مؤخرًا، قرأت مقالًا مثيرًا للاهتمام بعنوان: “Research, to retain employees, promote them before the job market heats up”،( قم بترقية الموظفين، قبل أن تشتدّ حرارة سوق العمل)، والذي تناول بعمق قضية إدارة المواهب داخل المؤسسات، خاصة في ظل التقلبات الاقتصادية التي تؤثر على سوق العمل. المقال يسلِّط الضوء على أهمية الترقية الداخلية كأداة فعالة لتعزيز استقرار الموظفين وولاءهم للشركة، ويوضح كيف يمكن للمؤسسات الاستفادة من هذه الاستراتيجية لضمان استمرارية قوتها العاملة في مواجهة التغيرات الاقتصادية.


من أبرز الأفكار التي استوقفتني في المقال، هو مفهوم “مفارقة القابلية للتوظيف”، والذي يشير إلى أن ترقية الموظف، قد تجعله أكثر ارتباطًا بالمؤسسة، لكنها في الوقت نفسه، تزيد من جاذبيته في سوق العمل، ممّا قد يدفعه إلى البحث عن فرص أخرى. ورغم هذا التناقض الظاهري، فقد أظهرت الدراسة التي استند إليها المقال، إن توقيت الترقية يلعب دورًا محوريًا في تحديد مدى بقاء الموظفين في المؤسسة على المدى البعيد.
فقد أوضح المقال أن الموظفين الذين يحصلون على ترقية خلال الفترات التي يكون فيها سوق العمل مفضّلًا لأصحاب العمل، أي عندما يكون هناك فائض من المواهب المتاحة للتوظيف، يكونون أقل عرضة لمغادرة الشركة لاحقًا، عندما تتحول الظروف لصالح الباحثين عن عمل. بمعنى آخر، الترقية ليست مجرد تحسين في الراتب، أو العنوان الوظيفي، بل هي رسالة واضحة من الشركة لموظفيها، بأنها تقدِّرهم، وتؤمن بقدراتهم، ممَّا يعزّز لديهم الإحساس بالأمان الوظيفي والانتماء للمؤسسة.
أحد الجوانب اللافتة التي أشار إليها المقال، هو أن الموظفين الذين تمت ترقيتهم داخليًا، لم يكونوا فقط أكثر ولاءً للمؤسسة، بل كانوا أيضًا أكثر إنتاجية، وأداءً، مقارنة بمن تم توظيفهم من خارج المنظمة، لشغل نفس المناصب. فالموظفون الذين نشأوا داخل بيئة العمل، يعرفون ثقافة الشركة، ويتأقلمون معها بسرعة، ممّا يجعلهم أكثر قدرة على تحقيق نتائج إيجابية، وقيادة فرق العمل بفعالية.
من الدروس المهمة التي استخلصتها من المقال، هو ضرورة تبنِّي الشركات لنهج استراتيجي طويل الأمد في إدارة المواهب. بدلاً من الاعتماد على قرارات ترقيات متأثرة بالظروف الراهنة لسوق العمل، يجب على المؤسسات الاستثمار المستدام في تطوير موظفيها، ممّا يعزز ولاءهم ويقلل من مخاطر تركهم للشركة، خصوصًا في فترات الازدهار الاقتصادي، حيث تتزايد فرص الهجرة الوظيفية.
إن أهمية توقيت الترقية، لا تقل عن الترقية ذاتها، حيث ينبغي للشركات ترقية موظفيها عندما تكون الظروف الاقتصادية أكثر استقرارًا، وليس فقط عندما يصبح التوظيف الخارجي صعبًا. هذا النهج لا يعزز ثقة الموظفين في مستقبلهم الوظيفي داخل المؤسسة فحسب، بل يجنِّب الشركات التكاليف الباهظة الناتجة عن فقدان المواهب، والاضطرار إلى إعادة التوظيف والتدريب.
كنت قد كتبت سابقًا عن تسرُّب المواهب من الشركات، وكيف تعاني المؤسسات من فقدان موظفيها بعد استثمارها في تطويرهم، وهو تحدٍّ كبير يواجه العديد من القطاعات. من وجهة نظري، إذا بدأت الشركات في تبنِّي هذا النهج المتمثل في إعطاء الأولوية للترقيات الداخلية في الوقت المناسب، فإنها ستتمكن من تقليل معدلات التسرُّب الوظيفي بشكل كبير، ممَّا سيؤدي إلى تحّسين الأداء العام للمؤسسة، ويخلق بيئة عمل أكثر استقرارًا تعزِّز الإنتاجية والنجاح المستدام.

