سلطة الهامش في كتاب «الوحشيات» لأبي تمّام
تاريخ النشر: 10th, March 2025 GMT
إنّ المُطّلع على كتاب الوحشيات، وهو كتابٌ اختار أشعاره الشاعر العباسي أبو تمّام وعُرِفَ بالحماسة الصغرى، يجد أنه كتاب أدبي ضمَّ أشعارًا انتقاها أبو تمّام فـي الحماسة والمراثي والأدب والنسيب والهجاء والسماحة والأضياف والصفات والمشيب والمُلَح ومذمة النساء، ولقد سمّاه أبو تمّام بالوحشيات كما أشار المحقق لأنّ المختارات الواردة فـي الكتاب هي «أوابد وشوارد لا تُعرف عامة وأغلبها للمُقلّين من الشعراء أو المغمورين منهم».
ومع ذلك فهذا الكتاب لم يحظَ بشهرةِ ديوان الحماسة لأبي تمّام، وإنّ القارئ يُدركُ حقًا أنّ المختارات لم تَشِعْ كثيرًا فـي الأدب القديم، وقد وجد محققو الكتاب جهدًا ليس يسيرًا فـي تخريج الأشعار ونسبتها إلى أصحابها، أو فـي تداخل الأبيات الشعرية من شاعر إلى آخر، أو تصحيف فـي اسم شاعر أو فـي بيت شعري.
وما دام الحديث عن محققي الكتاب فإن الناظر فـي الكتاب فـي طبعته الرابعة الصادرة عن دار المعارف بالقاهرة عام ٢٠٢١م، بتعليق وتحقيق عبدالعزيز الميمني الراجكوتي يجد أن فـي هوامش الكتاب وتعليقاته سلطة تضاهي سلطة المتن أو تقاربه، ولا يمكن لقارئ الكتاب وهو يقرأ كل مقطوعة شعرية إلا ويُتبعها بقراءة الهامش لما يجد فـي نفسه أي معلومة تربط الاثنين معًا.
لقد قام الكتاب فـي أساسه على تعليق وتخريج عبدالعزيز الميمني لكن الأستاذ محمود شاكر كان قد اشتغل قبل ذلك على الكتاب، وبعد علمه باشتغال الميمني عليه ترك الكتاب له، وبعد مدة التقى الاثنان وتحدثا عن الكتاب فكان أن اقترح الميمني على شاكر إضافة تعليقاته فـي الهامش، فصار الهامش يضجُّ بتعليقات الاثنين، وهي تعليقات قيّمة لا شك وتخريجات أفادت القارئ كثيرًا وصوّبت على المتن أيضا.
ثم كان أن شارك الاثنان فـي التعليقات كلٌّ من السيد محمد يوسف وأحمد الراتب النفاخ، وراجع كل ذلك الدكتور ناصر الدين الأسد، وعليه فإنك تجد إشارات وتعليقات فـي الهوامش تحمل اسم كل واحد من المحققين؛ لذا أخذ الهامش أهمية عالية فـي سياق التخريج ولعل ذلك يحيلنا إلى عبارة للكاتب عبدالسلام بنعبد العالي حين يقول فـي مقالة بعنوان (الهامش والمركز): «بين الهامش والمركز ليست هناك علاقات مكانية، ولا حتى منطقية، فالهامش لا يقابل المركز، وإنّما يخترقه. نحن أمام علاقات قوة وتسلط، وليس أمام علاقة هدنة وسلم. وحتى فـي ما يتعلق بالمكتوب وما يحيط به من حواش، فإن الهوامش غالبا ما تتدخل فـي المتن، لتحدّ من إطلاقيته، وتُنَسّب معانيه، وتُوقف عموميتها. فالهامش فـي آخر صفحة الكتاب هو فـي الغالب، حدّ من تدفق معنى النصّ، وربط بظروفه وملابساته، وإفصاح عن نوايا الكاتب ومراميه. وبذلك، فهو يتدخل فـي تحديد معاني المتن، ويعيّن حدودها». (المجلة 22 يناير 2024)
إن فـي تعاقب أقوال المحققين تصحيحًا لما جاء فـي المتن، وتعليقًا وتوضيحًا وزيادة يلحظها القارئ، عدا أن المحققين كانوا يضعون تعليقاتهم على بعضهم، نجد الميمني مثلًا فـي المقدمة (ص6) يقول عن كتاب الوحشيات: «ولا أرى أحدًا يكون تنبه له غير المأسوف عليه الأستاذ أحمد بن الأمين الشنقيطي قبل اليوم بـ٣٤ عامًا...». فـيرد عليه محمود شاكر معلقًا فـي الهامش: «لم يقف عليه الشنقيطي بلا ريب، وحاشيته على الأمالي منقولة بنصها من كلام فـي شرح شواهد الألفـية بهامش الخزانة...».
