أهم مظاهر الوعي السياسي والاستراتيجي لحركة طالبان
تاريخ النشر: 10th, March 2025 GMT
المتابع لنشأة ونمو الحركات الإسلامية في المنطقة منذ سبعينيات القرن الماضي يلمس بوضوح مدى تطور مدركاتها السياسية، ومن ثم قدرتها على التكيف مع التحديات والتغيرات المتلاحقة وصولا لتحولها لظاهرة سياسية أصيلة في المنطقة يصعب تجاهلها أو تجاوزها، وذلك برغم عمليات التجريف السياسي المستمر وإغلاق كل منافذ الاعتراض أو التعبير السياسي فضلا عن تداول السلطة، وهو ما تواطأت عليه قوى الاستبداد والاستعمار على السواء.
ولعل حركة طالبان نموذج بارز في ذلك، فحركة طالبان التي تأسست في تسعينيات القرن الماضي مرت بمراحل تطور سياسي كبيرة، بدءا من سيطرتها الأولى على أفغانستان (1996-2001) دون سابق ممارستها للسياسة والحكم، وصولا إلى عودتها إلى الحكم في آب/ أغسطس 2021 بعد انسحاب القوات الأمريكية، فقد أظهرت الحركة نضجا سياسيا ملحوظا مقارنة بفترتها الأولى، حيث تعلمت من الأخطاء السابقة وطورت استراتيجياتها للتعامل مع التحديات المحلية والإقليمية والدولية.
خلال فترة حكمها الأولى (1996-2001)، اتسمت طالبان بعزلة شبه تامة نتيجة تبنيها سياسات متشددة تجاه المجتمع الدولي، أما في مرحلة العودة إلى الحكم (2021)، فقد أظهرت وعيا متزايدا بأهمية بناء جسور مع الدول الإقليمية والدولية، حيث بدأت بمفاوضات مع الولايات المتحدة في اتفاق الدوحة 2020 الذي مهد الطريق لانسحاب القوات الأمريكية.
تعلمت الحركة كيفية التفاوض وإعطاء التنازلات التكتيكية دون المساس بجوهر أيديولوجيتها، وأبرز مثال على ذلك هو قبولها بالتفاوض مع الولايات المتحدة رغم العداء التاريخي، وكذلك محاولاتها طمأنة المجتمع الدولي بشأن ملفات مثل حقوق المرأة والتعليم، لتجنب العزلة التامة
تعلمت الحركة كيفية التفاوض وإعطاء التنازلات التكتيكية دون المساس بجوهر أيديولوجيتها، وأبرز مثال على ذلك هو قبولها بالتفاوض مع الولايات المتحدة رغم العداء التاريخي، وكذلك محاولاتها طمأنة المجتمع الدولي بشأن ملفات مثل حقوق المرأة والتعليم، لتجنب العزلة التامة.
كما أظهرت طالبان نضجا داخليا من خلال ضبط جناحيها السياسي والعسكري، في فترات الجهاد، ومنع أي انقسامات بينهما، حيث استطاعت الحفاظ على قيادة موحدة حتى بعد مقتل عدد من كبار قادتها، كما تمكنت من معالجة الخلافات الداخلية وتجنب الصدامات التي يمكن أن تهدد استقرارها.
وإذا كانت في تجربتها الأولى قد افتقرت طالبان إلى خبرة في إدارة الدولة، حيث ركزت على فرض القوانين الصارمة دون تطوير البنية التحتية أو الخدمات، فإنها في تجربتها الحالية، أظهرت قدرة أكبر على إدارة الملفات المعقدة، حيث شكلت حكومة انتقالية تسعى لفرض الأمن وإدارة الموارد الطبيعية والاستفادة منها اقتصاديا رغم العقوبات الدولية.
كما أظهرت طالبان نضجا سياسيا من خلال بناء علاقات قوية مع قوى إقليمية مثل الصين وروسيا وإيران وباكستان، كما سعت إلى استغلال هذه العلاقات لتعزيز الاقتصاد المحلي والحصول على دعم سياسي يمنع محاصرتها دوليا، وركزت أيضا على تطوير العلاقات الاقتصادية، خاصة مع الصين التي ترى في أفغانستان بوابة مهمة لمشروع الحزام والطريق.
رغم تمسكها بالأيديولوجيا الإسلامية، أظهرت طالبان مرونة في بعض الملفات، مثل السماح لبعض الأنشطة الاقتصادية والقبول بالتفاوض مع أطراف دولية، وهذه البراغماتية ساعدتها في التكيف مع الضغوط الدولية والداخلية، حيث تعمل على إظهار صورة أكثر "اعتدالا" مقارنة بالماضي.
أدركت الحركة أهمية التوازن الداخلي في بلد متعدد الأعراق والطوائف مثل أفغانستان، وحاولت احتواء قوى محلية مثل الطاجيك والأوزبك عبر إشراك شخصيات من هذه الجماعات في الحكومة، مع الاعتماد على القمع العسكري لاحتواء أي تمرد من تنظيمات مثل "الدولة الإسلامية- ولاية خراسان".
