بقلم ـ عبدالملك محمد عيسى

 

تتصاعدُ حدةُ الصراع في المنطقة مع كُـلّ يوم جديد، حَيثُ تتشابك المِلفات السياسية والعسكرية والاقتصادية في معركة إقليمية مفتوحة بين محور المقاومة من جهة وأمريكا والكيان الإسرائيلي وحلفائهما الإقليميين من جهة أُخرى.

وبينما تلوّح واشنطن بالمزيد من التصعيد سواء ضد غزة أَو ضد اليمن، على خلفية استهداف السفن في البحر الأحمر، تبدو المنطقة والعالم بأسره على شفا أزمة اقتصادية غير مسبوقة عنوانها الأبرز: (باب المندب خط نار عالمي).

ففي ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة وتهديد ترامب المباشر لحركة حماس بإجبارها على إطلاق الأسرى الصهاينة لديها بالقوة، جاءت الضربة اليمنية الحاسمة بإسقاط طائرة أمريكية من طراز MQ-9 في أجواء الحديدة بأسلحة محلية الصنع لتؤكّـدَ أن اليدَ اليمنية باتت على الزناد في البحر والجو معاً، ولم يكن هذا التطور منفصلاً عن السياق العام، بل جاء في ضوء زيارة وزير الدفاع السعوديّ خالد بن سلمان إلى واشنطن، حَيثُ بحث مع نظيره الأمريكي بيت هيغسيث سبل تعزيز التعاون الدفاعي والتطورات الإقليمية، هذا التنسيقَ العسكري السعوديّ الأمريكي في ظل استهداف اليمن وتصنيفه “إرهابياً”، يعكس بوضوح أن واشنطن تفكّر في مغامرة عسكرية ضد صنعاء بمباركة الرياض.

الرسالة اليمنية واضحة إما وقف العدوان الإسرائيلي الأمريكي على غزة ورفع اليد الأمريكية عن اليمن أَو دخول العالم في أزمة اقتصادية كبرى تبدأ من باب المندب، هذا المضيق الاستراتيجي الذي يمر عبره نحو 12 % من حجم التجارة العالمية وتحمل مياهُه إمدَاداتِ الطاقة والبضائع نحو أُورُوبا وآسيا وأمريكا؛ فإغلاق باب المندب -ولو مؤقتاً- يعني ارتفاعًا صاروخيًّا في أسعار النفط والغاز وقفزة جنونية في تكاليف الشحن البحري؛ ما سيؤدي إلى موجة تضخُّم عالمية غير مسبوقة، وخَاصَّة أن الاقتصاد العالمي أصلاً هشٌّ بعد سلسلة من الأزمات، منها العقوبات الأمريكية على روسيا والصين وأُورُوبا وكندا والمكسيك والحرب في أوكرانيا، وتداعياتها على الطاقة والغذاء واضطراب سلاسل التوريد منذ أزمة كورونا.

أزمة باب المندب إذَا انفجرت ستضع الاقتصاد العالمي أمام سيناريو ركود تضخمي كارثي، حَيثُ ترتفع الأسعار بينما تتراجع معدلات النمو والإنتاج، وهذا يعني زيادة كلفة الطاقة على الصناعات في أُورُوبا وآسيا وارتفاع أسعار الغذاء والنقل والشحن عالميًّا وانخفاض القدرة الشرائية لدى المستهلكين واضطراب أسواق المال وتهاوي العملات.

ما لا تدركُه واشنطن أن سلاح العقوبات الذي تستخدمه ضد الصين وروسيا واليمن وإيران وغيرها يرتد عليها اليوم بشكل أقسى؛ إذ لم يعد العالم أحادي القطبية خاضعاً بالكامل للإملاءات الأمريكية، بل أصبحنا أمام تعددية قطبية اقتصادية تلعب فيها المقاومةُ دوراً جديدًا، لا يقتصرُ على الرد العسكري بل يمتد إلى الردع الاقتصادي عبر التحكم بمفاصل التجارة العالمية.

أي تصعيد أمريكي إضافي ضد غزة أَو اليمن، سيؤدي إلى خلط الأوراق في الاقتصاد العالمي وإجبار الأسواق على دفع ثمن غطرسة واشنطن وحمايتها المطلقة لجرائم الكيان الإسرائيلي، وَإذَا كانت الإدارة الأمريكية تعتقد أن اليمن دولة معزولة ضعيفةٌ فَــإنَّ باب المندب وحدَه كفيلٌ بإثبات العكس، وبأن اليد التي أسقطت MQ-9 قادرة على إغلاق المضيق وتحويله إلى ساحة لهب عالمي، وقد تم تجريبه طوال عام كامل.

بين صراع السياسة وصراع الاقتصاد سيدرك العالم أن الهيمنة الأمريكية باتت تهديداً مباشراً لاستقرار التجارة والاقتصاد الدوليين، وأن مشروع المقاومة الذي يدافع عن سيادة الشعوب وكرامتها أصبح صمامَ الأمان الحقيقي لاستقرار المنطقة والعالم لا العكس.

* أُستاذ عِلم الاجتماع السياسي المشارك جامعة صنعاء

المصدر: يمانيون

كلمات دلالية: باب المندب

إقرأ أيضاً:

هل تمهد أمريكا وإسرائيل لضرب إيران؟.. ترقّب عالمي للقاء ترامب ونتنياهو

يلتقي الرئيس الأميركي دونالد ترامب ضيفه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو -اليوم الاثنين- ويجري الطرفان محادثات لم يفصح عن محتواها، لكن نتنياهو تحدث عن بحث الرسوم الجمركية الأميركية وملف إيران واستعادة المحتجزين بغزة.

