أنقرة- تفاقمت حدة التوتر في المشهد السياسي التركي مع اندلاع مواجهة قضائية بين المؤسسة العسكرية وأكبر أحزاب المعارضة، بعد أن رفع وزير الدفاع التركي يشار غولر، ورئيس الأركان العامة وقائد القوات البرية وقائد القوات البحرية، دعاوى تعويض منفصلة ضد رئيس حزب الشعب الجمهوري أوزغور أوزال، بسبب انتقاداته قرار فصل خمسة ملازمين من الجيش التركي.

والخطوة، التي تعد غير مسبوقة في العلاقة بين الجيش والسياسة، فجّرت سجالا واسعا؛ حيث اتهمت المعارضة الحكومة بتوظيف القضاء أداة للضغط على خصومها السياسيين، بينما رد الرئيس رجب طيب أردوغان بلهجة صارمة، محذرا المعارضة من تجاوز "الخطوط الحمراء".

وزير الدفاع التركي يشار غولر وثلاثة من القادة العسكريين يقاضون أحد زعماء المعارضة التركية (الجزيرة) خلفية الأزمة

بدأ الجدل بعد قرار المجلس الأعلى للانضباط العسكري بفصل خمسة ملازمين وثلاثة ضباط من صفوف الجيش، على خلفية ما يُعرف بـ"مظاهرة الضباط" خلال حفل التخرج العسكري من الأكاديمية العسكرية التابعة لجامعة الدفاع الوطني في أنقرة، في 30 أغسطس/آب الماضي.

وفي الحفل، نظم نحو 400 ملازم فعالية موازية عقب انتهاء القسم العسكري، إذ رفعوا سيوفهم ورددوا شعارات تمجد مصطفى كمال أتاتورك، في خطوة أثارت جدلا واسعا، واعتبرتها القيادة العسكرية "إخلالا بالانضباط العسكري"، مما دفع وزارة الدفاع إلى اتخاذ قرار الفصل مطلع فبراير/شباط الماضي، مشددة على أنها لن تتهاون مع أي تجاوزات داخل الجيش.

إعلان

لكن القرار أثار غضب المعارضة، حيث اعتبره حزب الشعب الجمهوري استهدافا لضباط يعبرون عن هويتهم الأتاتوركية، متهما الحكومة بمحاولة إقصاء العناصر المؤمنة بمبادئ الجمهورية من المؤسسة العسكرية.

وفي تصعيد غير مسبوق، هاجم رئيس الحزب، أوزغور أوزال، قادة الجيش واتهمهم بالانصياع للضغوط السياسية، مشيرا إلى أن القرارات لم تكن قائمة على معايير مهنية، بل جاءت نتيجة "تدخلات لتصفية تيارات معينة داخل الجيش".

أردوغان يتدخل

تصاعدت الأزمة مع رد فعل قوي من المؤسسة العسكرية، التي اعتبرت تصريحات رئيس حزب الشعب الجمهوري إساءة مباشرة لهيبة القوات المسلحة، مؤكدة أن الجيش يعمل وفق القوانين الدستورية ولن يسمح بأي تدخل سياسي في قراراته.

وفي خطوة غير مسبوقة، لجأ وزير الدفاع ورئيس الأركان وقادة القوات البرية والبحرية إلى القضاء، حيث رفعوا دعاوى قضائية على أوزغور أوزال، مطالبين بتعويضات مالية بدعوى "الإضرار بسمعة الجيش التركي".

وزاد دخول الرئيس رجب طيب أردوغان على خط المواجهة من حدة التوتر؛ إذ وجه تحذيرا مباشرا إلى أوزال في خطاب جماهيري، مؤكدا أن المؤسسة العسكرية ليست ساحة لتصفية الحسابات السياسية، ومشددا على أن أي تجاوز في هذا السياق لن يكون بلا رد.

