وزارة الكفاءة الحكومية أداة ترامب لمراقبة باقي الوزارات والوكالات
تاريخ النشر: 10th, March 2025 GMT
كيان استشاري خاص، تابع للمكتب التنفيذي للرئيس الأميركي، تأسس في 20 يناير/كانون الثاني 2025، بقيادة إيلون ماسك، بغرض خفض الإنفاق الفدرالي والدين الحكومي، من خلال إعادة هيكلة الوكالات الفدرالية، والنظر في اللوائح والنفقات الحكومية، والتخلص من الوظائف التي قد تعتبر هدرا مفرطا للمال العام.
وليست وزارة الكفاءة رسمية على مستوى مجلس الوزراء، بل أنشأها الرئيس الأميركي دونالد ترامب بأمر تنفيذي، عبر إعادة تنظيم وتسمية "مكتب الخدمة الرقمية الأميركي" الذي كان موجودا بالفعل منذ عهد الرئيس السابق باراك أوباما.
وقد قلصت الوزارة، في غضون أقل من شهرين من بدء مهامها، ميزانيات وزارات مهمة، وفككت وكالات فدرالية، وألغت برامج حكومية حيوية، وطردت عشرات الآلاف من الموظفين الفدراليين.
وأثار تشكيل الوزارة والإجراءات التي نفذتها جدلا واسعا في الأوساط السياسية والقانونية وعامة الشعب الأميركي، ونجم عن ذلك رفع أكثر من 20 دعوى قضائية مختلفة، حتى مارس/آذار 2025، تشكك في مشروعية هيكلة الوزارة وإجراءاتها، وتتهمها بمخالفة الدستور، وإلحاق أضرار جسيمة بهيكلية الحكومة الفدرالية ومصالح المواطنين.
النشأةأُنشئت وزارة كفاءة الحكومة بمقتضى أمر تنفيذي أصدره ترامب أول يوم من تنصيبه بولايته الثانية في 20 يناير/كانون الثاني 2025، بهدف تحديث التكنولوجيا والبرمجيات الفدرالية لتحقيق أقصى قدر من الكفاءة والإنتاجية الحكومية، وخفض الإنفاق الفدرالي والدين الحكومي وفق برنامج الرئيس.
وكان ترامب قد أعلن في أعقاب فوزه بالانتخابات الرئاسية، في نوفمبر/تشرين الثاني 2024، عن رغبته في إنشاء مجلس استشاري، يقدم المشورة والتوجيه من خارج الحكومة، من أجل خفض الإنفاق الحكومي الذي يرى فيه هدرا كبيرا.
إعلانوليست وزارة الكفاءة رسمية على مستوى مجلس الوزراء، إذ يتطلب ذلك الحصول على موافقة الكونغرس بأغلبية الثلثين، ولم يتم بناء هيكلة مستقلة لها، بل أُنشئت عن طريق إعادة تنظيم "مكتب الخدمة الرقمية الأميركية" وتغيير اسمه إلى "وزارة الكفاءة الحكومية".
وقد أُنشئ "مكتب الخدمة الرقمية الأميركية" عام 2014، في عهد أوباما، بهدف تطوير الخدمات الرقمية للوكالات، والعمل على تعزيز الاستخدامات المتكاملة والفعالة والآمنة لتكنولوجيا المعلومات في الحكومة الفدرالية، وجاء ذلك إثر مشاكل رقمية متكررة واجهت إطلاق موقع الرعاية الصحية الحكومي.
الهيكل التنظيميتتبع وزارة الكفاءة مباشرة للمكتب التنفيذي للرئيس الأميركي، وقد جعل الأخير على رأسها رجل الأعمال والملياردير إيلون ماسك الذي يعمل موظفا حكوميا خاصا لا يتقاضى راتبا، وفق بيانات البيت الأبيض، وهذا يجعله ضمن التصنيف الحكومي للموظفين الذين يعملون لمدة 130 يوما أو أقل في السنة.
ورغم أن ماسك هو الذي يدير الوزارة فعليا، بحسب تصريحات ترامب، فقد عيّن البيت الأبيض إيمي غليسون، وهي مسؤولة تنفيذية سابقة في مجال الرعاية الصحية، لتكون القائمة بأعمال مدير الوزارة، لمواجهة أسئلة القضاة حول المسؤول عن جهاز خفض التكاليف.
وأفادت الصحافة الأميركية أن فريق العمل في الوكالة يتألف من نحو 40 شخصا، أغلبهم من متخصصي البرمجيات الشباب الذين عملوا في شركات ماسك، ولم يمارسوا العمل ضمن مناصب حكومية.
وتعمل وزارة الكفاءة الحكومية على تقديم المشورة والتوجيه للوكالات، بالتنسيق والتعاون مع البيت الأبيض ومكتب الإدارة والميزانية، ويتم العمل من خلال استحداث هيئتين جديدتين، نص على إنشائها الأمر التنفيذي، وهي:
لجنة خدمة وزارة كفاءة الحكومة المؤقتة: ويستمر عملها 18 شهرا ينتهي في 4 يوليو/تموز 2026، ووظيفتها تعزيز برنامج ترامب فيما يتعلق بكفاءة الأجهزة الفدرالية وتنظيم الإنفاق الحكومي. ويرأس اللجنة مدير وزارة كفاءة الحكومة، الذي يلتزم بتقديم تقاريره المتعلقة بعمل اللجنة إلى رئيس موظفي البيت الأبيض. فريق كفاءة لكل وكالة فدرالية: يتم إنشاؤه بالتشاور بين رئيس الوكالة ومدير خدمة كفاءة الحكومة، بحيث يتكون كل فريق من 4 موظفين على الأقل، يمكن أن يكونوا من موظفي الوكالة نفسها، أو يتم تعيينهم في غضون شهر من صدور الأمر، باعتبارهم موظفين حكوميين خاصين. إعلانويشمل الفريق قائدا ومهندسا ومتخصصا في الموارد البشرية ومحاميا، ويعمل كل فريق بالتعاون مع وزارة كفاءة الحكومة، ثم يقدمون المشورة لرؤساء وكالاتهم فيما يتعلق بالإجراءات التي يجب تنفيذها بخصوص كفاءة الحكومة وخفض الإنفاق.
