ملتقى ريمينية بإيطاليا يسلط الضوء على مكانة أفريقيا "الاستراتيجية" للقوى العالمية
تاريخ النشر: 23rd, August 2023 GMT
لا شك أن أفريقيا تمثل مكانًا رئيسيًا فيما يتعلق بالمصالح الاستراتيجية لأهم القوى العالمية، ولعل أحدث الأمثلة على ذلك الانقلاب الأخير في مالي، حيث يتوقع الصدام بين الغرب وروسيا الذي تجاوز منذ فترة طويلة الحدود الأوكرانية، حسبما ذكرت وكالة نوفا الإيطالية للأنباء.
واتصالًا بهذه الأهمية، استضافت النسخة الـ44 لملتقى ريميني جلسة نقاشية تحت عنوان "تحدياتنا المشتركة مع أفريقيا: الغذاء والماء وتغير المناخ" حول السياسات التي يجب اعتمادها تجاه القارة السمراء التي من المتوقع أن تواجه التحديات الجيوسياسية والاقتصادية الرئيسية في العقود المقبلة.
وأدار الجلسة جيامباولو سيلفستري، الأمين العام لرابطة المتطوعين للخدمة الدولية، وهي منظمة غير حكومية، وقدمها رئيس الملتقى للصداقة بين الشعوب، بيرنارد شولتز.
وشهدت الجلسة مداخلة لسيندي هينسلي ماكين، المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي، حيث صرّحت أن "واحدًا من كل خمسة أشخاص في أفريقيا يعاني من سوء التغذية؛ ولكن في الوقت نفسه، هناك العديد من الموارد: أولاً، أفكر في العديد من الشباب الذين يعيشون هناك. ومعهم، معًا يمكننا أن نضمن مستقبلًا عظيمًا لهذه الأرض"، الدعوة التي تبناها نائب رئيسة الوزراء ووزير الخارجية والتعاون الدولي الإيطالي أنطونيو تاياني، الذي أكد أن "أفريقيا مكان غني وفقير في نفس الوقت؛ بوصفي مفوضا أوروبيا، كنت دائما مهتما بتعزيز علاقات حسن الجوار بين قارتنا وهذه الأرض".
وشدّد تاياني على أنه "من الضروري تعزيز العلاقة التي يمكن للطرفين الاستفادة منها: وهذا هو المكان الذي ولدت فيه خطة ماتي، التي تهدف إلى جلب معرفتنا إلى أفريقيا وتعزيز تعليم أولئك الذين يعيشون في تلك القارة".
وظهرت خلاصة حاسمة فيما يتعلق بالخط الذي تريد إيطاليا الحفاظ عليه تجاه أفريقيا في السنوات المقبلة عندما لخص تاياني الرؤية التي ترشده كرجل وكسياسي، حيث قال "بالنسبة لي، من الضروري أن أضع الإنسان في بؤرة الاهتمام وأن أحافظ دائمًا على العلاقة مع الآخرين؛ وأعتقد أيضًا أن من يملكون أكثر عليهم واجب مساعدة من يملكون أقل. ولن يكون من الممكن العمل معا من أجل مستقبل أفضل لأفريقيا ولنا إلا من خلال الحفاظ على روح الأخوة".
IMG-20230823-WA0063 IMG-20230823-WA0064المصدر: بوابة الوفد
إقرأ أيضاً:
هل تستمر الشراكة الاستراتيجية بين الصين وسوريا؟
رغد خضور **
العلاقات الصينية السورية بشكلها الدبلوماسي بين الدول قد تعود إلى ما يقارب الـ70 عامًا، إلّا أن العلاقة بين الشعبين تمتد إلى ما قبل ذلك بكثير؛ فالصين كانت مركز انطلاق قافلات الحرير التي كان لا بُد لها أن تعبر سوريا، لتوصل بضائعها إلى العالم؛ حيث كانت دمشق وحلب وتدمر عقدة طريق الحرير القديم، منذ آلاف السنين.
علاقة الصداقة هذه تستند إلى إرث طويل من الروابط والمبادئ المشتركة، وقد وُضعت على مدى عقود أمام تغيرات الأوضاع الدولية، إلّا أنها صمدت؛ بل وتطورت إلى علاقة شراكة استراتيجية، وهذا يعني، في الدبلوماسية الصينية، تعزيز التنسيق بين الجانبين، ويوفر، إلى جانب ذلك، حماية للاستثمارات الصينية في سوريا.
