تبنّت القمة العربية الخطة المصرية لإعادة إعمار قطاع غزة. الخطة، التي صارت عربية بموافقة حاضري القمة عليها بالإجماع، تبدو واقعية في ضوء ما آلت إليه الأمور في الحرب التي لم تنتهِ فصولها بعد، إذ إننا نعيش وقفًا لإطلاق النار، وليس انتهاء للحرب.

هذه النتيجة تعكس- وكما يبدو من الكلمات التي أُلقيت- رغبة العرب في تثبيت أهل غزة في أرضهم، وقطع الطريق على محاولة إسرائيل تهجيرهم قسرًا، وعلى تصور ترامب الفانتازي حول "ريفيرا غزة"، الذي يزعم فيه أنه يريد إنقاذ الغزيين من قسوة الحرب.

ما انتهت إليه القمة العربية يمثل الحدّ الأدنى، لكن العبرة فيما يسكن التصور العام من تفاصيل، وما يتجدّد من إجراءات أثناء التنفيذ، والأهم رد فعل إسرائيل الذي قد يضع الجميع أمام تحدٍّ آخر، يتطلب موقفًا أشد صرامة، وقد يدعو العرب للعودة إلى النقاش مرة أخرى، ربما حول أمر أشد خطرًا من إعادة الإعمار.

فإسرائيل، التي بدأت ضغطًا مبكرًا على القمة العربية من خلال تعمد وقف التفاوض مع حركة المقاومة الإٍسلامية (حماس) بما حال دون الدخول في المرحلة الثانية من الاتفاق بشأن غزة، تفكّر اليوم في أمرين، كلاهما يضع عقبةً أمام قمة القاهرة، حين تبدأ العمل على الأرض، وهما: استعادة الردع والتوسع، وهذان هدفان يدفعان تل أبيب إلى مواصلة الحرب، ليس في قطاع غزة والضفة الغربية فحسب، وإنما في جبهات عربية أخرى، قد لا تقتصر بالضرورة على لبنان وسوريا.

إعلان

على الجانب الآخر، تواجه نتائج القمة العربية عقبة ثانية تتمثل في الرواسب المتراكمة للانقسام الفلسطينيّ المزمن، ما يتطلّب مصالحة فلسطينية، تعقب حوارًا وطنيًا جادًا وخلّاقًا، ينطلق من نقطة مهمة يتفق عليها الطرفان، وهي أنّ إسرائيل المسؤولة عن الوضع الراهن، وأن مواجهتها تتطلب وحدة الصف الفلسطيني، وربما تكون دعوة الرئيس محمود عباس عن استعداده لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية خطوة مهمة في هذا الاتجاه.

علاوة على ذلك فإن تنفيذ الخطّة العربية لإعادة إعمار غزة يحتاج، فضلًا عن توفير التمويل الذي يقدر بـ 53 مليار دولار، إلى وجود إطار سياسي، وإطار أمني، وإطار حوكمة مناسب، وقبلها حل معضلة "سلاح المقاومة"، في ظل رفضها التخلي عن سلاحها، وهو موقف يجد تأييدًا شعبيًا عربيًا، لا سيما أن القمم العربية لم تقدم تصورًا حقيقيًا وفعالًا لحماية الشعب الفلسطيني.

والعقبة الثالثة تتمثل في موقف الإدارة الأميركية، إذ إن المضي في تنفيذ الخطة العربية هذه يحتاج إلى مساندة أو موافقة من واشنطن، لتضغط على إسرائيل فتمتنع عن عرقلة التنفيذ.

فحال رفْض واشنطن وإصرار العرب على التنفيذ لا يمكن أن يرى معناه إلا أنه فتْح باب لحرب أوسع من غزة، وهي مسألة لا يبدو العرب في ميل إليها، وهو ما أظهرته الكلمات التي ألقيت في القمة، والبيان الختامي لها، الذي أعاد تأكيد مسألة أن "السلام خيار إستراتيجي للعرب"، عطفًا على ما أطلقته قمة بيروت عام 2000 ولا يزال جاريًا.

لكن الحرب، وإن كانت كرهًا، فليس هناك ما يضمن منع اندلاعها في جبهات أخرى، إن كانت إسرائيل تعتقد أنها اللحظة التاريخية لها للتوسع سيرًا وراء تصورات دينية، أو رغبات استعمارية.

ربما لكل هذا وصف الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط القمة بأنها "محطة أولى في مسار طويل". ثم أعرب عن أمنياته ألا يكون شاقًا، حتى لو كان الإجماع العربي على دعم الخطة المصرية هو في نظره يعكس "تحمل العرب المسؤولية حول القضية الفلسطينية"، وأن هذه الخطة تمثل "بديلًا واقعيًا"، لتوفير حفظ السلام في الضفة الغربية وقطاع غزة، وحماية الشعب الفلسطيني، من خلال وجود لجنة لإدارة القطاع مؤقتًا، تمنع التهجير، وتعيد الإعمار، أملًا في أن يؤسس ذلك لدولة فلسطينية مستقبلًا، من خلال حكم واحد، وسلاح واحد.

