صيام عمال البناء .. إرادة تعكس النفحات الرمضانية
تاريخ النشر: 10th, March 2025 GMT
بين أسقف المباني الشاهقة، تُكتب قصة صيام مختلفة، حيث يتحول عرق الجبين إلى شاهد على الإرادة، ويقف عمال البناء متحدين الجوع والعطش، يتنقلون بين ذكريات أوطانهم البعيدة وواقعهم اليومي.
في عالمهم، تقاس ساعات الصيام بعدد الأحجار التي ينهون تصفيفها قبل أذان المغرب، وبينما يلتقي عمال من مختلف الجنسيات على موائد إفطار بسيطة، يختفي التفاخر والزخارف، ليحل مكانها ضحكاتٌ تخفي وراءها دموع الغربة.
يتشارك هؤلاء العمال وجباتٍ معدة بأيديهم، وأحيانًا تصلهم مبادرات مجتمعية تُخفف من وطأة غُربتهم، وتُضيء ساعات الإفطار في هذا الشهر المبارك.
في هذه السطور، تغوص "عُمان" في عالم لا يعرف الموائد الفاخرة ولا الفوانيس المضيئة، عالمٌ تُختصر فيه روح رمضان في قطرة ماء وصمود يومي، يعيد تعريف معاني "الروح الرمضانية" بعيدًا عن كل مظاهر الترف.
مع أول خيوط الفجر، يسرع محمد حنيف علي في تناول سحوره، ينتظر بفارغ الصبر أذان الفجر لبدء صيامه والاستعداد ليوم من أيام العمل.
وقال محمد وهو عامل بناء: "أبدأ عملي الساعة السادسة والنصف صباحًا وأشعر بالتعب عند مرور الوقت وأنا صائم، وقد تم تقليص عدد ساعات العمل خلال شهر رمضان، ونحصل على استراحة لمدة ساعة خلال فترة العمل".
ويختتم محمد حنيف حديثه قائلًا: "سلطنة عُمان بلد كريم والعمانيون شعب طيب ومبتسم دائمًا، وفي بعض الأحيان تصلنا وجبات ساخنة من متبرعين، ولكننا نعتمد على زميلنا علم عبدالعلي في إعداد الفطور بوجبات بسيطة نتشاركها معًا، وينتهي يومنا بعد رجوعنا من صلاة التراويح مشيًا على الأقدام، ونستعد ليوم عمل جديد".
وأضاف محمد عبدالحسين قائلًا: "نصرّ على الصوم رغم ما نواجهه من تحديات طوال اليوم، وعندما يحين وقت الإفطار، أشعر أن تعب اليوم قد زال بفضل رضا الله، وهذا يكفيني".
وعلّق محمد عبدالحسين قائلًا: "نجتمع على الفطور نضحك ونتبادل الأحاديث، وبينما يوزع علم عبدالعلي الطعام، أشعر وكأنني وسط عائلتي؛ فطعم الطعام ليس هو الأهم، بل دفء يده وهو يطعمنا كأبنائه، هذا شعور لا يُنسى"، ويتوقف للحظة، ثم يمسح وجهه المغبر بكم قميصه، ويضيف بكلمات أكثر بساطة: "لم يقتصر علم عبدالعلي على تحويل موقع البناء إلى مائدة طعام فقط، بل استطاع أن يصنع ألفة بين عمال من مختلف الدول، وأطباقه البسيطة تذيب حدود الغربة، وتثبت أن روح شهر رمضان المبارك قادرة على إيجاد الفرح حتى بين أعمدة الحديد والإسمنت".
أما علم عبدالعلي فقد حوَّل موقع البناء إلى مائدة أمل وصبر لحين انتهاء وقت العمل، وبينما يسرع زملاؤه للاستحمام وأخذ قسط من الراحة استعدادًا لتناول الإفطار، يتجه علم، الذي يرتدي حذاءً مهترئًا، لإعداد بعض الوجبات البسيطة ليشعر زملاءه بالدفء الأسري، فقد حول علم زاوية في موقع العمل إلى "مطبخ مؤقت"، عبارة عن صندوق خشبي يضم موقدًا صغيرًا وأواني قديمة وبعض البهارات، ورغم التعب، ينعش علم المكان برائحة الأرز والعدس، وهي الوجبات المفضلة لزملائه، ليملأ المكان بروح من الألفة والمحبة في أجواء رمضان.
