الإفطار في حضرة الشيخ الخليلي
تاريخ النشر: 10th, March 2025 GMT
حمود بن علي الطوقي
أواصل في كتابتي عن ذكرياتي الرمضانية التي لطالما حملت مذاقًا وطقوسًا خاصة في قريتي السباخ بولاية إبراء؛ حيث كان لرمضان طعم مختلف ينبض بدفء التقاليد والذكريات الجميلة.
عندما انتقلت إلى مسقط للدراسة في المرحلة الإعدادية، كان جامع السلطان قابوس (في روي) في رمضان يُمثل لي نقطة تحول حاسمة؛ إذ كان والدي ملازمًا لهذا الجامع منذ افتتاحه في عام 1976 وتولى إمامته.
في ذلك المكان الذي جمع بين عبق التاريخ وروحانية المكان، تغيرت مفاهيمي حول رمضان. فقد أصبح الجامع بالنسبة لي معلمًا دينيًا وثقافيًا، حيث كنت أجد فيه ملاذًا للتعلم والتقرب إلى الله. كانت أيام الدراسة في مدرسة روي تملأها لحظات من الجد والاجتهاد، في هذه المدرسة تعرفت على أصدقاء جدد من قبائل مختلفة ومن طبقات مختلفة فمازالت علاقتنا وصداقتنا ممتدة حتى الآن بينما كانت مدرسة تحفيظ القرآن الملحقة بالجامع تمنحني فرصة للتعمق في معاني القرآن وأسرار التجويد، مما ساهم في ترسيخ قيم الدين والخلق في نفسي.
ومن أجمل الذكريات الرمضانية التي ما زالت راسخة في الوجدان كانت لحظات الإفطار الجماعي في ساحة الجامع. قبل حلول صلاة المغرب، كان الجامع يتحول إلى ملتقى يجمع أكثر من 300 شخص من المواطنين والوافدين بمختلف الجنسيات.
كنتُ مع زملائي نشارك في ترتيب وتجهيز هذا الإفطار الجماعي الذي أصبح رمزًا للتآخي والوحدة. ما زاد من روعة هذا الحدث هو مشاركة سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام لسلطنة عُمان، الذي كان يجلس مع والدي والمشايخ في مائدة الإفطار؛ وكنَّا نحن الأطفال نحرص على أن يكون إفطارنا ضمن تلك المائدة المباركة، نستشعر فيها هيبة مشايخنا.
ولم تكن هذه اللحظات مقتصرة على الجانب الروحاني فحسب؛ بل كانت فرصة للتضامن الاجتماعي أيضًا؛ حيث قام عدد من الشركات بتوزيع المشروبات والألبان مجانًا للصائمين، تليها تنظيم إدارة الجامع لوجبة العشاء حيث توزع الصحون بها وجبة عشاء للصائمين بعد صلاة المغرب، مباشرة مما أكسب رمضان في هذا الجامع طابعًا مُميزًا.
لقد مثَّلت تجربة الصيام في مسقط تحولًا حقيقيًا في حياتي؛ ففيها اندمج العلم بالدين، والتعلم في مدرسة روي صباحًا، والانتقال لتعليم القرآن والعلوم الشرعية في المساءً، وكانت هذه الأيام شاهدة على أن رمضان ليس مجرد صيام وإفطار؛ بل هو موسم للتجديد الروحي والعلمي وتلاحم القلوب.
وتبقى ذكريات رمضان في مسقط لها مذاق مختلف عن مذاق رمضان في القرية، وتعد من أعذب اللحظات في حياتي، فكلما تذكرتها، أشعر بالامتنان لتلك التجربة التي شكلت جزءًا كبيرًا من هويتي الدينية والثقافية، وتركت في قلبي أثرًا خالدًا لا يمحوه الزمن.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
حرب ترامب التجارية.. جنون أم خطة واضحة؟ وإذا كانت خطة فماذا بعد ذلك؟
#سواليف
لا يمثل #انهيار #أسواق الأسهم خلال اليومين الأولين بعد فرض #ترامب #الرسوم_الجمركية على معظم دول العالم سوى رد الفعل المذعور الأول لأخبار سيئة، لكن الأسوأ لم يأت بعد.
