قصة الوادي الصغير (25)
تاريخ النشر: 10th, March 2025 GMT
حمد الناصري
وفي اليوم التالي احتشدت ناس كثيرة من أعراب رملة العُوران وكثبان الرمال الذهبية ورملة نُجود، وأعراب الرمال الغربية وأعراب الرمال الشرقية والبلدة القديمة وقَعْدة بني زهران وبحارة ساحل بحر المرجان ونفرٌ من جُزر المرجان وممرّ وهْران. وقد تقدّم الحشد المُجتمع كبيرهم الأسد بن عُوران من كثبان رملة العُوران، ونجيب بن أسد الزهران، وقال الأسد بن عُوران كلمة مُختصرة: "نحن نتفق معكم، فأنتم أبناء عُمومتنا، ولكن هذا التحالف يجب أن يكون في النُصرة والمُؤازرة في المِحَن، وأن نقف صفّاً إلى جنب بعض في ردّ العداء على جُزر المرجان وبحره وعلى مَمرّ وَهْران، فالتحالف قوة وترابط وثقة في الطرف الآخر.
بدا على الناس شيء من عدم الرضا.. قال رجل أشيب للذي بجواره وكان شاباً وهمس إليه: ـ لقد تبيّن كذبهم وزورهم وتلفيقاتهم، لا أعلم لماذا لم ينتبه بني زهران إلى قضية فلوع؟ وفي ظني أنّ بني العُوران لهم اهتمامات في التراث والأمجاد والآثار التأريخية، بهكذا تحالف لن نجني ثماراً غير الغث والخراب، فالآثار التاريخية ليست خاوية بل هي أمجاد تاريخية. قال الشاب بنباهة: ـ نعم أصدقك القول.. لا يجب أن يغيب عن بالنا ما قد حرّفه رجال القوة الحادية عشر في كتبهم وألسنتهم الحِداد.
سمع تحاورهما رجل ثالث من بني زهران وتساءل باندهاش مُستغرباً: ـوجدنا وثيقة نادرة بخط يدّ البحار شهاب الماجد العظيم.. وبها إشارات مُقوّسة وإرشادات وحدود عريضة وعلامات بحرية مهمّة، وهذه العلامات والإرشادات قد ذكرها ابن القرية العتيقة عبدالله المشهور، بيّنها في كتابه المُؤتلف في علم البحار.. وهذه الوثيقة لم تتحدّث عن بحر المرجان، كلا، بل تحدّثتْ عن بحر الظُلمات أيضاً؛ بأنه ليس بحراً مُظلماً فحسب بل هو لوحة حزينة، سطحهُ مُخيف وامتداده مُرعب لا نهاية له.. كما تحدّث عن بحر المرجان، كأنّما مياههُ من منبع واحد وتتوسّع ما بعد القوة الحادية عشرة، وهم الذين عُرفوا بأعراب رملة ياكوف، وقال عن أعماق البحر الذي يأتي بعد بحر المرجان أنه بحرٌ عميق وأبعادهُ تتوسّع وتميل إلى العُمق ويبدو ارتفاعه فوق سطح بحر المرجان، وتكون مياه ذلك البحر غليظة وواسعة ومساحاته شاسعة، بحرٌ فضّي يميل إلى البياض لا حدود له ولا نهاية، وقد عبّر الكاتب عبدالله المشهور عن موقف صَعب في البحر الفضّي ساده الهلع والحُزن، فقال في ذلك الكتاب : رأيتُ سحابة شديد القتامة وأنا في عُمق بحر مُختلف عن بحر المرجان، عميق ومُخيف، ذلك البحر المُرعب كلما نظرتُ إلى أبعد مساحة، أوقف نظري إلى حدّ الرؤية، ولا أرى سوى سماء مُلبّدة بسُحب من فوقها كُتل سَوداء مُخيفة ومن فوقها برق يخترق سُحب سوداء ويُفرغ لمعاناً شديدًا وعنيفًا ، يُفاجئ كُتل السُحب فيفرّقها، يَهشّها هشّاً، ومَضاته حادّة تكظم الأنفاس وتُمَزّق الأفئدة وتُقطع الأكباد، وضوئه يخطف الأبصار والرعد يهزّ الأرجاء ويُرعب السّمع، تهتزّ الأركان من صوته ومن خِيْفته تتوقّف حركة القلوب، والناظر إلى مدّ البصر لا يرى إلّا عُتمة تزداد قتامة كأنّما الشمس لم تُشرق عليها والصواعق تضرب البحر بضربات مُتتالية ، تسقط في عُمقه وما تزيد الناظر إليها إلا رُعباً ، وترى الأشياء طافحة وظُلمة الامتداد والخوف تأكل بعضها والرُعب يزداد هولاً والرياح لا تهدأ والعواصف شديدة ، كأنها غاضبة بلا هوادة ، تَعْبُر البحر الفضي غداةً ورَوْحة ، وكل لحظاتها خوف ورُعب وكل ساعة تزداد صُعوبة وقسوة ، والمُنتصر هو من يخرج منها سالماً.