وإذا كانت في تجربتها الأولى، اعتمدت طالبان بشكل شبه كامل على القوة العسكرية، فإنها في تجربتها الحالية، أظهرت نضجا باستخدام أدوات أخرى مثل الخطاب السياسي والإعلامي، والتأكيد على أنها تسعى لتحقيق الأمن والاستقرار بعد سنوات من الحرب.
قبل 2001، كانت طالبان تعتمد على فرض السيطرة بالقوة دون التفكير في التفاوض مع الخصوم، وبعد عودتها للحكم طورت استراتيجية للتفاوض مع القوى الداخلية والخارجية، حيث شاركت في عدة جولات حوار مع الفصائل الأفغانية المعارضة في محاولة لإيجاد حلول سياسية بدلا من الانزلاق إلى حروب أهلية.
أظهرت طالبان نضجا في استغلال الموارد الطبيعية الهائلة لأفغانستان مثل المعادن النادرة والليثيوم، وبدأت بالتفاوض مع دول مثل الصين لاجتذاب الاستثمارات في التعدين والطاقة، مما يعكس إدراكها لأهمية الاقتصاد في تثبيت حكمها.
طورت طالبان أدواتها الإعلامية لترويج صورة أكثر اعتدالا مقارنة بفترة التسعينيات، فأنشأت قنوات إعلامية رسمية وغير رسمية للتواصل مع الداخل والخارج، ولتحسين صورتها أمام المجتمع الدولي.
النضج السياسي لا ينمو في الفراغ أو داخل سراديب الاستبداد أو تحت وطأة الاستعمار، بل رغما عنهما وفي أطار مراغمتهما
أدركت طالبان أهمية التفاهم مع بعض الزعامات القبلية والفصائل السياسية المؤثرة، وعقدت اتفاقيات محلية مع زعماء القبائل لضمان ولائهم أو على الأقل تحييدهم، مما ساعدها في تعزيز سيطرتها على المناطق الريفية، كما ركزت طالبان على كسب تأييد الشرائح الفقيرة من الشعب من خلال تقديم الخدمات الاجتماعية والتعليم، مما وسع من دوائر شعبيتها خصوصا في المناطق الريفية.
نجحت طالبان في تخفيض العديد من الضغوط المتعلقة بحقوق المرأة والتعليم، كما كان التجاوب مع القضايا الإنسانية من خلال التعاون مع المنظمات الدولية في توزيع المساعدات، أمر لافت مقارنة بفترة حكمها الأولى، كما استفادت طالبان من أخطائها السابقة، التي تسببت في العزلة الدولية الكاملة، وتعلمت أهمية المرونة السياسية وضرورة التكيف مع الواقع المتجدد.
وختاما.. فإن انتقال حركة طالبان لهذه المساحات من السياسة، تؤكد أن النضج السياسي لا ينمو في الفراغ أو داخل سراديب الاستبداد أو تحت وطأة الاستعمار، بل رغما عنهما وفي أطار مراغمتهما.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه طالبان اسلام طالبان تجارب سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة من هنا وهناك صحافة مقالات سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة المجتمع الدولی بالتفاوض مع فی تجربتها من خلال
إقرأ أيضاً:
طالبان تحتفي بيوم المرأة..الأفغانية في أمان وحقوقها محمية
أصدرت حركة طالبان رسالة بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، قالت فيها إن "الأفغانيات يعشن في أمان مع حماية حقوقهن" رغم إدانة الأمم المتحدة لحظر عمل المرأة والتعليم المستمر.
وأصدر المتحدث الرسمي باسم طالبان ذبيح الله مجاهد، بياناً عبر إكس، لم يذكر اليوم العالمي للمرأة، الذي يحتفل به في 8 مارس (آذار).وقال مجاهد إن "كرامة المرأة وشرفها وحقوقها القانونية تشكل أولوية بالنسبة للإمارة الإسلامية"، وهو المصطلح الذي تستخدمه طالبان لوصف حكومتها.
وأضاف مجاهد، أن الأفغانيات يعشن في أمن، جسدياً ونفسياً.
Afghan women's rights is situated within the specific context of an Islamic and Afghan society,
which exhibits distinct divergences from Western societies and their cultural paradigms. Such distinctions must be duly considered in any evaluative discourse.
Regards
6/6
وتابع مجاهد "طبقاً للشريعة الإسلامية، وثقافة وتقاليد المجتمع الأفغاني، تضمن الحقوق الأساسية للمرأة الأفغانية. غير أنه لا يتعين أن ننسى أن حقوق المرأة الأفغانية تناقش داخل مجتمع إسلامي وأفغاني، يختلف بشكل واضح عن المجتمعات الغربية وثقافتها".
ومنذ أن استولت طالبان على السلطة في أفغانستان في 2021، منعت تعليم النساء والفتيات، بعد الصف السادس والعمل في معظم الوظائف وفي الكثير من الأماكن العامة.