في غزة، المدينة المحاصرة منذ سنوات، يعود الجوع ليطرق الأبواب من جديد، لكن هذه المرة أشد ضراوةً وأكثر قسوة. في الوقت الذي تصوم فيه العائلات شهر رمضان المبارك، لا يجد كثيرون ما يسد رمقهم على طعام الإفطار، بينما تُغلق في وجوههم الأبواب التي كانت تحمل إليهم القليل من الإغاثة. ليس القصف وحده ما يهدد أرواح الفلسطينيين، بل سياسة التجويع الممنهجة التي يتبعها الاحتلال بإحكام قبضته على المعابر، ومنع دخول المساعدات الغذائية والطبية، في ظل أزمة إنسانية غير مسبوقة.

ليس القصف وحده هو السلاح الفتاك، بل التجويع أيضًا، والتلاعب بأوتار الحياة الأساسية للناس. في غزة، حيث تتشابك الحياة والموت، لا يجد الناس أمامهم سوى الصبر وانتظار معجزة تأتي من رحم الظلم. الأزمات تتفاقم، والأسواق تئن من قلة البضائع وارتفاع الأسعار الجنوني، فيما يواصل الاحتلال فرض قبضته على عنق الاقتصاد الغزي، ليبقى الفلسطيني يدفع الثمن من لقمة عيشه ومن عمره المهدور تحت وطأة الحصار.

اليوم، وبعد أن رفضت إسرائيل الشروع في المرحلة الثانية من الاتفاق، وقررت إغلاق المعابر في وجه البضائع والمساعدات، تمامًا مثلما كانت تفعل في وقت إطلاق النار، تقف آلاف العائلات أمام مصير مجهول، بين أمل تلاشى بوصول المساعدات، وخشيةٍ من مجاعة تقترب شيئًا فشيئًا. لقد تجاوزت الأوضاع الإنسانية في غزة حدود التحذيرات الدولية، ليبقى السؤال الذي يلوح في الأفق: «إلى متى سيبقى الفلسطيني يدفع الثمن وحده؟»

غذاؤنا اختفى

علاء زكريا، مواطن من خان يونس، يتحدث بمرارة عن الواقع الذي يعيشه: «نحن تقريبًا جميع مناحي الحياة وقفت؛ بسبب إغلاق المعابر. كان عندنا دجاج، بيض، لحمة، كل شيء كان موجودًا، اليوم ما فيش. الأسواق فارغة، والأسعار باتت خارج حدود المعقول».

يتنهد علاء وهو يواصل حديثه عن المعاناة اليومية التي يواجهها، قائلاً: «الناس هنا تعيش على القليل، بعض العائلات بالكاد تجد ما تطعمه لأطفالها. اليوم ، رأيت جارة لي تبكي لأنها لم تجد حليبًا لطفلها الرضيع. كيف يُعقل أن يكون العالم متفرجًا ونحن نعيش مجاعة جديدة؟».

يردف بنبرة يملؤها الحزن والغضب خلال حديثه لـ«عُمان»: «إحنا في شهر رمضان، شهر الخير والبركة، لكنه جاء علينا هذه المرة قاسيًا. العائلات كانت تنتظر رمضان كي تعوض ما فات من فقر وجوع خلال الحرب، لكن بدلاً من ذلك، وجدنا أنفسنا في وضع أسوأ».

أولادي حُرموا من مائدة الإفطار

تشعر نور الهدى، 35 عامًا، من دير البلح، بمرارة المجاعة، التي عاشتها خلال حرب السابع من أكتوبر، مجددًا في حلقها، فبعد أن وصلت إلى السوق، لم تجد من السلع ما تطعم به أطفالها الخمس على الإفطار.

تقول لـ«عُمان»: «اللحوم، الأسماك، هذه فُقدت تمامًا، ونحن نشتهيها. نعاني الجوع طوال العام الماضي، عام الحرب، لم نكن نأكل سوى الخبز الجاف، حتى الخضروات لم تكن متاحة. كنا نعيش على الزعتر والزيتون».