نجد مثل ذلك فـي غير موضع، نجد مثلًا فـي المقدمتين اللتين تصدرتا الكتاب، إذ يقول الميمني: «وأما الوحشيات هذا، فإني لا أعرف أحدًا يكون عرفه غير التبريزي فـي مقدمة شرح الحماسة ولعله لم يقف عليه لترجمته له بقوله: (وهي قصائد طوال)، وإنما هو ديوان مقاطيع كما ترى». (ص5) فـيعلق محمود شاكر: «أما كتاب الوحشيات، فقد ذكر أستاذي الميمني فـي مقدمته أنه لا يعرف أحدًا يكون عرفه غير التبريزي فـي مقدمة شرح الحماسة، ولكني وجدت القاضي الباقلاني قد ذكره فـي كتابه: «إعجاز القرآن»... وذكره العيني فـي شرح شواهد الألفـية... وقد وقفت على ذكر الوحشيات فـي غير هذين الكتابين، ولكني فقدت الأوراق التي كنت علقت فـيها بعض حواشيّ الأخرى على الوحشيات فأرجو أن يستدركها من يقف عليها ...». (ص10)
يأخذ الهامش سلطة كبرى فـي الكتاب متمثلة فـي التصحيح والتعليق والتوضيح والاستدراك على ما فات المتن، وهو ما يقدّم للقارئ أن هناك إشكالية فـي المتن متمثلة فـي التوثيق والنسبة وهو ما دفع محمود شاكر إلى القول بأنّ أبا تمام كثير الخلط فـي الشعر فـي نسبته إلى الشعراء (ص237)، أو إشارته إلى أنّ أبا تمام جازف فـي إيراد مقطوعة أبي عداس النمري فـي المراثي (ص141). وقال الميمني فـي موضع آخر: «فقد خلط أبو تمام». (ص173) يظهر لنا تصحيح الهامش للمتن فـي مواضع عدة فـي الكتاب وهذا يحيلنا على أن أبا تمام جمع المقطوعات الشعرية التي تداولها الناس -مع الإشارة إلى أنها شوارد ولم تبلغ شهرة وهي إنما قالها المُقلون فـي الشعر- وقد أخطأ فـي نسبتها أو أنه نقلها عن آخرين نقلًا دون تثبت؛ لذا تظهر لنا مقطوعات تنسب إلى أكثر من شاعر، أو أنه نسبها لشاعر وهي لشاعر آخر؛ لذا أوضح الميمني فـي مقدمة الكتاب أنّ «كلمة (قال) على رؤوس المقاطيع، لا تدل على أنها للشاعر المذكور، على ما هي العادة، بل على أنها لمجهول، بلى! تدلُّ على ذلك حينما يزيد عليها كلمة (أيضا)». (ص8) وهذا كثير قد وقع فـيه أبو تمام، ولعل إشارة الميمني فـي هامش الصفحة 33 تعقيبًا على قول أبي تمام فـي المقطوعة 43 «وقال أيضا» فكان تعليقه بـ: «لا معنى لقوله (أيضا) ههنا، والأبيات لسليمان بن عياش اللص فـي معجم البلدان».
لقد قدّم الهامش ثقافة معرفـية فـي جمع النصوص من مصادرها الأدبية، والتفريق بين أسماء الشعراء دون غيرهم، فضلًا عن تقديم رؤية نقدية للمحقق؛ إذ لا يقتصر دور الهامش على التخريج والنسبة والتصحيح، بل إننا نلمس دور الناقد الأديب، نقرأ تعليق محمود شاكر على المقطوعة رقم 38 المنسوبة لعُبيد بن أيوب قائلًا: «وهي من أجود الشعر وأرصنه». (ص30) كما نجد فـي الهامش تعليقات فـي التصويب للمحققين بعضهم البعض، يقول محمود شاكر عن بيت عبدالله بن جعدة:
وأشدَّ مِرَّته على الأعداءِ ذا شيَعٍ وحِدَّه
«هكذا فـي الأصل: «ذا شيع»، فأرجو أن يكون صوابها على هذا الرسم: «ذا سبع». و«السبع» الذعر... أو يكون صوابها على غير الرسم مصحّفًا (ذا شجع)...»، ثم يعقّب الميمني قائلًا: «ثم ادكرت بعد أمةٍ أنّ الصواب ولله الحمد «ذا شيعٍ وحِدّه» لا غير». (ص149)
إن اشتغال الهامش استدراكًا على المتن جعل له سلطة توثيقية ومعرفـية بالمقاطع وألفاظها، ولعلني هنا أشير إلى المقطع رقم 356 بالصفحة 216 الذي أظهر الهامش جرأة فـي رصد دلالات المقطع بخلاف ما واره المتن، لقد أخفى أبو تمام فـي المقطع بعض الكلمات النابية مشيرًا إليها بـ(...) لكن الهامش عمل على كتابتها فـي الهامش مقدمًا وضوحًا كبيرًا فـي نقل الأبيات كما هي.
