لجريدة عمان:
2025-03-10@21:11:03 GMT

العقائد المسيحية .. ورد القرآن عليها

تاريخ النشر: 10th, March 2025 GMT

بناء على التفرقة بين النصرانية والمسيحية في المقال السابق «النصرانية.. في القرآن»؛ فهذا المقال يقرأ العقائد المسيحية التي سرت إلى جزيرة العرب كما وردت في القرآن.

لم يرد ذكر المسيحية في القرآن، وهذا عائد.. إما لعدم اعترافه بها، وإما لسيادة النصرانية في المنطقة حينها، بيد أنه حذّر من العقائد المسيحية واعتبرها شركا بالله.

والمشركون بحسب القرآن هم مَن يشرك مع الله إلها آخر؛ بأي شكل من الأشكال، والشرك لفظ عام استنكره القرآن. ومن حيث الفرق فقد كان المشركون زمن البعثة المحمدية على ثلاث؛ كلها تعتقد بأن لله بنين وبنات، فالشرك لديهم يرجع إلى أصل واحد هو «شرك الولدية»؛ أي الاعتقاد بأن لله ولدا:

- فرقة تعتقد بأن الملائكة بنات الله: (أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِنَاثا إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلا عَظِيما) [الإسراء:40]، (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ) [الأنبياء:26].

- فرقة تعتقد بأن الجن والشياطين بنين الله وبناته: (وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ، بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [الأنعام:100-101]، (إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانا مَرِيدا) [النساء:117].

- فرقة تعتقد بأن المسيح ابن الله، وهؤلاء الأقنوميون بمذاهبهم المختلفة؛ وهم الذين وصل إليهم دين المسيح عبر بولس «شاؤول الطرسوسي» (ت:67م) اليهودي، مؤسس المسيحية، ومضطهد تلاميذ المسيح عيسى بن مريم، وأما النصارى فهم من آمن بنبوته من اليهود.

عندما ظهر الإسلام.. كانت المنطقة من حوله منقسمة بين إمبراطوريتين: الرومانية البيزنطية والفارسية الساسانية، وكان الصراع محتدما بينهما، وقد استُقطبت الجزيرة العربية بينهما، فالغساسنة دخلوا في البوتقة الرومانية، والمناذرة دخلوا في البوتقة الفارسية، وكان الرومان ينشرون المسيحية، ويحاربون النصرانية؛ بكونها هرطقة منحرفة عن المسيحية. ولأن المسيحية هي دين بيزنطة فقد كانت لها الغلبة على النصرانية الموحدة؛ التي ظلت دعوة الفقراء والزهاد «الأبيونيين»، وإن وجدت في بعض الأحيان دعما من فارس، إلا أنه رهين بمعادلات الصراع السياسي، وليس خدمة للمعتقد الديني ذاته. غلبة المسيحية نالت من النصرانية المنتشرة في الجزيرة العربية، وأثرت عقائدها على كثير من النصارى، فشن القرآن حربه عليها، وامتدح النصارى الموحدين.

لقد حذّر القرآن من العقائد المسيحية؛ فقال الله: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ) [المائدة:17،72]، وخاطب النصارى ناهيا إياهم عن الغلو بتأليه المسيح: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ) [النساء:171]. ويقرر القرآن أن عقيدة تأليه عيسى بن مريم ظهرت من بعده، ونسبوها إليه: (وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ، مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) [المائدة:116-117].

أكد القرآن على أن عيسى بن مريم بشر كسائر البشر، فهو كآدم مخلوق من تراب: (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [آل عمران:59]. وصفوة القول فيه: (قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّا، وَجَعَلَنِي مُبَارَكا أَيْنَمَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّا، وَبَرّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارا شَقِيّا، وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّا، ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ) [مريم:30-34]، وما عدا هذا.. فهو غلوٌ في الدين. وأنى لله أن يتخذ ولدا؛ وهو الغني الذي بيده كل شيء؟ كما أنهم لا يملكون دليلا على دعواهم: (قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ) [يونس:68]. والنصرانية.. تنفي أن يكون لله زوجة، فكيف لهم أن يتقبلوا العقيدة المسيحية بأن لله ولدا؟ يقول الله: (بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [الأنعام:101]؛ فلا ولد من دون أنثى تحبل به.

كان «معتقد بنوة المسيح لله» هو الأكثر حضورا في المنطقة، فقد ورثته الأديان المتأخرة من العقائد القديمة، لأنه منبثق من «شرك الولدية». وهو الأكثر تأثيرا على النصرانية، فقد تطور مفهومه الوثني القديم، وأصبح يُستعمل مجازا لدى بعض المتدينين بمعنى أن الإنسان هو محل تنزل رحمة الله عليه كمثل الابن الذي تحل عليه رحمة والده. ومع ذلك؛ فإن الله شنّع على هذا القول كثيرا في القرآن؛ لأنه يعكر صفاء توحيد الله، خاصة؛ عندما اعتقدت به المسيحية الأقنومية؛ فقالت ببنوة المسيح لله. لقد أنزل الله سورة بأكملها في رفض «شرك الولدية»؛ وهي «سورة الإخلاص»: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوا أَحَدٌ)، ورد عليه في العديد من الآيات؛ كقوله: (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدا، لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئا إِدّا، تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّا، أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدا، وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدا) [مريم:88-92]، وقوله: (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ) [الأنبياء:26].. بل إن القرآن رفض كل أصناف القول بالولدية لله؛ فقال: (وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدا، مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَة تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبا) [الكهف:4-5].

