عواصم - الوكالات

نشرت فوكس نيوز مقالا عن الوضع الاقتصادي الأمريكي، ويبدو أن الأمريكيين قد يرتكبون المزيد من الهدر والاحتيال وسوء المعاملة في الحكومة الفيدرالية كل يوم، ومن المؤسف أن أمريكا تسير على مسار مالي غير مستدام والأرقام لا تكذب. فقد تجاوز الدين الوطني 36.5 تريليون دولار، دون أي علامات على التباطؤ.

والواقع أن كلا الحزبين متواطئان، ولكن الدفع المستمر من جانب اليسار نحو التوسع الحكومي والبرامج الاجتماعية والإنفاق المتهور هو الذي وضعنا على المسار نحو ديون حتمية تبلغ 40 تريليون دولار.

البنود المدرجة في الميزانية المالية والتي لا يذكرها أحد

برامج الرعاية الصحية

تبلغ قيمة الإنفاق السنوي لهذه البرامج مجتمعة نحو 1.67 تريليون دولار، وهو ما يمثل 24% من الميزانية الفيدرالية. ويوفر برنامج الرعاية الصحية لكبار السن التغطية الصحية، في حين يساعد برنامج الرعاية الصحية الأفراد من ذوي الدخل المنخفض. ويؤدي ارتفاع تكاليف الرعاية الصحية وارتفاع معدلات الشيخوخة إلى صعوبة الحد من الإنفاق في هذا المجال.

الضمان الاجتماعي

إن الضمان الاجتماعي يشكل 21% من الميزانية، حيث يبلغ الإنفاق السنوي نحو 1.5 تريليون دولار. وهو يقدم مزايا التقاعد والعجز للمواطنين المؤهلين. ونظراً لدوره كمصدر أساسي للدخل للعديد من المتقاعدين، فإن أي محاولات لتقليص المزايا تواجه مقاومة سياسية كبيرة.

صافي الفائدة على الدين

وهنا يكمن الجزء من المشكلة الذي يوضح لنا لماذا لا مفر من ديون بقيمة 40 تريليون دولار. ذلك أن مدفوعات الفائدة على الدين الوطني تبلغ 1.1 تريليون دولار سنويا، وهو ما يشكل 15.6% من الميزانية. ومع نمو الدين وارتفاع أسعار الفائدة، فإن مدفوعات الفائدة هذه تشبه الأسرة التي تعاني من ديون بطاقات الائتمان الجامحة على طريق مسدود وحيد الاتجاه نحو الإفلاس.

الإنفاق الدفاعي

تبلغ ميزانية الدفاع حوالي 884 مليار دولار، وهو ما يمثل 12.5% ​​من الإنفاق الفيدرالي. ويشمل هذا تمويل العمليات العسكرية، والأفراد، والمعدات، والبحوث. وتجعل المخاوف المتعلقة بالأمن القومي والديناميكيات الجيوسياسية تخفيضات الدفاع حساسة سياسياً.

وعندما تجمع كل هذه البنود الأربعة، فإنها تشكل ما يقرب من 73% من الميزانية المالية الإجمالية. ومن المؤكد أنه من المنطقي أن تهز الحكومة الفيدرالية رأساً على عقب كما لو كنت تبحث عن عملات معدنية في أريكة لأن هذه بداية لخفض الإنفاق الحكومي الإجمالي. ومع ذلك، فإن هذا لن يعوض عن الأموال التي ما زلنا في حاجة إليها لتشغيل هذه البرامج الثلاثة الرئيسية، ومع بقاء أسعار الفائدة مرتفعة، فإن ديوننا تغرقنا بشكل أعمق في حفرة.

إن خفض الإنفاق في هذه المجالات محفوف بالتحديات. فالرعاية الصحية والضمان الاجتماعي يشكلان أهمية حيوية لملايين الناس، وأي تخفيضات قد تخلف آثاراً اجتماعية واسعة النطاق. كما يرتبط الإنفاق الدفاعي ارتباطاً وثيقاً بالأمن القومي، الأمر الذي يجعل التخفيضات محل خلاف سياسي. كما أن سداد الفوائد إلزامي؛ ومع تصاعد الديون، تتزايد هذه المدفوعات، الأمر الذي يخلق حلقة مفرغة.

