إنهاء تعليق عضويته في إيغاد.. هل اقترب السودان من العودة للاتحاد الأفريقي؟
تاريخ النشر: 10th, March 2025 GMT
الخرطوم– بعد 40 شهرا من تعليق الاتحاد الأفريقي عضوية السودان إثر قرارات رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان التي اعتبرت "انقلابا"، كثفت الحكومة السودانية اتصالاتها مع قيادة الاتحاد الجديدة لتطبيع علاقاتهما، كما قررت الخرطوم إنهاء تعليق عضويتها في الهيئة الحكومية للتنمية "إيغاد" بعد تجميد عضويتها بالمنظمة قبل 14 شهرا.
وجمد الاتحاد الأفريقي عضوية السودان عقب إجراءات البرهان في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021 بحل مجلسي السيادة والوزراء وفرض حالة الطوارئ في البلاد، وهو ما اعتبره الاتحاد انقلابا، بينما رفض البرهان التوصيف الأفريقي، وسمى قراراته إجراءات تصحيحية فرضتها ظروف المرحلة.
كما جمّد السودان عضويته في "إيغاد" في 20 يناير/كانون الثاني 2024، احتجاجًا على مشاركة قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو "حميدتي" في قمة استثنائية لزعماء دول المنظمة عُقدت في أوغندا قبل يومين من قرار التعليق.
وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي زار بورتسودان وزير الخارجية الجيبوتي محمود يوسف الذي ترأس بلاده الدورة الحالية لمنظمة "إيغاد" وطلب من رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش عبد الفتاح البرهان إنهاء تعليق عضوية السودان في المنظمة باعتباره من مؤسسيها.
بَيد أن السودان اشترط على الهيئة الاعتراف بالأخطاء التي ارتكبتها بحقه وتصحيح موقفها والاعتذار قبل استئناف نشاطه في المنظمة.
وفي تحرك جديد زار مالك عقار، نائب رئيس مجلس السيادة، جيبوتي أمس الأحد وأبلغ رئيس الدولة إسماعيل جيلي رغبة بلده في استئناف نشاطه في "إيغاد" وتفعيل آليات استعادة عضويته في الاتحاد الأفريقي، وهنأه على فوز بلاده برئاسة مفوضية الاتحاد.
إعلانوقال مجلس السيادة في بيان إن مالك عقار عقد لقاء مع رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي الجديد محمود يوسف تناول تطورات الأوضاع في السودان وسبل تفعيل آليات عودة السودان إلى عضوية الاتحاد.
وأوضح وكيل وزارة الخارجية السوداني حسين الأمين في تصريح له، أن مالك عقار أبدى ثقة السودان في قدرة القيادة الجديدة لمفوضية الاتحاد الأفريقي على تصحيح مسار المفوضية والقيام بدورها في إيجاد الحلول للقضايا الأفريقية، مضيفا أن ملابسات تعليق عضوية السودان "جاءت في مرحلة مختلفة عن المرحلة التي يمر بها السودان".
وفي المقابل نقل مجلس السيادة عن رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي محمود يوسف استعداد المفوضية لمناقشة قضية السودان ومزاولة نشاطه مع المؤسسات ذات الصلة داخل التكتل القاري.
عودة للسلام
ورد السودان على تجميد عضويته برفض أي دور للاتحاد الأفريقي في عملية السلام لإنهاء الأزمة في البلاد ولم يتجاوب مع خطة الاتحاد لوقف الحرب التي أقرها في يونيو/حزيران 2023، واتهم رئيس مفوضية الاتحاد المنتهية ولايته موسى فكي بعدم الحياد.
وكشف مسؤول في الخارجية السودانية -للجزيرة نت- أن مجلس السلم والأمن الأفريقي رهن إنهاء تجميد عضوية السودان في الاتحاد باتخاذ خطوات عملية بالعودة إلى الحكم المدني ومسار التحول الديمقراطي وذلك بتشكيل حكومة مدنية.
وأوضح المسؤول الذي طلب عدم الإفصاح عن هويته، أن عقار أبلغ رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي الجديد بأن مجلس السيادة أجرى مؤخرا تعديلات دستورية تسمح للمجلس بتسمية رئيس وزراء وتكليفه تشكيل حكومة وأن ذلك سيحدث قريبا.
وفي موقف عده مراقبون رسالة للاتحاد الأفريقي ومنظمة "إيغاد"، قال مالك عقار إنه لا يوجد ما يمنع من الجلوس مع قوات الدعم السريع إذا التزمت بتنفيذ اتفاق جدة الموقع بين الطرفين في مايو/أيار 2023.
وأضاف في تصريح صحفي عقب لقائه الرئيس الجيبوتي "لكن التوسع العسكري لقوات التمرد دفع بالجيش الوطني إلى القتال بغرض الحفاظ على الشعب السوداني ومقدراته"، مناشدا الرئيس جيلي بأن تلعب أفريقيا دورًا أكبر في إنهاء الأزمة السودانية.