يتبع 26
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
د. لبيب قمحاوي .. إسرائيل الكبرى والشرق الأوسط الصغير : مخاض التغيير
#إسرائيل_الكبرى و #الشرق_الأوسط_الصغير : #مخاض_التغيير
بقلم : د. #لبيب_قمحاوي
التاريخ 08/03/2025
lkamhawi@cessco.com.jo
مقالات ذات صلةتخوض إسرائيل الآن حروباً من صنعها بالرغم عن كل ما تـدّعيه . وهذه الحروب بعضها حروباً خارجية متعددة الجبهات ضد كل من تراه إسرائيل أو تُصنّفَهُ عدواً لها أو لمصالحها في الإقليم ، وبعضها الآخر حروباً داخلية تجري داخل المجتمع الإسرائيلي أساسها إعادة تشكيل النظام السياسي والقضائي والقانوني الإسرائيلي وكذلك هوية الدولة الإسرائيلية ومنظومة القيم الحاكمة للمجتمع الإسرائيلي نفسه . إن أي محاولة للفصل بين الحروب الخارجية والداخلية التي تخوضها اسرائيل الآن سوف تدفع الأمور بعيداً عن أرض الواقع والحقيقة . فالحروب الخارجية مرتبطة بصعود أقصى اليمين الإسرائيلي إلى الحكم علماً أن صعود أقصى اليمين مرتبط ارتباطاً وثيقاً بإستمرار النزاعات والحروب الدائرة داخل إسرائيل نفسها كدولة وكمجتمع .
إن التغيير في الشرق الأوسط والذي تسعى إسرائيل إلى الوصول إليه من خلال حروبها الخارجية سواء المباشرة المتمثلة بالقتل والتدمير والإحتلال، أوغير المباشرة المتمثلة بالترهيب والإبتزاز ، هو في نفس قوة وأهمية التغيير الداخلي الذي تسعى حكومة أقصى اليمين الإسرائيلي للوصول إليه وفرضه من خلال نزاعاتها وحروبها الداخلية . وتُعْتَبر النزاعات والحروب الداخلية تعبيراً عن آلام المخاض المرافقة للحروب الخارجية ووسيلة لجعلها حروبا حتمية ومقبولة وضرورية لمفهوم الأمن الإسرائيلي فاتحة الطريق بذلك أمام انتصار اليمين الإسرائيلي المتشدد وهدفه في تحويل إسرائيل رسمياً وقانونياً وعلناً إلى دولة يهودية عنصرية بإمتياز، بالإضافة إلى تمكينها من قيادة إقليم الشرق الأوسط بحكم تفوقها العسكري في إنتصاراتها في حروبها الخارجية نتيجة الدعم الامريكي المستمر ، وبذلك تتحقق الرؤيا الإسرائيلية والهدف الأمريكي.