ماذا عن توليد المزيد من الإيرادات؟ وماهي أكبر 3 مصادر للإيرادات؟

من المتوقع أن تبلغ الإيرادات الفيدرالية حاليًا ما يزيد قليلاً عن 5 تريليون دولار، وعلى الرغم من الضجة حول الرسوم الجمركية والضرائب الأخرى، فإننا نحصل في الواقع على الإيرادات من ثلاثة مصادر:

ضرائب الدخل الفردي

تساهم هذه الضرائب بنحو 51.6% من إجمالي الإيرادات الفيدرالية. وعندما تسمع شعار "فرض الضرائب على الأغنياء"، مع الأخذ في الاعتبار أن ما يقرب من 50% من الأمريكيين لا يدفعون أي ضريبة دخل فيدرالية على الإطلاق، فمن الواضح أن الطريقة الرئيسية لزيادة الإيرادات هي حث الأشخاص الذين يكسبون الكثير من المال على دفع المزيد. إن زيادة معدلات ضريبة الدخل تشكل تحديًا سياسيًا وقد تثبط النمو الاقتصادي لأن أعلى مستويات الدخل يحصل عليها أولئك الذين يبدؤون الأعمال التجارية ويخلقون فرص العمل للأمريكيين.

ضرائب الرواتب

إن الضرائب على الرواتب، والتي تمثل نحو 33% من الإيرادات الفيدرالية، تمول برامج التأمين الاجتماعي مثل الضمان الاجتماعي والرعاية الطبية. وهذا يشمل إلى حد كبير 6.2% التي يدفعها المواطن مقابل الضمان الاجتماعي، و1.45% مقابل الرعاية الطبية، وضرائب البطالة. وقد تمت مناقشة مقترحات متعددة على مدى السنوات الخمس والعشرين الماضية حول كيفية إصلاح الدخل من هذه المصادر، بما في ذلك فرض ضريبة غير محدودة على دخلك مقابل الضمان الاجتماعي، وزيادة ضريبة الضمان الاجتماعي على مدى السنوات العشر المقبلة إلى 7.2%، وتمديد سن التقاعد الطبيعي لأولئك الذين ولدوا في عام 1980 وما بعده إلى سن السبعين.

ضرائب الدخل على الشركات

من المؤسف أن الناس يشكون من أن خفض الرئيس دونالد ترامب للضرائب على الشركات قد يلحق ضررا بالغا بالاقتصاد. والحقيقة أن الضرائب التي تفرضها الشركات لا تعادل سوى 9% من الإيرادات الفيدرالية. وحتى إذا عادت معدلات الضرائب على الشركات إلى 35%، فإن العائدات الضريبية المكتسبة من هذا التغيير قد تتضاءل مقارنة بجعل الولايات المتحدة أكثر تنافسية للشركات التي ترغب في التواجد في بلدنا.

إن توسيع الإيرادات من كل هذه المصادر أمر إشكالي. ذلك أن الضرائب الفردية المرتفعة قد تؤدي إلى تثبيط إنفاق المستهلكين ومدخراتهم. كما تفرض الضرائب المرتفعة على الرواتب عبئاً على كل من الموظفين وأصحاب العمل، مما قد يؤثر على معدلات التوظيف. كما أن زيادة الضرائب على الشركات قد تدفعها إلى نقل عملياتها إلى الخارج، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى تقليص القاعدة الضريبية المحلية.

حتى الآن، تقدر وزارة المالية أن التوفير سيتجاوز 100 مليار دولار. وسيأتي هذا التوفير من مبيعات الأصول، وإلغاء العقود وإعادة التفاوض عليها، وحذف المدفوعات غير اللائقة، وإلغاء المنح، وتوفير الفائدة، والتغييرات البرمجية، وخصومات القوى العاملة. ونحن لا نستهين بحقيقة أن 100 مليار دولار مهمة، لكنها بعيدة عن سد الفجوة في العجز المالي البالغ 2 تريليون دولار، والذي نعاني منه الآن، ونصف هذا العجز هو الفائدة الصافية على الدين.

إن أكثر ما يكرهه الأمريكيون هو سماع الأخبار السيئة، ولهذا السبب ننتخب رؤساء جدداً يتمتعون بنسب تأييد عالية إلى أن يسارعوا في إجراء التغييرات الصعبة. ولكن لا أحد يحب التغييرات الصعبة،، لذلك تنخفض نسب التأييد ويحاول الساسة التكيف مع التغييرات لكي يصبحوا أكثر تأييداً للشعب الأمريكي.