وإذ رفض القرآن القول ببنوة المسيح لله؛ فمن باب أولى يرفض القول بأنه هو الله، وقد وصف القرآن القائلين بذلك من بني إسرائيل بالكفر والشرك، وتوعدهم بالنار والحرمان من الجنة: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ) [المائدة:71]. ورفضُ هذا القول والردُ عليه يدل على أن العقائد المسيحية أثرت على معتقدات بعض النصارى. وقد اعتمد القرآن في رده على القائلين بهذا المعتقد على الحجج العقلية؛ كبيانه بأن المسيح وأمه فانيان كسائر البشر، وأن الله قادر على إهلاكهم جميعا: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ بْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعا وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَواتِ وَالْأَرْضِ) [المائدة:17].

وحذّر القرآن من العقائد المسيحية القائلة بالأقانيم الثلاثة؛ الأب والابن والروح القدس، واعتبره غلوا في الدين وافتراء على الله: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ) [النساء:171].

لقد انتصر القرآن للنصرانية القائلة بنبوة المسيح وبشريته ووحدانية الله؛ فأسلم كثير من أتباعها، وانتهت العقائد المسيحية من معظم المنطقة التي أسلمت ودانت لله بتوحيده.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: فی القرآن تعتقد بأن س ب ح ان ه ر القرآن ال أ ر ض

إقرأ أيضاً:

شيخ الأزهر: الله حفظ القرآن الكريم من التحريف والتبديل والضياع

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

قال فضيلة الإمام الأكبر أ.د أحمد الطيب، شيخ الأزهر، رئيس مجلس حكماء المسلمين، إن حفظ الله لعباده، المستمد من اسمه "الحفيظ"، يشمل كل الناس، مطيعون لله كانوا أو عصاة، فالإنسان وهو يعصي الله محفوظ، وعادة ما تجد أن العصاة أو الخارجين على حدود الله لديهم نعم أكثر، مما يدل على أن هذه النعم ليست شيئا في الحسبان الإلهي، وأن الدنيا للمطيع وللعاصي، فالله تعالى يمهل العاصي، ليس تربصا به ولكن لعله يتوب أو يرجع، وفي كل شيء تجد تطبيقا عمليا لقوله تعالى في الحديث القدسي: " إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبي".

وبيِن الإمام الطيب، خلال حديثه اليوم بثامن حلقات برنامجه الرمضاني «الإمام الطيب» لعام ٢٠٢٥، أن لاسم الله "الحفيظ" معنيان، الأول هو الضبط، ومعناه ضد النسيان أو السهو، فيقال "فلان حافظ للقرآن عن ظهر قلب"، أي لا يمكن أن يخطئ في كلمة من كلماته، والمعنى الثاني هو "الحراسة"، من الضياع، ولا يكون ذلك إلا بحفظ من الله، لافتا أن حفظ الله للأرض والسماء يعني الإمساك والتسخير، فهو تعالى يمسك السماء أن تقع على الأرض رحمة بعباده وحتى يتحقق لهم التسخير بالصورة الكاملة التي تفيد الإنسان وتعينه على أداء رسالته في هذه الحياة.

وأضاف شيخ الأزهر أن حفظ الله تعالى يشمل كذلك القرآن الكريم، فهو سبحانه وتعالى الحافظ للقرآن الكريم من التحريف والتبديل والضياع، مصداقا لقوله تعالى: " إنّا نَحْنُ نَزّلْنا الذّكْرَ وهو القرآن وإنّا لَهُ لحَافِظُونَ "، وهذا هو التأكيد الأكبر بأن القرآن لم يعبث به في حرف واحد، فقد وصلنا كما بلغه النبي "صلى الله عليه وسلم"، وهو بين يدينا كما قرئ بين يديه "صلى الله عليه وسلم" دون أي تحريف أو تغيير.

واختتم فضيلته أن الإنسان مطالب، بجانب حفظ الله تعالى له، أن يعمل هو على حفظ نفسه وعقله، فهما أهم ما لديه من نعم الله تعالى، فهو مطالب بحفظ نفسه من المعاصي ومن تصلب الشهوات، ومطالب أيضا بحفظ عقله من المعلومات والمحتويات الضارة، والتي منها على سبيل المثال، ما قد ينتج عنه التشكيك في الدين أو العقيدة، وبهذا يكون بإمكان الإنسان أن يحفظ نفسه وعقله.

مقالات مشابهة

  • عبد المسيح: تشرفت اليوم بزيارة الرئيس عون
  • مُشتِّتات الصلاة
  • القرآن الكريم دستور حياة مثالية 100 %
  • الشيخ حماد القباج في ذمة الله
  • عبد المسيح يشيد بدور المعلمين ويؤكد: أنتم في صلب معركتنا
  • ميثاق غليظ
  • خواطر رمضانية
  • شيخ الأزهر: الله حفظ القرآن الكريم من التحريف والتبديل والضياع
  • 10 فضائل لصيام شهر رمضان.. تعرف عليها