بدو مصر.. انخراط سياسي أم دور اجتماعي؟
تاريخ النشر: 10th, March 2025 GMT
القاهرة- ظل بدو مصر يعيشون قرونا عدة في أطراف البلاد بعيدين عما يدور في المركز، غير أن الآونة الأخيرة شهدت طفرة سياسية بخصوصهم، تستحضر الإنصاف مع قلق من تأثير ذلك على اللحمة الوطنية.
وثمة دلائل كثيرة عن طفرة في تموضع البدو بالمشهد السياسي المصري، آخرها الكيفية التي تعامل بها رئيس اتحاد القبائل العربية، إبراهيم العرجاني، مع تصريحات أحد أهم المستثمرين بقطاع السياحة بخصوص "إعاقة بعض البدو للتنمية السياحية".
وقال رجل الأعمال حامد الشيتي، في تصريح متلفز، إن "البدو لا يسمحون للمستثمرين بالبناء في منطقة الساحل الشمالي"، في إشارة منه للنزاعات بين الطرفين على ملكية الأراضي التي تقام عليها المشروعات. وقد استدعى ذلك ردا من العرجاني وهو أبرز رجال قبيلة الترابين بسيناء، مطالبا إياه بالاعتذار ومشيرا إلى دورهم الوطني ودعمهم الدولة وأجهزتها.
لقي منشور رئيس اتحاد القبائل العربية رواجا عبر منصات التواصل الاجتماعي بالثناء والاعتراض، وسرعان ما تراجع الشيتي معلنا -في بيان- اعتذاره لبدو مصر، معتبرا إياهم رمز الشرف والنزاهة.
تاريخ الاستقرارعلى مدار قرون، ظلت المناطق الحدودية والمحافظات الجنوبية وهامش المدن الكبرى بمثابة نقاط ارتكاز لبدو مصر، يرتحلون في مدارها، ما أبعدهم بالتبعية عن حيز السلطات المركزية. والبدوي وفق قواميس علم الاجتماع هو من لا عنوان ثابت له بسبب امتهانه رعي الماشية وتنقله الدائم وراء المراعي.
إعلانتذكر المراجع والدراسات التاريخية أن جذور استقرار البدو بمصر، تعود إلى بداية حضارة وادي النيل، أي عصر القدماء المصريين، لكن استقرارهم بالبلاد إبان زمن الفراعنة ظل محدودا مقارنة بعهود لاحقة. ومع الفتح الإسلامي لمصر في القرن السابع الميلادي، تزايدت هجرة قبائل الجزيرة العربية وشمال أفريقيا إلى مصر ليكون ارتكازها في سيناء والصحراء الغربية ومناطق بالصعيد.
من أشهر قبائل سيناء: هي المساعيد والترابين والسواركة والعقيلات والمزينة والصوالحة والقرارشة والجبالية، وفي الصعيد قبائل العبابدة والهوارة والبشارية والبجا، وفي الصحراء الغربية قبائل أولاد علي والسعادي والعلاونة.
ومع تطور وسائل التنقل وضآلة المراعي لقلة الأمطار فضلا عن انتهاج السلطات قبل نحو 200 عام سياسات دمج البدو في المجتمع، بدأ أبناء القبائل الانخراط في الحياة الحضرية دون التخلي عن تراثهم.
في الوقت الراهن، تستقر أعداد من البدو بالمدن الحضرية الحدودية، مثل العريش والشيخ زويد والعلمين، بينما اختار بعضهم التمدد بجميع مدن محافظات الوادي، في حين تستمر قلة على حالها التاريخي في ممارسة الترحال الموسمي.
وبالنسبة لحضورهم السكاني، لا تقدم الجهات الرسمية المعنية بالتعداد السكاني، أي إحصائية بخصوص أي أقلية مثل المسيحيين أو النوبيين ولا يُستثنى من ذلك البدو، لكن وسائل إعلام محلية تتناقل رقم 14 مليون نسمة كإحصاء لعددهم.