كما أعلن أردوغان، أن الحكومة ستدعم القضايا المرفوعة على أوزال، مؤكدا أن القضاء سيحسم الأمر لصالح الجيش، حفاظا على هيبته واستقلاله عن التجاذبات السياسية.

أوزغور أوزال (يسار) مع زعيم المعارضة السابق كمال كليجدار أوغلو (يمين) (الأناضول) موقف المعارضة

اعتبرت نائبة رئيس الحزب، غامزة تاشجيير، القضايا المرفوعة بأنها "محاولة لاستخدام القضاء أداة لقمع المعارضة"، متهمة الحكومة بتسييس المؤسسة العسكرية لضرب خصومها.

وأضافت "هذه القضايا ليست سوى امتداد لسياسات الضغط التي تمارسها السلطة، وهي تهدف إلى ترهيب الأصوات المنتقدة داخل المجتمع".

إعلان

وذهبت تاشجيير أبعد من ذلك، معتبرة أن الإجراءات ضد الضباط المفصولين تُضعف تماسك الجيش، قائلة إن "من يرفعون الدعاوى باسم الجيش هم من يضرون بسمعته وليس المعارضة".

من جانبه، يقول بدري أغاج، النائب في حزب الشعب الجمهوري، إن رفع قادة الجيش التركي دعاوى قضائية على أوزغور أوزال جاء بناء على تعليمات مباشرة من الرئيس رجب طيب أردوغان، معتبرا أن هذه الخطوة "تكشف بوضوح مدى تداخل السياسة بالمؤسسة العسكرية في تركيا، وهو ما أسفر في الماضي عن نتائج كارثية"، وفق تعبيره.

وأضاف أغاج في حديث للجزيرة نت، أن أردوغان الذي كان في التسعينيات من أشد المنتقدين لتدخل الجيش في السياسة، هو اليوم يفعل الشيء ذاته، لكن بأسلوب مختلف، عبر استغلال القضاء، مشددا على أن الجيش يجب أن يبقى بعيدا عن التجاذبات السياسية، تماما كما يجب أن يكون القضاء مستقلا عن الضغوط الحكومية.

وختم "الجيش التركي هو ملك الشعب، وليس لحزب أو شخص، وقادته يجب أن يتصرفوا وفقا لهذه الحقيقة، لا وفقا لحسابات سياسية ضيقة".

تحول طبيعي

في هذا السياق، يرى المحلل السياسي جنك سراج أوغلو، أن لجوء قادة الجيش إلى القضاء ضد أوزغور أوزال يعكس تحولا طبيعيا في العلاقة بين المؤسسة العسكرية والسياسة في تركيا، مشيرا إلى أن هذه الخطوة لا تعني بالضرورة تسييس الجيش، بل هي محاولة للحفاظ على استقلاليته وهيبته في وجه اتهامات علنية تمس سمعته وشرعية قراراته.

وأضاف سراج أوغلو، أن المؤسسة العسكرية التركية، التي كانت لعقود فاعلا رئيسيا في السياسة، تبنت في السنوات الأخيرة نهجا أكثر انضباطا وابتعادا عن التدخل المباشر في الشأن السياسي، موضحا أن التعاطي مع الخلافات عبر الأطر القانونية، يعد تطورا إيجابيا يعكس ترسيخ دولة القانون والمؤسسات.

وأشار إلى أن أوزغور أوزال، كرئيس لحزب معارض، يملك الحق في انتقاد قرارات الجيش، "لكن تصريحاته تجاوزت النقد السياسي إلى التشكيك في نزاهة القادة العسكريين واتهامهم بالرضوخ لتدخلات سياسية، وهو أمر يستوجب الرد من خلال القنوات القانونية".

إعلان

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات رمضان حزب الشعب الجمهوری المؤسسة العسکریة الجیش الترکی أوزغور أوزال

إقرأ أيضاً:

الكوني: نظام الأقاليم الثلاثة سيحافظ على وحدة ليبيا ويضمن الاستقرار في مناطقها

رأى النائب بالمجلس الرئاسي، موسى الكوني، أن نظام الأقاليم الثلاثة سيحافظ على وحدة ليبيا ويضمن الاستقرار في مناطقها.

