إن الإنسان طالما يجنح إلى الصحبة المخلصة التي يضمن جانبها ويأمن بوائقها ويطمئن إلى كنفها ويستريح إلى مؤانستها، ولكن تلك المصاحبة قد تهدأ يوما وقد تنتابها العواصف أيامًا، ولا عجب فالدنيا في تقلب دائم وتقلبها كما يشمل من فيها من موجودات فإنه يشمل أيضا بني البشر.
ولهذا تتقلب الأمزجة وتختلف الأذواق والطباع من فرح إلى حزن والعكس، ومن حب إلى كراهية والعكس، ومن صحة إلى مرض والعكس، فمن الطبيعي أن يرى الناس السفن فوق الماء عائمة، فلا يعي لهم انتباها، ولا يعيرهم نظرًا، ولكن من سرعان ما يخطفهم الخطر ويقلقهم المنظر حينما يرون الماء فوق السفينة، ولكن هكذا حال الدنيا، تتقلب من فوق إلى تحت والعكس.
فكن ـ أخي الكريم ـ دائمًا فوق الدنيا وفي قلبها واجعلها تأتيك وهي راغمة راغية، ولا تجعلها فوقك أو تسكنها قلبك يوما، فهي متقلبة غير مستقرة على كل ما يسكنها، الأمر الذي يصيب الصداقات يوما أو يجور عليها، فقد تجد من يصاحبك من أخ أو زوجة أو صديق.. وغيرهم، مهما طالت مدة اصطحابهم تتقلب أحيانا بين الهدوء والاندماج إلى الاضطراب والافتراق، والعكس كذلك أحيانًا.
ولهذا أدعوك ـ أخي القارئ الكريم ـ أن تجعل من ربك لقبلك أنيسًا، ومن ذكره تعالى لك جليسًا، ومن قرآنه الحكيم لك حديثًا، ومن معيته سبحانه لك رقيبًا، ومن مراقبته وحفظه لك حافظًا ومعينًا، قال تعالى:(إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ وَّٱلَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ).
فمعية الله ـ إخواني الكرام ـ هي المخرج الوحيد من كل ضيق، وهي الملاذ لكل مستغيث، وهي المأوى لكل ساكن، وهي الأنس من كل وحشة، وهي اليسر لكل عسر، كيف لا؟ وقد أقسم الله تعالى مرتين في سورة الشرح فقال تعالى:(فإنّ مع العُسر يُسرًا، إنّ مع العسر يسرًا)، كما أن معية الله تعالى هي التفاؤل من كل شؤم، فبها يتفاءل المؤمن عندما تصعب عليه الأمور، وهي الهدوء لكل اضطراب، وهي الألفة لكل خصومة، والمحبة من كراهية، فهي الروح التي يستمد منها المؤمن نور قلبه، وصالح عمله، وحسن سعيه، وعظيم أجره، وزيادة حسناته، ومحو سيئاته، وتجديد نشاطه، المكسب من كل خسارة، حتى تجعل المؤمن إن خسر شيئًا يومًا مما لم يكن يتوقع أن يخسره، فإن معية الله تعالى تجعله على يقين بأنه سبحانه سيرزقه مالم يكن يتوقعه يومًا أو أن يمتلكه، فيبادر بطبيعة حاله إلى مزيد من طاعة ربه، فإنه لا يعلم بعد رحمة الله تعالى ومعيته ما الذي سيدخله الجنة؟ وما الذي سيجعل الله تعالى يرضى عنه؟ حقًا لا يدري! فربما كان القبول في ركعة قامها في جوف ليل، أو صدقة أخرجها سرًّا حيث لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، بل رما كان الأمر في شيء بسيط كسقيا ماء قدمه لأنسان عطش أو حتى حيوان أو طير، بل وما يدري ذلك الرضا ــــ الذي هو غايته القصوى ــــــ أيناله من قضاء حاجة لإنسان استعان به فكان له الفضل في قضائها له، أو في دعوة من إنسان صالح دعا له في ظهر الغيب بدعوة صالحة، ومن هنا فإن معية الله تعالى تكون هي المعين الأول الذي ينهل منه صالح الأعمال دون أن يستصغر منها شيئًا. ومن هنا أردت بهذه المقالة أن أذكر نفسي وإياك ـ أخي المؤمن ـ أن لا تحزن إن رأيت من أحد ما لا يسرك فإن الله معك وهو الذي يأتيك بما يسرك وطيب خاطرك، فأي ألم من آلام الدنيا إذا أتعبك فإن معية الله تعالى هي الحاجز الصلب الذي يمنع عنك تأثير ذلك عليك.
فناجي مولاك الذي لطالما أحب الله سماع صوتك وأنت تناجيه وتدعوه مستغيثا به سبحانه لا سواه، واجعل دوما نصب عينيك قول الله تعالى:(وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ).
محمود عدلي الشريف
ma.alsharif78@gmail.com
المصدر: جريدة الوطن
إقرأ أيضاً:
أمير تبوك يستقبل المواطن ناصر العسيري المتنازل عن قاتل شقيقه
البلاد – تبوك
استقبل صاحب السمو الملكي الأمير فهد بن سلطان بن عبدالعزيز أمير منطقة تبوك، بمكتبه في الإمارة اليوم، المواطن ناصر بن محمد العسيري الذي تنازل عن قاتل شقيقه لوجه الله تعالى.
وثمّن سموه هذه المبادرة النبيلة، مشيرًا إلى أن ما قام به المواطن العسيري من تنازل لوجه الله تعالى عمل عظيم وأجره كبير سيناله في الدنيا والآخرة إن شاء الله، وهذه بادرة إنسانية تدل على صفات النبل التي يتحلى بها أبناء المجتمع السعودي، مؤكدًا اعتزاز القيادة الرشيدة بمثل هذه الأعمال النبيلة.
من جانبه أعرب العسيري عن شكره وتقديره لسمو أمير منطقة تبوك على هذه اللفتة الكريمة من سموه باستقباله وشكره على تنازله لوجه الله تعالى، مثمنًا اهتمامه المستمر بأهالي المنطقة، سائلًا المولى القدير أن يتقبل منه هذا العمل ويجعله خالصًا لوجهه الكريم.