في عام 2013، تم تدشين مجلس اتحاد قبائل سيناء، من 30 قبيلة، وظل الاتحاد الذي ترأسَه البدويان علي فريج وإبراهيم العرجاني، غير ظاهر على السطح الإعلامي، إلا من تصريحات متباعدة لمؤسسيه عن دعم الجيش في حربه على الإرهاب بسيناء.
وفي مايو/أيار الماضي، تم الإعلان عن تأسيس كيان قبلي جديد هو اتحاد القبائل العربية والعائلات المصرية برئاسة العرجاني. وتزامنا، توالت تصريحات المسؤولين بالاتحاد حول دعمهم القيادة السياسية، مع تأكيد دور الكيان في حماية الأمن القومي المصري حيث أعلن رفضه مخطط تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة.
إعلانإلى ذلك، أُعلن أواخر العام الماضي، عن تدشين حزب جديد يحمل اسم "الجبهة الوطنية"، ويستهدف "تكوين أكبر تحالف سياسي لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة" وفق طموحات مؤسسيه.
ربط مراقبون الكيان الحزبي الوليد باتحاد القبائل خاصة وأن عصام نجل العرجاني وعاصم الجزار أمين عام اتحاد القبائل عضوان بالهيئة التأسيسية للحزب. لكن المادة 74 من الدستور المصري تحظر قيام أحزاب سياسية على أساس ديني، أو بناءً على التفرقة بسبب الجنس أو الأصل أو على أساس طائفي أو جغرافي.
من جهته، يرى رئيس المركز المصري لدراسات الإعلام والرأي، مصطفى خضري، أن القبائل البدوية جزء أصيل من نسيج المجتمع المصري، معتبرا أن محاولات صنع حدود بينهما تجاهل للتشابك العميق الذي يُشكل هوية مصر المتعددة.
ويضيف للجزيرة نت، أن إثارة النعرات العرقية سلاح استخدمه الاستعمار منذ القدم لتفتيت المجتمعات، محذرا من إهمال مواجهة هذه النعرات كونها تمثل خطورة على استقرار البلاد. وأخيرا هنالك محاولات فردية مصاحبة لحملات إعلامية ممولة تستهدف فرز البدو عن باقي المجتمع، حسب تحليل الباحث الإعلامي للمشهد الحالي.
ويرى خضري، أن هذه المحاولات سياسية في جوهرها، ظرفية في توقيتها، متوقعا لها الفشل. ويختتم حديثه بالتحذير من خطورة تحويل التنوع الذي طالما كان مصدر قوة مصر إلى أداة للتفتيت، مؤكدا أن المواجهة تستلزم وعيا شعبيا بروح الهوية المصرية الجامعة.
على النقيض تبدو رؤية أستاذ العلوم السياسية والأكاديمي المصري، خيري عمر، حيال المخاوف من النعرات العرقية، إذ يستبعدها ويطرح مسببات لظهور اتحاد القبائل. ويقول للجزيرة نت، إن ما يحدث هو محاولة لدمج البدو اجتماعيا وليس منح السيادة لفئة معينة، موضحا أن الاتحاد يحاول ربط سكان الحدود بمركز الدولة من خلال توفير أطر تواصل للتقريب الاجتماعي والدمج السياسي.
إعلانويضيف أن "الهدف هو وقف محاولات شدّ جماعات الحدود إلى خارج نطاق الدولة، وعليه، فاتحاد القبائل يُعتبر تكوينا أهليا لسد الثغرات أمام محاولات الاختراق الخارجي".
بناء على ذلك ووفق رؤية الخبير السياسي، فيمكن النظر إلى تجربة تعاون البدو مع الجيش في مكافحة الإرهاب بسيناء على أنها مؤشر على دور تقليدي للمنظمات الأهلية في الدفاع ضد المخاطر الخارجية. ويستبعد عمر أيّ محاولة لتقسيم البلاد على أساس طائفي أو عرقي، مستمدا تلك الطمأنينة الاجتماعية من تعداد مصر الضخم والتجانس السكاني الذي يصعب معه الفصل بين ما هو بدوي وريفي وحضري.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات رمضان اتحاد القبائل
إقرأ أيضاً:
شفشفة الجنجويدية: نظرة تأملية ١-٢
منذ ٢٠١٣ كان الجنجويد بيننا في العاصمة،ممثلا لاحد أحطّ الممارسات التي اعتمدتها الإنقاذ لتحمي نفسها من انقلابات داخل جيشها ومن تصاعد الرفض داخل شعبها. كان هؤلاء الجنجويد ممثلين للقبائل العربية في جنوب دارفور ومعهم عرب الشتات في دول الغرب الأفريقي.
