ما مستقبل اتفاق السلام في دولة جنوب السودان؟
تاريخ النشر: 10th, March 2025 GMT
بعد مرور سنوات على اتفاق السلام 2018 الذي أنهى الحرب الأهلية الدامية في دولة جنوب السودان، عادت البلاد من جديد إلى الاحتقان وأجواء التوتر بين جناحي النظام والمعارضة في الحركة الشعبية لتحرير السودان.
ففي الأسبوع الماضي قام الرئيس سلفاكير ميارديت بحملة اعتقالات طالت عددا من الشخصيات البارزة من ضمنهم وزير النفط بووت كانغ تشول، والوزير المعني بجهود السلام ستيفن بار كول، ونائب قائد الجيش الجنرال غابرييل دوب لام.
كما طالت الاعتقالات عددا من رجال الأمن المتحالفين مع نائب الرئيس رياك مشار.
وتقول التقارير الواردة من جنوب السودان إن منزل نائب الرئيس مشار يتعرض للحصار منذ الثلاثاء الماضي من قبل الجيش النظامي.
كيف بدأ التوترلا تزال الأطراف في الميدان تتبادل الاتهامات بشأن الأسباب التي أدت إلى المواجهة والتوتر، لكن في بداية الأسبوع الماضي وقعت اشتباكات بين القوات النظامية ومقاتلي "الجيش الأبيض" في بلدة الناصر في شمال البلاد بولاية أعالي النيل.
ويصنف الجيش الأبيض بأنه جماعة شبابية معظم أفرادها من قبيلة النوبر التي ينتمي إليها نائب الرئيس رياك مشار.
وقالت منظمة هيومن رايتس ووتش إن القتال انفجر بسبب شائعات تقول إن النظام كان يسعى لنزع السلاح من الجماعات المحلية.
إعلانوأكدت المنظمة أن جيش دولة جنوب السودان هاجم مواقع لجماعات الشباب المسلح، الأمر الذي أدى إلى مواجهات مميتة راح ضحيتها ما لا يقل عن 5 قتلى من المدنيين، وإصابة أحد أفراد قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة.
وقال المتحدث باسم الحكومة ميخائيل ماكوي إن عمليات الاعتقال كانت بسبب مخالفة المسؤولين الداعمين لنائب الرئيس للأوامر القانونية.
واتهم الناطق باسم الحكومة مشار وأنصاره بالتنسيق مع الجيش الأبيض ومهاجمة ثكنة عسكرية قرب بلدة الناصر في بداية مارس/آذار الجاري، لكن مشار نفى هذه الاتهامات.
ويوم الجمعة الماضي قتل نحو 27 جنديا أثناء الهجوم على طائرة مدنية تابعة للأمم المتحدة كانت تحاول إجلاء أفراد من قوات حكومية مصابين ومحاصرين في بلدة الناصر.
تحذيرات ومخاوفوفي السياق، حذرت الأمم المتحدة من تزايد العنف في دولة جنوب السودان، ودعت الأطراف إلى الهدوء ونبذ العنف.
وقالت ياسمين سوكا رئيسة لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة إن الرجوع للصراع قد يمحو التقدم نحو السلام الذي تحقق بجهود صعبة في السنوات الماضية، ودعت إلى التركيز على الأمن والاستقرار بدل المواجهة والصراع.
ودعا رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي المنتهية ولايته موسى فكي جميع الأطراف في دولة جنوب السودان إلى نبذ العنف والالتزام باتفاق وقف إطلاق النار.
وقال فكي إنه يتشاور مع منظمة إيغاد والأطراف المعنية لضمان الرجوع إلى التهدئة في جميع المناطق.
وتثير التوترات الأمنية الجديدة مخاوف محلية وإقليمية من العودة إلى القتال، إذ سبق لدولة جنوب السودان أن اندلعت فيها حرب أهلية سنة 2013 بعد خلافات بين سلفاكير ونائبه مشار، حيث قام الأخير بالتمرد وحمل السلاح ضد الجيش النظامي احتجاجا على إقالته من منصب نائب الرئيس.
إعلانودخلت البلاد في حرب أهلية استمرت 5 سنوات راح ضحيتها أكثر من 400 ألف قتيل، وتسببت في نزوح وتشريد ما لا يقل عن مليون شخص.
وبعد العديد من مبادرات الصلح، توصلت الأطراف المتحاربة إلى اتفاق السلام عام 2018 برعاية الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية "إيغاد".
وكان من المفترض أن يتم توحيد الجيش بعد الاتفاق، ويكتب دستور جديد للبلاد، وتنظم انتخابات ويتم نزع السلاح، لكن بنود الاتفاق تلك لم تجد سبيلا للتطبيق، واكتفت الأطراف عمليا بالهدنة وتوقف القتال.
