهات رقابية أممية، وهو ما قد يساعدها في كسب الشرعية الدولية، لكنه قد يفتح الباب أمام انتقادات داخلية من المتشددين في الحكومة.
- المماطلة في تقديم نتائج ملموسة، على أمل أن ينحسر الاهتمام الدولي بالقضية مع مرور الوقت، وهي استراتيجية قد تكون محفوفة بالمخاطر.
وتعكس تحولات خطاب حكومة الشرع بعد أحداث الساحل السوري ديناميكيات السياسة في مرحلة ما بعد النزاع، حيث يصبح التفاعل مع الضغوط الدولية عاملًا حاسمًا في تشكيل السياسات الداخلية. لكن السؤال الأهم يظل قائمًا: هل اللجنة ستؤدي إلى تحقيق العدالة الحقيقية، أم ستكون مجرد أداة سياسية لتخفيف الضغط؟
ومع مرور الوقت، ستظهر مدى جدية حكومة الشرع في تنفيذ وعودها، وإن كانت قادرة على كسب ثقة المجتمع الدولي، أم ستجد نفسها في مواجهة عزلة متزايدة، تعيد إنتاج أخطاء الماضي بشكلٍ جديد.
Go to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية الرئاسة السورية: توقيع اتفاق يقضي باندماج قسد ضمن مؤسسات الدولة فيديو مثير للجدل لرئيس لجنة الأمن القومي بالكنيست الإسرائيلي يدعو فيه للسيطرة على سوريا والأخير ينفي وزير الخارجية الأمريكي يدعو إلى محاسبة "مرتكبي المجازر" ضد الأقليات في سوريا سورياأبو محمد الجولاني الساحلهيئة تحرير الشامالمصدر: euronews
كلمات دلالية: سوريا ضحايا بشار الأسد روسيا دونالد ترامب ألمانيا سوريا ضحايا بشار الأسد روسيا دونالد ترامب ألمانيا سوريا أبو محمد الجولاني الساحل هيئة تحرير الشام سوريا ضحايا بشار الأسد روسيا دونالد ترامب ألمانيا إسرائيل تركيا أوكرانيا المفوضية الأوروبية الاتحاد الأوروبي بريطانيا وزیر الخارجیة الأمریکی مرتکبی المجازر الساحل السوری أحداث الساحل الأقلیات فی حکومة الشرع ضد الأقلیات یعرض الآنNext لجنة تحقیق الساحل ا الشرع فی إلى أن من دون
إقرأ أيضاً:
حزب العدالة والتنمية التركي: استهداف قوات الأمن في الساحل هجوم إرهابي يستهدف وحدة سوريا
أنقرة-سانا
أكد نائب رئيس حزب العدالة والتنمية التركي عمر تشليك أن الهجوم الأخير الذي وقع في الساحل السوري واستهدف قوات الأمن هناك هجوم إرهابي يستهدف وحدة سوريا واستقرارها.
ونقلت وكالة الأناضول عن تشليك قوله: إن حزب العدالة والتنمية يتابع عن كثب الأحداث الأخيرة التي وقعت في محافظتي طرطوس واللاذقية مجدداً التأكيد على رفض بلاده بشكل كامل أي محاولات لزعزعة استقرار سوريا.