تشكو نور ما خلفه إغلاق من ارتفاع في الأسعار بشكل مبالغ فيه، خلال الشهر الكريم: «كنت أمني نفسي بأن يأتي رمضان فأتمكن من إعداد مائدة تليق بأطفالي الذين لم يذوقوا طعم الفرح منذ زمن، لكن حتى ذلك لم يتحقق. لا خضروات، لا لحوم، ولا أي شيء. كل شيء خف وزنه وارتفع سعره بشكل جنوني».

انتكاسة جديدة للأوضاع الإنسانية

أمجد الشوا، رئيس شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية، أكد أن إغلاق المعابر يعني كارثة إنسانية حقيقية، قائلاً: «الأوضاع الإنسانية الكارثية تزداد سوءًا، سواء فيما يتعلق بالمساعدات التي يجب أن تدخل من المعابر، أو المواد الأساسية التي باتت شحيحة».

وأوضح أن إسرائيل لم تلتزم بإدخال العدد المتفق عليه من المساعدات «الخيام، والكرفانات، والسولار»، ثم فجأة قررت إغلاق معبر كرم أبو سالم في وجه البضائع، بما فيها من طعام وشراب ومستلزمات طبية.

وأشار لـ«عُمان» إلى أن المساعدات الإنسانية التي تدخل عبر معبر رفح غير كافية: «ما يدخل من المساعدات لا يكفي ليوم واحد».

يحذر الشوا من التداعيات الكارثية لهذا الإغلاق، مشددًا على أن القرار الإسرائيلي بإغلاق المعابر هو «انتكاسة جديدة للوضع الإنساني المتدهور في غزة، لا سيما في ظل الاحتياجات المتزايدة للسكان».

ارتفاع الأسعار 100 ضعف

في مؤتمر صحفي، قال المتحدث باسم الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، إن إغلاق إسرائيل للمعابر أدى إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية بأكثر من 100 ضعف. وأضاف: «يخبرنا شركاؤنا الإنسانيون أنه بعد إغلاق المعابر، ارتفعت أسعار الدقيق والخضروات بشكل غير مسبوق».

وأشار دوجاريك إلى أن هذه الإجراءات الإسرائيلية تزيد من تفاقم الأزمة الإنسانية في غزة، خاصة مع تهديدات الاحتلال بقطع المياه والكهرباء عن القطاع.

التجويع أداة ضغط سياسية

يرى المحلل السياسي الفلسطيني مصطفى إبراهيم أن الإغلاق الإسرائيلي للمعابر ليس سوى خطوة إضافية ضمن سياسة العقاب الجماعي التي تنتهجها إسرائيل ضد الفلسطينيين.

ويقول: «من الواضح أن قرار الإغلاق هو بمثابة تجديد للحصار وإحكام الخناق على غزة، بحجة أن حركة حماس تعرقل الاتفاق، في حين أن إسرائيل هي التي انتهكته مرارًا وتكرارًا».

ويضيف إبراهيم لـ«عُمان»: «نتنياهو يستخدم التجويع كأداة ضغط سياسي، متجاهلًا الأوضاع الكارثية التي يعيشها المدنيون في غزة. كلما اقترب الوضع من الانفجار، تلجأ إسرائيل إلى مزيد من التصعيد بدلًا من البحث عن حلول حقيقية، والهدف واضح إنهاء الوجود الغزي».

ويؤكد أن «المجتمع الدولي مطالب الآن أكثر من أي وقت مضى بالتدخل الفوري لإعادة فتح المعابر وإنهاء سياسة العقاب الجماعي، لأن استمرار هذا الوضع سيؤدي إلى كارثة إنسانية غير مسبوقة».

هل يتحرك الوسطاء لإنقاذ شريان حياة غزة؟

يُعد معبر كرم أبو سالم الشريان الحيوي لغزة، إذ تعتمد عليه القطاع لإدخال معظم احتياجاتها من الغذاء والوقود والمواد الطبية. ويمثل إغلاقه ضربة قاسية لاقتصاد القطاع، حيث ترتفع الأسعار بشكل فوري مع أي قرار بإغلاقه، مما يضاعف من معاناة السكان.

وعندما أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وقف دخول البضائع والمساعدات إلى غزة، كان ذلك بمثابة حكم بالإعدام على آلاف العائلات التي تعيش تحت خط الفقر.

