هل التاريخ يُعيد نفسه؟
تاريخ النشر: 10th, March 2025 GMT
د. سعيد الدرمكي
منذ فجر الحضارة، شهد العالم حروبًا وثورات وأزمات اقتصادية تتكرر في أنماطها، مما يثير تساؤلًا جوهريًا: هل يعيد التاريخ نفسه؟ التاريخ ليس مجرد سجل للأحداث، بل انعكاس للتجارب الإنسانية التي شكلت الهوية والوعي الجماعي. ومع ذلك، يبقى الجدل قائمًا حول مدى صحة فكرة تكرار التاريخ؛ فبينما يرى البعض أنَّ التشابه بين الأحداث التاريخية يعود إلى عوامل بشرية واجتماعية ثابتة، يعتقد آخرون أن هذه الفكرة تبسيط مفرط لتعقيد الظواهر التاريخية، حيث يحمل كل حدث سياقه الفريد وظروفه الخاصة.
من الضروري التمييز بين تكرار الأحداث بشكل حرفي، ووجود قواسم مشتركة تؤدي إلى أنماط تاريخية متشابهة. فالتاريخ لا يعيد نفسه بنفس التفاصيل، لكنه يكشف عن أنماط متكررة تتجلى نتيجة للتفاعلات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي تشكل سلوك المجتمعات. لا تتكرر الوقائع كما هي، لكن الظروف المتشابهة تخلق سيناريوهات قد تبدو مألوفة عبر العصور.
تناول العديد من المفكرين هذه المسألة من زوايا مختلفة، فابن خلدون طرح مفهوم العصبية كمحرك أساسي للتغير التاريخي، مؤكدًا أن السلوكيات الاجتماعية والأنماط الثقافية تؤثر في مسار التاريخ وتساهم في تكرار بعض الظواهر. أما مارك توين، فرأى أن التاريخ لا يُعيد نفسه حرفيًا لكنه يتناغم مع ذاته أو يسير وفق إيقاع معين، ما يشير إلى وجود تشابهات في مجريات الأحداث دون تكرار مطلق. بينما تناول كارل ماركس التاريخ من منظور اقتصادي واجتماعي، معتبرًا أن الصراعات الطبقية والتغيرات في أساليب الإنتاج تشكل القوى الدافعة للأحداث، مما يؤدي إلى دورات تاريخية تتكرر في نماذجها رغم اختلاف التفاصيل.
يرى جورج فيلهلم فريدريش هيغل أن التاريخ ليس مجرد سلسلة من الأحداث المتكررة، بل عملية تطورية تحركها صراعات الأفكار. وفقًا لنظريته في الجدلية التاريخية، يمر كل تحول بثلاث مراحل: أطروحة تطرح فكرة، نقيض يواجهها، ثم توليف يدمج بينهما ليشكل نظامًا جديدًا أكثر تطورًا.
يمكن رؤية هذا النمط في الثورة الفرنسية، حيث أسقطت الملكية لصالح النظام الجمهوري، ثم جاءت إمبراطورية نابليون التي مزجت بين القيم الملكية والجمهورية، مما يعكس كيف تتشابه أنماط التاريخ دون أن تتكرر حرفيًا، إذ يعاد تشكيل الماضي وفق تحديات وظروف جديدة.
يتكرر هذا النمط في الأزمات الاقتصادية، فالأزمة المالية في 2008 تذكرنا بانهيار وول ستريت عام 1929، إذ نتج كلاهما عن مضاربات مالية مفرطة، مما أدى إلى انهيار الأسواق وارتفاع البطالة. ورغم تغير السياسات والأدوات الاقتصادية، فإن دورات الازدهار والانكماش لا تزال تعيد نفسها بأنماط مألوفة لكن في سياقات متجددة.
شهد العالم في 2019 تفشي فيروس كورونا، الذي رغم تشابهه مع أوبئة سابقة مثل سارس وميرس، إلا أنه تحول إلى جائحة عالمية غيرت مسار الاقتصاد والمجتمع. وكما في الأوبئة التاريخية، لم يكن التحدي في المرض نفسه، بل في كيفية استجابة المجتمعات له، حيث لعبت التكنولوجيا والعولمة دورًا في سرعة انتشاره، وأيضًا في تطوير لقاحات غير مسبوقة، مما يعكس كيف تتكرر التحديات بأساليب جديدة تفرض حلولًا مختلفة.