يتركز عمل وزارة الكفاءة الحكومية في نطاق إدارة تكنولوجيا المعلومات والموارد البشرية في الوكالات، ووفق الأمر التنفيذي الصادر عن ترامب، يقع على عاتقها تأدية مهمتين رئيسيتين:
الأولى: تحديث التكنولوجيا والبرمجيات الفدرالية لزيادة كفاءة الحكومة وإنتاجيتها، وتشمل الأعمال التالية:
تحديث البرمجيات التي تساعد في رفع جودة وكفاءة أنظمة البرامج الفدرالية وتحسين البنية الأساسية للشبكات وأنظمة تكنولوجيا المعلومات. تعزيز التشغيل المتبادل بين شبكات وأنظمة الوكالات، وضمان سلامة البيانات، وتسهيل جمع البيانات ومزامنتها بشكل مسؤول. تمكين إدارة وزارة الكفاءة من الوصول إلى جميع السجلات غير السرية للوكالات الحكومية وبيانات أنظمة البرامج وأنظمة تكنولوجيا المعلومات، مع التزامها بالعمل في إطار معايير صارمة تضمن حماية البيانات.الثانية: تخفيض الإنفاق الفدرالي:
عن طريق تقديم توصيات تتعلق بتقليص حجم الوكالات الفدرالية، والتخلص من الوظائف التي تعتبر هدرا للمال العام، وتسريح الموظفين الذين يشكلون فائضا غير منتج، وتجميد التوظيف وخطط التوظيف في الوكالات.
مُنحت وزارة الكفاءة الحكومية سلطة واسعة، وشملت إجراءاتها نطاقا أوسع من إطار تكنولوجيا المعلومات والموارد البشرية، إذ تعاملت مع مجالات أخرى مثل المشتريات والعقارات والعمليات الجوهرية للوكالات، ويُعتقد أنها تمكنت من الوصول إلى سجلات سرية خاصة بالوكالات.
ووفق بيانات موقعها الرسمي، فقد وفرت وزارة الكفاءة الحكومية مبلغ 105 مليارات دولار من الإنفاق الحكومي حتى 7 مارس/آذار 2025، عبر تنفيذ مجموعة من الإجراءات، شملت مبيعات لأصول وإلغاء عقود أو إيجارات وإعادة التفاوض عليها، ومراجعة عمليات احتيال وحذف مدفوعات غير سليمة، وإلغاء منح، وتوفير فوائد، إضافة إلى تغييرات في البرمجة والمدخرات التنظيمية، وخفض القوى العاملة.
إعلانوقال ترامب، بخطاب أمام الكونغرس في 4 مارس/آذار 2025، إن وزارة الكفاءة الحكومية قدرت الهدر بميزانية الحكومة الفدرالية بـ500 مليار دولار سنويا.
واستطاعت الوزارة، خلال 6 أسابيع من مباشرة عملها رسميا، التفتيش والتدقيق ضمن حوالي 20 وزارة ووكالة حكومية، وتمكنت من الوصول إلى أنظمة الحاسوب التي تحتوي على بيانات شخصية للعاملين الفدراليين وملايين الأميركيين الآخرين.
وأرسلت الوزارة عروض "مغادرة طوعية" من الوظائف إلى أكثر من مليوني موظف فدرالي، بما في ذلك موظفون في وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) وطردت عشرات الآلاف من الموظفين الحكوميين، لا سيما من هم تحت الاختبار، وألزمت الوزارة الموظفين الفدراليين بإرسال قائمة بإنجازاتهم الأسبوعية عبر البريد الإلكتروني.
كما عملت على تفكيك وكالات بأكملها واستهدفت وزارات وأجهزة حكومية مهمة، كانت أولاها وكالة التنمية الدولية، وهي الوكالة الرئيسية للمساعدات الإنسانية والتنموية الخارجية للحكومة الأميركية.
فقد فككتها الوزارة وطردت موظفيها، وهو ما أدى إلى توقف برامج تعليمية وصحية وتنموية حيوية في أكثر من 100 دولة حول العالم، لا سيما في البلاد التي تعاني من أزمات اقتصادية وسياسية خانقة.
وأجرت وزارة الكفاءة تخفيضات كبيرة في ميزانية وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، ونفذت إجراءات أثرت على عمل مراكز التدريب والأبحاث العلمية، منها إلغاء 89 عقدا بحثيا في معهد العلوم التربوية التابع للوزارة بقيمة تقدر بنحو 900 مليون دولار، وإنهاء بعض عقود التقييم والإحصاءات التعليمية في معهد البحوث الأميركي الذي يعمل على زيادة كفاءة التعليم والتدريب المهني للقوى العاملة.
واتخذت الوزارة إجراءات ضد مراكز الرعاية الصحية والخدمات الطبية، منها فصل عُشر العاملين في مركز ألزهايمر والخرف، الذي يركز على أبحاث الخرف، وذلك في 21 فبراير/شباط 2025.
إعلانوأغلقت الوزارة مكتب حماية المستهلك، الذي أُنشئ لحماية المستهلكين بعد الأزمة المالية التي مرت بها البلاد بين عامي 2007 و2008، وتلقى العديد من موظفي المكتب إشعارات بإنهاء الخدمة.
