لجريدة عمان:
2025-03-09@22:16:39 GMT

رواية يوم القيامة!

تاريخ النشر: 9th, March 2025 GMT

رواية يوم القيامة!

يظن المرء وهو يقرأ الكتب القديمة ذاتها، ويرى تأثيرها فـي الناس والثقافة والحياة؛ أنه لن يأتي كتاب بعدها يغير التاريخ، أو يكون نقطة فاصلة لا يمكن تجاوزها فـي المعرفة المكتوبة. ورواية اليوم إحدى هذه الكتب التي أجمع الناس على أهميتها وبراعة مؤلفها الفذ فـي استشراف المستقبل، حتى ليكاد المرء يحسب أنه سافر عبر الزمن ثم عاد إلى زمنه لا لشيء، إلا ليكتب روايته هذه، ويصيح بأعلى صوته، رأيتُ المستقبل!.

ارتبط كائن آخر برؤية اليوم الآتي من الحياة، رغم أن الأيام التالية لظهور هذا الكائن ليست من الأيام المحببة على الإطلاق، فهو ينذر بالكوارث البيئية الآتية بُعيد رؤيته؛ وهي سمكة يوم القيامة.

تمثل رواية اليوم بديلا موازيا لسمكة يوم القيامة فـي الأدب العالمي كله، فمؤلفها جورج أورويل -كما ألبير كامو- ولد فـي مستعمرة بلده الأم بريطانيا، فـي الهند الاستعمارية آنذاك. وبدا أن حياة الضابط -والصحفـي والناقد السياسي فـيما بعد- تسير بوتيرة جيدة فـي سبيل التمتع بخيرات بلاد ليست بلاده، وثروات لا ناقة لبريطانيا لها فـيها ولا جمل سوى أنها القوة التي تتحكم برقاب الناس فـي تلك البقعة الجغرافـية من العالم التي كتب لها القدر أن تكون ضعيفة فـي تلك المرحلة المظلمة من التاريخ. تنقّل مؤلفنا فـي الوظائف، وكعادة أي إنسان حر؛ لا يستطيع المرء أن يعارض ما يختلج فـي نفسه ويسيرَ عكس النهر الكبير للروح. فلم يقدر أن يكمل حياة الانتفاع من أموال الاستعمار ومنافعه، فـي حين أن الشعب المُستَعمَر يرزح تحت نير الاحتلال والاستعمار المقيت، فـي وضع وحالة لا يمكن أن يوصف المستَعمِر والمُستَعمَر بنفس التوصيف وبغير تفريق بينهما فنقول بأن كليهما إنسان!.

أما وجه الشبه بين الرواية والسمكة المعروفة أيضا بـ«نذير الهلاك»، أن هذه السمكة مرتبطة فـي الوعي الجمعي لعدد من الشعوب بأنها النذير الأولي لحدوث كارثة طبيعية ليست ببعيدة، كالزلازل والبراكين والأعاصير وغيرها، وهي ما أضحت فـيما بعد خرافة عالمية يترقبها صائدو الكوارث الطبيعية، ويستدلون بها على المصيبة التي تطرق أبواب الدولة التي ظهرت فـيها هذه السمكة. كذلك رواية أورويل، فهو يخبرنا فـي عهد مبكر بالمآل الذي ستؤول إليه الأمور فـي الديكتاتوريات والأنظمة الشمولية التي لا يأمن أحد فـيها ابنه أو أخيه الذي سيقدمه قرابنا وعرفان ولاء للدكتاتور إن رأى فـيه ما يثير الريبة، أو شم فـيه ما يدل على نظام عقلي يحاول مكافحة الهدير الهادر لوسائل التضليل التي يتحكم بها الديكتاتور المعروف فـي الرواية باسم «الأخ الأكبر».

