فرصة تاريخية أمام أمريكا في الشرق الأوسط
تاريخ النشر: 9th, March 2025 GMT
ترجمة - نهى مصطفى -
لطالما شكل الشرق الأوسط مقبرةً للطموحات الدبلوماسية الأمريكية، إذ يغادر الرؤساء المتعاقبون السلطة تاركين المنطقة في وضع أكثر تعقيدًا مما سبق.
سعى بيل كلينتون لتحقيق اختراق في عملية السلام، لكن جهوده انتهت باندلاع الانتفاضة الثانية. أطاح جورج دبليو بوش بصدام حسين، فتحول مشروعه إلى مستنقع عزز نفوذ إيران.
يجد ترامب نفسه اليوم أمام فرص حقيقية في الشرق الأوسط، قد تمنحه نفوذًا، لكنه في المقابل قد يفاقم أزمات المنطقة، كما بدأ بالفعل عبر خفض المساعدات ودعوته لإخلاء غزة. خلال ولايته، سيعتمد مصير الشرق الأوسط إلى حد كبير على قراراته، بين اغتنام الفرص أو تبديدها باندفاعه.
ترِكة ترامب الأولى تتعلق بإيران، التي كانت لعقود في صميم أزمات الشرق الأوسط. اليوم، تبدو طهران أضعف من أي وقت منذ ثورة 1979، مع محاصرة حماس وحزب الله عسكريًّا، وفشل صواريخها الباليستية في مواجهة الدفاعات الإسرائيلية، وفقدانها السيطرة الفعلية على سوريا، التي باتت تحت تحالف مناهض لها. في حين يعاني اقتصادها من سوء الإدارة والعقوبات وتراجع أسعار النفط.
في ظل هذه الأوضاع، بدأ القادة الإيرانيون يلمحون إلى انفتاح على اتفاق نووي جديد، إذ تبدو البدائل أكثر سوءًا. انتُخب الرئيس مسعود بيزشكيان عام 2024 ببرنامج يركز على تحسين الاقتصاد، وهو هدف لا يمكن تحقيقه دون اتفاق مع واشنطن وتخفيف العقوبات. أما المرشد الأعلى علي خامنئي، فرغم تشدده، يدرك تراجع قدرة إيران على الردع، في مقابل استعداد أمريكي-إسرائيلي متزايد للضربات الهجومية، خاصة في ظل حكومة نتنياهو وترامب غير المتوقعة.
أبدى ترامب اهتمامًا بالاتفاق، وقد يدفعه المشهد الاستراتيجي الجديد للحصول على تنازلات إيرانية غير متوقعة، تشمل قيودًا مشددة على التخصيب النووي، وضوابط دائمة، وحدودًا على الصواريخ الباليستية والتدخل الإقليمي.
رغم ذلك، تبقى حدود للتنازلات الإيرانية، وقد يتجاوز ترامب السقف المطلوب. لكن إبرام اتفاق يمنع إيران من امتلاك سلاح نووي ويحدّ من نفوذها الإقليمي يبدو أكثر واقعية من أي وقت مضى. وإذا نجح ترامب في هذا، فسيتمكن من التباهي بـ«صفقة أفضل» من اتفاق أوباما، وبيعها للكونجرس.
الفرصة الثانية المتاحة لترامب في المنطقة هي إنهاء حرب غزة، التي تُعد أكبر انتكاسة للسلام والاستقرار منذ حرب العراق، وبدء عملية تحقيق الاستقرار في «اليوم التالي». فمنذ هجوم حماس في 7 أكتوبر 2023، وردّ إسرائيل العنيف، غرقت غزة في مأساة غير مسبوقة. لكن وقف إطلاق النار واتفاق الرهائن، الذي تم التوصل إليه في 15 يناير بعد محاولات فاشلة وبمساعدة فريق ترامب القادم، قد يوفر مسارًا لإنهاء الحرب. وبعد 15 شهرًا من الدمار، أوقفت إسرائيل العمليات الكبرى، وبدأت حماس بإطلاق سراح الرهائن، وبدأ سكان غزة بالعودة إلى ديارهم.