jebadr@

المصدر: صحيفة البلاد

كلمات دلالية: بدر الشيباني سوق العمل

إقرأ أيضاً:

هل تستجيب الحكومة التركية لدعوات الانتخابات المبكرة؟

أنقرة- من قرية صغيرة في ولاية طرابزون المطلة على البحر الأسود، أطلق زعيم المعارضة التركية أوزغور أوزال بنهاية مارس/آذار الماضي حملة توقيع شعبية تطالب بإجراء انتخابات مبكرة والإفراج عن رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو المسجون والمعزول من مهامه بقرار قضائي أثار جدلا واسعا.

واختار أوزال قرية "جوزلي"، مسقط رأس إمام أوغلو، لإعلان انطلاق الحملة، وذلك عقب أدائه لصلاة العيد بين أهالي المنطقة، في مشهد رمزي كثيف الدلالة، مؤكدا أنها تمثل استفتاء شعبيا غير رسمي على استمرار الحكومة حتى 2028.

في المقابل، لا تبدي الحكومة أي مؤشرات على التراجع عن موقفها، متمسكة برفضها القاطع لأي دعوات لانتخابات مبكرة، في مشهد يعيد فتح باب التساؤلات عن مآلات هذا التصعيد السياسي وإذا كان الشارع التركي بصدد الدخول في اختبار جديد لميزان القوة بين السلطة والمعارضة.

 

مطالب المعارضة

جدّد زعيم حزب الشعب الجمهوري، أوزغور أوزال، مطالبته بإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة، مؤكدا أن موعدها -إن تمت- يجب ألا يتجاوز نوفمبر/تشرين الثاني 2025.

وجاءت هذه الدعوة خلال مؤتمر استثنائي عقده الحزب في العاصمة أنقرة مطلع أبريل/نيسان الجاري، خُصص لإعادة انتخاب رئيسه، إذ نال أوزال ثقة المندوبين مجددا بأغلبية ساحقة بلغت 1171 صوتا من أصل 1276.

إعلان

ويأتي تصعيد أوزال السياسي في وقت ترى فيه المعارضة أن شرعية الحكومة باتت موضع تساؤل، لا سيما بعد توقيف رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، أحد أبرز الوجوه المعارضة، في 19 مارس/آذار الماضي على خلفية اتهامات بالفساد.

وقد برز إمام أوغلو بالفعل كمرشح رئيسي محتمل للمعارضة، خاصة بعد أن أيّد نحو 15 مليونا من أنصار الحزب ترشيحه خلال تصويت داخلي أُجري في أواخر مارس/آذار الماضي.

ومع تصاعد الغضب الشعبي عقب توقيفه، اتهم أوزال الحكومة بانتهاج "أساليب استبدادية"، وذهب إلى وصفها بأنها "مجلس عسكري يحكم البلاد"، مشيرا إلى أن قرار اعتقال إمام أوغلو لم يكن داخليا فحسب، بل جاء -على حد وصفه- "بإذن من خلف المحيط الأطلسي"، في إشارة إلى دور محتمل للولايات المتحدة، من دون أن يقدّم دليلا ملموسا على ذلك.

ورغم حدة خطابه، يؤكد أوزال أن المعارضة بمختلف أطيافها موحدة خلف مطلب الانتخابات المبكرة، مع تعهده بتقديم مرشح واحد يمثل الكتلة المعارضة في أي استحقاق مقبل، يكون قادرا على منافسة أردوغان وهزيمته في صناديق الاقتراع.