في ظل هذه المعاناة المتفاقمة، يبقى السؤال المطروح: هل سينجح الوسطاء الدوليون في إعادة فتح المعابر وإنقاذ سكان غزة من الجوع، أم أن التجويع سيبقى السلاح المفضل بيد الاحتلال لتحقيق أهدافه السياسية؟

يبدو أن الفلسطينيين في غزة عالقون في معركة حياة أو موت، حيث يقاتلون يوميًا للبقاء على قيد الحياة وسط الحصار والقهر. فهل يتحرك العالم قبل فوات الأوان؟

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: إغلاق المعابر لـ ع مان فی غزة

إقرأ أيضاً:

باستئناف استخدام سلاح التجويع.. العدو الإسرائيلي يستمرأ جريمة الإبادة الجماعية في غزة

يمانيون../
ارتباطًا بحرب التجويع المستمرة التي يمارسها العدو الإسرائيلي ضد سكان قطاع غزة، يمضي اليمن بفرض معادلة ردع وتوازن جديدة في حصار الكيان الغاصب، ولعل تأكيد قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي، أن اليمن ستعود لاستئناف عملياتها البحرية إذا لم يتم إدخال المساعدات إلى غزة خلال أربعة أيام يشير إلى ذلك.

في قلب المأساة التي تعصف بغزة، وجه السيد القائد، مساء الجمعة، في كلمة متلفزة، تحذيراً بأنه إذا لم يفتح الكيان الصهيوني المعابر، خلال أربعة أيام، ويسمح بدخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، فإن القوات المسلحة اليمنية ستستأنف عملياتها البحرية ضد كيان العدو.

وأضاف: “نعلن للعالم أجمع أننا سنعطي للوسطاء مهلة 4 أيام، ثم سنستأنف عملياتنا البحرية ضد العدو الإسرائيلي، إذا لم يُدخل المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، وسنقابل الحصار بالحصار”.

كما أكد أنه خلال تنفيذ الاتفاق الأخير في غزة، لم يف العدو الاسرائيلي بالتزاماته، خاصة في الجانب الإنساني، مشيرًا في هذا الصدد إلى التزام حركة حماس الكامل بالاتفاق، مؤكدا أن العدو الصهيوني خرق العهد ويمارس المماطلة في تنفيذ الالتزامات.

لا شك أن توعد قائد الثورة باستئناف العمليات العسكرية ضد العدو الصهيوني يبرهن على مدى صدق المواقف المبدئية اليمنية تجاه ما يتعرض له الشعب الفلسطيني المظلوم، ويمثل انتصارا حقيقيا للعدالة، وانحيازا لرفع المأساة ووضع حد للمعاناة في قطاع غزة، وهو موقف يمني عربي إسلامي أصيل.

لعل مجمل ما جاء في كلمة قائد الثورة، قد انطوى على رسائل عميقة وبالغة الأهمية، بأن اليمن لا زال يخفي الكثير من المفاجآت، بهدف إجبار العدو الصهيوني على وقف عدوانه على غزة ورفع الحصار عنه.

ومن جانب آخر، فإن هذه الرسائل هي توعد ينطلق من أن اليمن وقواته المسلحة على كامل الجاهزية وأهبة الاستعداد بانتظار انتهاء مهلة الأربعة أيام لتضغط الأصابع على الزناد، وتبدأ بتفكيك مسار الحصار الصهيوني على قطاع غزة.

النزوح والجوع

على الرغم من مضي 50 يوما على إعلان اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، إلا أن العدو الصهيوني لا يزال يضع العراقيل أمام أي فرصة لعودة الهدوء، ويواصل حصاره الخانق وسياسة التجويع، في جريمة إبادة جديدة تزيد من تفاقم الكارثة الإنسانية التي يعانيها 2,4 مليون إنسان داخل هذا الجزء من الأراضي الفلسطينية المحتلة.

فما بين النزوح والجوع تتواصل المأساة الإنسانية في قطاع غزة، مع استمرار منع الكيان الصّهيوني دخول المساعدات والبضائع إلى القطاع منذ أسبوع، وفي هذا السياق؛ حذرت مؤشراتها والبيانات والأصوات الدولية من أن سكان غزة باتوا على شفا مجاعة غير مسبوقة.