وفصلت وزارة الكفاءة ألفا من موظفي الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي، المسؤولة عن التنبؤ بالطقس، والبحث عن بيانات المناخ والطقس وتحليلها، ومراقبة وتتبع الأحداث الجوية المضطربة مثل الأعاصير.
وتم استهداف وزارات وأجهزة حكومية حيوية أخرى، منها الطاقة والموارد الطبيعية، الخزانة، الزراعة، إدارة الطيران الفدرالية، ودائرة الإيرادات الداخلية وخدمة المتنزهات الوطنية، وخدمة الغابات الأميركية، ووكالة إدارة الطوارئ الفدرالية، وإدارة الضمان الاجتماعي.
احتجاجات ودعاوى قضائيةواجهت وزارة الكفاءة الحكومية احتجاجات واسعة ومشاكل قانونية منذ بداية عملها، ورفعت ضدها نقابات ومؤسسات فدرالية وهيئات خاصة، حتى مطلع مارس/آذار 2025، أكثر من 20 دعوى قضائية.
وتتمحور الاحتجاجات والدعاوى القضائية حول 3 قضايا رئيسية:
الأولى: المطالبة بالكشف عن سجلات وزارة الكفاءةوتشمل ما يتعلق بأنشطة الوزارة وموظفيها، وتركزت موجة كبيرة من الانتقادات الموجهة للوزارة حول شرعية دمجها في الحكومة وشفافية نشاطاتها وعمليات التوظيف فيها، واتُهمت بأنها تعمل تحت ستار من السرية، وبذلك تنتهك قانون اللجنة الاستشارية الفدرالية لعام 1972 الذي يُلزم اللجان الاستشارية وغيرها من اللجان الخاصة في السلطة التنفيذية بالكشف عن أنشطتها وشؤون التوظيف.
وقد رفعت منظمة الرقابة الأميركية، في 11 فبراير/شباط 2025، دعوى تتضمن مطالب منها: الحصول على معلومات حول هيكلة الوزارة والتوظيف فيها، وتوضيح الالتزامات القانونية للوزارة بموجب قانون حرية المعلومات.
وفي الشهر نفسه، طالبت كل من "منظمة المواطنين من أجل المسؤولية والأخلاق" و"مركز التنوع البيولوجي" للحفاظ على البيئة، من خلال دعاوى قضائية، الوصول إلى سجلات وزارة كفاءة الحكومة.
إعلانوكذلك قدم "مشروع الرقابة الحكومية" تحديا لادعاء إدارة ترامب بأن سجلات وزارة الكفاءة تخضع لقانون السجلات الرئاسية، والذي يمنع من الوصول إلى المعلومات والبيانات لمدة تصل إلى 12 عاما بعد انتهاء ولاية الرئيس.
ورفعت مؤسسة "مستشاري الأمن القومي"، وهي هيئة قانونية للمصلحة العامة، دعوى قضائية تتهم فيها وزارة الكفاءة بانتهاك قانون اللجنة الاستشارية الفدرالية، إذ لا يوجد أي عضو بالوزارة من موظفي الحكومة أو يمثل وجهة نظر الموظفين الفدراليين، وجاء الاتهام كذلك بانتهاك التفويض المنصوص عليه في القانون، والذي يُلزم اللجان الاستشارية بالسماح للجمهور بالاطلاع على اجتماعاتها.
وفي مارس/آذار رفع "مركز الحملة القانونية"، الذي يعمل على تعزيز الديمقراطية من خلال القانون، دعوى قال فيها: إن تعيين ماسك في موقع حساس غير قانوني، إذ لم تتم الموافقة عليه من قبل الكونغرس، وهو مخالف للدستور الذي يلزم بموافقة الكونغرس على كبار المسؤولين العموميين.
وعلى صعيد آخر، أعرب كثيرون، من بينهم مشرعون، عن مخاوفهم بشأن تضارب المصالح المحتمل بين قرارات الوزارة، ومصالح ماسك التجارية، وقدم الديمقراطيون بلجنة الرقابة في مجلس النواب قرارا يطالب إدارة ترامب بالكشف عن المعلومات حول التضارب المحتمل للمصالح، نظرا للعقود التي أبرمتها شركات ماسك مع الحكومة، والتي تصل قيمتها إلى مليارات الدولارات.
ونفى البيت الأبيض، دون ذكر تفاصيل، أي تضارب للمصالح، وقال إن وزارة الكفاءة مسؤولة أمام الرئيس، وسيتم الحيلولة دون وقوع أي تضارب.
الثانية: الاحتجاج على "الإجراءات التعسفية" لوزارة الكفاءةرفعت العديد من الجهات دعاوى قضائية ضد عمليات الفصل الجماعي للموظفين الحكوميين وغيرها من الإجراءات التي تؤثر على القوى العاملة الفدرالية، وضد التحركات الرامية إلى خفض الإنفاق، واتهمت الوزارة وترامب بـ"التلاعب بالتمويل الذي وافق عليه الكونغرس" والذي يقع خارج نطاق صلاحيات الرئيس والوزارة.
إعلانوقد رفعت جمعيات العمال الفدراليين دعوى قضائية في 6 فبراير/شباط 2025، تطلب من المحكمة الفدرالية منع إغلاق الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، وطرد الآلاف من موظفيها، وقالت إن هذه الإجراءات تستوجب موافقة الكونغرس.
وفي مارس/آذار من العام نفسه، رفع "مركز الحملة القانونية" دعوى تهدف إلى "وقف الاستيلاء غير القانوني على السلطة" من قبل وزارة الكفاءة الحكومية.
