أمرنا الله بالدعاء، ووعدنا بالإجابة فقال سبحانه:
(...ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ...)، «سورة غافر: الآية 60»، فله الحمد على ما أمر به، ووفق إليه، وله الحمد على ما وعدنا به من الإجابة، قال سبحانه وتعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)، «سورة البقرة: الآية 186».
وعن عائشة رضي عنها، قالت: قلت: يا رسول الله، هذا شهر رمضان فماذا أقول فيه؟ قال: «قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعفُ عني»، (سنن الترمذي، 3513).
وعن أبي هريرة، رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «ينزل الله إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يمضي ثلث الليل الأول، فيقول: أنا الملك أنا الملك، من ذا الذي يدعوني فأستجيب له؟ من ذا الذي يسألني فأعطيه؟ من ذا الذي يستغفرني فأغفر له؟ فلا يزال كذلك حتى يضيء الفجر»، (صحيح مسلم، 169).
والدعاء، عبادة من العبادات المهمة، التي تحدث عنها القرآن الكريم، وبينتها السنة النبوية الشريفة، وذكرت آدابها، وهي طريق العبد إلى ربه عز وجل ومناجاته له، وعد الله تعالى عليها بالاستجابة فقال: (... ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ...)، «سورة غافر: الآية 60».
والله عز وجل لا يرد من دعاه، ولا يخيب من رجاه، فعن سلمان رضي الله عنه قال: «إن الله يستحيي أن يبسط العبد إليه يديه فيهما خيراً فيردهما خائبتين»، (المستدرك على الصحيحين للحاكم، 1830)، والدعاء له أوقات فضيلة يستحب تحرّيها والدعاء فيها: من أبرزها ساعة السحَر، فعن جابر رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: «إن في الليل لساعة لا يوافقها رجل مسلم يسأل الله خيراً من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه، وذلك كل ليلة»، (صحيح مسلم، 757).
ومنها وقت الإفطار، يقول، صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة لا ترد دعوتهم: الإمام العادل، والصائم حين يفطر، ودعوة المظلوم»، (سنن الترمذي 3598).
ومنها ليلة القدر، لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: يا رسول الله أرأيت إن علمت أي ليلة ليلة القدر، ما أقول فيها؟ قال: «قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعفُ عني»، (سنن الترمذي 3523).
ومنها: ثلث الليل الأخير، فعن أبي سعيد وأبي هريرة، رضي الله عنهما، قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله يمهل حتى إذا ذهب ثلث الليل الأول، نزل إلى السماء الدنيا، فيقول: هل من مستغفر؟ هل من تائب؟ هل من سائل؟ هل من داعٍ؟ حتى ينفجر الفجر»، (صحيح مسلم، 172)، وعلى كل مسلم اغتنام شهر رمضان بالدعاء لأنفسنا وأهلنا وأوطاننا وولاة أمورنا بالخير والسداد، في رمضان موطن استجابة الدعاء، فليكثر الصائمون منه، فإن لهم دعوة لا ترد، وهو عبادة تحقق الصلة بالله تعالى والقرب منه، وله آداب لا بد للداعي أن يتحلّى بها.
الزكاة الحصن المنيع لحفظ المال
الزكاة نسبة محددة من المال يخرجها المسلم الذي يملك -ملكاً تاماً زائداً عن حاجاته الأساسية- نصاباً يُقدّر بنحو (85) جراماً من الذهب أو ما يعادلها، ويكون قد مضى على ملكه للنصاب عام قمري كامل، ولها شروط وأحكام، يجب على المسلم سؤال أهل العلم عنها.
