والي الخرطوم.
انبرى السيد أحمد عثمان حمزة، والي الخرطوم، لمهامه في وقت عصيب للغاية، وقاد الجهاز الإداري للولاية وسط أعاصير من الأحداث وحركة نزوح سكاني مركبة. فقد كان هناك نازحون من مناطق العاصمة المختلفة التي تعرضت لانتهاكات التمرد، حيث نزحوا نحو مدينة أم درمان وبالتحديد محلية كرري. كما نزح آخرون من الولاية نحو ولايات أخرى، في وقت كانت فيه مناطق تتعرض للقصف الذي يستهدف المدنيين والمنشآت الحيوية مثل المستشفيات، ومحطات المياه، والمدارس والأسواق.
وبدون أدنى شك، كان الوالي أحد دعائم الطمأنينة والاستقرار حتى في زيارته للمناطق التي استردتها القوات المسلحة خلال الأشهر الماضية مثل الكدرو، والحلفايا، وشمبات، وبحري.
نجاح الوالي في هذه المهام وتجاوزه للتحديات دفع الكثيرين في الفترة الماضية لوضع اسمه في قائمة المرشحين لرئاسة مجلس الوزراء. ولا يثير ذلك أدنى دهشة أو استغراب، فالتزكية جاءت بناءً على التجربة العملية والشواهد الثابتة من واقع العمل، لا على التوقعات.
لكن الأصوات نفسها التي تحمست لترشيحه في المنصب التنفيذي الأول على مستوى الدولة عادت في الاتجاه المعاكس بعد تصاعد الشكوى في المناطق التي عاد إليها سكانها، حيث يعانون من قصور كبير في الخدمات وانتشار الأمراض المعدية مثل الملاريا بسبب سوء البيئة، وشح مياه الشرب النظيفة الآمنة.
مناطق أخرى تعاني من تصاعد الجريمة وتطور أسلحتها، بالتحديد في بعض مناطق محلية كرري، مع قصور واضح في مظلة مؤسسات فرض القانون مثل الشرطة والنيابة والمحاكم.
وفي تقديري، فإن والي الخرطوم، أحمد عثمان حمزة، ليس مسؤولاً عن هذا الخلل. فقد ظللنا ننبه منذ بداية هذه الحرب أن غياب الدولة بشكلها الهرمي النظامي، وتكافؤ مستويات السلطة، وضبط إيقاع العمل التنفيذي بصورة شاملة، سيدفع ثمنه الوطن بعد الحرب، وقد بدأت الأزمات تظهر بأعناقها.
صحيح أن أوضاع الحرب كانت أسوأ، لكن لا يبرر ذلك أن يخرج المواطن من نفق الحرب ليجد نفسه مضطراً لدخول نفق الأزمات المتراكبة بمختلف مسمياتها.
إدارة الدولة في ظل الحرب وبعدها أمر يتطلب بنياناً مؤسسياً قوياً، وليس مجرد شخصيات هنا وهناك مثل السيد الوالي، ليقوموا بالمهام بعيداً عن الأطر المؤسساتية المتشابكة المترابطة.
وقد كتبت أكثر من مرة في الأيام الماضية، ألفت النظر إلى شواهد تدل على أن إرهاصات تكريس الخلل في الدولة السودانية بدأت تظهر بقوة في المشهد العام. ضربت مثالاً لذلك بأنباء عن خطة ولاية نهر النيل لإنشاء مدن صناعية، ثم الأمر ذاته في ولاية الخرطوم عندما ظهر في وسائل الأخبار خطة لإعادة إعمار المناطق الصناعية. والثالثة كانت قرار السيد وزير التعليم العالي الزام الجامعات السودانية بالعودة لممارسة مهامها كاملة من داخل البلاد.
في كل هذه النماذج التي اخترتها، كان الغائب الأهم هو التخطيط، والإصرار على التعامل بفكر ومنهج “الخطة الإسعافية”، وهو ما عانى منه السودان على مدى 70 سنة منذ أول حكومة وطنية.
العمل التنفيذي الذي يعتمد منهج “الخطط الإسعافية” يحاول أن يحصد نتائج سريعة على حساب المستقبل، أشبه بالطرق المسفلتة التي كانت الحكومة ترصفها، وقبل أن تنتهي منها تبدأ الحفر والمطبات في الظهور.
أضعنا وقتاً مهماً بتعمد تغييب مؤسسات الدولة، وعلى رأسها الحكومة التنفيذية، ولا يزال الخطأ مستمراً.
عثمان ميرغني
#حديث_المدينة السبت 8 مارس 2025
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: والی الخرطوم
إقرأ أيضاً:
كيف تضرر قطاع النقل في السودان خلال الحرب الحالية؟
الخرطوم- مدينة الجسور المُعلّقة، هكذا كان بعض أهالي الخرطوم يطلقون هذا الاسم على مدينتهم، في حين كانت هذه الجسور أول ما تأثر في الحرب التي اندلعت في 15 أبريل/نيسان عام 2023.
وكان جسر شمبات الرابط بين أم درمان قد تدمر في 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، ثم جسر جبل أولياء بعد أسبوع من الحادثة الأولى، قبل أن يلحق الضرر بجسر الحلفايا الرابط بين أم درمان والخرطوم بحري في الأول من يوليو/تموز 2024.