وجاء في الدعوى أن وزارة الكفاءة لا حق لها في اتخاذ قرارات مالية تؤثر على الوكالات الفدرالية أو قرارات تتعلق بالموظفين الفدراليين، ولا تتمتع بالسلطة التي تخولها اختيار الوكالات الفدرالية التي يمكنها الاستمرار في خدمة الشعب، كما أن الكونغرس هو الذي يتمتع بسلطة اتخاذ القرارات الخاصة بالإنفاق الفدرالي وتوزيعه.
ورفعت جهات أخرى، منها: "مجموعة الدفاع عن المستهلك" و"صندوق المدافعين عن الديمقراطية" و"الاتحاد الأميركي لموظفي الحكومة"، وهو اتحاد يمثل حوالي 800 ألف موظف حكومي، دعاوى قضائية مؤكدة الاتهامات نفسها.
وحققت الدعاوى بعض النجاحات، فقد تدخلت المحاكم عدة مرات لوقف بعض إجراءات خفض الإنفاق، وأعلن القاضي الفدرالي كارل جيه نيكولز أمرا تقييديا مؤقتا يمنع من وضع أكثر من ألفي موظف فدرالي في إجازة إدارية.
ومن جانب آخر، طالب الديمقراطيون في لجنة الرقابة بمجلس النواب إدارة ترامب بتسليم الوثائق والمعلومات المتعلقة بطرد الموظفين الفدراليين، وجاء في ورقة حقائق مرفقة بالقرار أن هدف عمليات الطرد "تطهير الحكومة من الموظفين العموميين غير الحزبيين، وتنصيب موالين سياسيين على استعداد لغض الطرف عن الفساد والاحتيال".
ويتهم المعارضون السياسيون والمراقبون وزارة الكفاءة بالتصرف دون شفافية، ونشر معلومات مضللة حول الإنفاق الحكومي، ويتهمون ماسك بتجاوز سلطته بصفته مسؤولا غير منتخب من قبل الكونغرس.
إعلان الثالثة: منع وصول وزارة الكفاءة للسجلات السرية الخاصة بالوكالات الفدراليةرفعت جماعات مناصرة للمتقاعدين ونقابتان للموظفين العموميين عدة دعاوى قضائية لمنع تمكين وزارة الكفاءة من الوصول إلى قاعدة بيانات وزارة الخزانة، التي تضم نظام الدفع الفدرالي المسؤول عن التعامل مع تريليونات الدولارات من النفقات الحكومية، لأنه يُعد انتهاكا لقوانين الخصوصية الفدرالية.
وقد تمكنت وزارة الكفاءة من الوصول إلى نظام دفع وزارة الخزانة الذي تستخدمه الحكومة لقطع الشيكات لجميع المستفيدين من الضمان الاجتماعي والمتعاقدين الحكوميين.
وأواخر فبراير/شباط 2025، رفعت منظمة تمثل أكثر من 200 ألف طالب بالجامعات العامة في كاليفورنيا دعوى قضائية، لمنع وصول وزارة الكفاءة للسجلات التي تضم بيانات القروض الطلابية الفدرالية.
ورُفعت دعوى أخرى لمنع الوزارة من الوصول إلى المعلومات الشخصية داخل وزارة العمل، والتي يحميها قانون الخصوصية الفدرالي.
وحصلت بعض الدعاوى على نتائج إيجابية، حيث أصدر قاضٍ فدرالي في نيويورك في 8 فبراير/شباط أمرا مؤقتا للولايات التي تُقاضي وزارة الكفاءة، يمنع الوزارة من الوصول إلى سجلات دافعي الضرائب، بما في ذلك أرقام الضمان الاجتماعي ومعلومات الحسابات المصرفية لملايين الأميركيين.
وفي الشهر عينه، مددت القاضية الفدرالية جانيت فارغاس أمرا يقتضي استمرار منع وزارة الكفاءة الحكومية من الوصول إلى سجلات وزارة الخزانة وأنظمة الدفع الحساسة، كما صدر أمر قضائي لصالح مجموعة من النقابات العمالية، يمنع مؤقتا وزارة الكفاءة من الوصول إلى بيانات حساسة في وزارة التعليم.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات رمضان وزارة الکفاءة الحکومیة الموظفین الفدرالیین تکنولوجیا المعلومات وزارة کفاءة الحکومة الوصول إلى سجلات الإنفاق الحکومی فبرایر شباط 2025 البیت الأبیض دعاوى قضائیة مارس آذار 2025 سجلات وزارة دعوى قضائیة خفض الإنفاق فی الحکومة من موظفی من خلال أکثر من
إقرأ أيضاً:
عودة الكاظمي: الأمل الكاذب الذي لا يحتاجه العراق
آخر تحديث: 9 مارس 2025 - 10:46 صبقلم: ياسين فواز ربما بدا رجوع مصطفى الكاظمي إلى بغداد في 25 فبراير 2025 عودة ظافرة. لكن هذه الحقيقة أقرب إلى الوهم السياسي. حان الوقت لكي يُعيد أولئك الذين يأملون أن ينقذ الكاظمي العراق النظر في تصوراتهم لأن عودته التي حظيت بتغطية إعلامية كبيرة تمثل محاولة يائسة من نخبة سياسية منقسمة من أجل إحياء إستراتيجية فاشلة، وسوف تفشل مرة أخرى. هُمّش الكاظمي لمدة عامين بعد أن استهدفت غارة بطائرة دون طيار منزله في عام 2021. وضمن أعداؤه السياسيون، بدعم من الدولة العميقة، انتهاء فترة ولايته بشكل مخز. وقررت الفصائل السياسية العراقية الآن إعادته بعد إزاحته في السابق. وتأمل أن يتمكن الكاظمي من إصلاح النظام السياسي العراقي المكسور وتحسين العلاقات مع