حميد بن محمد بن رُزَيق بن بخيت العبيداني النخلي، ولد فـي مسقط سنة 1784م، وعرف نفسه بأنه سليل ابن رزيق، نشأ فـي كنف عائلة لها صلة وثيقة بالأسرة الحاكمة سواء اليعاربة أو البوسعيديين، فوالده وجده كانا محاسبين فـي فرضة مسقط، وفـي ذلك يقول: «وكان جدي قد خرج من بيته يريد فرضة مسقط، وكان هو يومئذ المتقدم عند الإمام سيف بن سلطان على كتابة الدفتر الحسابي، وبيده قلمه».
توفرت لابن رزيق البيئة المناسبة لطلب العلم، فهو مقرب من الأسرة البوسعيدية، وفـي مستوى معيشي يكفل له حياة كريمة تجعله ينصرف وبكل همة ونشاط لطلب العلم دون أن يشغل تفكيره طلب الرزق، فحفظ القرآن والحديث الشريف، واستوعب فؤاده الكثير من شعر العرب، وقرأ الكتب للشيخ حبيب بن سالم أمبوسعيدي؛ لأن الشيخ أعمى فكانت فرصة كبيرة لابن رزيق لأن يدرس على يديه ويطلع على العديد من المؤلفات ويتدارسها معه. ولابن رزيق علاقات بعلماء عصره كالشيخ جاعد بن خميس الخروصي وولده ناصر بن جاعد الخروصي، والشيخ معروف بن سالم الصايغي والشيخ ناصر بن حميد البداعي.
برز حميد بن رُزَيق كشاعر متميز، عبّر فـي قصائده عن هموم وطنه وأحوال عصره، وتغنى بالبطولات العمانية، ولا سيما تلك التي قادها الأئمة والسلاطين البوسعيديون ضد من لهم مطامع فـي عمان. تنوعت موضوعات شعره بين الفخر، والحكمة، والرثاء، والمدح، واحتوت قصائده على لغة عربية جزلة وصور بلاغية تعكس تمكنه من الأدب العربي الكلاسيكي.
كتب ابن رزيق عددًا من المؤلفات منها: ثمانية دواوين شعرية، ومن هذه الدواوين: ديوان «سبائك اللجين»، وهو ديوان شعري فـي مدح السيد سالم بن سلطان وابنه محمد. ونظم ابن رزيق ديوانا شعريا آخر فـي مدح السيد محمد بن سالم بعنوان «فصوص المرجان»، وله ديوان «فرقان الجمان فـي مدح العلامة ناصر بن أبي نبهان»، وديوان «نور الأعيان وضوء الأذهان فـي مدح محسن بن زهران العبري»، وديوان «سلك الفريد فـي مدح السيد ثويني بن سعيد» وقصيدة «الشعاع الشائع باللمعان فـي ذكر أئمة عمان». وله فـي فن المقامات كتاب عنونه بـ«علم الكرامات المنسوب إلى نسق المقامات»، يضم 60 مقامة. ومن الكتب التي كتبها ابن رزيق كتاب «الصحيفة القحطانية»، وكتاب «الصحيفة العدنانية»، وكتاب «سراج المسترشد الهادي إلى مناقب الإمام الممجد ناصر بن مرشد»، وكتاب «السيرة الجليلة المسماة سعد السعود البوسعيدية»، وكتاب «المؤتمن فـي ذكر مناقب نزار واليمن».
تُعد مؤلفات ابن رُزَيق مصدرًا أساسيًا للباحثين فـي تاريخ عُمان ومنطقة الخليج العربي فـي القرن التاسع عشر. فقد تميزت أعماله بدقة السرد، وحيادية الطرح، واعتماده على مصادر متعددة، بما فـي ذلك شهادات معاصريه ووثائق رسمية. كما لعبت قصائده دورًا فـي تعزيز الهُوية الوطنية وتوثيق الروح القومية العمانية فـي مواجهة التحديات الخارجية.
