إغلاق المعابر يفضح نوايا الاحتلال .. وسلاح التجويع مرة أخرى
تاريخ النشر: 9th, March 2025 GMT
في غزة، المدينة المحاصرة منذ سنوات، يعود الجوع ليطرق الأبواب من جديد، لكن هذه المرة أشد ضراوةً وأكثر قسوة. في الوقت الذي تصوم فيه العائلات شهر رمضان المبارك، لا يجد كثيرون ما يسد رمقهم على طعام الإفطار، بينما تُغلق في وجوههم الأبواب التي كانت تحمل إليهم القليل من الإغاثة. ليس القصف وحده ما يهدد أرواح الفلسطينيين، بل سياسة التجويع الممنهجة التي يتبعها الاحتلال بإحكام قبضته على المعابر، ومنع دخول المساعدات الغذائية والطبية، في ظل أزمة إنسانية غير مسبوقة.
ليس القصف وحده هو السلاح الفتاك، بل التجويع أيضًا، والتلاعب بأوتار الحياة الأساسية للناس. في غزة، حيث تتشابك الحياة والموت، لا يجد الناس أمامهم سوى الصبر وانتظار معجزة تأتي من رحم الظلم. الأزمات تتفاقم، والأسواق تئن من قلة البضائع وارتفاع الأسعار الجنوني، فيما يواصل الاحتلال فرض قبضته على عنق الاقتصاد الغزي، ليبقى الفلسطيني يدفع الثمن من لقمة عيشه ومن عمره المهدور تحت وطأة الحصار.
اليوم، وبعد أن رفضت إسرائيل الشروع في المرحلة الثانية من الاتفاق، وقررت إغلاق المعابر في وجه البضائع والمساعدات، تمامًا مثلما كانت تفعل في وقت إطلاق النار، تقف آلاف العائلات أمام مصير مجهول، بين أمل تلاشى بوصول المساعدات، وخشيةٍ من مجاعة تقترب شيئًا فشيئًا. لقد تجاوزت الأوضاع الإنسانية في غزة حدود التحذيرات الدولية، ليبقى السؤال الذي يلوح في الأفق: «إلى متى سيبقى الفلسطيني يدفع الثمن وحده؟»
غذاؤنا اختفى
علاء زكريا، مواطن من خان يونس، يتحدث بمرارة عن الواقع الذي يعيشه: «نحن تقريبًا جميع مناحي الحياة وقفت؛ بسبب إغلاق المعابر. كان عندنا دجاج، بيض، لحمة، كل شيء كان موجودًا، اليوم ما فيش. الأسواق فارغة، والأسعار باتت خارج حدود المعقول».
يتنهد علاء وهو يواصل حديثه عن المعاناة اليومية التي يواجهها، قائلاً: «الناس هنا تعيش على القليل، بعض العائلات بالكاد تجد ما تطعمه لأطفالها. اليوم ، رأيت جارة لي تبكي لأنها لم تجد حليبًا لطفلها الرضيع. كيف يُعقل أن يكون العالم متفرجًا ونحن نعيش مجاعة جديدة؟».
يردف بنبرة يملؤها الحزن والغضب خلال حديثه لـ«عُمان»: «إحنا في شهر رمضان، شهر الخير والبركة، لكنه جاء علينا هذه المرة قاسيًا. العائلات كانت تنتظر رمضان كي تعوض ما فات من فقر وجوع خلال الحرب، لكن بدلاً من ذلك، وجدنا أنفسنا في وضع أسوأ».
أولادي حُرموا من مائدة الإفطار
تشعر نور الهدى، 35 عامًا، من دير البلح، بمرارة المجاعة، التي عاشتها خلال حرب السابع من أكتوبر، مجددًا في حلقها، فبعد أن وصلت إلى السوق، لم تجد من السلع ما تطعم به أطفالها الخمس على الإفطار.