أوزغور أوزال أعيد انتخابه رئيسا لحزب الشعب الجمهوري في مؤتمر عام استثنائي عُقد في أنقرة (مواقع التواصل) أدوات ضغط

إلى جانب الخطاب السياسي، كثّفت المعارضة التركية في الأسابيع الأخيرة من تحركاتها الميدانية للمطالبة بإجراء انتخابات مبكرة والإفراج عن رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو الموقوف بقرار قضائي منذ منتصف مارس/آذار الماضي.

وشهدت إسطنبول ومدن كبرى مظاهرات شبه يومية، بلغت ذروتها في 29 مارس/آذار الماضي حين نظّم حزب الشعب الجمهوري تجمعا جماهيريا واسعا في ميدان مالتبه، وصف بأنه من الأكبر خلال السنوات الأخيرة.

وقد شكل مهرجان مالتبه محطة مفصلية في تحركات المعارضة، إذ توقفت بعده الاحتجاجات الميدانية، وانتقلت إلى استخدام أدوات ضغط بديلة، على رأسها حملات التوقيع والمقاطعة الاقتصادية، معتبرة أن تنويع أشكال الضغط الشعبي قد يكون أكثر فاعلية في المرحلة الحالية.

إعلان

وفي هذا السياق، أطلق حزب الشعب الجمهوري حملة توقيع وطنية تدعو إلى سحب الثقة من الرئيس رجب طيب أردوغان والدعوة إلى انتخابات مبكرة، معلنا أن الهدف هو جمع توقيع من كل اثنين من المواطنين.

في الوقت ذاته، تواصل المعارضة نشاطها الإعلامي والرقمي من خلال الظهور المكثف لقادتها على وسائل الإعلام المحلية والدولية، والترويج لحملات رقمية، في محاولة للإبقاء على قضيتها حاضرة في الرأي العام.

#عاجل | وزير العدل التركي:
- أوقفنا ١٠٠ شخص للتحقيق معهم في شبهات تتعلق بالفساد والرشوة
- لا أحد فوق القانون بمن في ذلك رئيس بلدية #اسطنبول
- الدستور واضح والمحاكم والقضاة في #تركيا لا يأخذون تعليماتهم من أحد pic.twitter.com/1iFyyTLxhS

— قناة الجزيرة (@AJArabic) March 19, 2025

موقف الحكومة

على الجانب الآخر، تتعامل الحكومة التركية، بقيادة حزب العدالة والتنمية وتحالفه مع حزب الحركة القومية ضمن "تحالف الجمهور"، بحزم مع دعوات الانتخابات المبكرة، وتتمسك بإجراء الاستحقاقات الدستورية في موعدها المقرر عام 2028.

وقد أكد الرئيس رجب طيب أردوغان في أكثر من مناسبة أن "تركيا أمامها 4 سنوات بلا انتخابات، ولا يمكن القبول بإدخال البلاد مجددًا في أجواء انتخابية وسط تحديات اقتصادية وأمنية تتطلب التركيز والعمل".

ويرى أردوغان أن تصعيد المعارضة في هذا التوقيت يهدف إلى زعزعة الاستقرار الذي تحقق بعد انتخابات 2023، معتبرا أن الأصوات المطالبة بتبكير الانتخابات تعكس في جزء منها تنافسا داخليا محتدما بين مكونات المعارضة نفسها.

وفي السياق ذاته، جاء موقف زعيم حزب الحركة القومية، دولت بهتشلي، أكثر وضوحا وصرامة، إذ قال "لا حاجة لتضييع الوقت بجمع التوقيعات، فالإرادة السياسية لتحالف الجمهور واضحة: الانتخابات ستُجرى في موعدها".

وشدّد بهتشلي على أن المعارضة تنشغل بمطالب غير واقعية، في وقت تحتاج فيه البلاد إلى استقرار سياسي واقتصادي، مؤكدًا أن التحالف الحاكم لن يفرّط بما سماها "أمانة الشعب" التي نالها الرئيس أردوغان عبر صناديق الاقتراع قبل أقل من عامين.