رسميًا أقام البلدان علاقاتهما الدبلوماسية عام 1956، ليصل أول سفير صيني إلى دمشق عام 1957، وتعد سوريا من الدول التي طرحت مشروع قرار استعادة الصين لمقعدها الشرعي في الأمم المتحدة، ومنذ ذلك الحين كان هناك تعاون بين البلدين في المحافل الدولية والإقليمية.
وبناءً على هذه العلاقات دعمت الصين سوريا خلال سنوات الحرب عليها، مشددة على الحل السياسي ورفض التدخل الأجنبي في شؤونها، وعليه استخدمت بكين حق النقض الفيتو أكثر من مرة في مجلس الأمن الدولي، بالمقابل كانت سوريا تؤكد دعمها سيادة واستقلال ووحدة أراضي جمهورية الصين الشعبية.
الجانب السياسي لم يكن وحده الأساس الذي استندت عليه العلاقات بين البلدين، إذ كان للجانب الاقتصادي حيز مهم في هذه العلاقة، فإلى جانب كون التبادل التجاري بدأ منذ مئات السنين، تتمتع سوريا والصين بمجالات تعاون واسعة في الاقتصاد والتجارة والاستثمار والتمويل.
وجرى توقيع العديد من اتفاقيات التعاون بين البلدين في المجالين الاقتصادي والتجاري، منها: اتفاقية التجارة والدفع (1955)، واتفاقية التجارة والتعاون الاقتصادي والتكنولوجي (1963)، واتفاقية التجارة (1972)، واتفاقية التجارة الطويلة المدى (1982)، واتفاقية تشجيع وحماية الاستثمار (1996)، واتفاقية التجارة والتعاون الاقتصادي والتكنولوجي (2001)، واتفاقية منع الازدواج الضريبي (2003).
وفي عام 2004 وُقِّعَت اتفاقيات جديدة في مجالات النفط والغاز والري والمياه والزراعة والسياحة والتعاون الصناعي والصحي والتعليم العالي والبحث العلمي.
وكان لإنشاء مجلس الأعمال السوري الصيني المشترك تأثير ملحوظ في قيمة التعاملات التجارية واتساع جوانب التعاون المشترك على مختلف المستويات السياسية والاقتصادية والتكنولوجية، وسعت الصين لتعزيز استثماراتها في سورية عبر شركات كبرى مثل “سينوبك” و”سينوكيم” و”مؤسسة البترول الوطنية الصينية”.
وبلغ التبادل التجاري بين البلدين مع نهاية عام 2008 حوالي 2.27 مليار دولار، وفي الفترة الممتدة بين عامي 2010 و2012 حوالي 3.5 مليار دولار، واستمر التعاون وفق الاتفاقيات الموقعة، وإن كان تأثير نتيجة الحرب على سوريا والمتغيرات العالمية الاقتصادية وغيرها، والتي أدت إلى انقطاع سلاسل التوريد؛ الأمر الذي كان له انعكاساته على عدد من المشاريع التي كان يعمل عليها الجانبان؛ حيث انخفض التبادل التجاري عام 2014 إلى ما يقارب 201 مليون دولار.
ولأن الصين تُعد من أهم الشركاء التجاريين بالنسبة لسوريا، كانت الأولوية بالاستيراد والتصدير تعطى للدول الصديقة، وهذا ما كان على أرض الواقع، ليرتفع التبادل التجاري مع الصين منذ عام 2021، والذي وصل إلى ما يقارب 528 مليون يورو لغاية الشهر الثامن من عام 2023.
وبالتأكيد لا يمكن الحديث عن تعاون تجاري بين سوريا والصين دون التطرق إلى مبادرة الحزام والطريق التي أعلن عنها الرئيس الصيني عام 2013، وانضمت لها سوريا بشكل رسمي عام 2022، كإطار اقتصادي بحت للتعاون بما تمثله من مزيج استراتيجي جيوسياسي يخدم المصلحة الاقتصادية والسياسية المشتركة لكلا البلدين.