تقول لـ«عُمان»: «اللحوم، الأسماك، هذه فُقدت تمامًا، ونحن نشتهيها. نعاني الجوع طوال العام الماضي، عام الحرب، لم نكن نأكل سوى الخبز الجاف، حتى الخضروات لم تكن متاحة. كنا نعيش على الزعتر والزيتون».
تشكو نور ما خلفه إغلاق من ارتفاع في الأسعار بشكل مبالغ فيه، خلال الشهر الكريم: «كنت أمني نفسي بأن يأتي رمضان فأتمكن من إعداد مائدة تليق بأطفالي الذين لم يذوقوا طعم الفرح منذ زمن، لكن حتى ذلك لم يتحقق. لا خضروات، لا لحوم، ولا أي شيء. كل شيء خف وزنه وارتفع سعره بشكل جنوني».
انتكاسة جديدة للأوضاع الإنسانية
أمجد الشوا، رئيس شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية، أكد أن إغلاق المعابر يعني كارثة إنسانية حقيقية، قائلاً: «الأوضاع الإنسانية الكارثية تزداد سوءًا، سواء فيما يتعلق بالمساعدات التي يجب أن تدخل من المعابر، أو المواد الأساسية التي باتت شحيحة».
وأوضح أن إسرائيل لم تلتزم بإدخال العدد المتفق عليه من المساعدات «الخيام، والكرفانات، والسولار»، ثم فجأة قررت إغلاق معبر كرم أبو سالم في وجه البضائع، بما فيها من طعام وشراب ومستلزمات طبية.
وأشار لـ«عُمان» إلى أن المساعدات الإنسانية التي تدخل عبر معبر رفح غير كافية: «ما يدخل من المساعدات لا يكفي ليوم واحد».
يحذر الشوا من التداعيات الكارثية لهذا الإغلاق، مشددًا على أن القرار الإسرائيلي بإغلاق المعابر هو «انتكاسة جديدة للوضع الإنساني المتدهور في غزة، لا سيما في ظل الاحتياجات المتزايدة للسكان».
ارتفاع الأسعار 100 ضعف
في مؤتمر صحفي، قال المتحدث باسم الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، إن إغلاق إسرائيل للمعابر أدى إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية بأكثر من 100 ضعف. وأضاف: «يخبرنا شركاؤنا الإنسانيون أنه بعد إغلاق المعابر، ارتفعت أسعار الدقيق والخضروات بشكل غير مسبوق».
وأشار دوجاريك إلى أن هذه الإجراءات الإسرائيلية تزيد من تفاقم الأزمة الإنسانية في غزة، خاصة مع تهديدات الاحتلال بقطع المياه والكهرباء عن القطاع.
التجويع أداة ضغط سياسية
يرى المحلل السياسي الفلسطيني مصطفى إبراهيم أن الإغلاق الإسرائيلي للمعابر ليس سوى خطوة إضافية ضمن سياسة العقاب الجماعي التي تنتهجها إسرائيل ضد الفلسطينيين.
ويقول: «من الواضح أن قرار الإغلاق هو بمثابة تجديد للحصار وإحكام الخناق على غزة، بحجة أن حركة حماس تعرقل الاتفاق، في حين أن إسرائيل هي التي انتهكته مرارًا وتكرارًا».
ويضيف إبراهيم لـ«عُمان»: «نتنياهو يستخدم التجويع كأداة ضغط سياسي، متجاهلًا الأوضاع الكارثية التي يعيشها المدنيون في غزة. كلما اقترب الوضع من الانفجار، تلجأ إسرائيل إلى مزيد من التصعيد بدلًا من البحث عن حلول حقيقية، والهدف واضح إنهاء الوجود الغزي».
ويؤكد أن «المجتمع الدولي مطالب الآن أكثر من أي وقت مضى بالتدخل الفوري لإعادة فتح المعابر وإنهاء سياسة العقاب الجماعي، لأن استمرار هذا الوضع سيؤدي إلى كارثة إنسانية غير مسبوقة».
