عربي21:
2025-03-10@21:29:50 GMT

أزمة مسلمين لا أزمة إسلام

تاريخ النشر: 10th, March 2025 GMT

في تعريفه للدين يقول محمد الطاهر بن عاشور: "الدين: العقيدة والملة وهو معلومات وعقائد يعتقدها المرء فتجري أعماله على مقتضاها، لذلك سمي دينا، لأن أصل معنى الدين المعاملة والجزاء".

غير أن كثيرا من النخبة لا تفصل بين الدين بما هو عقيدة وأحكام وشرائع، وبين تعبيرات الناس التدينية، وهي تعبيرات مرتبطة بمدى فهمهم لتلك العقيدة وبمدى عزمهم على التزام تلك الشرائع، وأيضا بمدى قدرتهم الذهنية على تأويل النص الديني بما يجعل معتنقيه قادرين على معالجة قضايا عصرهم وعلى صناعة مجدهم الحضاري؛ فيكونون منافسين لأمم أخرى متقدمة ولا يكونون في وضعية من التخلف والتبعية يهينون أنفسهم ويهينون معتقداتهم.



تلك النخبة، سواء كانت منتمية لحضارات أخرى أو كانت منتمية لحضارتنا الإسلامية، تطرح سؤالا حول إن كان الإسلام هو سبب تخلف المسلمين، وتشير مباشرة إلى أن الغرب الليبرالي أو العلماني بشرقه وغربه، قد استطاع تحقيق تفوقه الحضاري في مختلف المجالات دون أن يكون مرتبطا بكنائسه ومعابده، وهم بهذه الإشارة يُقدمون ضمنيا إجابة واضحة على السؤال أعلاه مفاده أن الإسلام يعاني أزمة حضارية أو هو سبب أزمة المسلمين الحضارية.

هذا السؤال ليس جديدا، بل إنه سؤال مُستعادٌ تستدعيه أزمات العالم الإسلامي وصدماته الحضارية.

حملة نابليون على مصر سنة 1798، أحدثت صدمت في الوعي العربي الإسلامي، وهي أول عملية غزو للشرق الأوسط منذ الحملات الصليبية الثماني التي امتدت من 1095 إلى سنة 1291، كانت الحملة لأسباب سياسية وعسكرية واقتصادية في سياق منافسة إنجلترا على الشرق الأوسط خاصة أمام ضعف الخلافة العثمانية، غير أن تلك الحملة لم تكن مجرد عملية عسكرية، بل كانت بالأساس استعراضا حضاريا على مستوى التقنية والعلوم والفنون والآداب، وحتى على مستوى صورة المرأة الإفرنجية في علاقتها بالرجل وفي دورها كذات واعية وفاعلة ومشاركة بكفاءة وجدارة.

الصدمة تلك، أنتجت سؤالا مباشرا يومها: لماذا تقدم الغرب وتخلف المسلمون؟

وكان الجواب على ثلاث مدارس في فكر المصلحين: موقف لا يرى استئنافا حضاريا للمسلمين إلا بالعودة إلى سيرة الصالح نقتدي بهم ونقلدهم، وموقف مناقض لا يرى مواكبة للعصر إلا بتقليد الغرب وأتباعه في "حلوه ومُرّه"، وموقف ثالث حاول أن يكون توفيقيا بين هويتنا كعرب مسلمين وبين منتجات الحضارة الغربية في التنظيمات والصنائع والفنون.

بعد أكثر من قرنين وربع، ما زال العرب والمسلمون يقيمون في نفس الترتيب الحضاري، وما زالوا يتعرضون إلى حملات غزو حقيقي كما حصل في أفغانستان وفي العراق، وما زالت قضية فلسطين جرحا نازفا شاهدا على صمود أهله من ناحية، وشاهدا أيضا على هوان العرب والمسلمين وعلى عجزهم وتبعيتهم وفقرهم؛ رغم وفرة عددهم ورغم ما أنعم الله عليهم به من موقع جغرافي ومن ثروات طبيعية.

ورغم ما رسمته المقاومة في طوفان الأقصى من صورة مدهشة عن الإنسان العربي المسلم حين يعول على نفسه؛ فيبدع في مواجهة أعداء الحياة ويبدع في تقديم ترجمة أخلاقية لعقيدته ويبدع في مفاوضة العدو بشموخ ومبدئية واقتدار، فإن عموم المشهد في عالمنا الإسلامي والعربي خصوصا هو مشهد لا يسعفنا لنُصَنّف ضمن الشعوب المتحضرة سواء على المستوى الاقتصادي أو على المستوى العلمي أو على المستوى السياسي، فنحن ما زلنا في تبعية كاملة هي أشدّ إذلالا مما كنا عليه في مختلف مراحل تخلفنا، وخاصة منذ نشأة الدويلات القُطرية بعنوان "الدولة الوطنية".