فلم تنفجر بعد الفقاعات العملاقة التي نمت حول التوقعات غير المبررة للأرباح الهائلة من الذكاء الاصطناعي، وتحويل المركبات إلى الجرّ بالكهرباء، والتحول الأخضر، واستثمار الأموال التي طبعتها البنوك العالمية بشكل عام بعد أزمة عام 2008 وأثناء جائحة كورونا. وما لا زال ينتظرنا هو #انفجار_الفقاعة الضخمة في #بورصات_الأوراق_المالية.
وليس ما نراه الآن من انهيار في سوق الأسهم، بسبب تداعيات الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب، هو ما ننتظره ولم نصل إليه بعد من انخفاض في الناتج العالمي، وموجة من #الإفلاسات_العالمية بجميع أنحاء العالم، وتسارع حاد في #التضخم.
مقالات ذات صلةما حدث هو مجرد جزء صغير، مقطع تشويقي قصير، نشاهد منه الدقائق الأولى فقط، لفيلم الرعب المقبل. إلا أن حتى هذا كان كافيا لتوجيه ضربة قاسية للاقتصاد العالمي، وإعطاء فكرة عن التداعيات.
ومثل هذه الرسوم الجمركية المرتفعة، حال استمرارها فترة طويلة، لن تؤدي إلى تضخم كبير في الولايات المتحدة فحسب، بل من شأنها أيضا أن تؤدي إلى إغلاق جزء كبير من التصنيع في الولايات المتحدة والذي يعتمد بشكل كبير على المكونات الصينية. والتأثير التحفيزي للرسوم الجمركية التي فرضها ترامب على الصناعة الأمريكية متأخر للغاية، وقد لا يظهر إلا بعد بضع سنوات، وسيتطلب مجموعة من الشروط الأخرى، بعضها غائب، مثل العمالة الرخيصة، والاستقرار السياسي والمالي، وغيرها.
باختصار، لن نرى التأثير الإيجابي للرسوم الجمركية في أي وقت قريب، إذا قدّر لنا أن نراه بالأساس، لكن الضرر واضح وسريع وهائل. ومن المؤكد أن ترامب لن يواجه سوى المتاعب في السنوات القليلة المقبلة.
أقول قولي هذا لأن أي طالب مبتدئ لديه قليل من الفهم للاقتصاد يدرك عواقب الرسوم الجمركية التي يتم فرضها. وإذا لم يفهم ترامب هذا الأمر، فلا شك أن هناك عدد كاف من الأشخاص في إدارته يستطيعون فهمه وشرح الوضع للرئيس. واللعب على رفع الرهانات يتطلب على الأقل الأخذ بعين الاعتبار إمكانية أن الخصم لن يخلف وعوده وسيضطر ترامب إلى الوفاء بها، لأن العكس سوف يدمر لعبته مع كل الدول الأخرى، ولن يأخذه أحد على محمل الجد بعد ذلك.
كذلك لا يمكن استبعاد إمكانية أن تكون رؤية ترامب غير متزنة، لأن النخب الأمريكية والغربية كلها غير متزنة، وعلى سبيل المثال لا الحصر، صدّقت دعايتها الخاصة بشأن ضعف روسيا، والرواية الرسمية لأسباب الأزمة العالمية، والأمثلة كثيرة.
إلا أن النسخة الرئيسية التي أومن بها هي أن ترامب يقيّم الوضع بشكل مناسب ولا يفعل سوى ما يجب أن يحدث على أي حال وفقا للخطة، بينما يحاول استخراج بعض الفوائد على الأقل من الوضع.
فترامب يدرك أن العولمة انتهت، وأن العالم قد بدأ فعليا في التفكك إلى مناطق معزولة عن بعضها البعض، وستكون هذه العملية دموية ومؤلمة للجميع. في هذه الحالة، لن ينقذ “زعيمة العالم الديمقراطي، مئة مليار إضافية من الخدم والحلفاء السابقين، الذين هم على استعداد لدفعها لواشنطن من باب العادة أو الخوف، لكنها قد تكون إضافة تافهة لا بأس بها من شأنها أن تخفف قليلا من حدة التحول.