واشنطن المعادية. لكن هذه الآمال لم تعد سليمة في عصر الرئيس الأميركي الحالي ترامب، ويمكن اعتبارها ساذجة. القضية لا تتعلق فقط بعدم أهمية الكاظمي سياسيا، بل لأن العراق الذي يعود إليه يعاني من تدهور عميق. وأصبح وضع العراق العالمي أكثر خطورة من أيّ وقت مضى. وتكافح حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني للحفاظ على مصداقيتها في التعامل مع واشنطن أو المنطقة. وتتفاقم الفوضى السياسية بسبب الأزمة الاقتصادية المستمرة. ويأمل الإطار التنسيقي، الذي همّش الكاظمي سابقا، أن يتمكن الآن من إحياء علاقات العراق مع الولايات المتحدة واستعادة بعض الاستقرار. لكن من الواضح أن الكاظمي لم يكن أبدا مهندس استقرار العراق، وكانت السياسة الخارجية العراقية بلا بوصلة تحت قيادته، حيث كانت واشنطن وطهران تتحكمان في البلاد. وكان حارسا أكثر منه قائدا. وربما تكون إدارته قد حققت بعض النجاحات الدبلوماسية، لكن التحولات الإقليمية الكبرى كانت خارجة عن سيطرته. صعود الفساد يجسد صعود الكاظمي النظام الفاسد في العراق. وكانت الصورة التي أبرزته شخصية مؤيدة للغرب مصطنعة، باستغلال خلفيته كصحافي غير معروف. ولم يكن الغرض من هذه الصورة تحقيق إصلاح ذي معنى. وكانت تلك في الحقيقة خطوة محسوبة لكسب تأييد الغرب. وكان خطابه في مجال حقوق الإنسان ووعوده الديمقراطية أدوات اعتمدها لتأمين السلطة. وعندما أصبح رئيسا للمخابرات العراقية في 2016 لم يكن ذلك بسبب قيادته الحكيمة ولكن لأنه كان ماهرا في التعامل مع المشهد السياسي العراقي الممزق. وبحلول 2020، أي خلال الاحتجاجات واسعة النطاق، تقرر اختيار الكاظمي رئيسا للوزراء للحفاظ على الوضع القائم، حيث لم يكن الهدف تغييره. وأكدت فترة ولايته أنه من نفس النظام الفاسد الذي ادّعى أنه يعارضه. وأصبحت جهود مكافحة الفساد في العراق تحت قيادته أدوات للتمكين السياسي. وكشفت المداهمات الليلية التي حظيت بتغطية إعلامية كبيرة أواخر 2020، التي نفذتها لجنة الأمر الديواني رقم 29، المعروفة باسم لجنة “أبورغيف”، عن أولوياته الحقيقية. واستهدفت المداهمات التي قادها الفريق أحمد طه هاشم، المعروف باسم أبورغيف، شخصيات عامة ومسؤولين ورجال أعمال متهمين بالفساد. ومع ذلك، كان الواقع أكثر قتامة. واندثر الخط الفاصل بين التحقيقات المشروعة والثأر السياسي. وبدت الاعتقالات أحيانا مصممة للقضاء على المنافسين أكثر من محاربة الفساد، حيث يهدد بعض المعتقلين المرتبطين بفصائل الداعمين الرئيسيين للكاظمي، وخاصة الزعيم الشيعي مقتدى الصدر. وأشعلت سرية اللجنة والإجراءات القانونية الغامضة الشكوك مع تشويه نزاهة الحملة. وأصبحت ادعاءات التعذيب والعنف الجنسي والاعتقال التعسفي شائعة. وتحوّل ما كان من المفترض أن يكون معركة ضد الفساد إلى أداة للسيطرة السياسية، مع تبني قوات الأمن العراقية الأساليب الوحشية. وشهد العراق بذلك إحياء الانتهاكات التي وعد الكاظمي بإنهائها تحت إشرافه. وأصبح المشهد واضحا، حيث لم يكن رئيس مجلس الوزراء يقود حركة إصلاحية بل يلعب نفس اللعبة القديمة. وتدهور الوضع عندما بدا أن الأمور لا يمكن أن تسوء أكثر. وفشل الكاظمي في معالجة أخطر الجرائم المالية في العراق. وشهدت البلاد تحت قيادته واحدة من أكبر عمليات السرقة، حيث اختفى مبلغ 2.5 مليار دولار. وأطلق على هذه الحادثة اسم “سرقة القرن”، حيث كان حجمها كبيرا، وكشفت عن تواطؤ النظام الذي وعد الكاظمي بإصلاحه. وكشف هذا الاختلاس الضخم، الذي سهّلته شركات وهمية وشارك في تغطيته مسؤولون رفيعو المستوى، عن الفساد الذي ادعى الكاظمي أنه يحاربه. ومهد إلغاء عملية تدقيق حسابات لجنة الضرائب، التي أذن بها مسؤولون مقربون من إدارته، الطريق لسرقة المليارات من عائدات الضرائب. وبرز اسم علي علاوي المتمتع بامتيازات سياسية. وتخرّج علاوي من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وحصل على ماجستير في إدارة الأعمال من جامعة هارفارد، وشغل منصب نائب رئيس الوزراء العراقي ووزير المالية في عهد الكاظمي. وعلى الرغم من هذه المسيرة، إلا أن الفترة التي قضاها في السلطة اتسمت بسوء الإدارة المالية. وبصفته وزيرا للمالية، كان علاوي مسؤولا عن حماية الموارد المالية العراقية. ولكن سرقة 2.5 مليار دولار حدثت تحت إشرافه، مما كشف عن الفساد الذي كان من المفترض