إعلان شر لا بد منهمن جانبه، يقول مدير معهد أبحاث السلام السابق في جامعة الخرطوم منزول العسل إن أسباب تعليق عضوية السودان في هيئة "إيغاد" لا تزال قائمة ولا يعرف دواعي تجاوز ذلك، لكنه عدها خطوة جيدة.
وفي حديث للجزيرة نت يعتقد الباحث والأستاذ في جامعة الخرطوم أن المهم هو إنهاء تجميد عضوية السودان في الاتحاد الأفريقي لأن دوره يتكامل مع الأمم المتحدة على رغم ضعف دور الاتحاد في التعاطي مع أزمات القارة السمراء.
وبرأيه فإن السودان قد لا يستفيد من رفع تجميد عضوية السودان في الاتحاد الأفريقي لكنه سيتضرر من استمرار التجميد، كما أن مطالب الاتحاد واضحة وظل البرهان منذ أكتوبر/تشرين الأول 2021 يعد بتشكيل حكومة مدنية ولم يفعل، مشيرا إلى أن المغرب جمد عضويته في المنظمة الأفريقية نحو 40 عاما بسبب قضية الصحراء الغربية قبل أن يعود للاتحاد.
بدوره يقول الباحث في الشؤون الأفريقية بدر الدين عبد العاطي إن السودان بدأ يستشعر أهمية العودة للبيت الأفريقي أكثر من أي وقت مضى تجنبا لاختطاف الملف السوداني من جهات دولية لا مصلحة لها في أمن واستقرار البلاد.
ويرجح الباحث في تصريح للجزيرة نت أن توقيع قوات الدعم السريع اتفاقا مع قوى عسكرية وسياسية لتشكيل حكومة موازية في مناطق سيطرتها وتواصلها مع عواصم أفريقية، هو ما دفع مجلس السيادة للتحرك نحو المنظمات الأفريقية لقطع الطريق أمام "حميدتي" ومنع أي اتجاه للتعامل معه أو الاعتراف بحكومته الموازية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات رمضان مفوضیة الاتحاد الأفریقی رئیس مفوضیة الاتحاد عضویة السودان فی مجلس السیادة فی الاتحاد عضویته فی مالک عقار
إقرأ أيضاً:
حكايات المؤسسين (4): حكاية جيش التأسيس – الحلم الذي اقترب من أن يصبح حقيقة
د. احمد التيجاني سيد احمد
لماذا جيش التأسيس؟
السودان اليوم أمام مفترق طرق حاسم؛ فإما أن يتوحد السودانيون تحت مظلة جيش قومي حقيقي يدافع عن البلاد، وإما أن يظل السودان رهينة للمليشيات، والتدخلات الأجنبية، والمؤسسة العسكرية الفاسدة التي لطالما استخدمت ٨٠٪ من ميزانية الدولة في تعزيز سلطتها بدلاً من حماية الوطن والمواطن.
لطالما كانت المؤسسة العسكرية السودانية أداةً في يد الأنظمة الاستبدادية، منذ قمع تمرد توريت إلى قصف القرى الجنوبية بقيادة حسن بشير، وصولاً إلى الانقلابات العسكرية المتكررة، وأخيرًا الحرب التي أشعلتها مليشيات الإسلاميين في ١٥ أبريل ٢٠٢٣ لإعادة عقارب الساعة إلى حكمهم الشمولي. لكن الأوضاع اليوم مختلفة، إذ تشكلت قوى مقاومة واسعة تسيطر على أكثر من ٧٠٪ من السودان، وهي فرصة ذهبية لتأسيس جيش قومي جديد هدفه حماية السودان، وليس حماية نظام بعينه أو عقيدة شمولية.
١. توحيد الفصائل المقاومة: ضرورة وجودية
السودان يعيش حالة تشرذم عسكري خطير، حيث تتوزع السيطرة بين الجيش الرسمي المودلج الشمولي والمليشيات والقوات المتحالفة مع النظام السابق. هذا الوضع لم يأتِ من فراغ، بل هو نتاج ٣٥ عامًا من الحكم الإسلاموي الذي قوّض الجيش القومي لصالح كتائب الظل والمليشيات الموالية، والتي أُعيد إنتاجها في عدة أشكال بعد سقوط البشير.
لكن على الضفة الأخرى، هناك واقع جديد:
- الفصائل المناهضة للانقلاب العسكري تسيطر على الغالبية العظمى من السودان، وتملك القدرة على تأسيس جيش جديد على أسس قومية.
- القوى المدنية والمسلحة المتضررة من حكم العسكر بدأت تفهم ضرورة التنسيق العسكري والسياسي لخلق كيان قادر على فرض معادلة جديدة في البلاد.