يدرك ترامب كذلك أن الصين لن تستسلم وستفوز بالحرب التجارية. وحتى لو وافقت الصين ونصف العالم على الرسوم الجمركية الأمريكية، فإن ذلك لن يؤدي إلى إحياء الصناعة الأمريكية، بل سيفرض فقط ضريبة على دول أخرى ستملأ ميزانية الحكومة الأمريكية. إلا أن هذا الوضع لن يدوم طويلا، حيث امتد هرم الديون من الغرب إلى العالم أجمع على مدى العقدين الماضيين، وتحت وطأة العبء الإضافي ستنهار اقتصادات العديد من البلدان. والرسوم الجمركية التي فرضها ترامب، إذا قبلها الجميع، لن تؤدي إلا إلى تسريع انهيار هرم الديون العالمية والانهيار النهائي للاقتصاد العالمي، ما سيؤدي إلى انهيار الاقتصاد الأمريكي أيضا. ويعني هذا أن رسوم ترامب الجمركية لا يمكن أن تصبح نظاما استعماريا جديدا، ولن يتسامح الاقتصاد العالمي مع ذلك.
وضع الصين هو الآخر صعب، حيث يعتمد النمو الاقتصادي على الحوافز الحكومية، ولكن، إذا لم يحدث إغلاق فعلي للتجارة وإمدادات المواد الخام إلى الصين، فإن احتياطيات الصين من الاستقرار ستكون أعلى من احتياطيات الولايات المتحدة.؟
وإذا كان ترامب يتوقع جديا ملء الميزانية الأمريكية من خلال الرسوم الجمركية، فهو أغبى مما أعتقد.
لكني أنطلق من فرضية أن ترامب يفهم عواقب أفعاله، وإذا استمر في رفع الرهانات، فإنه لا يفهم الوضع العام فحسب، بل ويقبله، ويتقبل عواقب أفعاله.
الوضع إذن هو أن الولايات المتحدة لا تملك إلا ورقة رابحة وحيدة: القوة العسكرية. وفي رأيي المتواضع أن ترامب يستعد للحرب مع الصين، وبالنظر إلى سرعة التصعيد فإن ذلك سيحدث أسرع مما توقعنا. والرسوم الجمركية على الصين تشبه صفقة الموارد مع أوكرانيا، والمفاوضات مع إيران. هو نفس النمط Pattern، ذلك العرض الذي يجب على الخصم أن يرفضه ليمنح ترامب الذريعة وحرية التصرف في التصعيد أعلى وأعلى.
وحتى الآن، كانت الحجة الرئيسية ضد إمكانية اندلاع حرب ساخنة بين الولايات المتحدة والصين هي أن اقتصادي البلدين قد نما معا مثل توائم سيامية، والحرب بين نصفي هذا الكائن الاقتصادي الواحد هي أمر مستحيل. ترامب يكسر هذا الارتباط.
لكن العواقب الاقتصادية لذلك ستكون وخيمة، وقد تؤدي خلال بعضة أشهر، إن لم تزعزع استقرار الوضع السياسي الداخلي في الولايات المتحدة، إلى زيادة الضغوط على ترامب على أقل تقدير، وتقسّم الجمهوريين، وبشكل عام تشل تدريجيا مبادرات الرئيس وتعكسها.
يعني ذلك أن ترامب يجب أن يسارع إلى الحرب مع الصين، وأعتقد أننا سنرى قريبا حظرا أمريكيا كاملا على الواردات الصينية، ثم محاولة واشنطن لإجبار بقية العالم على الانضمام إلى مقاطعة البضائع الصينية، ثم، وبعد فشل هذه المحاولات، حصار بحري على الصين، قد يبدأ بالعدوان على إيران، وقطع إمدادات النفط والغاز من الخليج إلى الصين.
طبعا، كل هذه مجرد روايات، وخيار بين عدم كفاءة ترامب ومحاولة التوصل إلى سردية يمكن أن تشرح خطواته بشكل عقلاني..
المحلل السياسي/ ألكسندر نازاروف