بعد رفض رسالة ترامب.. التوتر الإيراني الأميركي إلى أين؟
تاريخ النشر: 10th, March 2025 GMT
طهران- رغم حسم طهران موقفها الرافض للتفاوض مع الإدارة الجمهورية الأميركية فإن رسالة الرئيس دونالد ترامب إلى المرشد الإيراني علي خامنئي بشأن برنامج طهران النووي أثارت ردود فعل واسعة في البلاد.
فعلى وقع تصريحات كل من الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان ووزير خارجيته عباس عراقجي حول عدم التفاوض مع إدارة ترامب بسبب إعادته فرض سياسة "أقصى الضغوط" على طهران، يرى مراقبون -في مسارعة البعثة الإيرانية بالأمم المتحدة إلى الإعلان أنها لم تتلق أي رسالة من واشنطن- دليلا على أن هناك من ينتظر وصولها بفارغ الصبر.
ومع ذلك، فإن الجانب الإيراني لم ينتظر وصول الخطاب الأميركي للرد عليه، إذ كشف ترامب -في مقابلته مع قناة فوكس بيزنس- عن فحواه، مؤكدا بالقول "هناك طريقتان للتعامل مع إيران: عسكريا، أو إبرام اتفاق" وذلك لمنعها من امتلاك أسلحة نووية.
وعلى الصعيد الرسمي، عارض خامنئي -لدى استقباله حشدا من كبار المسؤولين في بلاده أمس السبت- "التفاوض تحت ضغط البلطجة" معتبرا أن العرض الذي تقدمت به واشنطن لبدء المفاوضات يهدف إلى "فرض رغباتها وليس حل القضايا".
نافذة للسلموبغض النظر عن اللهجة المستخدمة في الخطاب الأميركي، فإن مبادرة ترامب -بدعوة الجانب الإيراني للجلوس على طاولة المفاوضات لحل القضايا الشائكة بينهما- تطرح تساؤلا في الأوساط السياسية بطهران عما إذا كان الوقت قد حان لتغليب الحكمة وتبني نهج التعاون بدلا من المواجهة بعد مرور أكثر من 4 عقود من القطيعة.
إعلانوفي مقاله تحت عنوان "رسالة ترامب للمرشد هل تشكل نافذة للسلم؟" يكتب عباس آخوندي السياسي الإصلاحي والوزير السابق للطرق والتنمية الحضرية -في صحيفة "شرق" الناطقة بالفارسية- أن جميع النزاعات الدولية ستنتهي يوما عبر الحوار، وأنه يرى الوقت مناسبا لوضع حد للجدل المتواصل منذ 45 عاما بين إيران والولايات المتحدة.
فبعد ظهور الأنظمة السياسية عقب الحربين العالميتين في القرن العشرين يتجه العالم اليوم نحو تكوين نظام عالمي حديث تنهار خلاله التحالفات، على غرار الشرخ في العلاقات الأميركية الأوروبية هذه الأيام، يحل التعاون على المديات القصيرة ولأهداف أمنية واقتصادية محددة محل التعاون بعيد المدى -كما يقول آخوندي- وهذا ما يشهده العالم في برنامج السلام بين ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين والذي يشكل النواة الأساسية لمقترح ترامب حيال إيران.
ولدى إشارته إلى أهمية التنافس الاقتصادي في النظام العالمي الحديث وتغلبه على عنصري السياسة والأمن، يعتقد آخوندي أن النظام العالمي الحديث ورغم مواصفاته الجائرة والطبقية المكرسة فيه يوفر فرصا لا ينبغي التفريط بها حفاظا على المصالح الوطنية، فينصح الكاتب الجهات المعنية في بلاده باختبار إرادة ترامب قبل الرد النهائي على طلبه لعله يشكل نافذة للسلم بين البلدين.
سياسة المواجهةولعل رسالة ترامب إلى المرشد الإيراني تكون فريدة من نوعها إذ أن الجهة المرسلة كشفت عما تتضمنه قبل تسليمها إلى الطرف الأخر، وبينما يعتبرها مراقبون في طهران دليلا على أهمية الصورة الإعلامية لدى ترامب في مواجهة شتى الملفات، يفسرها آخرون على أن الرئيس الأميركي على عجلة من أمره بخصوص الاتفاق مع إيران على غرار رؤيته للملف الأوكراني.
وبالرغم من أن ترامب سبق وبعث رسالة إلى المرشد الإيراني عام 2019 رفض خامنئي تسلمها من ضيفه رئيس الوزراء الياباني الراحل شينزو آبي، فإن الجانب الغربي لم يسلك طريقا مختلفا لمخاطبة الإيرانيين بعد مرور 5 أعوام، فتجاهل بادئ الأمر رغبة حكومة بزشكيان في التفاوض ثم وقع مرسوما رئاسيا يقضي بعودة سياسة أقصى الضغوط ضد طهران، وتعمد الإعلان عن فرض جولات جديدة من العقوبات على عدد من القطاعات الإيرانية قبل دعوتها للتفاوض.