المرحلة الأولى من الاتفاق محدودة زمنيًّا، ولا ضمان لاستمراريتها. ويعتمد الانتقال إلى المرحلة الثانية على قرارات صعبة بشأن إطلاق سراح الجنود الإسرائيليين، والسجناء الفلسطينيين، ومصير حماس. كانت صور الرهائن الهزيلين الذين أُطلق سراحهم في 8 فبراير تذكيرًا لإسرائيل بضرورة التوصل لاتفاق جديد قبل وقوع المزيد من الوفيات. وفي المقابل، تدرك حماس أن رفض الصفقة قد يكون مكلفًا، خاصة بعد تهديد ترامب بـ«الجحيم» وغياب أي دعم مرتقب من إيران أو حزب الله، مما دفعها أساسًا للموافقة على الاتفاق. إذا تمكن ترامب من تمديد الهدنة أو منع استئناف القتال، فسيكون أمامه فرصة لوضع أسس استقرار جزئي في غزة والضفة، وتمهيد الطريق لاتفاق «التطبيع» بين إسرائيل والسعودية، وتوسيع اتفاقيات أبراهام. غير أن هذا يتطلب إنهاء الحرب، إلى جانب التزام إسرائيلي بمسار يقود إلى دولة فلسطينية، وهو أمر مستبعد مع الحكومة الحالية، لكنه قد يصبح ممكنًا تحت ضغط ترامب، خاصة إذا رأى فيه فرصة للفوز بجائزة نوبل للسلام.
ورث ترامب أيضًا فرصًا في لبنان، حيث كانت آفاق البلاد قاتمة حتى قبل حرب غزة، لكنها ازدادت سوءًا مع اندلاع المواجهات بين إسرائيل وحزب الله، ما أسفر عن آلاف الضحايا ونزوح عشرات الآلاف من المدنيين. عانى لبنان لعقود، وتفاقمت أزمته منذ 2011 مع تدفق أكثر من مليون لاجئ سوري. غير أن إضعاف حزب الله منح البلاد أخيرًا فرصة للتحرر من النفوذ الإيراني وبناء دولة أكثر استقرارًا وسيادة.
جاءت هذه الفرصة نتيجة للخسائر الفادحة التي تكبدها حزب الله منذ أن أخطأ في الانخراط بالحرب مع إسرائيل عقب هجمات 7 أكتوبر. رغم دعوات بعض المسؤولين الإسرائيليين لعملية عسكرية كبرى ضد الحزب، تردد نتنياهو في البداية تحت ضغط إدارة بايدن لتجنب التصعيد الإقليمي. وبحلول أواخر 2024، صعّدت إسرائيل ضرباتها ضد حزب الله، مستهدفة قادته ومقاتليه عبر عمليات اغتيال دقيقة، بما في ذلك مقتل حسن نصر الله، إضافة إلى غارات جوية دمرت بنيته التحتية العسكرية. وفي نوفمبر 2024 وافق حزب الله على وقف إطلاق النار دون شرط إنهاء حرب غزة، وسحب قواته إلى شمال الليطاني، ما أتاح انتشار آلاف الجنود اللبنانيين في منطقة عازلة بالجنوب.
كما فتح الاتفاق الباب أمام تغييرات سياسية كبرى، حيث تم انتخاب قائد الجيش السابق جوزاف عون رئيسًا للجمهورية، والفقيه نواف سلام رئيسًا للوزراء، وكلاهما ملتزم بتحسين الحكم وتعزيز استقلال لبنان. لا يزال حزب الله مؤثرًا في السياسة اللبنانية، لكن نفوذه تراجع بشكل ملحوظ، لا سيما مع تزايد سخط اللبنانيين من قيادته. كما أن قدرة إيران على دعمه ضعفت بفقدانها لنفوذها في سوريا. في ظل هذه الظروف، قد تحصل الحكومة اللبنانية الجديدة على دعم سياسي واقتصادي وعسكري دولي، بما في ذلك من الولايات المتحدة. وإذا تمكن ترامب من تجاوز معارضته التقليدية للمساعدات الخارجية، فستكون لديه فرصة لتعزيز قدرات الحكومة والجيش اللبنانيين، ما قد يسهم في مزيد من تهميش حزب الله والحد من النفوذ الإيراني في لبنان.
وأخيرًا، تأتي الفرصة الأكثر إثارة للدهشة في سوريا، التي كانت واحدة من أكثر المناطق اضطرابًا في الشرق الأوسط على مدى الخمسة عشر عامًا الماضية. فبعد سنوات من محاولات عزل بشار الأسد أو الإطاحة به، بحلول عام 2020، كانت الولايات المتحدة وحلفاؤها قد تقبلوا إلى حد كبير واقع استمرار حكمه. لكن مع انشغال العالم بأزمة غزة، ومع إضعاف إيران وروسيا بسبب صراعاتهما مع إسرائيل وأوكرانيا، وجدت المعارضة السورية، بقيادة هيئة تحرير الشام، فرصة للتحرك. ولم يكن من قبيل المصادفة أن تشن الهيئة هجومها العسكري مباشرة بعد اتفاق وقف إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل، الذي منع الجماعة اللبنانية من التدخل لإنقاذ الأسد كما فعلت عام 2011 عندما كان نظامه على وشك الانهيار.