وتضرر قطاع النقل جراء الحرب التي قاربت على العامين؛ حيث تدمر عدد من الطرق الرئيسة في العاصمة الخرطوم وود مدني حاضرة ولاية الجزيرة، ومطار الخرطوم الدولي، والميناء البري ود مدني وغيرها من بقية وحدات وزارة النقل السودانية.
ونشرت الوزارة، في ندوة صحفية للحكومة السودانية حول خسائر قطاع النقل وخطط إعادة الإعمار، فيلما قصيرا أوضح الأضرار التي لحقت بقطاع النقل؛ حيث صورت المشاهد محطة وقاعة سكك حديد ود مدني وقد أحالتها الحرب إلى بقايا مدمرة، كما عرض الفيلم حالة الفوضى التي عمت مطار الخرطوم وكيف أحال القتال بعضا من أجزائه إلى ركام.
وتتكون وزارة النقل، حسب مسؤوليها، من شركات ووحدات من بينها السكك الحديدية، وسودان لاين، وشركة النيل للنقل للنهري، وهيئة الموانئ البحرية، والخطوط الجوية السودانية، وكذلك النقل البري، والشركة السودانية للنقل النهري، وشركة وادي النيل للنقل البحري، وأخريات.
إعلانوقال وزير النقل أبو بكر أبو القاسم إن التقديرات الأولية لخسائر قطاع النقل تُقدر بحوالي مليارين و700 مليون دولار جراء الحرب الحالية، وإنهم يعملون الآن على إعادة التقييم للخروج بإجمالي الخسائر التي تعرض لها القطاع في السودان.
وتم تقدير خسائر طيران (تاركو) وحدها بنحو 100 مليون دولار، كما أشار وزير الثقافة والإعلام والناطق الرسمي باسم الحكومة السودانية خالد الإعيسر الذي قال إن "مليشيا الدعم السريع دمرت 6 طائرات بوينغ تملكها تاركو، ومبنى مكونا من 3 طوابق خاصا بتموين الطائرات التي تتبع لهذه الشركة".
وأردف أنه تمت "سرقة كل أسطول سيارات شركة تاركو للطيران والتي تقدر بحوالي 80 سيارة، وأن المليشيا قامت بسرقة مخازن طائرات تتبع هذه الشركة بما يصل إلى 15 مليون دولار".
وردا على سؤال الجزيرة نت حول إجمالي خسائر مطار الخرطوم الدولي، وصفها وزير النقل أبو بكر أبو القاسم بـ"المهولة"، وأشار إلى أنها تتمثل في تدمير البنى التحتية للمطار وطائرات تتبع لشركات طيران مختلفة، ومستودعات للوقود.
فيما أوضح مدير شركة "سودانير"، مازن العوض، أن الشركة خسرت كل ممتلكاتها في العاصمة الخرطوم جراء الحرب، وأنهم يملكون الآن طائرة واحدة ولكنهم يخططون لإضافة عدد منها إلى الخطوط الجوية السودانية.
وتتمثل أولوية الحكومة السودانية ووزارة النقل الآن في إعادة اللاجئين السودانيين في الخارج إلى البلاد عن طريق التنسيق بين غرف النقل البري والوزارة لتيسير العودة الطوعية للمواطنين الراغبين في العودة.
وأفادت مصادر خاصة للجزيرة نت بأنه خلال اليومين الماضيين شهدت المعابر المصرية عودة مواطنين سودانيين على متن 20 حافلة، بما يقدر بحوالي ألف لاجئ سوداني.
وأوضح وزير النقل أن الوزارة تعمل الآن على إعادة تأهيل بعض الطرق التي تأثرت بفعل الحرب خلال الفترة الماضية.
إعلانوأكد أن الصندوق الكويتي تكفل بتقديم 700 ألف دينار كويتي ( الدينار يساوي 3.25 دولارات) لغرض دراسة الربط الحديدي بين السودان ومصر عبر سكة الحديد، وتقوم الوزارة حاليا بمحاولة إعادة خط السكة الحديد الذي يمر عبر بورتسودان، وهيا، وكسلا، وسنار بعد أن أُزيل تماما، وأنهم بدؤوا بمحاولة إعادة الخطوط البحرية السودانية (سودان لاين) من جديد.
من جهته، يرى الكاتب الصحفي والمحلل السياسي الطاهر إدريس أن جهود وزارة النقل يجب أن تتجه مستقبلا نحو إعادة الإعمار كخطة أولى، "وذلك لما تعرض له قطاع النقل في السودان من تدمير ممنهج كبقية المجالات التي تأثرت بالحرب الحالية، يليها الاهتمام بالخطوط البحرية والجوية، ثم تكتمل عمليات إعادة التأهيل لكل القطاع".
وقال إدريس للجزيرة نت إن تأهيل قطاع النقل "يلقي بعبء كبير على الحكومة السودانية ويجب أن يمثل الأولوية لأهميته في حياة الناس وفي التنمية بالقطاعات الأخرى".
ويرى أن الحكومة يمكن أن تستفيد من البنك الأفريقي للتنمية والبنك الإسلامي للتنمية وبعض الدول مثل الصين روسيا للإسهام في هذه العملية.
ووفقا لإدريس، يجب أن تركز جهود الحكومة خلال الفترة المقبلة على هذا القطاع، وتحديدا النقل الجوي والبري والبحري، "لأن عملية البناء التي يجب أن تنخرط فيها البلاد لا تأتي أدواتها إلا عن طريقه".