إعلانوفي غضون ذلك، يقرأ علي بيكدلي أستاذ العلاقات الدولية بجامعة الشهيد بهشتي الكشف عن رسالة ترامب وتركيزه على سياسة "العصا والجزرة" في سياق المساعي الرامية لإقناع الرأي العام بأن الرئيس الأميركي قام بما كان عليه قبل الانتقال إلى الخطط التالية.
وفي مقابلة مع صحيفة "آرمان ملي" يقول بيكدلي إن ترامب يحاول رد الجميل على اللوبيات اليهودية التي دعمته إبان حملته الانتخابية ولا يرى ضيرا في تبني سياسة تمكنه من الوصول إلى أهدافه بعيدا عن المبادئ السياسية والأعراف الدولية، فيقوم بالتهديد والضغط من جهة لجر الطرف المقابل إلى طاولة المفاوضات لكسب الامتيازات التي يتخيلها في رأسه.
ومع ذلك، يعتقد الأكاديمي الإيراني أن الفرصة ما تزال سانحة أمام طهران لتبني طريق وسط يقطع الطريق على الأعداء ويبقي بعض الأبواب مفتوحة، فينصح بالانخراط في مفاوضات غير مباشرة عبر وسيط أوروبي، ذلك أن طهران تشاطر العواصم الغربية رأيها بأن الخيار العسكري ليس سبيلا مناسبا لحل الملفات الراهنة.
قاتل سليمانيوبينما تطالب شريحة من الإيرانيين بتكرار تجربة 2015 التي توجت مفاوضات طهران مع المجموعة السداسية (الولايات المتحدة وألمانيا وبريطانيا وفرنسا إلى جانب الصين وروسيا) بتوقيع الاتفاق النووي، يعارض صقور المحافظين مبدأ التفاوض مع ترامب الذي انسحب من الاتفاق بشكل أحادي وذهب بالعلاقات المتوترة بين طهران وواشنطن إلى حافة الهاوية باغتياله القائد السابق لفيلق القدس بالحرس الثوري الجنرال قاسم سليماني عام 2020 قرب مطار بغداد الدولي.
من ناحيتها، تساوي صحيفة "كيهان" المحافظة المقربة من مكتب المرشد، بين التفاوض مع ترامب ورفع الراية البيضاء أمامه نظرا لتجربة طهران مع إدارته السابقة والتسريبات الإعلامية عما ورد في رسالته إلى طهران، فإنه لن يقف عند حد الملف النووي ويطالب بالتخلي عن البرنامج الصاروخي وتفكيك محور المقاومة.
إعلانوتحت عنوان "دعوة ترامب للتفاوض أم ذر الرماد في العيون؟" تكتب صحيفة كيهان بافتتاحيتها أن ترامب 2025 هو كما كان بولايته الأولى، فيراهن هذه المرة على إثار الامتعاض الشعبي داخل إيران للضغط على طهران من أجل التراجع أمام غطرسة واشنطن.
ووفقا للصحيفة، فإن ترامب على يقين بأن القيادة الإيرانية ترفض التفاوض معه لكنه يبعث برسالة لوضع الكرة في الملعب المقابل، وأن حديث وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت -بأن واشنطن ستجعل إيران مفلسة مرة أخرى- يدل على الحسابات الخاطئة لإدارة ترامب.
وعلى الرغم من أن صحيفة كيهان تتوعد بهزيمة ضغوط الإدارة الجمهورية على طهران، لكن هناك من يتساءل عن خطط طهران لليوم التالي في حال تعرضت منشآتها النووية لهجوم أميركي إسرائيلي کما تتدرب قواتهما علی محاكاته باستمرار.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات رمضان رسالة ترامب التفاوض مع
إقرأ أيضاً:
صفقة ترامب – إيران: فرصة أم فخ؟
#صفقة #ترامب – #إيران: #فرصة أم #فخ؟
بقلم: أ.د. محمد تركي بني سلامة
في لحظة دولية شديدة الحساسية، ومع تصاعد التوترات في المنطقة، خرج الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتصريح مثير للانتباه، معلناً عن وجود محادثات مباشرة مع إيران بشأن برنامجها النووي. هذه التصريحات، التي جاءت وسط تطورات إقليمية معقدة، تفتح الباب واسعاً أمام جملة من الأسئلة العميقة حول طبيعة هذه المحادثات، وحدودها، وأهدافها، والأطراف التي قد تدفع ثمنها.