وكان إقبال أبو البشر يقف بعيدًا، يلف رأسه بقطعة قماش مبللة بالماء، ثم اقترب وقال: "رمضان كريم، حتى بطقسه، فالجو لطيف ليلًا ومعتدل نهارًا، ولكن لا أخفي شعوري بحرارة الشمس فوق رأسي بعض الأوقات!".
وعن سؤالنا لماذا يضع قطعة القماش المبلولة على رأسه، قال: "منذ أولى ساعات العمل أغمس قطعة القماش في دلو ماء وألفها حول رأسي، وكل ساعة أُعيد تبليلها، لأنها تحميني من حرارة الشمس وتقلل شعور العطش والجفاف لديّ"، ثم استكمل بعد أن تبللت قطعة القماش قائلًا: "عند الإفطار، أول جرعة ماء تذيب التعب، ونحن هنا نعمل من أجل أسرنا البعيدة التي تنتظر منا مصروفًا شهريًا لتلبية متطلباتهم واحتياجاتهم".
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: قائل ا
إقرأ أيضاً:
هل يُقبل صيام المرأة غير المحجبة؟.. دار الإفتاء تجيب
قالت مروة سعد الدين، أمينة الفتوى بدار الإفتاء المصرية، خلال إجاباتها عن سؤال "هل يقبل صيام المرأة غير المحجبة؟": إن ارتداء الحجاب والصيام فرضان مستقلان، وبالتالي لا يؤثر عدم ارتداء الحجاب على صحة الصيام أو قبوله.
وأشارت أمينة الفتوى خلال تصريحات تليفزيونية إلى أن الله- عز وجل- يحاسب الإنسان على كل فريضة بشكل منفصل، فمن تلتزم بالصيام دون الحجاب تكون آثمة في تقصيرها بفرض الحجاب، لكنها لا تفقد بذلك أجر الصيام.
ودعت الفتيات اللاتي يرتدين الحجاب خلال شهر رمضان إلى الاستمرار عليه حتى بعد انتهائه.
وبيّنت أن الثبات على الطاعة نعمة من الله.
وعن حكم الصيام دون صلاة، قالت إن الصلاة ركن أساسي في الدين الإسلامي، ولا يجوز التهاون فيها، ولكن عدم الصلاة لا يؤثر على صحة الصيام.
وذكرت أن شهر رمضان فرصة عظيمة للالتزام بالصلاة والمحافظة عليها بعد الشهر المبارك.
قالت دار الإفتاء عبر موقعها الرسمي إن الزي الشرعي للمرأة المسلمة هو أمر فرضه الله تعالى عليها، وحرم عليها أن تُظهِر ما أمرها بستره عن الرجال الأجانب. والزي الشرعي هو ما كان ساترًا لجميع جسمها ما عدا وجهها وكفيها؛ بحيث لا يكشف ولا يصف ولا يشف.
وكشفت عن أن الواجبات الشرعية المختلفة لا تنوب عن بعضها في الأداء؛ فمن صلَّى مثلًا، فإن ذلك ليس مسوِّغًا له أن يترك الصوم، ومن صَلَّتْ وصَامَتْ فإن ذلك لا يبرر لها ترك ارتداء الزي الشرعي.
وأشارت إلى أن المسلمة التي تصلي وتصوم ولا تلتزم بالزي الذي أمرها الله تعالى به شرعًا هي محسنةٌ بصلاتها وصيامها، لكنها مُسيئةٌ بتركها لحجابها الواجب عليها. ومسألة القبول هذه أمرها إلى الله تعالى. غير أن المسلم مكلَّفٌ أن يُحسن الظن بربه سبحانه حتى وإن ارتكب ذنبًا أو معصية. وعليه أن يعلم أن من رحمة الله سبحانه به أن جعل الحسنات تُذهب السيئات، وليس العكس. وأن يفتح مع ربه صفحة بيضاء ويتوب من ذنوبه، ويجعل شهر رمضان انطلاقة للأعمال الصالحة التي تسلك به الطريق إلى الله تعالى، وتجعله في محل رضاه.
ودعت المرأة المسلمة التي أكرمها الله تعالى بطاعته والالتزام بالصلاة والصيام في شهر رمضان إلى شكر ربها على ذلك بأداء الواجبات التي قصَّرت فيها؛ فإنَّ من علامة قبول الحسنة التوفيقَ إلى الحسنة بعدها.