المفاجئ بنفس القدر أن هيئة تحرير الشام، التي لا تزال مصنفة كمنظمة إرهابية من قبل الولايات المتحدة، أعلنت التزامها بحقوق الإنسان واحترام الأقليات، ونأت بنفسها عن ماضيها المتشدد. فجأة، اختفى النظام السوري الذي كان حجر الزاوية لنفوذ إيران في الشرق الأوسط، وشريان الدعم لحزب الله، ومستضيفًا للقوات الروسية، ومصدرًا رئيسيًّا لتجارة المخدرات، ليحل محله احتمال قيام سوريا جديدة. ولا يزال على الرئيس الجديد، أحمد الشرع، إثبات التزامه بتحقيق تغيير حقيقي، لكن مجرد وصوله إلى الحكم كان أمرًا لا يمكن تصوره قبل أشهر فقط.
ورغم أن السياسة الأمريكية لن تكون العامل الحاسم في تحديد نجاح أو فشل الوضع في سوريا، فإن واشنطن قادرة على التأثير. فقد يقرر ترامب رفع تصنيف الهيئة كمنظمة إرهابية في مقابل التزامها بالحكم الرشيد والتعاون في مكافحة الإرهاب، بما في ذلك الإبقاء على وجود عسكري أمريكي متفق عليه في الشمال الشرقي لمنع عودة تنظيم داعش. كما قد يخفف العقوبات ويدعم الاقتصاد السوري إذا التزمت الحكومة الجديدة بإغلاق القواعد البحرية الروسية. وقد يساعد سوريا في إيجاد بدائل للحبوب والنفط لتعويض خسارة الإمدادات الروسية والإيرانية. إضافة إلى ذلك، قد يستخدم ترامب نفوذ واشنطن لدى تركيا والأكراد السوريين لتسهيل اتفاق سياسي بينهم وبين النظام الجديد في دمشق.
لا تزال التحديات والمخاطر في الشرق الأوسط هائلة، بدءًا من الحكومات الضعيفة والصراعات العرقية والطائفية، وصولًا إلى التداعيات المستمرة لحرب غزة. لكن سيكون من الخطأ تجاهل الفرص التي خلقها المشهد الاستراتيجي الجديد، والتي بدت قبل عام أو حتى بضعة أشهر فقط بعيدة المنال. ولا شك أن ترامب سيرغب في تحقيق نجاح حيث فشل غيره من الرؤساء الأمريكيين، وهو ما يجعل أي شخص مهتم بالمنطقة يأمل في أن يتمكن من اغتنام هذه الفرصة.
فيليب جوردون دبلوماسي أمريكي وباحث في العلاقات الدولية.
نشر المقال في Foreign Affairs
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: فی الشرق الأوسط حزب الله حرب غزة اتفاق ا
إقرأ أيضاً:
هل تغيّر موقف إسرائيل من إيران بعد عودة ترامب؟
رأت صحيفة "يديعوت أحرونوت" أنه على مدى سنوات، عارضت إسرائيل الاتفاق النووي مع إيران، واستمرت في عرض انتهاكاتها للعالم، لكن مع عودة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي عرض إجراء محادثات مع طهران، يبدو أن تغييراً قد حدث.
وقالت يديعوت أحرونوت تحت عنوان "هل إيران والولايات المتحدة على الطريق نحو اتفاق نووي؟ موقف إسرائيل والخيارات المتبقية"، أنه بعد أشهر طويلة من التهديدات بإمكانية مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية، وسلسلة من التقارير التي تتحدث عن أن إسرائيل تدرس تنفيذ "هجمات كبيرة" في النصف الأول من عام 2025، يبدو أن دخول ترامب إلى البيت الأبيض هو الذي غيّر الخطط.
وأشارت الصحيفة إلى أن إسرائيل لم تعد تؤيد بالضرورة إمكانية القيام بعمل عسكري ضد إيران، وأنها بعد سنوات من معارضة الاتفاق، تفضل الدبلوماسية على القوة، وهي في الواقع أكثر دعماً لخيار عسكري موثوق به ضد إيران، ولكن إذا كان من الممكن التوصل إلى ترتيب جيد من شأنه أن يمنع طهران من الحصول على الأسلحة النووية، فإن إسرائيل، بعد سنوات من معارضة الاتفاق، سوف تفضل الدبلوماسية على القوة.