لا يعيد التاريخ نفسه حرفيًا، لكنه يكشف عن أنماط متكررة تعكس ثبات بعض العوامل البشرية والاجتماعية. فكل حدث يحمل خصوصيته، لكنه يشترك في نمط مع أحداث سابقة، مما يمنحنا فرصة للتعلم من الماضي وتجنب الأخطاء. وكما تفسر الجدلية الهيغلية، تدفع الصراعات عجلة التاريخ إلى الأمام، مما يجعل فهم الماضي أداة ضرورية لاستشراف المستقبل بوعي وفعالية.
دراسة التاريخ ليست مجرد استذكار للماضي، بل أداة لفهم الحاضر واستشراف المستقبل. من خلال تحليل الأحداث يمكن توقع التطورات القادمة وتجنب الأخطاء السابقة، كما أن فهم استراتيجيات القادة الناجحين وأسباب فشل الدول يساعد في اتخاذ قرارات سياسية واقتصادية أكثر حكمة. تتكرر بعض الأزمات مثل الأزمات المالية في القرن العشرين والنزاعات الإقليمية الحديثة، لكنها تتجلى وفق متغيرات العصر.
لا يتكرر التاريخ بالمعنى الحرفي، لكنه يعكس أنماطًا مألوفة تتشكل وفق عوامل بشرية واجتماعية متجددة. فهم هذه الأنماط لا يساعد فقط في استيعاب الحاضر، بل يمكننا من استشراف المستقبل وتجنب أخطاء الماضي. وكما تطرح الجدلية الهيغلية، فإن الصراعات تدفع عجلة التاريخ نحو مراحل أكثر تطورًا، مما يجعل دراسة الماضي أداة ضرورية لفهم التحولات القادمة. فالتاريخ لا يعيد نفسه، لكن من لا يستخلص دروسه قد يجد نفسه عالقًا في تكرار غير واعٍ لمآسيه.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
عمرو سلامة يكشف عن البوستر الرسمي لـ «برستيج» قبل عرضه بهذا الموعد | صورة
كشف المخرج عمرو سلامة، عبر حسابه الرسمي بموقع تداول الصور والفيديوهات «إنستجرام» عن البوستر الدعائي لمسلسل «برستيج» خلال الساعات القليلة الماضية، وذلك استعدادا لانطلاقته في الفترة المقبلة.
وشارك عمرو سلامة، عبر حسابه الرسمي على «إنستجرام» البوستر الرسمي لـ «برستيج»، مشيرا إلى أنه من المقرر أن ينطلق عرضه في 24 أبريل الجاري.
يتكون مسلسل «بريستيج»، من 8 حلقات وتدور أحداثه في إطار كوميدي، حول عاصفة قوية تضرب شوارع القاهرة، مما يجبر 14 شخصًا من خلفيات اجتماعية مختلفة إلى اللجوء لمقهى في وسط البلد بعد انقطاع الكهرباء وعودتها.
وتتصاعد الأحداث ويكتشف الجميع أن أحدهم قد قتل، ومع تصاعد التوترات يدركون أن القاتل بينهم، وتتطور الأحداث في إطار من الكوميديا السوداء، بينما يحاول الجميع كشف لغز الجريمة على مدار ثماني حلقات مشوقة.
أبطال مسلسل «بريستيج»ويضم مسلسل بريستيج، عددا من نجوم الفن أبرزهم: محمد عبد الرحمن، مصطفى غريب، سامي مغاوري، دينا، راندا عوض، بسام رجب، آلاء سنان، أمينة البنا، معاذ نبيل، وعمر شريف، بالإضافة إلى مغني الراب زياد ظاظا وصانع المحتوى محمد عبد العاطي. وآخرين من الفنانين.
اقرأ أيضاً«أحلى كوميديا أشوفها من سنين».. عمرو سلامة يعلق على فيلم سيكو سيكو
بعد «ساعته وتاريخه».. عمرو سلامة يستعد لعرض «برستيج» على يانجو بلاي | صورة
«بنبهر بالطاقات».. عمرو سلامة يعلق على المشاركين في «كاستنج» | صورة