برلين ـ أثار صعود اليمين المتطرف في ألمانيا قلق المهاجرين بشأن مستقبلهم في البلاد، فقد حقق حزب البديل من أجل ألمانيا تقدما كبيرا في الانتخابات، مما أثار مخاوف ليس فقط بين المهاجرين ولكن أيضا بين المواطنين الألمان من أصول مهاجرة.

فحصول الحزب على أكثر من 20% من أصوات الناخبين يعد مؤشرا خطيرا على توجهات السياسة الداخلية في البلاد، ومع ذلك، يرى البعض في هذا التحول فرصة للمهاجرين للتغيير والانخراط الفاعل في المشهد السياسي ومحاولة تغييره.

ارتكزت نجاحات حزب البديل في الانتخابات البرلمانية الأخيرة على سياسة التخويف من الأجانب، من خلال الدعوات إلى فرض مزيد من التشديدات على قوانين اللجوء، والمطالبة بترحيل جماعي لكل المخالفين ومرتكبي الجرائم.

وقد أثارت هذه التصريحات قلق المهاجرين حول مستقبلهم في ألمانيا، كما عززت المخاوف من احتمالية تفاقم التوترات المجتمعية، وساهمت في زيادة القلق بين الأوساط المهاجرة، خاصة مع تصاعد الخطاب السياسي المناهض للهجرة في الأوساط اليمينية.

واللافت أيضا هو تبني حزب الاتحاد المسيحي، الذي حقق انتصارا كبيرا في الانتخابات، لمطالب الترحيل وتشديد سياسة الهجرة، رغم رفضه تشكيل ائتلاف حكومي مع حزب البديل الشعبوي.

إعلان مخاوف المهاجرين

كاوا عيسى، الذي وصل إلى ألمانيا عام 2016 وحصل لاحقا على الجنسية الألمانية، تمكن لأول مرة من المشاركة في الانتخابات البرلمانية العامة، وأعرب عن شعوره بالفخر لهذه المشاركة التي منحته إحساسا بأهمية صوته ودوره السياسي، لكنه عبر أيضا عن قلقه إزاء مستقبل المهاجرين والمواطنين الألمان من أصول مهاجرة، خصوصا بعد صعود اليمين المتطرف وتبني الاتحاد المسيحي سياسات مشابهة فيما يتعلق بالهجرة واللجوء.

وبدوره، قال المرشد الاجتماعي ومدير مركز سلام للتعايش والاندماج الدكتور إبراهيم السيد، في تصريح للجزيرة نت، إن الهجمات الأخيرة التي ارتكبها بعض المهاجرين وطالبي اللجوء وأسفرت عن مقتل وإصابة العديد من الأشخاص، لعبت دورا كبيرا في دعم موقف اليمين المتطرف، الذي استغلها للترويج لشعاراته المناهضة للهجرة.

وأضاف السيد أن هذه الأحداث "ألقت بظلالها على الحملة الانتخابية وأثارت جدلا واسعًا على المستويين الشعبي والسياسي، مما ساهم في تعزيز مكانة حزب البديل المتطرف، الذي حصل على نسبة 20% في انتخابات فبراير/شباط 2025".

صعود اليمين.. فرصة للتغيير

ويوضح مدير مركز سلام للتعايش والاندماج أنه منذ انطلاق الحملات الانتخابية، التي ركزت على "تشديد سياسة اللجوء والهجرة ووضع قضية السلم المجتمعي والأمن الداخلي في الواجهة"، بدأت تتشكل مجموعات عمل بين الجاليات العربية والمسلمة لحث المواطنين الألمان من أصول مهاجرة على المشاركة في الانتخابات.

وأضاف أن البعض بدأ يدعو إلى الانضمام للأحزاب السياسية، خصوصا الأحزاب اليسارية، في محاولة لتغيير السياسات من الداخل والتصدي لأي توجهات مجحفة بحق المهاجرين.

أما المواطن الألماني من أصول فلسطينية، فادي المصري فيرى أن الجيل الثاني من المهاجرين، ونتيجة للصدمة التي أصيب بها بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول، إضافة إلى موقف الأحزاب التقليدية من القضايا العربية، بدأ يدرك انتماءه لهويتين مختلفتين: الهوية العربية والهوية الألمانية.

إعلان

هذا الإدراك عزز وعيه السياسي، مما دفعه إلى المشاركة في العمل السياسي داخل ألمانيا، وبحثه عن بدائل سياسية جديدة، ومن أبرز مظاهر هذا التحول، التفاعل القوي لهذا الجيل مع تحالف سارة فاغنكينشت (BSW)، حيث لعب الشباب من أصول عربية دورا كبيرا في تشجيع أبناء الجالية على المشاركة في الانتخابات، وهو أمر لم يكن شائعا من قبل، حسب المصري.