ما يثير القلق في هذا المشهد ليس فقط العودة المحتملة إلى طاولة التفاوض، بل السياق الذي تجري فيه هذه المحادثات. إذ تأتي في وقت باتت فيه إيران أقل رسوخاً في نفوذها الإقليمي، وأقل جرأة في سياساتها التوسعية، مدفوعة بخطاب ديني وشعارات ثورية، لكنها في الجوهر تُحركها عقلية براجماتية انتهازية تضع مصالحها القومية فوق كل اعتبار. لا تتردد إيران في تغيير خطابها وتبديل تحالفاتها إن اقتضت الضرورة، طالما أن النتيجة النهائية تصب في تعزيز نفوذها وتثبيت هيمنتها على مفاصل القرار في عواصم عربية عدة.
إن تجربة العرب مع إيران منذ الغزو الامريكي _البريطاني للعراق عام ٢٠٠٣ وحتى اليوم لم تكن سوى سلسلة من التدخلات والانقلابات والتمددات الطائفية، بدءاً من العراق الذي بات مسرحاً للميليشيات الموالية لها، مروراً بسوريا حيث دعمت نظاماً قمعياً ضد شعبه، ووصولاً إلى اليمن ولبنان، حيث تلعب طهران دوراً مباشراً في تفكيك مؤسسات الدولة لصالح أذرعها المسلحة.
مقالات ذات صلةفي ضوء هذه التجربة المريرة، فإن أي صفقة قد تبرم بين واشنطن وطهران يجب أن تُقرأ بحذر شديد. لا يمكن الوثوق بأن طهران، في لحظة ما، ستتخلى عن مشروعها الإقليمي مقابل رفع بعض العقوبات أو الإفراج عن أموال مجمدة. فالتجربة أثبتت أن إيران تعرف كيف تشتري الوقت، وتُراوغ، وتُوقع ثم تُخالف، دون أن تدفع ثمناً حقيقياً.
ومن هنا، فإن التخوف المشروع لدى الدول العربية، والخليجية خصوصاً، هو أن تكون هذه الصفقة الجديدة – إن تمت – مجرد “تفاهم نووي” ضيق يُغفل عن قصد الأبعاد الأوسع للنفوذ الإيراني. وهو ما يعني إعطاء طهران مساحة إضافية للتحرك، وتخفيف الضغط عنها في لحظة مفصلية، وربما إعادة إنتاج السيناريو الكارثي الذي أفرزته اتفاقية 2015 المعروفة بخطة العمل الشاملة المشتركة.
ومع إدراكنا لطبيعة شخصية دونالد ترامب، الذي يدير السياسة الدولية بمنطق “الصفقة” و”الربح والخسارة”، فإن علينا أن نتوقع أن تكون أي تسوية مقبلة مع طهران محكومة بهذا المنطق، وليس بمنظور طويل الأمد يأخذ في الحسبان الأمن القومي العربي أو الاستقرار الإقليمي. وقد يذهب ترامب – كما فعل من قبل – إلى عقد اتفاق لا يأخذ في الحسبان إلا المصالح الأمريكية الآنية، تاركاً المنطقة من جديد عرضة للاشتعال والانقسام.
لكن وفي المقابل، يمكن لهذه اللحظة أن تتحول إلى فرصة، إن أحسن العرب قراءتها والتعامل معها. فقد تكون بداية أفول الهيمنة الإيرانية إذا ما نجحت القوى العربية في فرض حضورها على طاولة التفاوض – ولو بشكل غير مباشر – عبر أدوات الضغط الدبلوماسي والتحالفات الاستراتيجية، ومخاطبة الرأي العام العالمي بملف الجرائم والانتهاكات التي تُرتكب باسم النفوذ الإيراني.
إن صمت العرب في لحظات الحسم التاريخية كلفهم كثيراً. واليوم، نحن بحاجة إلى موقف عربي موحد، لا يُعوّل فقط على مواقف واشنطن أو غيرها، بل يبني قراره على رؤية استراتيجية، واضحة، وشجاعة، تحمي المصالح العربية وتتصدى للمشاريع العابرة للحدود.
في نهاية المطاف، لسنا ضد أي تسوية تعزز الاستقرار وتقلل من التوترات، لكننا نرفض أن تكون هذه التسوية على حساب العرب، سيادتهم، وأمنهم. فصفقة جديدة مع إيران يجب أن تعني – أولاً – كبح تمددها، لا تمكينه. ويجب أن تكون مدخلاً لتفكيك أدواتها التخريبية، لا تعزيزها.
فهل ستكون صفقة ترامب – إن تمت – فرصة لتصحيح المسار؟ أم فخاً جديداً في نفق إقليمي مظلم؟
الجواب، كما العادة، رهن بالموقف العربي.