لا يمكن لي وأنا أقرأ الكتاب إلا أن أقول: إن الهامش فـي حد ذاته -إضافة إلى أنه شكّل سلطة أدبية ولغوية- فإنه أيضا قدّم إشارات معرفـية مهمة عملت على إكمال المتن، ومساعدته فـي النهوض وتشكّله للقارئ فـي صورة صحيحة، هنا نجد تعاضد الهامش والمتن فـي إبراز الصورة الصحيحة التي كان ينشدها أبو تمام، ولعل ما فات أبو تمام استدركته هوامش المحققين بعد قرون طويلة من البحث والتنقيب فـي مصادر التراث العربي.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: فـی الکتاب محمود شاکر فـی الهامش أبو تمام أبو تم ام فـی
إقرأ أيضاً:
سلطة المياه تخصص جزءا من كميات الوقود لتشغيل 600 بئر مياه في غزة
أفادت سلطة المياه الفلسطينية، اليوم الأحد، بأنها قامت بتزويد مرافق المياه والصرف الصحي بالوقود اللازم لتشغيلها في مدينة غزة ، وشمال القطاع، ضمن خطة الاستجابة الطارئة للحكومة.
يأتي ذلك بهدف تحسين كميات الضخ من الآبار إلى الحد الأقصى، لتأمين الحد الأدنى من احتياجات السكان والنازحين لمياه الاستخدام المنزلي، رغم استمرار الاحتلال في عرقلة إدخال كميات الوقود بعد إغلاق المعابر لليوم العاشر على التوالي.
وأضافت سلطة المياه أنها خصصت جزءًا من كميات الوقود المتوفرة لتشغيل 600 بئر مياه خاص، بقدرات ضخ محدودة تتراوح إنتاجيتها بين 9 و12 كوبًا في الساعة، وذلك في غزة وشمالها، لتعويض العجز الناتج عن تدمير الاحتلال معظم آبار وشبكات المياه، ولا سيما في شمال غزة.
وأشارت إلى أن ذلك أدى إلى تحسن ملموس في كميات الضخ اليومي، حيث وصلت إلى الضعف في بعض المناطق، مثل جباليا، إلى جانب ضخ آبار مياه البلديات، ليصل المعدل الإجمالي لكميات الضخ اليومي من الآبار الخاصة في غزة وشمالها إلى ما بين 18,500 و19,000 متر مكعب يوميًا.
كما أوضحت سلطة المياه أنها قامت بحصر وتجميع وتصنيف هذه الآبار الخاصة ضمن مجموعات تشغيلية، ترتبط بمولدات كهربائية متفاوتة الأحجام، ثابتة أو متنقلة، بإشراف ومتابعة مزودي الخدمة، لضمان الاستفادة القصوى منها وفق جداول تشغيلية منتظمة، ما يتيح إمداد نحو 200,000 نسمة يوميًا بمياه الاستخدام المنزلي، بمعدل يتراوح بين 90 و100 لتر للفرد، وذلك بالتعاون مع مزودي الخدمة.
وفي هذا السياق، أكدت سلطة المياه أنه تم توزيع أكثر من 300,000 لتر من الوقود خلال شهر شباط الماضي على 61 مرفقًا للمياه و8 مرافق للصرف الصحي، بالإضافة إلى 600 بئر مياه خاص في غزة وشمالها. وشملت هذه المرافق 37 بئر مياه و5 محطات ضخ للصرف الصحي في مدينة غزة، و12 بئر مياه و3 محطات ضخ للصرف الصحي في بيت لاهيا، و6 آبار مياه في بيت حانون، و6 آبار مياه في جباليا.
وأكدت سلطة المياه أن العمل جارٍ بالتعاون مع المؤسسات الشريكة لصيانة وإصلاح آبار وشبكات المياه القائمة، بهدف تحسين الأداء التشغيلي للمنظومة، بالإضافة إلى توفير مولدات كهربائية لبعض المرافق التي تم صيانتها مؤخرًا، مثل بئر الوكالة 8 وبئر أريجوني في جباليا، وبئر زمو في غزة.
المصدر : وكالة وفا اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد المزيد من أخبار غزة المحلية صحة غزة تعلن خروج خدمات التصوير الطبي التشخيصية عن الخدمة محدث: شهداء وإصابات بقصف ورصاص إسرائيلي لمواطنين في قطاع غزة غزة: بدء نفاد السلع التموينية والمواد الغذائية الأساسية الأكثر قراءة نتنياهو : نستعد للمرحلة المقبلة من معركة الجبهات السبع بن غفير : علينا تجويع حماس وأنصارهم قبل استئناف القتال حماس تعقب على استمرار إغلاق معابر غزة إسرائيل تقطع الكهرباء عن محطة تحلية المياه في دير البلح عاجلجميع الحقوق محفوظة لوكالة سوا الإخبارية @ 2025