إسرائيل من خلال تفوقها العسكري المستند إلى مخزون متجدد من الأسلحة الأمريكية والدعم السياسي الأمريكي المفتوح قد تجاوزت واقعها الجيوبوليتيكي المحصور في أرض فلسطين والمغلف بقيود وأبعاد القضية الفلسطينية التاريخية لتصبح القوة الضاربة الأقوى في منطقة الشرق الأوسط ، وخرجت بالتالي بعدائها المستمر وحروبها الشرسة من شرنقة القضية الفلسطينية إلى فضاء العالم العربي الضعيف والممزق ومسلوب الإرادة والخالي من العزيمة الوطنية مما جعل إسرائيل قادرة على اللعب في هذا الفضاء الفسيح كما تشاء وتريد تمهيداً للسيطرة على إقليم الشرق الأوسط ككل وإعادة تشكيله بما يسمح لإسرائيل بقيادته بما يتناسب ومصالحها .
إعادة تشكيل الشرق الأوسط هي في الأصل فكرة طرحها يسار الوسط الإسرائيلي من خلال كتابات شمعون بيريز والآن يقوم اليمين الإسرائيلي المتطرف برئاسة بنجامين نتنياهو على تنفيذها بأكثر الأساليب وحشية ودون أي إعتبار لمحددات القانون الدولي والإنساني . الآثار المترتبة على إختراق العالم العربي تمهيداً لإعادة تشكيل الشرق الأوسط لن تكون آثاراً بسيطة كما يتخيل البعض، إذ أن عواقبها الخطيرة لن تكون محصورة بإقليم الشرق الأوسط ، بل سوف تشمل أيضاً إسرائيل نفسها، كونها سوف ترفع حالة العداء المباشر والمبطن للكيان الإسرائيلي إلى حدوده الإقليمية القصوى . فالهدف من إعادة تشكيل الشرق الأوسط هو إخضاع دُوَلِهِ للنفوذ الإسرائيلي مما سيؤدي لتَحَوُّل إسرائيل إلى مَصْدَرِ الخَطَر على مصالح دول المنطقة وشعوبها الأمر الذي سوف يزيد من منسوب العداء الشعبى لإسرائيل ويُدْخِل المنطقة في حلقة مفرغة من الشكوك والعداء ويعمم حالة عدم الإستقرار وينقلها من وضعها الحالي المحصور بالفلسطينيين وبعض العرب إلى عداء لإسرائيل يشمل منطقة الشرق الأوسط ودولها وشعوبها بشكل عام .
الدعم العسكري والسياسي الذي وَفَّرَتْهُ أمريكا لإسرائيل قد خلق منها قوة إقليمية فاقت في قدراتها حتى توقعات إسرائيل نفسها ، مما خلق شعوراً بالتفوق والعَظَمَةِ لدى القيادة الإسرائيلية . إن جنون العظمة الذي رافق انتصارات إسرائيل العسكرية الأخيرة على مستوى إقليم الشرق الأوسط من خلال ذلك الدعم الأمريكي العسكري والسياسي والتكنولوجي المفتوح ، وتهديدها لدول الإقليم في حال تبنيها لسياسات تتعارض ومصالح إسرائيل ، قد أدّى عملياً إلى تخلّيها عن صفة الدولة الضعيفة، والإدعاء بأن وجودها مهدد من قبل الآخرين ، إلى الدولة الأقوى عسكرياً والتي يهدد وجودها الآخرين . إن هذا التحول سوف يؤدي بالضرورة إلى إعادة تشكيل علاقات القوة في المنطقة بالإضافة أنه سيؤدي إلى رفع مستوى التوتر فيها كون التعامل بين دولها من منظور جنون العظمة العسكرية الإسرائيلي لن يؤدي إلى حلول بقدر ما سيؤدي إلى قلاقل ونزاعات . فجنون العظمة العسكرية ذاك سوف يكون في نهاية الأمر هو المدخل الأكيد لخلق الحروب والنزاعات وليس لِفَضّها .