هل يتحرك الوسطاء لإنقاذ شريان حياة غزة؟
يُعد معبر كرم أبو سالم الشريان الحيوي لغزة، إذ تعتمد عليه القطاع لإدخال معظم احتياجاتها من الغذاء والوقود والمواد الطبية. ويمثل إغلاقه ضربة قاسية لاقتصاد القطاع، حيث ترتفع الأسعار بشكل فوري مع أي قرار بإغلاقه، مما يضاعف من معاناة السكان.
وعندما أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وقف دخول البضائع والمساعدات إلى غزة، كان ذلك بمثابة حكم بالإعدام على آلاف العائلات التي تعيش تحت خط الفقر.
في ظل هذه المعاناة المتفاقمة، يبقى السؤال المطروح: هل سينجح الوسطاء الدوليون في إعادة فتح المعابر وإنقاذ سكان غزة من الجوع، أم أن التجويع سيبقى السلاح المفضل بيد الاحتلال لتحقيق أهدافه السياسية؟
يبدو أن الفلسطينيين في غزة عالقون في معركة حياة أو موت، حيث يقاتلون يوميًا للبقاء على قيد الحياة وسط الحصار والقهر. فهل يتحرك العالم قبل فوات الأوان؟
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: إغلاق المعابر لـ ع مان فی غزة
إقرأ أيضاً:
الأمم المتحدة: الوضع الإنساني في غزة الأسوأ منذ بدء الحرب
حذر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) من أن الوضع الإنساني في غزة هو "الأسوأ على الأرجح" منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة، ومنع دخول المساعدات الانسانية الى القطاع.
وحذر المكتب الأممي من أن الوضع الإنساني في غزة بلغ أسوأ حالاته منذ اندلاع الحرب قبل 18 شهرا، مشيرا إلى أن مرور نحو شهر ونصف دون السماح بدخول أي إمدادات عبر المعابر يمثل أطول فترة توقف للإمداد حتى الآن.
وفي الثاني من مارس/ آذار الماضي، منع الاحتلال الإسرائيلي دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة، وأغلق جميع المعابر المؤدية إلى القطاع، حيث استأنف الإبادة ضد الشعب الفلسطيني في 18 من الشهر ذاته، بعد هدنة استمرّت شهرين.
وقال وزير الخارجية الإسرائيلي غدعون ساعر إن المساعدات أصبحت "المصدر الرئيسي لإيرادات حماس في غزة"، على حد قوله.
من جانبه، أشار مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إلى أنه بسبب إغلاق المعابر، إلى جانب القيود المفروضة داخل غزة، فإن نقص الإمدادات أجبر السلطات على ترشيد وتقليص عمليات التسليم.
من جهتها، دعت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس، إسرائيل إلى السماح بإعادة دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة.
إعلانوأعربت كالاس عن قلق التكتل الأوروبي إزاء الأوضاع المتدهورة في الضفة الغربية، مناشدة إسرائيل وقف توسيع المستوطنات.
وأضافت أن الاتحاد الأوروبي متضامن مع الشعب الفلسطيني في ظل الخسائر البشرية والدمار واسع النطاق في غزة، منددة بالحصار الكامل المفروض على المساعدات الإنسانية.
وارتفعت حصيلة العدوان الإسرائيلي إلى أكثر من 50 ألفا و983 شهيدا وإصابة 116 ألفا و274 آخرين، منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
وكثفت الاحتلال جرائم الإبادة بغزة عبر شن غارات عنيفة على نطاق واسع استهدف معظمها مدنيين بمنازل وخيام تؤوي نازحين، كما شرد أكثر من 400 ألف فلسطيني.
ومطلع مارس الماضي، انتهت المرحلة الأولى من اتفاق لوقف إطلاق النار وتبادل أسرى بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي بدأ سريانه في 19 يناير/ كانون الثاني 2025، بوساطة مصرية قطرية ودعم أميركي.
وبينما التزمت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) ببنود المرحلة الأولى، تنصل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، المطلوب للعدالة الدولية، من بدء مرحلته الثانية استجابة للمتطرفين في ائتلافه الحاكم، وفق إعلام إسرائيلي.