ومن خلال المساعدة التي يمكن أن تقدمها الصين إلى سوريا في إطار الحزام والطريق، يمكنها أيضًا أن تعكس ما تنطلق منه المبادرة من التأكيد على الشراكة المتساوية، كما أن انضمام سوريا يعد مؤشرًا على إمكانية تنفيذ مشاريع حيوية تفيد في مرحلة إعادة الإعمار، التي تؤكد الصين أهمية المشاركة الفعالة فيها.
وعلى الرغم من زخم التعاون والتبادل التجاري، إلّا أن الاستثمار الاقتصادي يحتاج إلى مناخ سياسي مستقر، فأي مشروع استثماري صيني في سوريا كان يصطدم بالعقوبات الغربية، إلا أن هناك بعض المشاريع التي كانت تعمل على الأرض، والتطور الأهم كان في المدينة الصناعية في عدرا؛ حيث كانت الشركات الصينية عام 2023 بطور إنجاز معاملاتها للاستثمار ضمنها، منها ما هو متخصص بالبيوت مسبقة الصنع ومواد البناء بشكل عام، إضافة لمعامل لإنتاج الدراجات الكهربائية متعددة الاستعمال، وبالمجمل كانت المعامل في المدينة الصناعية هي للتجميع وليس للتصنيع.
من جانب آخر، حققت جهود الحكومتين الصينية والسورية الهادفة لتعزيز التبادل في الجانب الاجتماعي والثقافي وإيجاد آلية مناسبة له نجاحًا كبيرًا، ويعود أول اتفاق تعاون ثقافي بين البلدين إلى عام 1965، وتبعه توقيع العديد من البرامج التنفيذية للاتفاقات الثقافية.
البرنامج التنفيذي بين عامي 2005-2008 تضمن التعاون في مجالات التعليم والفن والملكية الفكرية والسينما والآثار وغيرها، إلى جانب الندوات التدريبية والمؤتمرات العلمية والمهرجانات الثقافية والسينمائية والمسرحية.
ومن المنعكسات الإيجابية لهذا التعاون الثقافي تمثل بالاتفاقية الموقعة بين اتحاد الكتاب الصينيين واتحاد الكتاب السوريين عام 1983، ومع تطور التبادل الثقافي بين البلدين، اختار اتحاد الكتاب العرب في دمشق 105 روايات عربية، لأدباء عرب من القرن العشرين، لتتولى دار المعارف العالمية ببكين ترجمتها ونشرها، وتُرجِم منها حوالي 14 رواية.
كما قدمت الصين العديد من المنح الدراسية للطلاب السوريين للدراسة في الجامعات الصينية، سواء للمرحلة الجامعية الأولى أو لمرحلة الدراسات العليا، ما يسهم في تطوير المهارات والمعرفة لدى الشباب السوري وتعزيز قدراتهم.
الجانب الإغاثي والإنساني كان حاضرًا بشدة في التعاملات الصينية السورية، ففي عام 2017 وقع الجانبان وثيقتين لتقديم مساعدات غذائية وإنسانية، كجزء من مبادرة الحزام والطريق، كما قدمت الصين اللقاحات خلال جائحة كورونا، إضافة للملابس والخيم والأدوية والأغذية والوحدات السكنية مسبقة الصنع وغيرها من مواد الإنقاذ العاجل بعد الزلزال المدمر الذي ضرب عدة محافظات سوريَّة عام 2023.
اليوم، ومع التحولات السياسية الحاصلة في الملف السوري، أكدت بكين مواصلة دعمها للشعب السوري، وفقًا لما صرح به وزير الخارجية الصيني وانغ يي، فيما التقى الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع، سفير جمهورية الصين الشعبية في دمشق، شي هونغ وي، وذلك في إطار سلسلة الزيارات واللقاءات لمسؤولين إقليميين ودوليين، للاطلاع على رؤية الإدارة الجديدة، على الرغم من عدم ورود أي تفاصيل حول فحوى الاجتماع.
وبناءً على ذلك يبرز السؤال حول: كيف ستتعامل الصين مع الإدارة السورية الجديدة؟ وهل ستستمر برؤية سوريا منصة استثمارية ضمن مبادرة "الحزام والطريق"؟
** صحفية سورية
** ينشر بالتعاون مع مركز الدراسات الآسيوية والصينية في لبنان