من أهم مؤلفات حميد بن محمد بن رزيق كتاب «الفتح المبين فـي ذكر السادة البوسعيديين»، ولقد كتب هذا الكتاب بطلب من السيد حمد بن سالم بن سلطان البوسعيدي، إدراكا من السيد حمد أن القلم هو من يخلد السيرة لأجيال طويلة. وأن تاريخ جده الإمام أحمد بن سعيد الحافل بالأعمال والمنجزات لن يحصل على التقدير، إلا إذا دُوِنت هذه الإنجازات فـي كتاب ليقرأه الناس ويتداولونه أجيالا كثيرة. ويقول ابن رزيق فـي ذلك: «فقد سألني ذو الدراية والاحتشام والأخلاق الرضية...، السيد حمد ابن مولانا سالم بن سلطان ابن الإمام أحمد بن سعيد البوسعيدي اليمني الأزدي، أن أشرح له ما سمعته وحفظته من أهل المعرفة والأنساب والأخبار المطبقة للصواب عن نسب الإمام الحميد أحمد بن سعيد، وما جرى فـي سيرته الجليلة، ومملكته العلية، وعن السبب الذي استأصل به من اليعاربة السلطان، وصار بيده ما كان بيدهم من زمام الزمام بعمان، وأن أبين له فراغي من ذكر نسبه وسيرته وحدود مملكته بلا إبهام، سيرة أولاده النجباء الكرام، وما جرى لهم من الشأن الشائع بعمان مع الأعيان».
رتب ابن رزيق كتابه على أربعة أبواب، جعل فـي كل باب عدة فصول، الباب الأول تناول فـيه سلسلة البيت البوسعيدي، وذكر فرسانهم وشعراءهم، ثم يذكر فـي هذا الباب عددًا من الأخبار القديمة كقصة أصحاب الأخدود، وخروج الحبشة إلى مكة لهدم الكعبة المشرفة، وخروج ابن ذي يزن إلى كسرى، ثم يتناول عصر النبي -صلى الله عليه وسلم- وصحابته من الأزد والصحابيات الأزديات، ويختم هذا الباب بمجموعة من مشاهير العلماء العمانيين. والباب الثاني حول تاريخ أئمة عمان مبتدئًا بالإمام الجلندى بن مسعود وصولا إلى الإمام أحمد بن سعيد، ويكتب فـي هذا الباب عن تاريخ عمان فـي عهد الدولة الأموية ويسترسل فـي سيرة عمر بن عبدالعزيز العطرة، بعدها يستعرض أئمة عمان وأهم إنجازاتهم فـي خدمة وطنهم والدفاع عنه.
يمثل حميد بن محمد بن رُزَيق بن بخيت النخلي رمزًا من رموز الثقافة العمانية، جمع بين براعة الشاعر ودقة المؤرخ، فاستحق مكانته الرفـيعة فـي سجل الأدباء والمؤرخين العمانيين. لقد وثّق بعين الشاعر وأمانة المؤرخ حقبة مفصلية من تاريخ بلاده، فجعل من إرثه جسرًا بين الماضي والحاضر للأجيال اللاحقة.
توفـي حميد بن محمد بن رُزَيق النخلي عام 1874م بعد حياة حافلة بالعطاء الأدبي والتاريخي. وقد بقيت مؤلفاته، خاصة كتابه «الفتح المبين فـي سيرة السادة البوسعيديين»، مرجعًا مهمًا للمهتمين بتاريخ عُمان والخليج العربي، ولا تزال أعماله تُدرّس وتُحلل فـي الأوساط الأكاديمية إلى اليوم .
بدرية الشعيبية تربوية وباحثة في الشأن التاريخي
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: حمید بن محمد بن ر بن سلطان فـی مدح ناصر بن بن سالم فـی ذلک
إقرأ أيضاً:
الإمام الأكبر يهنئ مستشار رئيس جامعة الأزهر للابتكار وريادة الأعمال.. اعرف السبب
قدم فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، التهنئة إلى الدكتور محمد جلال، مستشار رئيس الجامعة للابتكار وريادة الأعمال عميد كلية الهندسة بقنا؛ بصدور قرار رئيس الجمهورية باختياره عضوًا بالمجلس الوطني للتعليم والبحث والابتكار التابع لرئاسة الجمهورية.
جاء ذلك بحضور الدكتور سلامة جمعة داود، رئيس الجامعة، والدكتور محمود صديق، نائب رئيس الجامعة للدراسات العليا والبحوث.
جدير بالذكر أن اختيار مستشار رئيس جامعة الأزهر عضوًا بالمجلس الوطني للتعليم والبحث والابتكار؛ يعزز مكانة جامعة الأزهر، ويؤكد أن جامعة الأزهر زاخرة بالكفاءات المتميزة في جميع المجالات العلمية.
ويهدف المجلس الوطني للتعليم والبحث والابتكار إلى وضع السياسات العليا للدولة في مجال التعليم بجميع أنواعه وجميع مراحله، وتحقيق التكامل بينها، والإشراف على تنفيذها؛ بهدف النهوض بالتعليم وتطوير مخرجاته بما يتوافق مع الأهداف القومية للدولة ومتطلبات سوق العمل المحلى والدولي، كما يهدف إلى وضع السياسات العليا للدولة في مجال البحث والابتكار.