ويضيف "اعتدت على التصويت لصالح حزب اليسار، لكن بسبب ابنتي التي نشأت في ألمانيا وتأثرت بالمشهد السياسي، قررت في الانتخابات الأخيرة التصويت لتحالف BSW".

الاقتصاد والمواطنة

شهدت ألمانيا في السنوات الأخيرة ارتفاعا في الأسعار، إلى جانب ركود اقتصادي متزايد، ما أدى إلى شعور واسع بالقلق بين المواطنين، خصوصا بشأن الوضع الاقتصادي وانعدام الأمن، كان لهذه العوامل دور كبير في تراجع تأييد الأحزاب المعتدلة، مثل الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب الخضر، ودفع الكثيرين للتصويت لصالح حزب البديل الشعبوي، الذي يطالب بزيادة الإنفاق الداخلي بدلا من إنفاق المليارات على دعم أوكرانيا وشراء الأسلحة.

اللافت أن حوالي 6% من المواطنين المسلمين في ألمانيا صوّتوا لصالح حزب البديل، رغم توجهاته المعروفة ضد المهاجرين، وتعد الجالية التركية من أكبر الجاليات المسلمة في البلاد، حيث يبلغ تعدادها حوالي 3 ملايين مواطن.

يقول سيدات آيدن، وهو مواطن ألماني من أصول تركية، رفض ذكر اسمه الحقيقي، إنه صوت لصالح حزب البديل، معتبرا أن سياسات الحزب المعادية للأجانب "لا تستهدف أشخاصا مثلي، فأنا أعمل وأدفع الضرائب، بل تستهدف العاطلين عن العمل عمدا، والمتهربين من الضرائب، وأصحاب الأفكار المناهضة للديمقراطية".

ويضيف أنه يعتبر نفسه جزءا من النسيج المجتمعي الألماني، حيث وُلِد في البلاد قبل 35 عاما، مما منحه إحساساً قويا بالانتماء إلى ألمانيا.

إعلان

يشكل صعود اليمين المتطرف في ألمانيا منعطفا خطيرا بالنسبة للمهاجرين والمواطنين من أصول أجنبية، حيث يثير المخاوف بشأن مستقبل سياسات الهجرة والاندماج في البلاد.

في المقابل، يرى البعض أن هذا الصعود يمكن أن يكون حافزا للمشاركة السياسية والعمل على تغيير الواقع من الداخل، خاصة مع تزايد وعي الجيل الثاني والثالث من المهاجرين بأهمية المشاركة السياسية.

 

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات رمضان الیمین المتطرف فی الانتخابات صعود الیمین المشارکة فی فی ألمانیا حزب البدیل فی البلاد لصالح حزب کبیرا فی من أصول

إقرأ أيضاً:

الثقب الأزرق العظيم.. وجهة سياحية بأميركا الوسطى وإشارة خطيرة لمستقبل الأرض

في بعثة علمية غير مسبوقة إلى أعماق الثقب الأزرق العظيم، الواقع قبالة سواحل بليز في أميركا الوسطى، تمكن فريق من الباحثين من استخراج سجل أشبه بالكبسولة الزمنية لتاريخ الأعاصير على كوكب الأرض، يحمل بين طبقاته رسائل مقلقة بشأن المستقبل.

الثقب الأسود العظيم هو حفرة بحرية دائرية ضخمة تشبه بئرًا عميقًا وسط البحر، بقطر 300 متر تقريبا، وعمق يصل إلى 124 مترًا، أما عن لونه الأزرق الداكن المميز فقد نتج عن العمق الكبير مقارنة بالمياه الضحلة المحيطة به.

ويعتقد أن هذا الثقب تكوّن خلال العصور الجليدية القديمة، حين كانت مستويات البحر أقل، وكان في الأصل كهفًا جيريًا جافًا، ومع ذوبان الجليد وارتفاع مستوى البحر، غمرت المياه هذا الكهف فانهار سقفه، مشكِّلًا الثقب الذي نراه اليوم.

صورة من الفضاء لشعاب لايتهاوس المرجانية في البحر الكاريبي (ناسا) كبسولة زمنية

وقد استخرج العلماء من هذا الثقب عيّنة رسوبية بطول 30 مترا، كشفت عن نحو 6 آلاف عام من العواصف المدارية المحفوظة في طبقاتها المستقرة.

وقد أظهرت النتائج أن الأعاصير المدارية في جنوب غرب الكاريبي قد ازدادت وتيرتها بشكل متصاعد عبر آلاف السنين، وأن هذه الوتيرة مرشحة للتسارع بفعل التغير المناخي الناتج عن النشاط البشري.