والزكاة بركة ونماء للمال، ينمو بها المال ويكثر ولا ينقص، قال الله تعالى: ﴿وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾، وعن أبي كَبْشَةَ الأَنَّمَارِيّ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «ثَلَاثَةٌ أُقْسِمُ عَلَيْهِنَّ وَأُحَدِّثُكُمْ حَدِيثاً فَاحْفَظُوهُ» قَالَ: «مَا نَقَصَ مَالُ عَبْدٍ مِنْ صَدَقَةٍ...»، وهي حصن منيع تحفظ المال من التلف والضياع، فقد ثبت في الحديث أن الملائكة تدعو كل يوم للمتصدقين والمُنفقين بالنماء والبركة، وللممسكين بالتلف والضياع، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ إِلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلَانِ، فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: اللهُمَّ، أَعْطِ مُنْفِقاً خَلَفاً، وَيَقُولُ الْآخَرُ: اللهُمَّ، أَعْطِ مُمْسِكاً تَلَفاً».
الزكاة
وللزكاة أثر كبير على الفرد والمجتمع، فعلى مستوى الفرد نجد أثرها في تزكية نفسه وتطهيرها من البخل ومن الطمع وغيرهما من الأمراض، قال جل في علاه: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا)، وعلى مستوى المجتمع نجد أثرها في تحقيق الموازنة في المجتمع، وسد حاجة الفقراء والمساكين، وهي سبب لنزول الرحمة على المجتمع ككل، قال سبحانه: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ).
ونخلص إلى أن الزكاة فريضة عظيمة من فرائض الله تعالى، ولها أثر كبير على الفرد والمجتمع، فعلينا أن نحرص على أدائها طيبة بها أنفسنا راضية ببذلها، ليبارك الله تعالى في أموالنا فتنمو وتكثر بركتها.
حديث
عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اتقوا الظلم، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشح، فإن الشح أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم، واستحلوا محارمهم»، وعن جابر رضي الله عنه قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يا بني سلمة من سيدكم قالوا: الجد بن قيس وإنا لنبخله! قال: وأي داء أدوى من البخل؟! بل سيدكم الخير الأبيض عمرو بن الجموح، قال: وكان على أضيافهم في الجاهلية، قال: وكان يولم على رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تزوج».
فتوى
يستحب تناول السحور احتياطاً قبل موعد الأذان بدقائق
ورد إلى مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي سؤال جاء فيه «تبين أني أكلت بعد الوقت المحدد في الإمساكية بدقيقتين تقريباً، فهل صومي صحيح، وهل يجب عليّ الالتزامُ بوقت الإمساكية؟».
أجاب المجلس: «ما دمت قد توقفت عن تناول السحور قبل دخول وقت أذان الفجر فصومك صحيح، قال الله تعالى: (... وَكُلُواْ وَٱشرَبُواْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ ٱلخَيطُ ٱلأَبيَضُ مِنَ ٱلخَيطِ ٱلأَسوَدِ مِنَ ٱلفَجرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ ٱلصِّيَامَ إِلَى ٱلَّيلِ...)، «سورة البقرة: الآية 187». ويستحب لك الإمساك على جهة الاحتياط قبل موعد الأذان بدقائق، ويدل لذلك ما رُوى عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: «تَسَحَّرْنَا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ، ثُمَّ قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ»، قُلْتُ: كَمْ كَانَ بَيْنَ الأَذَانِ وَالسَّحُورِ؟ قَالَ: «قَدْرُ خَمْسِينَ آيَةً»، (متفق عليه). أخبار ذات صلة
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: رمضان الصيام رسول الله صلى الله علیه وسلم رضی الله عنه قال رضی الله عنه ق الله تعالى لا ترد
إقرأ أيضاً:
مفاهيم إسلامية: الصراط المستقيم
#مفاهيم_إسلامية: #الصراط_المستقيم
د. #هاشم_غرايبه
لعل أهم مبتغى للمؤمن هو أن يهديه الله لاتباع الصراط المستقيم، لذلك كان الدعاء الوحيد الذي يدعو الله به في كل صلاة يصليها لله، بل في كل ركعة، بل لا تقبل الصلاة أصلا بدونه.
لذا من المهم معرفة ما هو هذا الصراط، والذي باتّباعه يتحقق التقوى – عنوان الصلاح والاستقامة.