وأضاف نتنياهو أن هدف زيارته لواشنطن ولقائه ترامب هو بحث قضية استعادة المحتجزين من غزة واستكمال ما وصفه بالنصر.

وذكرت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية أن ترامب سيستقبل نتنياهو الساعة السادسة مساء بتوقيت غرينتش، ونقلت عن مصادر أن اللقاء سيكون بحضور المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط ستيفن ويتكوف.

وأوضحت الصحيفة أن مشاركة ويتكوف في اللقاء نُسقت بسرعة غيرِ معتادة، وأن هذا مؤشر على مناقشة ترامب ونتنياهو ملف المحتجزين في غزة.

كما نقلت الصحيفة عن مصدر إسرائيلي أن مكتب رئاسة الوزراء الإسرائيلية لا يعرف فعليا السبب وراء إصرار الإدارة الأميركية على عقد لقاء مستعجل بين نتنياهو وترامب.

وبالتزامن مع لقاء واشنطن، جددت عائلات المحتجزين الإسرائيليين مظاهراتها في القدس، ووصف والد محتجز إسرائيلي نتنياهو بأنه "عدو دولة إسرائيل ومسؤول عن قتل آلاف الإسرائيليين وتقوية حماس".

إيران ورسوم ترامب

من جانب آخر، سيكون ملف إيران حاضرا خلال مباحثات ترامب ونتنياهو، إذ يتفق الرئيس الأميركي وضيفه على سياسة "الضغوط القصوى" التي تعتمدها الولايات المتحدة على إيران، لمطالبتها "بوقف برنامجها النووي والصاروخي ووقف دعمها لأطراف معادية لإسرائيل في المنطقة".

وكان ترامب عرض على إيران "محادثات مباشرة" ردّت عليها الجمهورية الإسلامية الأحد بالرفض. واعتبر وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي أن المفاوضات المباشرة مع الولايات المتحدة "لا معنى لها"، في ظل "التهديد" و"التناقضات".

وازدادت مؤخرا التكهنات حول إمكانية أن تشن إسرائيل بمساعدة الولايات المتحدة، هجوما عسكريا على المنشآت الإيرانية.

من جهة أخرى، يسعى نتنياهو الذي وصل واشنطن قادما من المجر، إلى إقناع الرئيس الأميركي بالتراجع عن -أو على الأقل تقليص- الرسوم الجمركية البالغة 17%، قبل أن تدخل حيز التنفيذ على إسرائيل.

وقبل مغادرته المجر السبت، قال نتنياهو إنه يهدف إلى مناقشة الرسوم الجمركية، وأضاف -في بيان- "أنا أول مسؤول دولي، أول زعيم أجنبي يلتقي الرئيس ترامب (لمناقشة) مسألة حاسمة لاقتصاد إسرائيل. أعتقد أن ذلك يعكس العلاقة الشخصية الخاصة والروابط المميزة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، وهو أمر جوهري في هذا الوقت". 

وفي حال حصوله، لن يكون إعفاء إسرائيل، الحليف الأقرب لواشنطن في الشرق الأوسط، من الرسوم الجمركية، مفيدا لإسرائيل فحسب، بل سيكون محل ترحيب من الجمهوريين في الكونغرس الأميركي الذين لهم ناخبون مؤيدون لإسرائيل، والذين لا يبدون مستعدين لمواجهة ترامب في هذا الملف.

وحاولت إسرائيل استباق إعلان ترامب الأربعاء عبر إلغاء الرسوم المتبقية على 1% من السلع الأميركية التي كانت لا تزال تخضع لرسوم في إسرائيل.

لكن ترامب مضى قدما في فرض رسومه، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة لديها عجز تجاري كبير مع إسرائيل التي تعتبر من أبرز المستفيدين من المساعدات العسكرية الأميركية.

مقالات مشابهة

  • ماذا يعني انهيار التجارة بين أمريكا والصين لبقية العالم؟
  • تصاعد حرب الإبادة في غزة.. أمريكا تواصلُ جرائمَها وفشلَها في اليمن
  • الكويت: الاستمرار في التغاضي عن انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي يدفع نحو مزيد من التصعيد
  • بين الحرب على غزة وضربات اليمن.. الاقتصاد الإسرائيلي يفقد جاذبيته للمستثمرين
  • واشنطن من “سنستخدم القوة الساحقة” إلى “العالم تركنا وحيدون أمام اليمن”
  • بين تعقيدات الإيرادات وتراجع الأسعار.. كردستان يدفع ثمن الأزمة قبل أن تبدأ
  • بين تعقيدات الإيرادات وتراجع الأسعار.. كردستان يدفع ثمن الأزمة قبل أن تبدأ - عاجل
  • الأسهم تنهار عالميًا... والعالم يتأرجح على حافة أزمة جديدة
  • هل تمهد أمريكا وإسرائيل لضرب إيران؟.. ترقّب عالمي للقاء ترامب ونتنياهو
  • أخبار العالم| غارات جوية أمريكية جوية على اليمن.. مصرع قيادي حوثي بارز.. وانخفاض كبير في سعر الذهب بسبب رسوم ترامب