أن يتصدى له. وتشير استقالته قبل انتشار الفضيحة كاملة إلى أنه كان يعرف ما سيأتي وقرّر حماية نفسه. مكّنت علاقاته بالنخبة العراقية من حمايته من المساءلة. وسمح له دوره في إدارة الشؤون المالية العراقية وعلاقاته السياسية بتجنب الاتهامات. وفي نظام تحمي فيه السلطة نفسها، تظهر حصانة علاوي أن النظام القضائي العراقي مصمم للسماح للأقوياء بالإفلات من العقاب بينما يعاني عامة الناس. وبينما شملت لائحة الاتهام آخرين أو حكم عليهم غيابيا، بقي علاوي سليما، مما يثبت أن الفساد في العراق متجذر ومحمي. وتبدو محاكمة المسؤولين من المستوى المتوسط محاولة لصرف الأنظار عن الجناة الفعليين. وبينما تقرر معاقبة المسؤولين ذوي الرتب الأدنى، لا تزال شخصيات قوية تتهرب من العدالة. ويؤكد هذا النظام المعيب أنه يحمي النخب على حساب تحقيق العدالة.وتعد سرقة 2.5 مليار دولار مثالا آخر على تاريخ الفساد الطويل في العراق، فهي تجسّد قضية أعمق داخل النظامين السياسي والقضائي اللذين يحميان الأقوياء بينما يهمشان الباقين. ولا تعالج المحاكمات العلنية والأحكام الصادرة بحق المسؤولين من المستوى الأدنى أسباب الفساد الجذرية أو تحاسب النخبة. وأصبحت ثقافة الإفلات من العقاب واضحة للشعب الذي يتزايد إحباطه. وتلقّى مسؤولون من مصلحة الضرائب أحكاما بالسجن، في حين أفلت مهندسو السرقة من العدالة، وكشفوا عن نظام مصمّم لحماية من هم في القمة. وليس هذا نظاما يسعى إلى تحقيق العدالة، فهو يحمي الأقوياء، حتى عندما تكون جرائمهم كبيرة مثل سرقة 2.5 مليار دولار.وإذا لم يصلح العراق نظامه السياسي والقضائي فستستمر هذه الفضائح. وسيفلت الأقوياء من العدالة، وسيعاني الشعب، وسيستمر الفساد. ولن تسود العدالة الحقيقية إلا عندما يواجه العراق فساده المتجذر ويحاسب من هم في السلطة على ما اقترفوه وعلى ما سيخلّف إجرامهم مستقبلا. وفي النهاية، كان الكاظمي أداة لإيران وحلفائها في بغداد. ووصل إلى السلطة لخداع الولايات المتحدة والقوى الغربية. وكانت صورته المصقولة التي برز من خلالها صديقا للغرب مجرد واجهة. وكان الكاظمي مجرّد دمية تخدم مصالح أولئك الذين يحركون خيوطها، فما الذي يستطيع أن يفعله الآن؟ ترى النخبة السياسية العراقية أن قيمته تكمن في قدرته على سحر واشنطن وإحياء العلاقات مع وسطاء السلطة الأميركيين. ولكن تحول المشهد السياسي في واشنطن يعني أن صيغة الكاظمي السابقة للتوازن بين الولايات المتحدة وإيران لن تكون مناسبة. ولا يعتبر فريق ترامب العراق حليفا، ولا الكاظمي شريكا موثوقا به. وأصبحت فكرة العودة إلى الوضع القائم القديم غير واقعية وتجاوزها الزمن.وشهدت الفترة التي سبقت عودة الكاظمي كشف تقرير مفاجئ أن العراق خسر قدرته على التعامل بفاعلية مع واشنطن وشركائها الإقليميين. وترك رحيل الشخصيات الديمقراطية الرئيسية من وزارة الخارجية الأميركية رئيس الوزراء محمد شياع السوداني غير قادر على العثور على مسؤولين جمهوريين مستعدين للانخراط معه. وفشل الفريق المكلف بإحياء العلاقات مع إدارة ترامب في إقامة اتصالات موثوقة، باستثناء الاجتماعات الاحتفالية مع المسؤولين غير المهتمين.وكانت “خسارة الاتصال” بارزة خلال فبراير حين حضر السوداني مؤتمر ميونيخ الأمني دون تأمين أيّ محادثات مهمة مع كبار المسؤولين الأميركيين، بما في ذلك نائب الرئيس جي دي فانس. عامل ترامب تأتي عودة الكاظمي خلال فترة صعبة. ومع رجوع دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، ترتفع المخاطر بالنسبة إلى العراق. واتسمت سياسة ترامب الخارجية بالتشكيك في التحالفات التقليدية وتفضيل العمل أحادي الجانب. ولن تحابي إدارته بغداد. ومن غير المرجح أن تمنح الولايات المتحدة للعراق في عهد ترامب راحة من أزماته الاقتصادية والجيوسياسية. وليست إدارة ترامب الثانية مهتمة بالتعامل مع نظام سياسي عراقي متشابك مع إيران. أما فكرة كون الكاظمي يُشكّل حاجزا بين واشنطن وطهران، فهي مثيرة للضحك.