نحن المسلمين نقدم محاضرات حول الأخوّة في الإسلام وحول العدل وحول الحرية وحول المساواة وحول العلم والقوة والعزة والرحمة، ولكننا نمارس الظلم والاستبداد والنهب، ونكشف عن منسوب عال من التعصب والغلظة والكراهية، ونرهن أوطاننا لقوى الاستعمار، ونعطي أموالنا لأعداء أمتنا، ونعين الصهاينة على إخوتنا المقاومين، وننقاد بوعي وبغير وعي لتنفيذ مخططات الأعداء؛ فإذا بنا نقتل بعضنا ونمارس التنكيل والتعذيب لنقدم حجة لأعدائنا حين يقولون بأن المسلمين هم أشد وحشية من الصهاينة، وبأنهم ليسوا جديرين لا بديمقراطية ولا بحرية، وبأنهم لا يمكن أن يكونوا شركاء في بناء حضارة إنسانية حتى وإن رددوا ما جاء في قرآنهم: "كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله" (آل عمران: 110).

إن المسلمين اليوم إذ صنعوا أزمتهم الحضارية أساؤوا لأنفسهم، وأساؤوا إلى الإسلام حين جعلوا رأيا عالميا واسعا يتساءل حول مدى جدية القول بأن الإسلام هو المُنقذ للبشرية وأن رسوله إنما هو رحمة للعالمين.

إن المسؤولية الأخلاقية والتاريخية والشرعية كبيرة جدا على علماء المسلمين وعلى نخبهم وقادتهم، فإن كنا عجزنا عن المساهمة في الثورة العلمية، فلماذا نعجز عن الاستفادة من هذه الثورة لنساهم في ثورة معرفية إنسانية التزاما ببعض من خصائص "خير أمة" وهي "تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر".

فأنّى لنا ذلك، وقد حوّلنا جغرافيا أوطاننا، كما حولنا مختلف مواقع التواصل الاجتماعي، إلى "بؤر توتر" حقيقية لا افتراضية؛ نخوض فيها معارك مهلكة ويتداول العالم مشاهد من ممارساتنا البدائية والوحشية ومشاهد من بؤسنا وفقرنا وخراب عمراننا.

x.com/bahriarfaoui1

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الدين التخلف المسلمين تقدم اسلام مسلمين الدين تقدم تخلف مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة من هنا وهناك صحافة مقالات سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

علماء المسلمين يحذر من الكارثة الإنسانية في غزة ويدعو لتحرك عاجل

حذر أمين عام الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، الدكتور علي محمد الصلابي، من التداعيات الكارثية لإغلاق الاحتلال الإسرائيلي للمعابر المؤدية إلى قطاع غزة منذ نحو أسبوع، مشددًا على أن هذا الإجراء أدى إلى نقص حاد في الغذاء والمياه والدواء، إضافة إلى انهيار الخدمات الصحية، ما يهدد حياة آلاف المدنيين، لا سيما الأطفال والمرضى.

وأكد الصلابي في تصريحات خاصة لـ "عربي21" أن ما يحدث في غزة هو جريمة إنسانية تتطلب تحركًا عاجلًا من المجتمع الدولي للضغط على الاحتلال من أجل فتح المعابر والسماح بدخول المساعدات الإنسانية. وأضاف أن المسؤولية لا تقع فقط على عاتق الجهات الدولية، بل تتطلب تحركًا فوريًا من الحكومات والشعوب العربية والإسلامية لدعم أهالي القطاع، سواء عبر تقديم المساعدات العاجلة أو الضغط السياسي والدبلوماسي لرفع الحصار.

ودعا الصلابي الشعوب العربية والإسلامية وأحرار العالم إلى التضامن والتكاتف مع أهل غزة، مؤكدًا على ضرورة تكثيف الجهود الإنسانية والإغاثية للتخفيف من معاناة السكان. واختتم تصريحه بالدعاء لأهل غزة بأن يرفع الله عنهم هذا الظلم، مؤكدًا أن الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين سيواصل جهوده لدعم القضية الفلسطينية على مختلف المستويات.

وفي 2 مارس الجاري، أعلنت إسرائيل عن وقف إدخال جميع المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، مشيرة إلى انتهاء المرحلة الأولى من صفقة تبادل أسرى غير محددة التفاصيل. 

هذا القرار أدى إلى تفاقم الأزمة الإنسانية في غزة، حيث يعاني السكان من نقص حاد في الغذاء، المياه، والدواء، بالإضافة إلى انهيار الخدمات الصحية. 

