فتاوى يجيب عنها فضيلة الشيخ د. كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام لسلطنة عمان
تاريخ النشر: 9th, March 2025 GMT
لماذا استخدم القرآن الكريم كلمة «قلوبهم شتى» فـي قوله تعالى: «تحسبهم جميعًا وقلوبهم شتى»، ولم يقل:«عقولهم شتى»؟
لأن القلوب هي مكامن العداوات والتحاسد، والتنافر، والتباغض، فأراد الله سبحانه وتعالى أن يكشف لنا حقيقة هؤلاء اليهود، أنه وإن بدا لكم أنكم ترونهم جميعًا وتحسبونهم صفًا واحدًا، لكن الصحيح أن قلوبهم شتى، فبينهم من التحاسد والتباغض والتنافر والعداوات ما لا مزيد عليه، إلى حد أن توصف قلوبهم بهذا الوصف، أنها شتى، شتيت، متفرقة، لا تجتمع على أمر، أما ما يتعلق بالعقول، فقد تقدم الوصف بأنهم لا يعقلون، وتقدم الوصف أيضًا بأنهم لا يفقهون فـي السورة نفسها، فـي السياق القرآني نفسه.
فإذن، القلوب خصت بالذكر؛ لأنها مكامن لأسباب التباعد والتنافر والعداوة، وفـي المقابل، فإن الله تبارك وتعالى أيضًا وصف المؤمنين فقال: «وألّف بين قلوبهم لو أنفقت ما فـي الأرض جميعًا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم»، فلما ذكر ألفتهم؛ لأنها هي المحال، هذه القلوب هي المحال للتآلف، والتعاطف، والتراحم، والتآخي، كما أنها محال للعداوات والحزازات والشحناء والبغضاء، فلذلك خصت بالذكر، والله تعالى أعلم،
هل شرب ما نسميه اللبن عند الإفطار يدخل فـي السنة؟
أولًا، ما السنة فـي الإفطار من الصيام، الذي ورد أن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- كان يفطر على رطبات، فإن لم يجد فتمرات، فإن لم يجد حسا حسوة من ماء، هذا الذي كان عليه رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- لم يرد فـي ذكر إفطاره من الصيام -عليه الصلاة والسلام- ذكر اللبن، لا اللبن الذي يحلب، ولا اللبن الذي هو الفاخر، كما يقول الفـيروز آبادي، يعني إلقاء تسمية اللبن على ما نعرفه نحن اليوم بالحليب، الذي هو المحلوب مباشرة أو الذي يتخثر، اللبن الرائب، هذا الاستعمال موجود فـي اللغة أصلاً كـ«كله لبن»، فلم يرد أنه فـي إفطاره عليه الصلاة والسلام، كان يتناول اللبن، ولكنه كان يشرب اللبن فـي غير الإفطار.
والذي يؤخذ من الأدلة الشرعية أن يفطر على ما هو مباح، مناسب ملائم لصحته، دون تكلف، أيضًا ما ورد من أنه كان يفطر على ثلاث تمرات، أما حديث «مما لم تصبه النار»، هذا ضعيف، حتى لا يكثر السؤال مرة أخرى، أن الإفطار مما مسته النار، هذا الأثر الذي ورد فـي أنه كان يفطر على ثلاث تمرات أو شيء لم تصبه النار، أثر ضعيف لا تقوم به حجة، أيضًا العدد استطراد، أن نغتنم الثواني الباقية، ذكر العدد، وأنه كان يفطر يعني من صيامه على وتر.
لم يرد، وإنما كان فـي فطره من شهر الصيام قبل خروجه للصلاة يوم الفطر، فإنه كان يأكل تمرات، وكان يأكلها -صلى الله عليه وسلم- وترا، لكن فـي عموم ما ورد من أن الله وتر يحب الوتر، واستحباب الوتر، فذلك محمود، لكن لا على سبيل أيضًا التقريب، ولم تكمل، ولم يعن تأتي بوتر، لا، وإنما من أراد، فهو حسن، والله تعالى أعلم.
أدير محلًا لبيع مواد البناء، وفـي بعض الأحيان نتعامل مع مقاولين ونخصص لهم سعرًا أقل من غيرهم من الزبائن؛ لأنهم يشترون بصورة مستمرة، يطلبون فاتورة مختلفة ليقدموها لصاحب العمل، عادة ما تكون بسعر مختلف مرتفع عن القيمة الحقيقية، هل تصح هذه المعاملة؟
إن كانت هذه الفاتورة التي يصدرها البائع هي لإثبات ما اشتراه المشتري منه، والسعر الذي اشترى به، فإن زيادته فـي إثبات القيمة هو من التدليس، وهذا لا يصح شرعًا، أما إذا كانت هذه الفاتورة إنما هي لبيان سعر السلعة، دون النظر إلى الشراء والمشتري، فهذا مما يمكن أن يُتساهل فـيه.