تحمل الرواية طابعا سياسيا تراجيديا، فأسماء الوزارات التي سماها أورويل بنقيض تأثيرها أو عملها، فوزارة الحقيقة هي البديل لوزارة الإعلام التي يبث منها الديكتاتور دعايته المضللة، ووزارة السلام هي المختصة بشؤون الحرب، ووزارة الحب هدفها التجسس والتعذيب والترويع والترهيب، ووزارة الوفرة هي وزارة الاقتصاد الذي يجب أن يعيش فـيه الجميع بالحد الأدنى الذي يضمن بقاء أجسادهم حية قادرة على العمل والكدح فـي سبيل «الأخ الأكبر». لن يستطيع المرء وهو يقرأ هذه الرواية ألا يسقطها على بعض الطغاة الذين جرفتهم أمواج الحياة، وبعضهم الذي نراه عيانا اليوم. بل لن يستطيع أن يقرأها -والحال هذه- بمعزل عن حرب الإبادة الجماعية التي يرتكبها الاحتلال بحق شعب أعزل. فالعبارة التي صارت علامة وأيقونة مرتبطة بالرواية «الأخر الأكبر يراقبك»، نجد نموذجها التطبيقي فـي القدس المحتلة وفـي الضفة كذلك. فقبل سنوات -وفـي عام 2018 تحديدًا- أعلنت منظومة الاحتلال تنفـيذها مشروع «عين القدس»، «الذي يتضمن تركيب 500 كاميرا مراقبة ذكية جديدة فـي أنحاء مختلفة بالمدينة المقدسة المحتلة» كما أوردت أسيل جندي فـي مقالتها فـي موقع شبكة الجزيرة الإعلامية. من يقرأ رواية أوريل، سيصعق وهو يقرأ هذه القطعة من المصدر نفسه «وتختلف جودة وإمكانيات الكاميرات الذكية من جيل إلى جيل -حسب غوشة- ويمكن للحديثة منها أن تظهر ما كتب على قصاصة ورق يحملها شخص أثناء سيره، كما يمكنها التعرف على بصمة العين ورصد لوحات المركبات بالشوارع واختراق الزجاج الأسود الموجود على بعضها». فهي تتطابق مع ما ذكره أورويل فـي روايته عن الكاميرات التي تراقب كل شيء، حركة العين، الإيماءة، تشنجات الوجه، فضلا عن الكلام!.

من يقرأ الرواية سيلاحظ بأنها تخيّل عمّا سيكون عليه الحال لو أصبحت الدولة تحت قيادة الشر المطلق، ولكن المؤلف لم يكن يتوقع بأن روايته ستكون واقعًا معاشًا لشعب من الشعوب فـي يوم ما. يحسب له أنه رأى مآل الأمور فـي فترة لم يبلغ التقدم التكنولوجي فـيها عُشر معشار ما عليه الأمور اليوم. يعلو صوت المفكر فـي الرواية كثيرا، وتظهر بين الصفحات العبقرية السياسية والنقدية لأورويل. فهو يتحدث عن دور الديكتاتورية فـي صنع الذاكرة الشعبية أو محوها وفق التحالفات والعداوات، يتحدث عن تغير المصالح وتبدلها، عن عذابات النفس والجسد، عن تغير العقائد فـي السِّلم والتعذيب، عن المتناهي واللامتناهي فـي الحياة والسياسة والعمل، عن الخيبة والانكسار واكتشاف الخديعة. إنها عمل خالد بامتياز، عمل يُشعرك بعظم المآسي فـي التاريخ البشري، عمل يخبرك عن النقيض، عما يحدث فـي الحياة اليوم وفـي الساحة السياسية والجغرافـية. إنه يخبرك عن البشاعة أيضا، ولن يستطيع المرء أن يقرأها بعد أحداث غزة الأخيرة، وبشاعة الاحتلال وجرائمه، كما كان يقرؤها من قبل. وكمثال على ذلك «..وإذا ما كانت كل السجلات تذكر نفس الحكاية، عندئذ ستدخل هذه الكذبة التاريخ لتصبح حقيقة واقعة... إن من يسيطر على الماضي يسيطر على المستقبل، ومن يسيطر على الحاضر يسيطر على الماضي».

صحيح أن رواية «1984» لجورج أورويل كتبها عام 1949م، لكن وبسبب هذا بالذات لو كان له أن يعود إلى الحياة ليوم واحد فحسب، فسيصيح بأعلى صوته «رأيتُ المستقبل!»، لكنه لن يكون سعيدا بالطبع، فما أسوأ أن يريد المرء تنبيه الناس من المصير المظلم؛ ثم يراهم يتساقطون فـيه كما لو كانوا يقادون دون بصيرة أو بصر. من الجدير بالذكر أن الرواية الشهيرة الأخرى لأورويل «مزرعة الحيوان»، ترجمها الروائي والأديب العماني محمد عيد العريمي فـي إحدى ترجماتها المميزة.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: یسیطر على

إقرأ أيضاً:

