لوحات غدير حدادين .. رؤية لونية تواقة للجمال
تاريخ النشر: 23rd, August 2023 GMT
عَمّان ـ العُمانية: نشأت التشكيلية الأردنية غدير حدادين في بيئة فنية وفَّرت لها السير بخطوات مدروسة باتجاه الفن التشكيلي، فوالدها سعيد حدادين من رواد فن البورتريه ورسم الوجوه، ومن أصحاب التجارب الفارقة في هذا المجال على الساحة العربية.
لهذا، كان من الطبيعي أن تبدأ علاقة غدير بالريشة واللون منذ طفولتها، فأحبّت رائحة الألوان خلال مراقبتها لوالدها وهو يرسم، وتعلّمت في مرحلة مبكرة جدًّا من حياتها الإمساك بالريشة وصنع الأشكال فوق (الكانفس).
ورغم هذه النشأة، إلا أنَّ الفنانة الشابة لم تكن أسيرة لتجربة والدها في التشكيل، فقد استطاعت أن تخط لنفسها مسارًا آخر تابعت فيه أبرز التقنيات والمستجدات المتصلة بمدارس الفن التشكيلي، إلى جانب تأثرها بالعديد من القضايا المعاصرة وميلها نحو الطبيعة وما تتضمنه من مفردات.
ويتضح هذا بصورة جلية في أعمال غدير التي تنتمي للمدرسة التجريدية، حيث إن التجاورات اللونية قادرة على حمل طاقة تعبيرية جمالية، وأحيانًا تجليات روحانية، فالتجريد يمنح الفنان مساحة واسعة للتجريب وخوض مغامرات لونية متجددة، وهو ما وعته الفنانة، ووافقَ رؤيتها التي تتوق للجمال وإبرازه بطرق مبتكرة.
وغالبًا ما تتسيد الألوان الدافئة لوحات الفنانة، كما في معرضها (بوح لون) الذي تضمَّن أعمالًا تجريدية تميزت بالدمج بين الألوان الدافئة والداكنة من الأسود والبني وتدرجاته، وكما في معرضها (بحة روح) الذي عبّرت فيه عن عوالم المرأة في مختلف حالاتها منفذةً لوحاته وفق تقنيات وأساليب تنوعت في الرؤية والأفكار، حيث جاءت لتعبّر عن هواجس المرأة وتلامس مشاعرها وتكشف همومها وتعزز تطلعاتها.
وفي سياق اهتمامها بقضايا المرأة، اقتربت الفنانة -التي عُرفت بكونها شاعرة أيضًا- من مشاعر الأنثى وحاولت التعبير عن القيود التي يفرضها عليها المجتمع، لذا قدمت رسم المرأة باللون الأبيض، الذي ينتج من دمج جميع الألوان معًا.
وبدا واضحًا من ذلك أنَّ حدادين تريد القول إنَّ المرأة كائن شمولي يتكون من كل تلك الأطياف اللونية، ورغم ذلك له خصوصيته وطبيعته الرقيقة والحساسة التي تم التعبير عنها من خلال الألوان المحيطة بتشكيل المرأة وتدرجاتها وكثافتها ومدى تواشجها مع الألوان التي تجاورها، ليظهر نتيجةَ ذلك نوعٌ من التناغم حيناً ومن التناقض حيناً آخر. وتمثل عناصر اللوحة عند غدير حدادين نوعًا من الموسيقى التي تقوم على أنماط جاذبة تصنعها عبر توليفة تضم الشكل واللون والخط والفكرة الفلسفية، حيث تنأى التشكيلات التي تتماوج على سطح اللوحة وتتلاعب بتقنية الظل والضوء والمزج اللوني عن أن تكون تمثيلًا للعالم المادي مقتربةً من الروحي والمتسامي.
المصدر: جريدة الوطن
إقرأ أيضاً:
لوحات البوخاري.. تجليات تراثية وسرديات بصرية
محمد نجيم
أخبار ذات صلة منتخبنا يحصد المركز الثاني في «عربية الجولف» المغرب يعلن تفكيك خلية إرهابيةعلي البوخاري، فنان تشكيلي وحروفي مغربي، تحضر في لوحاته الرموز والعلامات التي يحفل بها التراث المغربي والإسلامي، تجربته غنية بمقومات لونية وعلاماتية. يعمل البوخاري في سردياته البصرية وفق ضوابط محكمة لا تخرج عن سياق الفن الإسلامي وتؤشر على إرث عريق مستمد من الثقافة المغربية ومخزونها الثري.