ومع عودة الخلاف والتوتر من جديد، أصبح اتفاق السلام الموقع في سنة 2018 معرض للانهيار، إذ لم يتم تنفيذ مخرجاته رغم التوقيع عليها.
وتصنف دولة جنوب السودان التي انفصلت عن السودان عام 2011 من الدول الفقيرة رغم ما تتمتع به من الموارد النفطية.
ويعد انتشار الفساد والنزاعات الإثنية من العوامل التي تهدد الاستقرار والتنمية في الدولة الجديدة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات رمضان فی دولة جنوب السودان اتفاق السلام نائب الرئیس
إقرأ أيضاً:
عيوب الوساطة الدولية في السودان
يعاني النهج الذي اعتمدته القوى الدولية في وساطتها لحلّ النزاع السوداني خللاً جوهرياً، فسواء كان ذلك عبر اتفاق جنيف، الذي يطرح حلّاً يقوم على دولتَين منفصلتَين، أو اتفاق جدّة (2023)، الذي يعيد إنتاج النظام القديم ويختزل الصراع في مجرد صراع بين فصيلَين عسكريَّين، فإن أيّاً من الإطارين لا يقدّم مساراً حقيقياً للخروج من الأزمة. بل تعمل هذه المقاربات، بدلاً من تحقيقها تقدّماً ملموساً، لإطالة أمد الأزمة فقط، ما يزيد من معاناة المجتمعات المهمّشة التي ترزح تحت وطأة الإقصاء والتهميش منذ نحو قرن. وإذا لم يُصحَّح هذا المسار، فسيواجه السودان خطر التفكّك بوتيرة متسارعة.
لم تحظَ القوات المسلّحة السودانية، ولا قوات الدعم السريع، بتفويض شعبي من سكّان الشمال والغرب (على التوالي)، غير أن مواجهتهما المحتدمة دفعت مسألة الشرعية إلى الواجهة، وهي قضيةٌ لطالما كانت موضع نزاع في السودان. ويتيح هذا الواقع فرصةً ثمينةً لتجاوز الثنائية العسكرية المبسّطة، والبحث في الأزمة السودانية بأبعادها الأوسع والأكثر تعقيداً. لا ينبغي أن ينصبّ التركيز على مجرّد إبرام تسوية هشّة بين فصيلين عسكريين فشلا في تمثيل المجتمعات التي يدّعيان الانتماء إليها، بل ينبغي التصدّي للجذور العميقة للأزمة، المتمثّلة في التفاوتات السياسية والاقتصادية والثقافية التي ظلّت تؤجّج النزاعات في السودان عقوداً طويلة. فمن دون تمثيل سياسي واسع يشمل مختلف مكوّنات المجتمع، ستظلّ أيّ اتفاقية يتم التوصل إليها ضعيفةً وهشّةً، وقد تؤدّي إلى مزيد من الإقصاء والغضب الشعبي.
منذ صياغة اتفاق جدّة، شهد السودان تغيرات ميدانية كبرى. ولن يؤدّي تجاهل هذه التحوّلات إلا إلى تقويض جهود التسوية السياسية برمّتها وإطالة أمد الصراع، ما سيؤخّر عملية المصالحة التي تحتاجها البلاد لاستعادة وحدة نسيجها الاجتماعي، فلا يمكن لأيّ إطار سياسي أن ينجح ما لم يعكس ديناميكيات القوة المتغيّرة، والتحالفات الناشئة، والتطلّعات المتجدّدة للمجتمعات المهمّشة، بدلاً من التمسّك بأطر قديمة فقدت صلاحيتها. ومن أبرز هذه التطورات، إعلان تحالف السودان التأسيسي (TASIS)، في فبراير/ شباط الماضي (2025)، حين وقّعت قوات الدعم السريع، إلى جانب 23 كياناً سياسياً ومدنياً، ميثاقاً تأسيسياً في نيروبي (كينيا)، يهدف إلى إنشاء حكومة مدنية في المناطق الخاضعة لسيطرتها. ويعكس هذا التحالف تحوّلاً جوهرياً نحو الانخراط في العملية السياسية المدنية، إذ يضمّ مجموعةً متنوّعةً من الأحزاب السياسية ومنظّمات المجتمع المدني. كما يؤكّد الميثاق ضرورة إقامة دولة ديمقراطية علمانية لامركزية، قائمة على مبادئ الحرية والمساواة والعدالة، مع احترام التنوّع الثقافي السوداني. ويقرّ الميثاق أيضاً حقّ تقرير المصير، في حال فشل أيّ دستور مستقبلي في ضمان العلمانية أو المبادئ الأساسية للديمقراطية.