وقال بيان صادر عن المجلس: “يواصل الكوني عقد جلساته الحوارية مع رموز الشعب والنخب، والأكاديميين لتوضيح أبعاد مبادرة العمل بنظام الأقاليم الثلاثة بمجالس تشريعية ومحافظات تنفيذية، لضمان تحقيق الاستقرار في كل مناطق ليبيا والمحافظة على وحدتها، ولتقريب الخدمات للمواطنين وتفتيت المركزية التي أنهكت الدولة الليبية”.

وأضاف البيان “عقد الكوني جلسة حوارية مساء السبت مع عدد من الإعلاميين والكتاب والسياسيين، والوزراء، تناول مستجدات الأحداث في ليبيا على مختلف الأصعدة، وتداعيات شبح الانقسام الذي تعاني منه ليبيا بوجود برلمان منقسم وحكومتان وجيشان، ومجلس دولة كلا يتحرك في نطاق إقليمه وليس على كامل التراب الليبي”.

وتابع “تطرق إلى حقيقة أن ليبيا أصبحت شرق وغرب في تجاهل كامل لإقليم فزان وحقوقه المشروعة الذي هو شريك في الوطن، وأن العمل بنظام المحافظات من شأنه أن يخفف العبء عن العاصمة التي أصبحت ساحة للصراعات السياسية بسبب وجود السلطة المركزية داخل حدودها، مؤكدًا أن طرابلس أصبحت تحمل وزر كافة المآسي الناتجة عن الانقسام السياسي، التي يتجه الجميع نحوها لانتزاع السلطة أو الغنيمة منها”.

واستطرد “شدد الكوني على أن نظام المحافظات سيكون له دوره الجوهري في الحد من الفساد المالي والإداري، ويترك للحكومة المركزية دورها السيادي، وأن لقاء اليوم مع هذه النخب شكل فرصة مهمة لتقديم الرؤى والمقترحات التي تساهم في معالجة الانقسام السياسي الذي تعيشه البلاد منذ سنوات”.

واستكمل “قدم المشاركون في الحوارية وجهات نظر مهمة حول المبادرة وابعادها على مختلف الأصعدة، وشددوا على ضرورة الاستفادة من أخطاء الحكومات السابقة، في تعاملها مع ملف الادارة المحلية، بالإضافة لنشر ثقافة الوعي بأهمية عودة العمل بالأقاليم الثلاثة بمحافظات تنفيذية تديرها كفاءات وطنية، كما أكدوا أنه لا يمكن بناء اقتصاد  بالمحافظات في غياب الاستقرار السياسي، واعتبروا التنمية المكانية هي الحل الأمثل لاستقرار  البلاد،  ولضمان نجاح رؤية السيد النائب يجب  تضمينها في مشروع الدستور للاستفتاء عليها من قبل الشعب الليبي”.

الوسومالكوني المجلس الرئاسي ليبيا نظام الأقاليم

مقالات مشابهة

  • دراويش المعارضة المدنية السودانية- بين التمترس الأيديولوجي وفشل التكيف مع الواقع السياسي”
  • في كورسك وسومي..الجيش الروس يعلن السيطرة على بلدات جديدة
  • أوزغور أوزيل: نقف إلى جانب القضية الفلسطينية
  • الكوني: نظام الأقاليم الثلاثة سيحافظ على وحدة ليبيا ويضمن الاستقرار في مناطقها
  • فيدان يحذر طهران.. معركة تركيا وإيران في سوريا
  • كردستان في معركة التوازن السياسي.. راقص بين عتمة الخلافات ونور المصالح
  • الجيش التركي يقصف محيط سد تشرين شمال سوريا
  • الأمم المتحدة: الأولوية لتوحيد المؤسسة العسكرية في ليبيا
  • المعارضة التونسية بين رهان السياسي ووجدان القاضي