لكن الصورة التي يذكرها السائل هي من النوع الأول، فالبائع هنا يبيع السلعة بسعر أقل؛ لأن المشتري ممن اعتاد أن يشتري منه، لكنه يريد أن يكتب قيمة أغلى فـي الفاتورة، كما يقول هو لتقديمها لمن طلب منه البناء، ففـي هذا تدليس وإيهام، ولا يصح الإعانة عليه، أما إذا كانت لغرض آخر، وبصورة غير إثبات الشراء وقيمته، وتحديدًا بالسلعة والمشتري، فحينئذ يُنظر فـيها بحسبها، والله تعالى أعلم.
أهل قرية قاموا ببناء مجلس عام على أرض قد أُوقفت لتعليم القرآن الكريم، ولم يُعوَّض الوقف بشيء، الآن السؤال: ما حكم هذا الفعل؟ هل اتفاقهم جميعًا يغير الحكم؟ وماذا عليهم أن يفعلوا لتدارك الخطأ؟
نعم، أخطأوا فـي هذا الفعل، فإن كان الأصل هو عدم جواز تغيير الوقف، فلا يصح أن يُبدل الوقف، ولا أن يُباع، ولا أن يُوهب، بل الواجب على القائمين عليه أن يجتهدوا فـي إجراء هذا الوقف على ما وُقف عليه، وتحقيق غبطته، وأن يبذلوا وُسعهم فـي ذلك، لكن إن لم يُحقق الوقف غايته، فتَعطَّلت منافعه، وعلى هذا ينقطع أجر الواقف الذي ابتغاه من إنشاء هذه الصدقة الجارية، فحينئذٍ يُنظر فـي المعاوضة إن لم يمكن تجديد هذا الوقف وإعماله بما يعود بالنفع على الموقوف عليهم، يمكن حينئذ فقط النظر فـي معاوضته، على أن تكون المعاوضة بأصلٍ يُجعل وقفًا لا يقل منفعة عن الوقف الأصلي، ويُستعمل فـي ذات الموقوف عليه فـي الوقف الأصلي المُبدل منه.
فإن لم يفعلوا ذلك، فإن عليهم الضمان مع التوبة، فلا يجوز أن يُحوَّل وقفٌ اتُّخذ وجُعل، إما بشرط الواقف، أو بتحديد من يصح أن يشترط فـي هذا الوقف، أو بمضي العمل عليه واشتهاره بأنه وقفٌ لأمرٍ ما، فلا يصح تغييره إلا بسبب معتبر شرعًا، فالواجب أن يُعوَّض الوقف القديم بوقف أو أصلٍ وقفـيٍّ جديد، ولا يجوز أن يُهمل ويتلاشى.
وقد ذُكر أنه حُوِّل إلى مجلس عام، فإذا كان هؤلاء يظنون بأن المجلس العام يقوم مقام الوقف الأصلي، فهذا غير صحيح، ما لم يكن الوقف الأصلي أريد به أن يكون مجلسًا عامًا، أما الظن بأن عموم المرافق الخيرية فـي المجتمع، التي يعود نفعها على الناس، بعضها يقوم مقام بعض فـيما يتعلق بالأوقاف، فهذا غير صحيح، لأن الأوقاف، ما لم يكن الموقوف عليه جهة عامة، فإن فعلهم هذا لا يدخل فـي الوقف العام من صنوف البر وأعمال الخير الواسعة العامة الشاملة. أما إذا كان محددًا كما هو فـي هذا السؤال، فلا يصح أن يؤول إلى التلاشي والفناء، بل لا بد من تعويضه بوقف جديد.
فإذا كان الوقف الأصلي لتعليم القرآن الكريم أو مدرسة للقرآن الكريم، فلا يجوز أن يكون ذلك على سبيل الاحتيال، بحيث يكون التعليم فـيه نادرًا أو قليلًا، وإنما يجب أن يكون الغرض الأساسي الذي يعوَّل عليه وينتفع به هو اتخاذه مكانًا لتعليم القرآن الكريم، وليس مجرد مجلس عام تُجرى فـيه المجالس العامة.