إعلان

لقد دخل العرب إلى هذه القمة في وقت كان يتضح فيه أن التحايل والمداراة، وممارسة لعبة كسب الوقت، لا تصلح مع طرح ترامب ونتنياهو حول تهجير الفلسطينيين، إذ إن أول حبة في المسبحة إن كرت تساقطت كل الحبات بعدها.

وهذه أقدار متتابعة، ستكبر حتى تجد الدول العربية نفسها أمام مسار أسوأ من سايكس- بيكو، لا سيما في ظل ما تفعله إسرائيل حيال أربع جهات: قضم جزء من سوريا، والإصرار على البقاء في شريط حدودي بجنوب لبنان، ومحور صلاح الدين في قطاع غزة، وتفريغ بعض المخيمات في الضفة الغربية من سكانها.

ودخل العرب إلى القمة أيضًا وهم يسمعون أصواتًا تناديهم بألا يخضعوا لمعادلة ترامب التي تريد منهم أن يأخذوا أهل غزة رهائن، ليساوموا المقاومة على سلاحها وإدارة القطاع، تحت ضغوط أميركية ـ إسرائيلية، تشترط هذا مقابل الإعمار.

وكانت هذه الأصوات تشير على الزعماء العرب بأن يطالبوا إسرائيل نفسها بتحمل تكلفة إعادة الإعمار؛ لأنها هي التي دمرت غزة، وأنهم إن لم يكونوا قادرين على نصرة أهل فلسطين، فلْيتواروا إلى الخلف، ويصمتوا، ويقولوا لنتنياهو: استأنف الحرب كما شئت، وأن هذا أفضل كثيرًا من أن يساعدوا إسرائيل على أن تأخذ بالسياسة ما عجزت عن أخذه بالحرب.

لكن القمة، وفي إطار الحسابات السياسية الرسمية، وربما استجابة لاتصالات ما تحت الطاولات العديدة، وقفت عند هذا الحد، أو تحت هذا السقف، وهي تعني في خاتمة المطاف إبداء العرب موقفًا إيجابيًا، محمولًا على نوايا جيدة، تجنح إلى السلام، سرعان ما رفضته إسرائيل في أول رد فعلها على نتائج القمة العربية.

هذا معناه أن العرب في حاجة إلى أن يفكروا جيدًا من الآن في تداعيات ما بعد قمة القاهرة، فرفض إسرائيل خطة إعمار القطاع، وإصرارها على نزع سلاح حماس، بل وتهجير الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة، معناه أنها ستواصل الحرب، وستمتد إلى جبهات أخرى، لا سيما إن أصرت على التهجير، وهنا قد يجد العرب أنفسهم في حاجة إلى لقاء طارئ لمسألة أشد خطرًا من جمع أموال للإعمار، أو البحث في مسألة إدارة الشأن الفلسطيني.

إعلان

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات رمضان القمة العربیة موقف ا

إقرأ أيضاً:

قطر تؤكد الحاجة للتوصل إلى اتفاق بين أميركا وإيران

أكد رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني أن هناك حاجة للتوصل إلى اتفاق بين الولايات المتحدة وإيران، وقال إن كل دولة في المنطقة قلقة من شن ضربات على المواقع النووية الإيرانية.

وأضاف رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري أنه لا توجد طريقة يمكن أن تدعم بها قطر أي نوع من الأعمال العسكرية في المنطقة.

وفيما يتعلق بملف مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة، قال إن بلاده عملت بلا كلل لتحقيق وقف إطلاق النار بغزة وتعرضت لهجوم كبير أثناء الحرب الإسرائيلية على القطاع.

واضاف أن الاتفاق لم يتم عبر قطر أو الولايات المتحدة وحدهما بل بجهودنا كفريق واحد، مشيرا إلى أن مبعوث ترامب للشرق الأوسط ستيفن ويتكوف ضغط عندما كان ذلك مطلوبا وقام بعمل رائع ونحن كشركاء حققنا الصفقة.

ومطلع مارس/آذار الجاري، انتهت المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار بغزة التي استمرت 42 يوما، فيما تنصلت إسرائيل من الدخول في المرحلة الثانية التي تشمل إنهاء الحرب.

مقالات مشابهة

  • هكذا تحايلت إسرائيل على أميركا لبناء مفاعل ديمونة
  • هل ستندلع الحرب من جديد بين حماس وإسرائيل؟.. أستاذ علوم سياسية يكشف لـ «الأسبوع» مصير مفاوضات
  • سفير مصر الأسبق لدى إسرائيل: القمة العربية الطارئة كانت رسالة موجهة للعالم
  • خبير بالشؤون الإسرائيلية: تباين بين الموقفين الأمريكي والإسرائيلي لخطط القمة العربية
  • استشهاد 3 فلسطينيين في رفح.. وإسرائيل تستعد للعودة إلى الحرب
  • أشرف سنجر: الخطة المصرية العربية لاقت قبولًا دوليًا .. وإسرائيل الوحيدة الرافضة
  • قطر تؤكد الحاجة للتوصل إلى اتفاق بين أميركا وإيران
  • نتائج برشلونة في المباريات التي لعبها بـ10 لاعبين هذا الموسم
  • القمة العربية واليوم التالي في غزة وفلسطين