يقول الفنان البوخاري لـ (الاتحاد): «المواد التي استعملها في إنجازاتي هي تقنية مادة صباغة «الاكليريك»على أسندة القماش وفي بعض الأحيان أقوم باستعمال تقنيات مزدوجة بمعنى صباغة الأكليريك أو صباغة مائية ممزوجة بمواد أخرى كالغراء الأبيض، وكذلك مادة صمغ الجوز. كما اشتغل في بعض الأحيان على أسندة أخرى مثل الخشب والجلد، بمعنى آخر اشتغل حسب الإمكانيات المتاحة والتي تساير نوع العمل وموضوعه.
ويضيف: «أسعى دائماً إلى ضرورة النظر وبكل عمق في كيفية صياغة الفكرة لتكون بوصلة أحدد من منطلقها بناء مواضيعي وترجمتها تشكيلياً مستجيبة لكل المبادئ الأساسية الخاضعة لقانون التكوين. وذلك عبر الإمكانيات المتاحة التي تساهم في تطوير ذاتي وفكري معاً، وذلك عبر تجربة الغوص في البحث والاكتشاف اللذين يساعداني للوصول إلى المصادر الجوهرية من مخزون ما هو حضاري وتاريخي، تراثياً وثقافياً.. إلخ. فشخصياً، وطيلة سنوات خلت، بقيت إلى الآن وفياً لأصالتي التراثية عبر إخضاعها في كل عملياتي الإبداعية، وذلك من خلال ما أستلهمه من الأصول الحضارية والتاريخية، ولاسيما ماهو مرهون بالمخزون التراثي والثقافي منه الأمازيغي والعربي لأهميته، أي المخزون الذي أؤمن به شديد الإيمان، من منظور معرفي وبعدٍ روحي. وأستطيع من خلاله فتح كل أبواب الحرية بخصوص التعبير الذاتي وإيصال الخطاب الصادق للمتلقي».
يضيف البوخاري: «أما فيما يخص الاتجاه الذي أنحو نحوه فهو اتجاه بأسلوب تعبيري تجريدي أزاوج فيه بين ضروب متعددة مستقاة من التراث المحلي المغربي (عناصر من العمارة سواء أكانت أمازيغية أو عربية، وكذلك عناصر مأخوذة من الحلِيّ والرموز والعلامات وكذلك الزخرفة الإسلامية... إلخ) وإدماجها ببعض من عناصر الحرف العربي، وقد أترجمها أحياناً في أعمال أخرى بعناصر من الحَرف الأمازيغي المعروف بـ (تيفيناغ)، وذلك ضمن قالب تكويني يكون مسؤولاً عن الوحدة الكاملة لمجموع العناصر. ومنفذة بتقنية صباغة الإكليريك تارة، أو بتقنية مزدوجة يحظى اللون فيها بقانون الأهمية هو أيضاً، حيث استخدم من خلاله خلفيات غائمة وتارة ساطعة بدرجات قيمية متفاوتة تتخللها مساحات ضوئية تلتف حول الحروف، وما حولها من العناصر المدمجة معه في سياق التوازن والتجانس داخل التكوين العام بحركياته وإيقاعاته الكامنة داخل الحروف، والذي يترك بعض الفراغ في الفضاء يجيز للمتلقي نوعاً من الارتياح البصري يكون كافياً بأن يجعله متفرجاً متفاعلاً».
شحنات جمالية
أعمال الفنان علي البوخاري تؤكد حضورها بقوة في المشهد التشكيلي المغربي والعربي جاعلاً من الحرف بصمته الأيقونية، التي تحمل مادة فنية وجمالية وبلاغية قوامها سحرية الخط العربي وبعده الروحي الذي يرسل شحنات جمالية تريح العين وتُمتّع الروح لما توفره للمتلقي من سمو وقوة تعبيرية مدهشة.