وفـي هذه الحالة، يجب أن يُردَّ إلى أصله ليكون مدرسة للقرآن الكريم شكلًا ومضمونًا، والله تعالى أعلم.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: القرآن الکریم کان یفطر یفطر على فـی هذا جمیع ا لا یصح
إقرأ أيضاً:
آية تقرأها قبل النوم يأتيك خيرها في الصباح.. يغفل عنها كثيرون فاغتنمها
لا عجب في وجود آية تقرأها قبل النوم يأتيك خيرها في الصباح فلا يزال هناك الكثير من الأسرار الخفية المتعلقة بالقرآن الكريم ، فهو معجزة كل زمان ، وهذا في شأنه جملة وتفصيلاً، فكل آية من آياته لها قصة وفضل ومن ثم فوجود آية تقرأها قبل النوم يأتيك خيرها في الصباح يعد من كنوز القرآن الكريم والمتمثلة في سوره وآياته، ومن ثم لا يمكن لعاقل أن يتجاهل مثل هذه الفرصة اليسيرة للفوز بالخير والمتمثلة في آية تقرأها قبل النوم يأتيك خيرها في الصباح والتي يتعدد فضلها وثوابها، فهي من أذكار النوم وأحد السُنن الواردة، ولعل حث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لنا على الحرص على آية تقرأها قبل النوم يأتيك خيرها في الصباح يشير إلى فضلها العظيم، الذي لا ينبغي تضييعه أو الاستهانة به وتفويته، فقد تحمل معها مفتاحًا لبوابات الخير والرزق والبركة.
ورد عن آية تقرأها قبل النوم يأتيك خيرها في الصباح هي آية الكرسي ، ولقراءتها بعد كل صلاة مكتوبة أجر عظيم، حيث إن الرسول -صلى الله عليه وسلم- كان يقرأ آية الكرسي بعد كل صلاةٍ؛ حيث قال -عليه الصلاة والسلام-: «مَن قرأَ آيةَ الكرسيِّ دبُرَ كلِّ صلاةٍ مَكْتوبةٍ، لم يمنَعهُ مِن دخولِ الجنَّةِ، إلَّا الموتُ»، أنها تحفظ القارئ لها من العين، والسحر، والمس؛ إذ إن الله- تعالى- جعلها حرزًا من الشيطان، والجن والسحرة، والمشعوذين، فمن قرأها في الصباح حفظه الله تعالى حتى المساء، ومن قرأها في المساء حفظه الله تعالى حتى الصباح، كما أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يقرأها عند النوم؛ ليدفع بها الشياطين.
وقال الإمام ابن كثير رحمه الله في تفسير آية الكرسي من سورة البقرة: هذه آية الكرسي ولها شأن عظيم قد صح الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأنها أفضل آية في كتاب الله .. عن أُبي هو ابن كعب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سأله أي آية في كتاب الله أعظم قال: الله ورسوله أعلم فرددها مرارا ثم قال: آية الكرسي».
ودلت السنة النبوية على فضل قراءة آية الكرسي ، فروى أبو أمامة الباهلي رضي الله عنه: عن رَسُول اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «مَنْ قَرَأَ آيَةَ الْكُرْسِيِّ دُبُرَ كُلِّ صَلاةٍ مَكْتُوبَةٍ لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ، إِلا الْمَوْتُ». أخرجه النسائي في السنن الكبرى، والطبراني في المعجم الكبير، وابن السني.
ويوضح الحديث أن المداومة على قراءة آية الكرسي بها يستحق الجنة والفاصل بينه وبينها هو الموت لأنه بالموت قد انقطع العمل واستحق الجزاء -الجنة-، وآية الكرسي هي قوله تعالى: «اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ۚ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ ۚ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ» سورة البقرة الآية 255، وسميت بهذا الاسم لذكر الكرسي فيها، ومن يقرأها في الليل أو النهار بأي عدد (أقلها ثلاث مرات) تشرح الصدور وتكشف الهموم والغم والكربات وتحفظ النفس والأولاد والمال.