مفتي الجمهورية القرآن الكريم معجزة باقية إلى يوم القيامة وهو صالح لكل زمان ومكان

أكد الدكتور نظير عيَّاد -مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم- خلال حديثه ببرنامج "حديث المفتي" على قناتَي DMC والناس الفضائيتينِ، أنَّ سُنة الله اقتضتْ أن يُؤيَّد أنبياؤه ورسلُه بالآيات الظاهرة والمعجزات الباهرة، لتكون دليلًا على صدق دعوتهم وتثبيتًا للمؤمنين، وقد عرَّف العلماء المعجزة بأنها أمر خارق للعادة يُظهره الله على يدِ مدَّعي النبوة، بحيث يعجز المنكرون عن الإتيان بمثله، وهو ما يجعلها برهانًا قاطعًا على صدق الرسول.

وأوضح فضيلة المفتي أنَّ المعجزات قد تأتي على خلاف المعتاد، مثلما حدث مع نبي الله إبراهيم عليه السلام عندما أُلقي في النار، فجعلها الله بردًا وسلامًا عليه، وذلك لأن النار مخلوقة، وهي تجري بأمر الله، كما ورد في قوله تعالى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس: 82].

كما أشار فضيلته إلى تنوُّع المعجزات بين مادية، مثل انشقاق القمر ونبع الماء من بين أصابع النبي صلى الله عليه وسلم، وإحياء الموتى لعيسى عليه السلام، وتحوُّل عصا موسى إلى ثعبان، ومعنوية، مثل الإعجاز اللغوي والعلمي للقرآن الكريم.

وأكَّد فضيلته أن للمعجزة فوائد عديدة، أهمها أنها دليل على صدق الأنبياء، وتأييد لهم في مواجهة مُعارضيهم، كما أنها تَزيد إيمان الموحدين وتثبِّتهم، مستشهدًا بموقف سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه حين صدَّق النبيَّ صلى الله عليه وسلم في رحلة الإسراء والمعراج، قائلًا: "إني أصدقه في خبر السماء، فكيف لا أصدقه في خبر الأرض؟"!

ولفتَ فضيلة المفتي النظر إلى أن المعجزة تمثل تحديًا للمكذبين، كما حدث مع مسيلمة الكذاب الذي ادَّعى النبوة وعجز عن الإتيان بمعجزة مماثلة لمعجزات الأنبياء، ففضحه الله إلى يومنا هذا.

وبيَّن مفتي الجمهورية أن العلم الحديث قرَّب فهم المعجزات، إذ باتت بعض الظواهر التي بدت مستحيلة في الماضي قابلة للتصديق اليوم، مثل إمكانية الانتقال السريع عبر الطائرات والصواريخ، ما يجعل تصور حادثة الإسراء والمعراج أكثر وضوحًا للعقل البشري.

واختتم المفتي حديثه بالتأكيد على أن المعجزة الباقية إلى يوم القيامة هي القرآن الكريم، الذي تميز عن غيره من المعجزات بكونه مستمرًّا، غير مرتبط بزمن معين، بل يصلح لكل زمان ومكان، ويمثل الدعوة والداعي والمدعو في آنٍ واحد، مشيرًا إلى أن بعض العلماء حاولوا إنكار المعجزات، لكن العلم الحديث جاء ليؤكد حقيقتها بدلًا من نفيها.

مقالات مشابهة

  • صدر حديثًا.. "البوكر العربية وزمن الرواية" للكاتب شوقى عبد الحميد
  • مشاهد يوم القيامة في سورة الأعراف.. مصير المؤمنين والكافرين| فيديو
  • شخصيات إسلامية.. أبو هريرة أكثر الصحابة رواية للحديث
  • أبو اليزيد سلامة: القرآن شفيع للعبد يوم القيامة
  • مصدر لـبغداد اليوم يوضح الانفجار الغامض الذي وقع في منشأة عسكرية بطهران
  • مفتي الجمهورية القرآن الكريم معجزة باقية إلى يوم القيامة وهو صالح لكل زمان ومكان
  • “شِعب الجرار” إحدى المكونات الطبيعية التي تعزّز الحياة الفطرية والبيئية في جبل أحد بالمدينة المنورة
  • إطلاق الكبسولة / مقطع مسلسل من رواية قنابل الثقوب السوداء
  • الرواية السودانية- رحلة تطور وتنوع في الأدب العربي والأفريقي