إمام أوغلو مرشحا رئاسيا قبل 3 سنوات.. ما الذي يجري في #تركيا؟ pic.twitter.com/HZq3Qf9yru

— قناة الجزيرة (@AJArabic) March 25, 2025

إعلان دعوات متكررة

يرى الباحث في الشأن التركي علي أسمر أن التعدد في أساليب التصعيد التي ينتهجها حزب الشعب الجمهوري يعكس محاولة الحزب استثمار كل أدوات الضغط السياسي المتاحة، إما لتحقيق مكاسب معينة، أو لإيصال رسائل سياسية إلى الداخل والخارج على حد سواء.

لكن في تقديره، فإن الحكومة التركية "لا تتعامل مع هذه الدعوات بجدية حقيقية"، مرجعا ذلك إلى أن المطالبة بانتخابات مبكرة من قبل المعارضة، وتحديدا من حزب الشعب الجمهوري، "لم تعد مفاجِئة"، بل باتت أشبه "بعادة سياسية" تلجأ إليها المعارضة عند كل مفترق طرق.

ويشير أسمر، في حديث للجزيرة نت، إلى أن حزب الشعب الجمهوري يعاني "نقطة ضعف بنيوية" تتمثل في الانقسامات الداخلية، خاصة بعد إزاحة كمال كليجدار أوغلو وصعود الجناح المقرّب من أكرم إمام أوغلو. ويوضح أن هذه الخلافات "لا تضعف البنية التنظيمية للحزب فحسب، بل تثير تساؤلات جدية لدى الناخب التركي عن مدى جاهزية الحزب لتولي السلطة، لو أتيحت له الفرصة".

وفي جانب آخر، يلفت الباحث التركي إلى تطور سياسي "لا يقل أهمية"، يتمثل في ما وصفه "ببوادر تقارب بين التيارين القومي والكردي"، مشيرا إلى أن نجاح هذه التفاهمات -إن تحققت- قد يعيد رسم موقع الأكراد في المعادلة السياسية التركية، وهو ما سيمثل ضربة إستراتيجية للمعارضة التي اعتمدت تاريخيا على أصواتهم.

من جانبه، يرى المحلل السياسي جنك سراج أوغلو أن موقف الحكومة من الدعوات إلى انتخابات مبكرة لا يعكس تصلبا مبدئيا بقدر ما يعكس حسابات سياسية دقيقة.

ويضيف سراج أوغلو، في حديث للجزيرة نت، أن الحكومة تفضل في هذه المرحلة الإبقاء على موقفها الرافض، لتفويت الفرصة على المعارضة في تصوير نفسها كقوة قادرة على فرض أجندتها.

ومع ذلك، لا يستبعد أن تعيد السلطة تقييم موقفها إذا طرأت تحولات داخلية كبرى، سواء من حيث المؤشرات الاقتصادية أو التوازنات السياسية، مؤكدا أن أي تغيير في هذا الموقف سيُقدم باعتباره قرارا سياديا لا رضوخا لضغط الشارع أو المعارضة.

إعلان

مقالات مشابهة

  • نقابة صيادلة بورسعيد تُطلق مؤتمرها الثاني بحضور أكثر من 500 مشارك.. غدًا
  • غدًا.. نقابة صيادلة بورسعيد تُطلق مؤتمرها الثاني بحضور أكثر من 500 مشارك
  • وزير العمل: جاهزون لتوفير جميع فرص العمل التي يحتاجها الجانب اليوناني
  • وزيرا العدل والتنمية الإدارية يبحثان سبل حل الصعوبات الإدارية التي تعيق ‏العمل القضائي في سوريا ‏
  • «المهارات المُجاورة» في الابتكار التكنولوجي
  • هل تستجيب الحكومة التركية لدعوات الانتخابات المبكرة؟
  • انتحار أول روبوت في العالم.. من سيحزن عليه؟
  • "البيئة": مصر تولد أكثر من 100 مليون طن مخلفات بجميع أنواعها
  • الموظفة الحامل أبرزهم.. تخفيض ساعات العمل لبعض الموظفين
  • الاطلاع على مستوى الانضباط الوظيفي بديوان محافظة الحديدة