فضل قراءة آية الكرسي قبل النومورد أن قراءتها قبل النوم تجعل الإنسان نائم سعيد وفرح لا يستيقظ فجأة دون سبب ولا يواجه مشاكل أثناء النوم مثل الأرق والتعب بالإضافة إلى المداومة عليها تعالج أحلام الكوابيس أو الجاثوم، ومن يقرأ آية الكرسي أكثر من مرة في اليوم يكون مؤمن بقضاء الله وقدره ولا يبالي مشاكل الحياة وصعوبتها بل يسلم وجهه لله. قراءة آية الكرسي تجعل الروح سليمة ومحصنة، فقراءتها يوميًا في الصباح والمساء تحصن النفس والروح فلا يؤذيها أحد ولا يصيبها مرض ما بإذن الله. آية الكرسي والمداومة عليها تجعل الإنسان نشط ومرح ولديه قوة بدنية وعقلية قوية وتهبه المزيد من القوة والنشاط والقدرة على تحمل الأعباء اليومية في الحياة.
كما أن قراءتها تدفع أذى وشر الإنسان لأخوه الإنسان بالإضافة إلى دفع شر أعمال شياطين الإنس والجن. يتسم قارئ آية الكرسي بشكل مستمر بالشجاعة والصبر وتحمل المصائب والبلاء. قراءة آية الكرسي ترفع البلاء والهموم وتفرج الكرب وتحل المشاكل. آية الكرسي علاج للمريض النفسي والبدني. بالإضافة إلى أن قراءتها طاعة لله عز وجل وتقرب من الله بل يبقى ذكر الله دائمًا وأبدًا على لسان المرء المسلم مما يجازي الله على هذه الطاعة بثواب كبير في الدنيا والآخرة.
وكذلك هي أعظم آية في القرآن ذِكر اسم الله الأعظم فيها، وقد دلّ على ذلك قول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (اسْمُ اللهِ الأعْظَمُ الذي إذا دُعِيَ بهِ أجابَ؛ في ثلاثِ سُوَرٍ من القُرآنِ: في (البَقرةِ)، و(آلِ عِمْرانَ)، و(طه))، لذا تُعدّ أعظم آية في القرآن الكريم، وقد دلّ على ذلك ما ثبت عن أُبي بن كعب -رضي الله عنه- قال: (يا أبا المُنْذِرِ، أتَدْرِي أيُّ آيَةٍ مِن كِتابِ اللهِ معكَ أعْظَمُ؟ قالَ: قُلتُ: اللَّهُ ورَسولُهُ أعْلَمُ، قالَ: يا أبا المُنْذِرِ أتَدْرِي أيُّ آيَةٍ مِن كِتابِ اللهِ معكَ أعْظَمُ؟ قالَ: قُلتُ: (اللَّهُ لا إلَهَ إلَّا هو الحَيُّ القَيُّومُ)[البقرة:255]، قالَ: فَضَرَبَ في صَدْرِي، وقالَ: واللَّهِ لِيَهْنِكَ العِلْمُ أبا المُنْذِرِ).
وورد أنها تبعد الشياطين الذي يقرأ آية الكرسي يُحصّنُ نفسه من الشيطان، وقد دلّ على ذلك ما حدث مع أبي هريرة -رضي الله عنه- عندما وكّله رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- على حفظ زكاة رمضان، حيث جاء إليه الشيطان على هيئة رجل محتاج يحثو من الطعام الذي وُكِّل عليه، فأراد أن يذهب به إلى رسول الله، فشكا إليه الرجل حاجته فتركه على أن لا يعود ثانية لكنّه عاد، فتركه على أن لا يعود ثالثة لكنّه عاد، فعزم أبو هريرة على أخذه لرسول الله حيث قال: (فأخذتُه (يعني في الثالثةِ) فقلتُ: لأَرفعنَّكَ إلى رسولِ اللهِ، و هذا آخرُ ثلاثِ مراتٍ تزعم أنك لا تعود، ثم تعود، قال: دَعْني أُعلِّمْك كلماتٍ ينفعك اللهُ بها قلتُ: ما هنَّ؟ قال: إذا أَوَيتَ إلى فراشِك، فاقرأ آيةَ الكرسيِّ : (اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) حتى تختم الآيةَ، فإنك لن يزال عليك من الله حافظٌ، ولا يقربُك شيطانٌ حتى تصبحَ فخلَّيتُ سبيلَه)، فذكر ذلك أبو هريرة لرسول الله فقال له -صلّى الله عليه وسلّم-: (أما إنه قد صدَقَك، وهو كذوبٌ، تعلم مَن تخاطبُ منذ ثلاثِ ليالٍ يا أبا هريرةَ؟ قلتُ: لا قال: ذاك الشيطانُ)، وتجدر الإشارة إلى أنّ آية الكرسي تُقرأ في الرقية الشرعية لعلاج المرضى.