من جانبها، وصفت حركة حماس منع إدخال المساعدات بأنه “إبادة جماعية” يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي، مؤكدة أن هذا الإجراء يمثل انتهاكًا لاتفاق وقف إطلاق النار وجريمة حرب بحق المدنيين الأبرياء. 

في ظل هذه الظروف، حذرت منظمات أممية من تفاقم الكارثة الإنسانية في قطاع غزة، داعية إلى فتح المعابر والسماح بدخول المساعدات الإنسانية بشكل فوري لتلبية احتياجات السكان المتضررين. 

يُذكر أن إغلاق المعابر ومنع دخول المساعدات يهدد بعودة شبح المجاعة في غزة، حيث ارتفعت أسعار السلع الأساسية بشكل كبير، واختفت بعض المواد من الأسواق تمامًا.

وأعلنت وزارة الصحة الفلسطينية بغزة، الاثنين، ارتفاع حصيلة العدوان الإسرائيلي على القطاع إلى 48 ألفا و467 شهيدا منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وذلك بعد وصول 9 شهداء إلى المستشفيات خلال الساعات الـ 24 الماضية.

وقالت وزارة الصحة بغزة في تقريرها الدوري شبه اليومي عن قتلى وجرحى الإبادة الجماعية: "وصل مستشفيات قطاع غزة 9 شهداء بينهم 5 انتشلت جثامينهم من تحت الأنقاض و4 شهداء جديد و16 إصابة، خلال 24 ساعة الماضية".

وأضافت إن حصيلة "العدوان الإسرائيلي ارتفعت إلى 48.467 شهيدا و 111.913 إصابة منذ السابع من أكتوبر 2023".

وأشارت إلى وجود عدد من الضحايا تحت الركام وفي الطرقات، حيث لا تستطيع طواقم الإسعاف والدفاع المدني من الوصول إليهم لنقص الآليات والمعدات.

ورغم بدء اتفاق لوقف إطلاق النار بقطاع غزة وتبادل أسرى بين حماس وإسرائيل في 19 يناير/ كانون الثاني الماضي، إلا أن إسرائيل تواصل استهداف الفلسطينيين بالرصاص الحي والقصف عبر مسيراتها.

ويتضمن الاتفاق 3 مراحل تستمر كل منها 42 يوما، بوساطة مصر وقطر ودعم الولايات المتحدة.

ومطلع مارس/ آذار الجاري، انتهت المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار بغزة التي استمرت 42 يوما، فيما تنصلت إسرائيل من الدخول في المرحلة الثانية وإنهاء الحرب.

ويريد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تمديد المرحلة الأولى من الاتفاق، للإفراج عن أكبر عدد ممكن من الأسرى الإسرائيليين في غزة، دون استكمال الاستحقاقات العسكرية والإنسانية المفروضة في الاتفاق خلال الفترة الماضية، وذلك إرضاء للمتطرفين في حكومته.

وفي المقابل، تؤكد حماس التزامها بتنفيذ الاتفاق، وتطالب بإلزام إسرائيل بجميع بنوده، داعية الوسطاء إلى الشروع فورا في مفاوضات المرحلة الثانية، التي تشمل انسحابا إسرائيليا من القطاع ووقفا كاملا للحرب.

ومع انتهاء المرحلة الأولى من اتفاق وقف النار، أغلقت إسرائيل مجددا جميع المعابر المؤدية إلى غزة، لمنع دخول المساعدات الإنسانية، في خطوة تهدف إلى استخدام التجويع كأداة ضغط على حماس لإجبارها على القبول بإملاءاتها.

إقرأ أيضا: غزة غارقة في الظلام.. كيف يمارس الاحتلال التضليل بعد قراره قطع الكهرباء؟ (نظرة تاريخية)

مقالات مشابهة

  • مرصد الأزهر: الإقامة في بلاد غير المسلمين تخضع لضوابط شرعية
  • علماء المسلمين يحذر من الكارثة الإنسانية في غزة ويدعو لتحرك عاجل
  • محمد أبو هاشم: الإمام أبو حنيفة وضع أساس الاجتهاد الفقهي الذي يسر على المسلمين
  • سيريتش: لولا جهود السعودية في البوسنة ما بقينا نحن مسلمين في بلادنا .. فيديو
  • أحمد عمر هاشم يكشف تفاصيل فرض الصلاة على المسلمين
  • أحمد علي سليمان: المرأة المسلمة كانت دائمًا ركيزة أساسية في نهضة الأمة
  • «حكماء المسلمين»: ضرورة تمكينهن وتطوير قدراتهنَّ
  • «حكماء المسلمين»: تؤدي دوراً في بناء الأمم
  • كيف يزدهر سوق الطعام الحلال عالميًا ويجذب غير المسلمين؟