لعبت افكار القذافي ضمن سياق تاريخي طويل دورا هاما في بداية إذكاء تصاعد "مفهوم العربية" كموقف سلطوي من القبائل العربية في جنوب دارفور،خاصة الرزيقات الباقرة وآبناء عمهم الرزيقات الشمالية الإبالة. وظهر تجمع القبائل العربية وقريش وغيرها بقوة فيما بعد انتفاضة أبريل ١٩٨٥. ودار صراع قاسي وشرس بين التجمع العربي وما اسمي تجمع الزرقة بقيادة الخصم التاريخيّ ومؤسسي سلطنة دارفور الفور وحلفائهم.
في سياق البحث عن خلفيات ظاهرة السلب والنهب ما اسماه السودانيون بالشفشفة وما تبعها من تدمير المنازل بنزع أبوابها ونوافذها ونزع كل مكونات الإضاءة من الطبلونات وامتدادات الأسلاك وغيرها من مكونات الكهرباء. وعند عدم سرقة الأثاثات تحطيمها بغرض التدمير وغير هذه من النهب فقد ترافق وجودهم في أحياء المدن باستعمال عنف مفرط وقتل باستخفاف وتعذيب وأسر في ظروف سيئة جدا كانت اقرب شيء يذكره السودانيون الأساليب التي استعملها التعايشي في سجن الساير بأمدرمان وبيوت الأشباح في اوائل الإنقاذ وان كانت ممارساتهم أقسى وأكثر بشاعة ولا إنسانية. الظاهرة المحيرة الأخيرة كانت ظاهرة الاغتصاب واسترقاق النساء وبيعهم في الأسواق. هذه الظاهرة أخذت اشكالاً بشعة من جماعية الممارسة والتي أدت لوفاة بعض من مورس معهن، وتواصلها لفترات طويلة واحيانا طلب الفدية لإطلاق السراح او ترحيلهم وبيعهم في أسواق بعيدة.
طوال تاريخي وقراءاتي وتجولي بين عادات القبائل ووجود كل ممثليها في العواصم والمهاجر، فقد كانت هذه الظواهر اكثر تواجدا في البادية ومرتبطة بالعقل البدوي من الجماعة المستقرة، لكنها لم تصل لتكن أسلوب حياة بل استهجنت عندهم كلهم بشكل عام. كل هذه الظواهر كانت موجودة فيما أطلق عليه النهب المسلح وهو تعبير قصد منه إخفاء حقيقة انه كانت هناك حرب اهلية حقيقية. ورغم وجود كل هذه المظاهر في تلك الأحداث فإنها لم تكن السمة الأساسية، وربما قامت به قبائل مثل القرعان ومجموعات سرقة منتشرة في دارفور وجزء منها من تشاد. وحضرت تلك الأحداث لعملي في الفاشر كمدير للخدمات الصحية وحتى مؤتمر الصلح في الأسبوع الأول من انقلاب الإنقاذ. لم تمثل الاغتصابات- وان حدثت بعضها- اى وجود جرائمي في تلك الحرب ولاظهرت في قوائم الديات ولا ذكرت في كلمات ممثلي التحالفين.
ولكي اجد تفسيرا لهذة الظواهر الشاذة والتي بلغ بها الجنجويد قمة الانحطاط والحقارة والسلوكيات السيئة فقد طلبت مشورة برنامج "ديب سيك" للذكاء الاصطناعي اعتمادا على مراجع موثقة درست هذه الظواهر. وسوف انشرها في المقال القادم.
Dr. Amr M A Mahgoub
omem99@gmail.com
whatsapp: +249911777842