الحروب المتواصلة هي الوسيلة الإسرائيلية لتغيير الأمر الواقع بالقوة من خلال السعي إلى التغيير الديموغرافي والتجزئة والتقسيم السياسي وليس بالضرورة إحتلال الأرض وما عليها. فإسرائيل بوضعها الحالي لن تكون قادرة على ابتلاع وهضم المزيد من الأراضي المأهولة ، ولكن المزيد من الأراضي غير المأهولة بالسكان . فالاحتلال بالمفهوم التقليدي سوف يكون مقتصراً في الحقبة الحالية والمستقبل المنظور على أراضي فلسطين كاملة وعلى حزام من أراضي الدول المجاورة والمطلة على فلسطين والتي قد تؤثر أمنياً على إسرائيل من المنظور الإسرائيلي ، علماً أن هذا المنطق يفقد قيمته الحقيقية في ظل التقدم الحاصل في إستعمال سلاح الصواريخ وسلاح المُسَيَّرات. أما أنواع الإحتلال الأخرى سواء الإحتلال السياسي أو الإحتلال الإقتصادي فهذا لا يستدعي بالضرورة إحتلال الأراضي بقدر ما يستدعي التهديد الإسرائيلي بإحتلالها أوبخلاف ذلك تدمير المدن والقرى على نسق ما حصل في اقليم غزة الفلسطيني .وفي هذه السياق، يعتبر الإحتلال الإقتصادي والسياسي هي الأشكال الجديدة من السيطرة والتي لا تستدعي حروباً أو تواجداً عسكرياً على أراضي الغير . والسلاح الأقوى في هذه الحالة هو الإعتراف الضمني للدول المُسْتَهدَفة بعدم قدرتها على التصدي لقوة إسرائيل العسكرية وعدم رغبتها في التصدي والاشتباك وقبولها بعلاقة التبعية المستندة إلى قوة الخصم كأمر واقع يستدعي القبول بتلك العلاقة ولو على مضض .
يتميز السلوك الإسرائيلي في الحقبة الأخيرة بمؤشرات تشير إلى تحرك السلوك العام للدولة والمجتمع بشكل يبعدها أكثر عن سلوك المجتمعات الأوروبية ويجعلها أقرب إلى السلوك الشرق أوسطي . وقد يكمن أساس هذا التحول في ازدياد السيطرة السياسية لليهود الشرقيين (السفارديم) والإنحسار التدريجي في النفوذ السياسي لليهود الغربيين (الأشكناز) . وهذا الأمر يمكن ترجمته بشكل عام في جنوح العقلية الإسرائيلية مؤخراً وبشكل عام وملحوظ نحو العقلية الشرق أوسطية في استباحة القانون والقضاء وإن بخلفية دينية يهودية عنصرية متزمته ومتعصبة . إن قيام الأفعى الإسرائيلية بتغيير جلدها هو تطور طبيعي تحكمه حتمية المرور بمراحل التطور والنمو ضمن بيئة شرق أوسطية ذات عمق تاريخي وثقافي وحضاري ملحوظ يطغى على كل ما هو جديد ومصطنع ودخيل وليس العكس . فالصغير لا يمكن أن يبتلع الكبير ومن هنا تأتي محاولات إسرائيل المستميتة للتوسع من جهة ، ولتمزيق الكيانات العربية والاقليمية الكبيرة إلى كيانات صغيرة هزيلة يسهل ابتلاعها وهضمها من جهة أخرى ، وهذا جزء من المعركة الدائرة الآن وبدعم أمريكي ملحوظ . ولكن تبقى الحقيقة الأساس أن الخلافات داخل المجتمع الاسرائيلـي هي خلافـات اسرائيلـيـة – اسرائيـليـة وليس خلافات على الموقف من الفلسطينيين أو العرب ، ولا يوجد أي أساس أو بُعْد فلسطيني لتلك الخلافات . فالإسرائيليون مجمعون على عدائهم للفلسطينيين وإن بدرجات متفاوتة ، ولكن في نهاية المطاف يبقى العداء هو العداء مهما اختلفت درجاته وأساليب التعبير عنه .