إن فرض الضرائب على الأثرياء لن يكون كافياً أبداً. وحتى لو صادرت الحكومة كل ثروات مليارديرات أمريكا، فإن هذا لن يحدث سوى أثر ضئيل في الدين الوطني. والحل الحقيقي الوحيد يتلخص في خفض الإنفاق وزيادة الضرائب في نفس الوقت، ولكن الإرادة السياسية في أي من الجانبين (الديمقراطي والجمهوري) لا تسمح بذلك. وأي محاولة لضبط الإنفاق المالي تقابل بمعارضة شرسة من جانب جماعات المصالح الخاصة والسياسيين، وغضب وسائل الإعلام، واتهامات بالقسوة من جانب أي من الجانبين.

وفي النهاية تسير الولايات المتحدة بسرعة نحو ديون بقيمة 40 تريليون دولار، وسوف تكون العواقب وخيمة. والتضخم والركود الاقتصادي وتراجع المكانة العالمية ليست سوى عدد قليل من المخاطر التي نواجهها إذا لم نتمكن من ترتيب بيتنا المالي.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

كلمات دلالية: الضمان الاجتماعی الرعایة الصحیة تریلیون دولار من المیزانیة الضرائب على على الشرکات

إقرأ أيضاً:

أزمة الصحة العالمية.. حين تتراجع أمريكا وتتردد الصين

ترجمة: نهى مصطفى -

يخشى منتقدو قرارات إدارة ترامب المبكرة بشأن الصحة العالمية، بما في ذلك الانسحاب من منظمة الصحة العالمية وتجميد برامج الصحة الدولية الممولة من الولايات المتحدة، أن تؤدي هذه الخطوات إلى تراجع الدور القيادي الأمريكي لصالح الصين. ويرون أن ذلك سيضعف النفوذ الأمريكي بينما يعزز مكانة بكين.

في ظل غياب دعم مستدام للمؤسسات الدولية والبرامج الصحية في الدول الأكثر فقرًا، سيؤدي هذا الانسحاب إلى فراغ يهدد الأمن الصحي العالمي. والخطر الأكبر ليس أن تحل الصين محل الولايات المتحدة في قيادة الصحة العالمية، بل أن يبقى هذا الدور شاغرًا تمامًا.

لكن الواقع أكثر خطورة. فالتراجع المستمر للولايات المتحدة في مجال الصحة العالمية يمنح الصين فرصة لاستغلال الانسحاب المفاجئ وغير المنظم للبرامج الأمريكية في بعض المناطق الاستراتيجية. وقد بدأت الصين بالفعل في تقديم تمويل بديل في جنوب شرق آسيا، وربما تفعل الأمر نفسه في أمريكا اللاتينية. ومع ذلك، في معظم المناطق التي تعتمد على المساعدات الأمريكية، وخاصة تلك الأكثر عرضة للأوبئة، لن تسد الصين هذا الفراغ. إذ تركز بكين مساعداتها على تعزيز نفوذها لدى شركائها الاستراتيجيين، دون رغبة في تحمل مسؤولية الدور الأمريكي في الوقاية من أخطر الأمراض ورصدها ومكافحتها.

على مدار 25 عامًا، ساهم التمويل الأمريكي، إلى جانب النفوذ الدبلوماسي والخبرة الفنية، في تحقيق تقدم كبير في مجال الصحة العالمية. إذ أطلقت الولايات المتحدة ومولت عددًا من المؤسسات والبرامج الدولية التي تستهدف أمراضًا تعجز الدول الفقيرة عن مكافحتها بمفردها، نظرًا للحاجة إلى حلول طبية تتطلب نطاقًا واسعًا وبنية تحتية لا يمكن توفيرها إلا من خلال تحالف دولي. ورغم أن دعم الولايات المتحدة للصحة العالمية يشكل نسبة ضئيلة من ميزانيتها الفيدرالية، إلا أنه يمثل جزءًا كبيرًا من تمويل الصحة الدولي. ففي عام 2023، بلغ الإنفاق الصحي العالمي للولايات المتحدة نحو 0.3% من ميزانيتها الفيدرالية (20.6 مليار دولار من أصل 6.1 تريليون دولار). ومع ذلك، كانت الولايات المتحدة مسؤولة عن ما يقرب من ثلاثة أرباع المساعدات الإنمائية الدولية لمكافحة فيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز، و40% من مساعدات مكافحة الملاريا، وأكثر من ثلث تمويل التصدي لمرض السل. وحتى هذا العام، كانت الولايات المتحدة أكبر ممول لمنظمة الصحة العالمية، وأكبر مزود للقاحات لمبادرة كوفاكس متعددة الأطراف، كما لعبت دورًا محوريًا في إنشاء «صندوق الأوبئة»، وهو أداة تابعة للبنك الدولي تستثمر في الدول منخفضة الدخل لمنع تفشي الأمراض المعدية.