لتفادي انهيار اتفاق جدّة (وهو انهيار قد تكون له تداعيات كارثية في هذه اللحظة الحساسة)، تجب معالجة عدة قضايا جوهرية. فعلى سبيل المثال، لم يمنح الاتفاق أيَّ اعتراف سياسي أو دولي لقوات الدعم السريع، ما حدّ من فاعليته في تحقيق تسوية دائمة. كما أن الجيش السوداني لا يزال يرفض الاعتراف بسلطة "الدعم السريع"، وتكوينها الاجتماعي، والدور السياسي الذي تلعبه قاعدتها الإثنية، ما يعمّق الانقسامات داخل المشهد السوداني (كما يذهب زرياب عوض الكريم في مقال له).
وعلاوة على ذلك، لم يتناول الاتفاق بشكل كافٍ التفاوتات التاريخية في السودان، لا سيّما التمييز الاقتصادي والاجتماعي الذي تعاني منه الأطراف المهمّشة، مقارنةً بالنخب المُسيطِرة في السودان النيلي (الجَلابة). وبالتالي، أيّ حلٍّ مستدام لا بد أن يعترف بالسودان دولةً فيدراليةً متعدّدةَ الإثنيات، وأن يواجه الدولة العميقة التي كرّست نظاماً سياسياً واقتصادياً قائماً على الإقصاء. لا سيّما أن الجيش لم يعترف بعد بحملاته العسكرية المتواصلة ضدّ الأطراف المهمّشة، ولم يلتزم بوقف إطلاق النار أو وقف الغارات الجوّية اليومية على دارفور والأحياء المهمّشة في الخرطوم.
وفي الوقت نفسه، لم يتطرّق الاتفاق بشكل كافٍ إلى الخطاب العدائي الذي تتبناه النُخَب الشمالية وأنصار النظام السابق، الذين يواصلون شيطنة المجتمعات المهمّشة، بما في ذلك القاعدة الاجتماعية لـ"قوات الدعم السريع". وبدلاً من تعزيز الوحدة الوطنية، يخاطر الإطار الحالي بتكريس مزيد من العزلة لهذه القوات، ما يفاقم الانقسامات بدلاً من معالجتها. إلى جانب ذلك، لا بدّ من تحقيق شامل في جرائم الحرب التي ارتكبتها جميع الأطراف، ومحاسبة المسؤولين عنها. لقد عانت الأطراف السودانية المهمّشة عقوداً من القمع والاضطهاد، بينما استفادت الخرطوم من سياسات التوزيع غير العادل للثروة، ما أدّى إلى فصل العاصمة عن الواقع المأساوي لبقية البلاد. لكن حين انهار النظام، وهدّدت مصالح سكّان الخرطوم أنفسهم، تحرّكوا في ثورة شعبية، غير أن هذه اللحظة الأخلاقية البارقة سرعان ما تبدّدت مع عودة العسكر إلى السلطة بعد الثورة.
يبدو أن المجتمع الدولي يسير نحو تكرار أخطائه في مؤتمر لندن المزمع عقده في 15 إبريل/ نيسان الجاري، فكما كان الحال في اتفاق جدّة، يتجه هذا المؤتمر إلى أن يكون مجرّد منبر لنقاشات مغلقة بين الأطراف الإقليمية، مع إقصاء القوى المدنية السودانية التي تشكّل الحجر الأساس في تحقيق السلام المستدام. يعمّق اقتصار الحوار على وجهتي نظر المعسكرَين المتخاصمَين الأزمة، إذ لن تحقّق أيّ تسوية قائمة على رؤية عسكرية محضة الاستقرار، ما لم يتم تبنّي إطار سياسي شامل يعالج الأسباب الجذرية للصراع.
لتحقيق حلّ حقيقي للأزمة السودانية، يتعيّن اتخاذ خطوات استراتيجية تضمن إشراك جميع الأطراف المعنية في عملية السلام. أولاً، يجب أن يشمل الحوار القوى المدنية والمجتمعات المهمّشة، بالإضافة إلى القوى السياسية التي تدعم إقامة دولة تعدّدية. إذ لا يمكن حصر الحلول في الترتيبات العسكرية فقط، بل من الضروري معالجة جذور الصراع من خلال مناقشة قضايا الحكم والعدالة الاقتصادية والاعتراف بالتنوع الثقافي في البلاد. كما أن أيّ اتفاقية يجب أن تعكس الواقع السياسي المتغيّر في الأرض، بدلاً من التمسّك باتفاقات أصبحت غير صالحة لتلبية تطلّعات المجتمع السوداني. من الأهمية بمكان أيضاً رفض العودة إلى النظام القديم الذي فشل في تقديم حلول حقيقية لأزمات السودان المتراكمة، والتمسّك بمسارٍ يستند إلى المبادئ الديمقراطية، ويعزّز العدالة وسيادة القانون. في هذا السياق، يجب على المجتمع الدولي أن يقدّم الدعم اللازم لبناء أسس ديمقراطية تُرسّخ الحقوق والعدالة في الدولة السودانية.
العربي الجديد