بسب الاستغراق في الشكليات التي اعتبرها البعض عنوانا للتدين، والانشغال بالمظاهر الطقوسية عن جوهر الدين ومراداته، فأغلب الناس يعتقدون أنه يتحقق بأداء العبادات، وآخرون يتصورون أنه ذلك الجسر الدقيق كحد السيف الذي يعبره الناس يوم القيامة كالذين يسيرون على الحبل، من ينجح بعبوره يذهب الى الجنة، ومن يسقط يهوي في جهنم.
ولن تجد إلا قليلين يفهمونه حقا، ويعلمون كيفية اتباعه كما أراده الله تعالى، فأين نجد تبيان ذلك في كتاب الله؟.
لقد بينه الله تعالى في سورة الأنعام، والتي حددت عشرة وصايا من اتبعها جميعا فقد حقق شروط التقوى: “قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ۖ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۖ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُم مِّنْ إِمْلَاقٍ ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ ۖ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ۖ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ ۖ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ ۖ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۖ وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ ۖ وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ” [151-152].
وبما أن الخط المستقيم هو أقصر الخطوط الواصلة بين نقطتين وأقومها، ويتمثل بالخط بين العبد وربه، وهو واحد لا يتعدد مهما بلغ عدد العباد الذين سيسلكونه، لذلك فهو الصراط المستقيم المعني في قوله تعالى “اهدنا الصراط المستقيم”، وهو قطعا ذاته الذي هدى اليه المؤمنين بالرسالات السابقة، لكنه استثنى ما جرى فيها من انحراف عنه من قبل فئتتين هما المغضوب عليهم الذين عصوه فغضب عليهم، والأخرى الضالين الذي أشركوا بالله عندما جعلوا له ولدا فحبط إيمانهم.
لأجل ذلك نبه عباده المؤمنين بأن لا يأخذوا الصراط عن هؤلاء بل يستقوه من القرآن الذي لا يناله التحريف، لذلك بينه بكل وضوح في الآيتين السابقتين، وللتأكيد على أن هذا هو الصراط المستقيم لا غير، أتبعهما بقوله تعالى في الآية 153: “وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ”.
هكذا أصبحت معالم هذا الصراط واضحة لا لبس فيها، وهي وصايا الله لعباده المؤمنين، وتتلخص بما يلي:
1 – توحيد الله وعدم الشرك به: “أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا”.
2 – بر الواللدين والإحسان بهما: “وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا”.
3 – عدم اللجوء الى الاجهاض تهربا من مسؤولية الأبوة والأمومة: “وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُم مِّنْ إِمْلَاقٍ”.
4 – تجنب كل ما يؤدي بالمرء الى ممارسة الفاحشة الظاهرة وهي الزنا، أي قطع الطريق لحصولها مثل اختلاء فردين من الجنسين بلا مبرر من عمل ، أو الالتقاء او التراسل غير المنضبط، أو مشاهدة المناظر الإباحية المثيرة للغريزة ..الخ.
كما تشمل تجنب كل الطرق والوسائل المؤدية الى تفتح الباب لإتيان الفواحش المبطنة مثل شهادة الزور، وقذف أعراض الناس، والسرقة واختلاس المال العام ..الخ.
5 – عدم اللجوء الى القتل، مهما كان المبرر، فلا مبرر للقتل إلآ القصاص: وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ”.
6 – صيانة حقوق اليتيم، وعدم الاقتراب من ماله إلا بقصد إنمائه، ودفعه إليه عندما يبلغ سن الرشد: “وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ”.
7 – إيفاء الكيل والميزان في التعاملات التجارية وعدم ابخاس الحقوق: “وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ “.
8 – عدم تكليف الناس فوق طاقتهم: “لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا”.
9 – الصدق في القول والعدل في الحكم: “وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا”.
10 – وآخرها الإيفاء بعهد الله حينما أخذ على ذرية آدم إقرارا بالربوبية له: “وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا”.
هذا هو صراط الله المستقيم.