توفّر المساعدات الأمريكية لقاحات وعلاجات منقذة للحياة لملايين الأشخاص في أفقر دول العالم، عبر برامج مثل منظمة الصحة العالمية، وتحالف «جافي»، والصندوق العالمي لمكافحة الإيدز والسل والملاريا. يعتمد 21 مليون مصاب بالإيدز على «بيبفار» للحصول على العلاج، بينما تساعد «جافي» في تحصين 70 مليون طفل سنويًا. تذهب معظم المساعدات الصحية الأمريكية إلى إفريقيا جنوب الصحراء، حيث ساهمت في خفض وفيات الإيدز بنسبة 50% منذ 2003، وتقليص وفيات السل والملاريا بمقدار الثلث. كما تعزز المساعدات الأمريكية قدرة العالم على التصدي للأوبئة، إذ ساهمت في تطوير أنظمة تتبع الأمراض في 90 دولة، ومولت مختبرات وأبحاثًا ساعدت في اكتشاف كوفيد-19 مبكرًا، ومنعت تفشي إيبولا في نيجيريا عام 2014. بالإضافة إلى ذلك، دعمت الأبحاث التي أدت إلى تطوير لقاح حمى الضنك.

مع انسحاب الولايات المتحدة من الصحة العالمية، بدأت الصين في استغلال الفراغ. في نيبال، طمأن المسؤولون الصينيون السياسيين المحليين بأن بكين «مستعدة للمساعدة». في كمبوديا، أعلنت عن برامج لصحة الأطفال والتغذية والصرف الصحي، وقدمت منحة بـ 4.4 مليون دولار لإزالة الألغام بعد ستة أسابيع من تجميد ترامب تمويل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية. في بنجلاديش، أشار مدير جمعية محلية إلى الحاجة لتنويع التمويل، معتبرًا الصين «صديقة جيدة».

ورغم خطابها الطموح، لم تُعطِ الصين الأولوية للبرامج متعددة الأطراف أو مكافحة الأمراض العابرة للحدود، ولها علاقة متوترة مع منظمة الصحة العالمية. خلال تفشي السارس 2002-2003، أخفت الصين معلومات عن المرض لعدة أشهر، ما أدى إلى انتشاره في 29 دولة ووفاة 800 شخص، ودفع منظمة الصحة العالمية إلى إصدار أول تحذير سفر في تاريخها.

ولتدارك الضرر الذي لحق بسمعتها، عززت الصين تعاونها مع منظمة الصحة العالمية بعد الأزمة. فانضمت إلى شبكة المختبرات الافتراضية التابعة للمنظمة، وساهمت في إعادة صياغة لوائحها الصحية الدولية، واستثمرت في أنظمة مراقبة الأمراض. وفي عام 2006، أصبحت مارجريت تشان، المديرة السابقة للصحة في هونج كونج، أول مواطنة صينية تتولى منصب المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، ما منح الصين نفوذًا غير مسبوق داخل المنظمة.

وقد أثمرت هذه العلاقات الوثيقة مكاسب سياسية واضحة للصين. فمنذ عام 2017، وتحت ضغوط صينية، استبعدت منظمة الصحة العالمية تايوان من حضور اجتماعات جمعية الصحة العالمية كمراقب. وفي العام نفسه، وقّعت المنظمة اتفاقية مع الصين لتنفيذ أجندة التنمية الصينية ومبادرة الحزام والطريق. أما في 2019، فقد أدرجت منظمة الصحة العالمية الطب الصيني التقليدي ضمن تصنيفها الدولي للأمراض، في خطوة أثارت جدلًا واسعًا في الأوساط العلمية والطبية.

عند تفشي فيروس كورونا في ووهان يناير 2020، امتنعت منظمة الصحة العالمية عن انتقاد استجابة بكين. بسبب ضغوط صينية مزعومة، تأخر إعلان الطوارئ الصحية أسبوعًا، فيما تباطأت الصين في الاعتراف بانتقال العدوى وتقديم عينات بيولوجية. رغم ذلك، أشاد مسؤول في المنظمة بـ«انفتاح» بكين.