ومع اشتداد حلقات الحصار الصهيوني على قطاع غزة وتفاقم الأوضاع الإنسانية هناك، حذر خبراء أمميون مستقلون في مجال حقوق الإنسان، من أن الكيان الصّهيوني استأنف استخدام سلاح المجاعة في غزّة ضد الفلسطينيّين، بقراره خرق اتفاق وقف إطلاق النار ومنع دخول المساعدات الإنسانية.

وقال الخبراء، في بيان مشترك، نشعر بالفزع إزّاء قرار “العدو الاسرائيلي” بتعليق جميع السلع والإمدادات مرة أخرى، بما في ذلك المساعدات الإنسانية المنقذة للحياة التي تدخل قطاع غزّة، في أعقاب قرار “العدو الاسرائيلي” لإعادة فتح “أبواب الجحيم” على القطاع المحاصر.

وأضاف الخبراء، وبينهم مقررة الأمم المتحدة الخاصة للأراضي الفلسطينية، فرانشيسكا ألبانيزي، أن “العدو الاسرائيلي”، باعتبارها القوة المحتلة، تبقى دائمًا ملزمة بضمان توفير القدر الكافي من الغذاء والإمدادات الطبية وغيرها من خدمات الإغاثة.

ورأى الخبراء التابعون للأمم المتحدة، أنّه من خلال قطع الإمدادات الحيوية عمدا، بينها تلك المتعلقة بالأجهزة المساعدة للأشخاص ذوي الإعاقة، يستخدم “العدو الاسرائيلي” مرة أخرى المساعدات كسلاح.

جرائم ضد الانساني

وشدّدوا على أن هذا الأمر يشكّل “انتهاكات خطيرة للقانون الإنساني الدولي وحقوق الإنسان، فضلا عن جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وفقا لنظام روما الأساسي”.

وفي ظل هذا المشهد المأساوي، اتهمت منظمة “هيومن رايتس ووتش”، “إسرائيل” بمواصلة تجويعِ سكانِ غزة، في انتهاك للأوامرِ الملزمة الصادرةِ عن محكمةِ العدل الدولية.

ودعت المنظمة المجتمع الدولي إلى ممارسة ضغوط فورية على “العدو الاسرائيلي” لإنهاء حصارها غيرِ القانوني، واستعادةِ الخدمات الأساسيةِ، بما في ذلك الكهرباء والمياه، والسماح بدخولِ الغذاء والوقود والمساعداتِ الطبية.

وأشارت إلى أن “العدو الاسرائيلي” أوقف منذ الثاني من مارس جميع المساعداتِ إلى غزة، معتبرةً ذلك انتهاكًا صارخًا للقانونِ الإنساني الدولي.

يتجلى الاحتلال مدانا بارتكاب جرائم إبادة جماعية، ولعل استئناف حصاره لقطاع غزة واستخدامه التجويع كسلاح يؤكد استمراء المحتل الغاصب ارتكاب أبشع جرائم الإبادة، وذلك في تحد غير جديد وصارخ لكل القيم الإنسانية والمواثيق الدولية، وبالتالي فقد جاء القرار اليمني لينتصر لتلك المظلومية، ويقول كلمته وينجز مهمته وتوعد المحتل بالحصار مجددا.

مقالات مشابهة

  • باستئناف استخدام سلاح التجويع.. العدو الإسرائيلي يستمرأ جريمة الإبادة الجماعية في غزة
  • العربي للدراسات السياسية: إسرائيل تستخدم سلاح التجويع للضغط على المقاومة
  • بلدية رفح تحذّر من كارثة إنسانية وشيكة
  • حماس تشيد بمنح الحوثيين إسرائيل مهلة لإدخال المساعدات إلى غزة
  • مهلة 4 أيام.. ميليشيات الحوثي تهدد إسرائيل بسبب قطاع غزة
  • إغلاق المعابر لليوم السادس.. تحذيرات من كارثة إنسانية في غزة
  • الاحتلال يواصل إغلاق معبر كرم أبو سالم لليوم السادس على التوالي
  • شكل جديد لحرب الإبادة.. حماس تعلق علي إغلاق المعابر لليوم الـ 6 على التوالي
  • لليوم السادس .. الاحتلال يواصل إغلاق كرم أبو سالم ومنع دخول المساعدات إلى غزة