وتميز ماضي الكاظمي كرجل دولة ورئيس سابق للمخابرات بحذقه لعبة التوازن، حيث نجح في الحفاظ على مسافة حذرة من الولايات المتحدة مع إبقاء إيران راضية عنه في نفس الوقت. لكن إدارة ترامب لن تتسامح مع لعبة التوازن هذه. ولن ينخدع فريق ترامب، المعروف بموقفه المتشدد تجاه إيران وازدرائه لوكلائها العراقيين، بوسيط كان منخرطا سابقا في اللعب على كلا الطرفين. وليست فكرة أن الكاظمي قادر على إحياء العلاقة المعدومة مع واشنطن واقعية ويمكن أن تؤدي إلى اعتماد حسابات خاطئة ذات عواقب وخيمة. ستفشل محاولات الكاظمي لإحياء علاقة العراق مع أميركا. ولا يمكن استرضاء إدارة ترامب بوعود الاستقرار السياسي أو الإشارات التصالحية من زعيم لا يبدو منتميا للنظام الإقليمي الجديد. وقد تراجعت قدرة العراق على التعامل الفعال مع واشنطن بسبب الإخفاقات السياسية التي تكبدها الكاظمي ومحمد شياع السوداني. ويغرق العراق في الفساد والسياسة الطائفية والميليشيات المدعومة من إيران، إضافة إلى معاناته من تعثر اقتصاده. ولا يحفز هذا الولايات المتحدة على التعامل مع بغداد.وعاد الكاظمي بينما يواجه العراق حسابات صعبة مع صعود ترامب من جديد. وسيجد العراق اليوم نفسه مضطرا للاختيار، فإما أن يبتعد عن إيران أو يواجه العواقب. وستكون الميليشيات المدعومة من إيران في العراق نقطة مهمة عند اتخاذ القرار. وتبرز ولاية ترامب الأولى أنه على استعداد لاتخاذ إجراءات حاسمة للقضاء على التهديدات التي يواجهها الأمن الأميركي. ولم تنس إيران ووكلاؤها العراقيون مقتل قاسم سليماني وأبومهدي المهندس خارج مطار بغداد في يناير 2020. وكانت تلك ضربة وافق عليها ترامب. وكان سليماني، الذي اعتُبر ذات يوم مهندس النفوذ الإقليمي الإيراني، هو العمود الفقري الذي أبقى القوات الوكيلة لطهران متماشية مع مصالح بلاده. ويؤكد اغتياله أن الشخصيات الأكثر حماية في إيران لم تكن محصنة من الضربات الأميركية.وخلق اغتيال سليماني فجوة كبيرة في هيكل النفوذ في إيران، وأرسل رسالة واضحة إلى الميليشيات المدعومة من طهران في العراق، مؤكدة لها أن الولايات المتحدة مستعدة لاتخاذ إجراءات حاسمة. وأثبتت الولايات المتحدة قدرتها على توجيه الضربات بدقة بدرجة غير مسبوقة. وأصبح يتعين على الميليشيات العراقية أن تواجه الواقع القاسي المتمثل في أنها قد تكون التالية. ومع ذلك، فإن التهديدات التي تواجهها الميليشيات العراقية تمتد إلى ما هو أبعد من العمل العسكري الأميركي. وقد أدت عمليات القتل الإسرائيلية التي استهدفت قادة حزب الله، بما في ذلك اغتيال زعيمها البارز حسن نصرالله، إلى تعزيز التنسيق بين الولايات المتحدة وإسرائيل. ومن خلال القضاء المنهجي على أهم قادة جماعات المقاومة المتحالفة مع إيران (كان يُعتقد في السابق أنه لا يمكن المساس بها)، قدمت إسرائيل نموذجا من المرجح أن تكرّره واشنطن في العراق.وتكشف الهجمات الإسرائيلية الأخيرة ضد قيادة حزب الله مدى ضعف وكلاء إيران الإقليميين عندما يواجهون حملة عسكرية جيدة التنسيق. وتعدّ هذه الضربات تذكيرا بأن مثل هذه الجماعات ليست محصنة، وأنها مسألة وقت فقط قبل تطبيق هذا النهج على الميليشيات العراقية التي عمل العديد منها لفترة طويلة بنفس الشعور بالحصانة الذي كان يتمتع به حزب الله ذات يوم. وشكلت الميليشيات المدعومة من إيران في العراق تحديا كبيرا للمصالح الأميركية في المنطقة لسنوات. ورغم أن هذه الجماعات ليست قوية مثل حزب الله، إلا أنها تظل خطيرة بنفس القدر. والآن، مع ضعف نفوذ حزب الله إلى حد كبير، أصبحت الميليشيات العراقية (التي تفتقر إلى الانضباط والتنسيق العملياتي) أكثر عرضة للتفكيك.وعلى النقيض من قيادة حزب الله التي ظلت لفترة طويلة تحمي نفسها في مخابئ شديدة التحصين تحت الأرض (كما كان نصرالله ومساعدوه)، لا يتمتع قادة الميليشيات العراقية بنفس المستوى من الأمن. ويتحركون بشكل أكثر انفتاحا، ما يجعلهم أهدافا أسهل. وإذا نجحت واشنطن وتل أبيب في مواءمة إستراتيجياتهما لتحييد هذه الجماعات، فإن العملية ستكون فعالة ومباشرة. وأصبحت المخاطر بالنسبة إلى الميليشيات العراقية غير مسبوقة. واستغلت عدم الاستقرار داخل الهياكل السياسية والعسكرية في العراق لممارسة أنشطتها دون عواقب تذكر لفترة طويلة. لكنها تواجه الآن جهدا أكثر تنظيما من الولايات المتحدة وإسرائيل الهادفتين إلى تدميرها. وإذا رفضت هذه الجماعات إلقاء أسلحتها، فإنها تخاطر بالإبادة الكاملة. والرسالة واضحة، الولايات المتحدة وإسرائيل عازمتان على تفكيك نفوذ إيران، وقد تجد الميليشيات العراقية نفسها قريبا في خط النار مباشرة.