داخل الصين، اكتسب المدير العام للمنظمة، تيدروس جيبريسوس، لقب «السكرتير تان»، لكن مواقفه أثارت استياء واشنطن. في أبريل 2020، علّق ترامب تمويل المنظمة ثم أعلن الانسحاب، متهمًا إياها بالتحيز للصين. استغلت بكين الموقف، متعهدةً بـ 30 مليون دولار إضافية. لاحقًا، وتحت ضغط أمريكي، أقرّ تيدروس بأن التحقيق في أصول كوفيد-19 لم يستبعد فرضية التسرب من مختبر، ما دفع الصين لرفض التعاون واتهامه بالتحيز لأمريكا. استمرت التوترات بين الصين ومنظمة الصحة العالمية بعد الجائحة. ففي 2023، رفضت بكين زيادة مساهماتها المالية بنسبة 20%، وزُعم أن تيدروس تجاهل مرشحها لمنصب مساعد المدير العام. كما أبدت فتورًا تجاه معاهدة جديدة حول الجائحة، حيث اكتفت بإرسال مسؤولين من رتب متدنية إلى المفاوضات.

ومع تعهد ترامب بالانسحاب من المنظمة مجددًا في يناير، لم تُبدِ الصين استعدادًا لملء الفراغ. ففي فبراير، أعلنت معارضتها لزيادة رسوم العضوية، رغم أنها ستصبح أكبر مساهم إلزامي حال انسحاب واشنطن. ومع ذلك، نظرًا لأن الرسوم الإلزامية لم تشكل سوى 12% من ميزانية المنظمة في 2023، فمن غير المرجح أن تغطي بكين الفجوة التي ستخلفها الولايات المتحدة. من غير المرجح أن تسد الصين الفجوة المالية في المؤسسات متعددة الأطراف، إذ تفضل النهج الثنائي. قبل الجائحة، أنفقت 600-800 مليون دولار سنويًا على المساعدات الصحية، لكن 10% فقط عبر القنوات الدولية.

ظلت مساهماتها في تحالف «جافي» متواضعة، إذ قدمت 25 مليون دولار فقط منذ 2016، مقارنةً بأكثر من ملياري دولار من الولايات المتحدة خلال خمس سنوات. كما لم تتجاوز مساهمتها في الصندوق العالمي 90 مليون دولار، مقابل 26 مليار دولار أمريكيًا. أما في صندوق الأمم المتحدة لمكافحة إيبولا، فقدمت 47 مليون دولار فقط (1% من الإجمالي العالمي)، بينما دفعت الولايات المتحدة 1.8 مليار دولار ( 49%).

رغم سعي الدول والمنظمات الدولية للحصول على دعم الصين لتعويض التمويل الأمريكي، فإن الاتجاهات تشير إلى أنها لن تحصل عليه. في 2023، تراجعت المساعدات الثنائية الصينية للصحة إلى أدنى مستوى منذ 2010، وتركزت أكثر على المصالح الوطنية. اتجهت بكين لدعم دول مبادرة الحزام والطريق، محولة مساعداتها من مكافحة الملاريا في إفريقيا إلى استثمارات بنية تحتية في جنوب شرق آسيا وأمريكا اللاتينية. ومع ذلك، لا تزال تدعم بعض المشروعات في إفريقيا، مثل مقر المراكز الأفريقية لمكافحة الأمراض في أديس أبابا وتقنيات مراقبة الأمراض.

في جائحة كوفيد-19، ركزت الصين تبرعاتها على الدول المجاورة، حيث تلقت جنوب شرق آسيا وجنوب آسيا والمحيط الهادئ 75% من جرعات اللقاح الصينية. كما حصلت دول مثل جيانا ونيكاراجوا على اللقاحات بعد تعزيز علاقاتهما مع بكين بشأن تايوان. في المقابل، وجهت إدارة بايدن لقاحاتها للمناطق ذات معدلات الوفيات الأعلى (أمريكا اللاتينية) أو الإمدادات الأضعف (إفريقيا جنوب الصحراء).