وهنا يبرز السؤال إلى خالد عمر والقوى المدنية فيما اسموه تحالف الصمود :
لماذا لا يكون هناك تحالف شامل يوحد الفصائل المقاومة ضد الانقلابيين الذين تحصنوا في بورتسودان؟ لماذا لا تنضمون إلى تحالف التأسيس، الذي يسعى إلى تشكيل جيش قومي يحمي السودان من التفكك والخضوع للنفوذ الأجنبي؟
٢. الأدلة الإحصائية والمنطقية على الحاجة لجيش قومي جديد
أ. انهيار الجيش الرسمي وسيطرة المليشيات
- فقد الجيش السوداني الرسمي أكثر من ٦٠٪ من قوته القتالية بسبب الانشقاقات والصراعات الداخلية.
- أصبحت المؤسسة العسكرية مخترقة بالكامل من الإسلامويين، وتحولت إلى أداة لحماية مصالحهم وليس حماية الوطن.
- المليشيات المنتشرة الآن تتجاوز ٨٠ مجموعة مسلحة، ما يجعل السودان أقرب إلى الفوضى إذا لم يتم بناء جيش قومي موحد.
ب. التجارب السابقة لفشل الدمج العسكري
- كل محاولات دمج المليشيات في الجيش الرسمي فشلت لأنها لم تكن قائمة على أساس قومي حقيقي.
- تجربة اتفاق جوبا للسلام أثبتت ، بالرغم من اهمية الاتفاقية و الامال العريضة التي بنيت عليها، هشاشة الحلول الجزئية، إذ لم تسهم في توحيد القوات بل زادت من تشرذمها.
ج. البوادر المشجعة نحو جيش التأسيس
- على المستوى السياسي، هناك توافق على ميثاق ودستور لدولة التأسيس، ما يمهد لإطار قانوني لجيش قومي جديد.
- على المستوى العسكري، بدأت بوادر تنسيق بين الفصائل المسلحة، وهي خطوة يجب تعزيزها بإعلان توحيد الجيش بدون تأخير.
٣. المخاطر الإقليمية: مصر، روسيا، وتركيا تتربص بالسودان
في ظل انهيار الجيش الرسمي، بدأت قوى إقليمية ودولية في فرض أجنداتها على السودان:
- مصر تدعم بقايا النظام القديم، وتسعى لإبقاء السودان ضعيفًا لضمان عدم تهديدها في ملف النيل. كما أنها فرضت عقودًا تمتد ٩٩ عامًا للاستحواذ على مساحات شاسعة من الأراضي السودانية.
- روسيا تستغل الوضع لتمرير مشاريع التعدين ونهب الذهب، وتسعى لإنشاء قاعدة عسكرية على البحر الأحمر.
- تركيا تدخل على خط الأزمة بعلاقات مشبوهة مع فلول النظام البائد لضمان مصالحها الاقتصادية والعسكرية.
لذلك، فإن بناء جيش وطني مستقل ليس خيارًا، بل ضرورة وجودية لحماية السودان من التبعية والانهيار.
٤. جيش التأسيس: كيف يبدو الحل؟
إنشاء جيش قومي جديد لا يعني فقط استبدال الأشخاص، بل بناء مؤسسة قومية عسكرية جديدة بالكامل، تستند إلى المبادئ التالية:
✅ محايد سياسيًا: يعمل وفقًا لدستور وقوانين الدولة، وليس وفقًا لأيديولوجيا حزبية أو دينية.
✅ متنوع قوميًّا وجغرافيًا: يمثل كافة أقاليم السودان بعدالة، لمنع احتكار السلطة العسكرية.
✅ تدريب احترافي: يعتمد على معايير عسكرية حديثة، بدلاً من التعبئة العشوائية الحالية.
✅ خاضع للحكم المدني: لا يتدخل في السياسة، بل يكون تحت إشراف حكومة ديمقراطية منتخبة.
٥. الخطوات المطلوبة الآن
1. الإعلان عن هياكل دولة التأسيس، بما يشمل قيادة الجيش الجديد وآلياته التنظيمية.
2. دمج الفصائل المقاومة في كيان عسكري قومي يضمن عدم تكرار تجارب الفشل السابقة.
3. عزل بقايا النظام السابق عن أي ترتيبات عسكرية جديدة لمنعهم من التسلل وإفساد المشروع.
4. رفض أي تدخل خارجي في تشكيل الجيش الجديد، خاصة من القوى التي تسعى لاستغلال السودان لمصالحها.
٦. الخاتمة: البناء أو الانهيار
السودان يواجه خيارًا واضحًا:
- إما بناء جيش قومي جديد يحمي وحدة البلاد ويمنع التدخلات الأجنبية.
- أو الاستمرار في دوامة الفوضى، مما سيؤدي إلى تقسيم البلاد وتحويلها إلى ساحة صراع دولي.
تحالف السودان التأسيسي (تاسيس Tasees) هو الفرصة الأخيرة لإنقاذ السودان من التفكك والخضوع للنفوذ المصري والروسي والتركي. إن لم يتم استغلال هذه الفرصة الآن، فإن الأجيال القادمة لن تتذكرنا سوى كجيل فرّط في السودان.
نواصل
د. احمد التيجاني سيد احمد
٩ مارس ٢٠٢٥ نيروبي كينيا
ahmedsidahmed.contacts@gmail.com