ولم يعد السؤال ما إذا كان سيتم استهداف هذه الميليشيات، بل متى. وعندما تأتي الضربات، فإنها ستكون سريعة ولا ترحم. ولم تعد الولايات المتحدة وإسرائيل تتصرفان بشكل منفصل. ولجهودهما المشتركة القدرة على شل البنية التحتية التي تعتمدها الميليشيات المدعومة من إيران في العراق، مما يترك هذه الجماعات بلا مجال كبير للمناورة. يقترب عصر نشاط الميليشيات غير الخاضع للرقابة من نهايته. وأوضحت الولايات المتحدة وإسرائيل أنهما ستواجهان وكلاء إيران أينما كانوا، ولن تكون الميليشيات العراقية استثناءً. وإذا استمرت هذه الفصائل في استفزاز المصالح الأميركية والإسرائيلية، فإنها ستجد نفسها حتما في صراع عنيف دون طريق للهروب. وتحت قيادة ترامب، لن يُسمح للعراق بعد الآن بالموازنة بين الولايات المتحدة وإيران. وتركز واشنطن بشكل منفرد على القضاء على نفوذ طهران في المنطقة، حيث تعد الميليشيات العراقية من بين أهدافها الرئيسية. وأصبح دور الكاظمي غير حيوي بعد أن كان يُنظر إليه على أنه جسر محتمل لتحسين العلاقات بين الولايات المتحدة والعراق.ولم تعد الولايات المتحدة مهتمة بالمفاوضات الدبلوماسية الدقيقة أو التسوية. وأصبح العراق على نحو متزايد ساحة معركة رئيسية في الصراع الأوسع بين الولايات المتحدة وإيران، وأصبحت إستراتيجية الكاظمي السابقة المتمثلة في تحقيق التوازن بين القوتين من الماضي. ومن غير المرجح أن تنجح محاولاته لاستعادة مكانة العراق لدى واشنطن في هذه البيئة الجيوسياسية المتغيرة.ولا يوجد حل دبلوماسي أو مناورة إستراتيجية يمكنها أن تحمي العراق من الصراع القادم. ولا تمثل عودة الكاظمي إلى بغداد إحياء للسياسة الخارجية العراقية، بل هي جهد يائس لإنقاذ النفوذ الضئيل الذي لا يزال يتمتع به الإطار التنسيقي في المنطقة التي تجاوزت تكتيكاتها القديمة. أسطورة “القبة الفولاذية” يعتقد البعض أن عودة الكاظمي ستكون ضمانة ضد التهديدات الخارجية، ولاسيما خطر العقوبات الأميركية في ظل إدارة ترامب. وقد روّج الكثيرون داخل النخبة السياسية العراقية لهذه الفكرة، وصوروا الكاظمي على أنه “قبة فولاذية” وقائية قادرة على صرف الضغوط الأميركية. لكن الواقع أقل طمأنة بكثير. ولا يقدم وجود الكاظمي أيّ دفاع حقيقي. إن فكرة أنه وحده القادر على منع العقوبات أو تغيير نهج واشنطن تجاه العراق تبقى غير واقعية.والكاظمي، رغم خلفيته الدبلوماسية، يفتقر إلى القوة السياسية اللازمة لإدارة العلاقة المتقلبة بشكل متزايد بين العراق والولايات المتحدة في ظل إدارة ترامب العائدة إلى المشهد الدولي. وتبقى القيادة الأميركية الحالية غير مهتمة بالحفاظ على المظاهر أو الانخراط في المفاوضات الدبلوماسية. وإذا واصل العراق مساره الحالي، فسوف تصبح العقوبات والتدخل العسكري تهديدات خطيرة، لا يمكن لسحر الكاظمي وتحالفاته السابقة التخفيف منها. وتسلط عودة الكاظمي الضوء على سوء تقدير آخر من جانب الطبقة السياسية العراقية التي لا تزال منفصلة عن الديناميكيات المتطورة في المنطقة. وفشل الإطار التنسيقي، الذي يسعى الآن للاستفادة منه، في فهم التحولات الأساسية التي تحدث في جميع أنحاء الشرق الأوسط وخارجه. وتشهد المنطقة تحولا سريعا، لكن النخبة السياسية في العراق تظل تركز اهتمامها على إستراتيجيات عفا عليها الزمن، وتبحث عن الزعامة القادرة على عكس اتجاه انحدارها.ورغم أن الكاظمي لعب ذات مرة دورا قياديا خلال فترة هادئة نسبيا في العراق، إلا أن تلك الحقبة قد انتهت. ولا ينتظر الشرق الأوسط العراق ليلحق بركبه. ويفرض المشهد السياسي المتغير (الذي يتسم بتطور واقع ما بعد الأسد في سوريا، والانهيار المستمر في لبنان، وظهور تحالفات جديدة في جميع أنحاء العالم العربي) تحديات ليس الكاظمي مستعدا للتعامل معها.وستفشل محاولاته لتصوير نفسه على أنه شريك موثوق للولايات المتحدة أو لدمج العراق في الشبكات السياسية الإقليمية في نهاية المطاف. لقد انتهى دوره. وليست عودته إلى بغداد علامة قوة، بل هي نتاج اليأس السياسي في نظام منقسم تنفد بدائله.وتبقى جاذبية الكاظمي لدى واشنطن ضعيفة، ويفتقر إلى القدرة على الإبحار في العراق عبر الأزمة الجيوسياسية المتفاقمة. ولا يتوقف مستقبل البلاد على زعيم أثبت فشله بالفعل، بل على جيل جديد قادر على التكيف مع الحقائق المتغيرة في الشرق الأوسط. ولن ينقذ الكاظمي العراق، فهو مجرد شخصية مؤقتة داخل نظام سياسي يتجه نحو طريق مسدود.