وقاد فريق البحث، الذي ضم خبراء دوليين، عالم الجيولوجيا دومينيك شميت من جامعة غوته في فرانكفورت بألمانيا، وتمكنوا من تحديد 694 طبقة مميزة داخل العيّنة الرسوبية، تمثل كل واحدة منها عاصفة مدارية وقعت في الماضي. وتُظهر هذه الطبقات نمطا إقليميا طويل الأمد يرتبط بتحركات "نطاق التقارب بين المدارين"، وهي منطقة ضغط منخفض تؤثر في أماكن نشوء العواصف المدارية واتجاه حركتها.

إعلان

وتشير النماذج المناخية إلى أن هذه المنطقة تواصل انزياحها جنوبا مع ارتفاع درجات الحرارة عالميا، مما ينذر بزيادة غير مسبوقة في النشاط الإعصاري خلال القرن الـ21، بمعدلات تتجاوز بكثير ما شهدته الأرض عبر تاريخها الطبيعي. وقد نشرت نتائج الدراسة حديثا في دورية "ساينس أدفانسس".

كشفت العيّنة أن 9 عواصف مدارية تركت أثرها في الطبقات الرسوبية خلال الـ20 عاما الماضية فقط (بيكسابي) تهديد مناخي يلوح في الأفق

لطالما شكل الثقب الأزرق العظيم وجهة مفضلة للغواصين من أنحاء العالم، بفضل تفاصيله الساحرة والتنوع البيولوجي الحاضر، وقد كان أول من دّون عنه المستكشف الشهير جاك كوستو قبل أكثر من نصف قرن.

لكن جاذبيته لا تقتصر على منظره الجيولوجي المهيب، بل تتعدى ذلك ليكون أرشيفا طبيعيا يُسجّل التغيرات المناخية عبر العصور. فبفضل المياه الخالية من الأكسجين في قاعه، والهدوء النسبي الذي يميز بيئته الرسوبية، تتراكم طبقات الرواسب البحرية بشكل منتظم شبيه بحلقات الأشجار، بألوان متعاقبة تعكس محتواها العضوي.

أما الأعاصير العنيفة، فكانت تخلّف وراءها طبقات أكثر خشونة ولونا أفتح تُعرف علميا باسم الـ"تمبستيت"، وتُميز بسهولة عن الرواسب العادية.

وتحمل هذه الطبقات الخشنة دلالات مقلقة، إذ تُظهر تغيرات في تواتر العواصف تتماشى مع فترات الدفء والبرودة في سجل المناخ الأرضي، حيث تزداد الأعاصير في العصور الأكثر دفئا، مثل العصر الذي نعيش فيه حاليا.

وقد كشفت العيّنة أن 9 عواصف مدارية تركت أثرها في الطبقات الرسوبية خلال الـ20 عاما الماضية فقط، وهو عدد يتجاوز بكثير ما يمكن تفسيره بتقلبات المناخ الطبيعية.

مستقبل الأرض

ويقدّر عالم الرواسب البيولوجية إيبرهارد غيشلر، من جامعة غوته أيضا، أن ما يصل إلى 45 إعصارا مداريّا قد يمر فوق هذه المنطقة خلال القرن الحالي وحده، وهو معدل يشكل انحرافا كبيرا عن النمط التاريخي المعروف.

إعلان

ولا تقتصر آثار هذه النتائج على منطقة الكاريبي وحدها، بل تمتد لتشمل أبعادا عالمية أوسع، إذ تعني بالنسبة لدول أميركا الوسطى والمجتمعات الساحلية زيادة ملحوظة في المخاطر البيئية والاقتصادية.

كما تعزز هذه الدراسة من الأدلة المتزايدة على أن التغير المناخي لا يؤثر فقط على درجات الحرارة، بل يضخم أيضا من وتيرة وحدة الكوارث الطبيعية، في تهديد مباشر للفئات السكانية الأضعف في العالم.

مقالات مشابهة

  • رسالة تهديد من وزير الدفاع الأمريكي إلى إيران
  • الشمال مش زي اليمين.. ريهام سعيد تعلق على ملامح وجهها
  • عمرو خليل: إسرائيل تشعل الأوضاع في الضفة الغربية لإرضاء اليمين المتطرف
  • قرار مفاجئ: ألمانيا تبدأ في ترحيل المهاجرين السوريين
  • العراق يحدد موعد الانتخابات التشريعية: خطوة هامة نحو الاستقرار السياسي
  • النائبة ميرفت عبد العظيم: منظمة الصحة العالمية تسلط الضوء هذا العام على بداية صحية لمستقبل بعيد
  • الإطار التنسيقي: الانتخابات تعيد بناء المشهد السياسي وتعزز الاستقرار
  • أجهزة الأمن بألمانيا تحقق في هجمة إلكترونية وتتهم روسيا بتدبيرها
  • الثقب الأزرق العظيم.. وجهة سياحية بأميركا الوسطى وإشارة خطيرة لمستقبل الأرض
  • ما هو الطريق البديل لكوبري السيدة عائشة بعد الانتهاء من تفكيكه؟