ولفتت يديعوت إلى إعلان ترامب بأنه بعث رسالة إلى المرشد الإيراني علي خامنئي، طلب فيها التفاوض بشأن اتفاق على البرنامج النووي الإيراني، قائلة إنها حصلت على معلومات تفيد بأن طهران، من جانبها، اتصلت بالولايات المتحدة عبر سويسرا لاستكشاف المحادثات الرامية إلى المضي قدماً في الاتفاق النووي مع إدارة ترامب.
قدرات عسكرية إيرانية جديدة تثير قلق إسرائيلhttps://t.co/Bv6F6zv48T pic.twitter.com/UuMa2wIQnZ
— 24.ae (@20fourMedia) March 6, 2025 الحوار غير مستبعدكما أشارت الصحيفة الإسرائيلية، إلى توقيع ترامب على تشديد العقوبات ضد إيران الشهر الماضي، بعد أن صرح مصدر إسرائيلي بأنه بعد الهجوم في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وضعت إسرائيل خططاً لشن هجوم مشترك مع الولايات المتحدة الأمريكية ضد المنشآت النووية، مستطردة: "الآن، لم يعد الحوار بين إيران والولايات المتحدة أمراً مستبعداً في إسرائيل، وهناك قدر كبير من التنسيق بين البلدين فيما يتعلق بطهران، وما يجب القيام به لمعالجة انتهاكاتها".
هل غيرت إسرائيل موقفها؟وأوضحت الصحيفة العبرية أن الخيارات المطروحة على الطاولة بالنسبة لإسرائيل قد تكون العقوبات، وإمكانية معقولة للعمل العسكري، بالإضافة إلى حقيقة أن ترامب مستعد للتحدث مع إيران والتوصل إلى اتفاق معها، وهو الاحتمال الذي ذكره حتى قبل الانتخابات الأخيرة، موضحة أنه خلال مايو (أيار) 2018، خلال ولايته السابقة، أعلن ترامب انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، بعد أن قدم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو "الأرشيف النووي"، وقال الرئيس الأمريكي آنذاك: "اليوم لدينا دليل قاطع على أن الوعد الإيراني كان كذبة".
وتقول يديعوت إنه على الرغم من انعدام الثقة العميق، الذي لا يزال قائما لأسباب واضحة، فإن إسرائيل لا تستبعد التوصل إلى اتفاق جديد، إذا حققت هدفها في منع إيران من الحصول على الأسلحة النووية، مشيرة إلى أنهم في إسرائيل لا يعتقدون أن الحل الوحيد هو قصف إيران، إلا أنهم مستعدون لهذه الإمكانية ويستكملون الإجراءات اللازمة لذلك.
وفي الوقت نفسه، تحتاج إسرائيل إلى زيادة التنسيق العسكري وإظهار القوة، مثل التدريب المشترك الذي أجرته هذا الأسبوع طائرات مقاتلة إسرائيلية مع قاذفة أمريكية.
وعلقت: "هذه الأحداث وقعت في الماضي، وهذه ليست المرة الأولى، ولكن الآن، عندما تحدث في عهد إدارة ترامب، فهناك رسالة هنا إلى إيران مفادها أن الدول منسقة فيما بينها وتريد تحقيق نفس الهدف، بغض النظر عن الأسلوب والطريقة، ويبدو أن إسرائيل غيرت موقفها، وأصبحت تفضل الطريق الدبلوماسي".
بزشكيان تحت المجهر.. أزمات إيران تتفاقم في عهد الرئيس الإصلاحيhttps://t.co/wlEH9S8p7A
— 24.ae (@20fourMedia) March 6, 2025 تهديدات ترامبوفي ظل المحاولات على المسار الدبلوماسي، أطلق الرئيس ترامب، من البيت الأبيض تهديداً جديداً تجاه إيران، وقال للصحافيين "الشيء التالي الذي ستتحدثون عنه هو إيران، ماذا سيحدث لها، هذا كل ما أستطيع أن أخبركم به، نحن في المراحل النهائية ضد إيران، سيكون الأمر مثيراً للاهتمام، نحن في اللحظات الأخيرة".
وأضاف ترامب مهددا: "على أي حال، سيكون الأمر كبيراً، إنها فترة مثيرة للاهتمام في تاريخ العالم، ولكن هناك موقف مع إيران حيث سيحدث شيء ما قريباً، قريباً جداً، ستتحدثون عنه قريباً، وآمل أن نتمكن من التوصل إلى اتفاق سلام، أنا لا أتحدث من موقع القوة أو الضعف، أنا فقط أقول إنني أفضل أن أرى اتفاق سلام بدلاً من الخيار الآخر، لكن الخيار الآخر من شأنه أن يحل المشكلة".