عندما تنتهي مراجعة إدارة ترامب للمساعدات الخارجية الأمريكية التي تستمر 90 يومًا في 19 من أبريل، من غير الواضح ما الذي سيبقى من النظام البيئي الصحي العالمي الذي بنته القيادة الأمريكية بشق الأنفس على مدى السنوات الخمس والعشرين الماضية. أولًا، مهما فعلت الولايات المتحدة تاليًا، فإن الاضطراب الذي بدأته سيستمر في الانتشار. انسحبت الأرجنتين، على غرار ترامب، من منظمة الصحة العالمية في وقت سابق من هذا الشهر، وأفادت التقارير أن المجر وروسيا ستقومان بالشيء نفسه. أعلنت المملكة المتحدة، أكبر مانح لتحالف جافي، مؤخرًا أنها ستخفض مساعداتها الإنمائية من 0.5% من الناتج المحلي الإجمالي إلى 0.3% بحلول عام 2027 من أجل زيادة الإنفاق الدفاعي ردًا على التزام الولايات المتحدة المتذبذب تجاه أوكرانيا. اقترحت حكومة الأقلية الفرنسية التي تعاني من ضائقة مالية خفض ميزانية مساعداتها بنسبة تصل إلى 40%. قد تجد الحكومة الألمانية المنتخبة مؤخرًا صعوبة في الحفاظ على التزام ألمانيا تجاه منظمة الصحة العالمية وسط تزايد الضغوط الاقتصادية وزيادة الإنفاق الدفاعي.

في ظلّ تراجع ثقة المستهلك، وأزمة عقارية طويلة الأمد، وحرب تجارية متصاعدة مع الولايات المتحدة، أشارت الصين إلى أنها ستُركز أموالها بشكل أقل على المساعدات الخارجية، وبشكل أكبر على تعزيز «التنمية عالية الجودة والأمن رفيع المستوى» في الداخل. ورغم أن مؤسسة جيتس تُعدّ مصدرًا محتملًا للتمويل الإضافي، إلا أنها تُفضّل تقليديًا المساهمات المُخصصة (مثل تلك المُخصصة لاستئصال شلل الأطفال) بدلًا من الدعم العام لعمليات منظمة الصحة العالمية. وتستكشف الحكومات المحلية سبل تحمّل المزيد من العبء، ولكن قد لا يكون ذلك مُمكنًا في كل مكان، لا سيما في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، حيث يُنفق البلدان، في المتوسط، 92 دولارًا أمريكيًا فقط للفرد على الصحة سنويًا.

في ظل تعطل المساعدات الأمريكية، قد تستغل الصين الفرصة لتعزيز نفوذها في جنوب شرق آسيا وأمريكا اللاتينية، لكن الخطر الأكبر هو أن الدعم الأمريكي للصحة العالمية لن يُستبدل. قد تستمر بعض البرامج مثل توزيع الناموسيات وعلاجات فيروس نقص المناعة، لكن تفكك برامج الأمن الصحي الأمريكي وأزمة التمويل في المؤسسات الصحية الدولية يهددان منظومة الوقاية والكشف والاستجابة للأمراض. يؤدي هذا إلى خلق فجوات تتيح انتشار الأمراض قبل وصولها إلى الولايات المتحدة، ما يمنح الأمريكيين شعورًا زائفًا بالأمان – حتى فوات الأوان.

توماس ج. بوليكي أول رئيس كرسي بلومبرج للصحة العالمية في مجلس العلاقات الخارجية CFR، يدير برنامج الصحة العالمية.

يانزونج هوانج زميل بارز في مجال الصحة العالمية في مجلس العلاقات الخارجية.

نشر المقال في Foreign Affairs

مقالات مشابهة

  • هل ستعزِّز الرسوم الجمركية الاستثمار الأجنبي في أمريكا؟
  • سعر الذهب يرتفع مع دخول رسوم ترامب حيّز التنفيذ
  • لأول مرة في تاريخها.. ميزانية “البنتاجون” تبلغ تريليون دولار 
  • أزمة الصحة العالمية.. حين تتراجع أمريكا وتتردد الصين
  • للمرة الأولى.. ميزانية البنتاغون تصل إلى «تريليون دولار»
  • لأول مرة.. ميزانية البنتاغون المقبلة تبلغ تريليون دولار
  • السوداني: (156) تريليون ديناراً حجم الإنفاق الحكومي في 2024
  • الذهب يحافظ على استقراره بفضل الطلب القوي من البنوك المركزية وتوقعات خفض الفائدة الأمريكية
  • بالأرقام.. الإنفاق العسكري للجيوش العربية في 2025
  • خالد حنفي: تريليون دولار استثمارات لتحويل المنطقة العربية إلى مركز لوجستي عالمي