جريدة الوطن:
2024-10-03@07:51:45 GMT

السلام المعقد فـي اليمن

تاريخ النشر: 23rd, August 2023 GMT

السلام المعقد فـي اليمن

رغم حالة التفاؤل التي أعقبت اتِّفاق بكين بَيْنَ الرياض وطهران ومدى تأثيرها الإيجابي على ملفات أخرى في المنطقة، وخصوصًا الملف اليمني الذي يستكمل سنواته العجاف منذ ثورة ٢٠١١م حتَّى هذه اللحظة، مرورًا بالمبادرة الخليجيَّة وتنحِّي الرئيس علي عبدالله صالح، بعدها جاء مؤتمر الحوار الوطني وعدَّة محاولات يمنيَّة للوصول إلى اتِّفاقات سياسيَّة كان من أبرزها اتِّفاق السِّلم والشراكة في ٢١ سبتمبر ٢٠١٤م، لكنَّ حالة الفراغ الدستوري فرضت نَفْسَها على أرض الواقع وأدَّت إلى تقدُّم جماعة أنصار الله، والسيطرة على العاصمة صنعاء ما سُمِّي حينها انقلابًا على الشرعيَّة، وأدَّى إلى فرار الحكومة الشرعيَّة إلى الرياض.

وما لِبِثَ الأمْرُ حتَّى أعلنت المملكة العربيَّة السعوديَّة تشكيل تحالف عربي لاستعادة الشرعيَّة في اليمن في ٢٥ مارس ٢٠١٥م، وتواصلت عمليَّات القتال بَيْنَ قوَّات الشرعيَّة وحركة أنصار الله، ممَّا خلَّف ـ للأسف الشديد ـ عددًا من المآسي على اليمن وتفاقم الوضع بفعل الحصار والقصف والقتال المستمر، ثم تقلَّبت الأزمة في اليمن بَيْنَ عدَّة مبادرات ومؤتمرات دوَليَّة بدأت من مؤتمر جنيف١ وجنيف٢، ثم اتِّفاق ستوكهولم في ديسمبر من عام ٢٠١٨م والذي أقرَّ إنهاء القتال في مدينة الحديّدة مع انسحاب القوَّات خارج المدينة وإشراف قوَّات محليَّة على المدينة والميناء، وذلك عَبْرَ لجنة تنسيق أُمميَّة، مع إيداع جميع إيرادات ميناء الحديّدة في البنك المركزي، إلَّا أنَّ هذا الاتِّفاق أيضًا لَمْ يصمد طويلًا. واستمرَّت المبادرات والمشاورات التي تخرج من بعض العواصم العربيَّة مسقط والكويت وعمَّان وكُلُّها لَمْ تُحقِّق الهدف المنشود. وفي مارس عام ٢٠٢١م قدَّمت المبادرة السعوديَّة لوقف إطلاق النار والسَّماح بإعادة فتح مطار صنعاء وتخفيف الحصار عن ميناء الحديّدة للسَّماح بإدخال بعض السِّلع والبضائع على أن تُودَعَ عوائد الميناء في حساب مشترك بالبنك المركزي ثم تبدأ بعدها مشاورات سياسيَّة بَيْنَ مختلف الأطراف اليمنيَّة، لكنَّ جماعة أنصار الله رفضت مبدئيًّا شروط المبادرة، وعدَّت أنَّ فتح المطار والميناء ثمرة من ثمرات الصمود، كما أعلن المجلس السِّياسي الأعلى للجماعة. وانطلقت الجهود العُمانيَّة مجددًا بزيارة الوفد العُماني إلى صنعاء التي وصفها المراقبون بأنَّها فرصة سانحة للسَّلام في اليمن بعد صراع دام عشر سنوات خلَّف أزمة إنسانيَّة متفاقمة في اليمن الشَّقيق .
الوساطة العُمانيَّة كان ينظر إليها المراقبون بشيء من التفاؤل؛ نظرًا لِمَا تحظى به سلطنة عُمان من ثقة واحترام من قِبل جميع الأطراف؛ باعتبارها كانت نافذة إنسانيَّة ورئة كان يتنفس من خلالها أبناء اليمن طوال السنوات الماضية، كما قامت بأدوار إنسانيَّة جليلة خلال هذه الأزمة. لكن يبدو أن تزمُّت الخِطاب السِّياسي اليمني وتعقيدات المشهد السِّياسي ربَّما ينسف كُلَّ الجهود المبذولة من أجْل السَّلام، والعالَم ما زال يترقَّب حتَّى اللحظة ما ستسفر عَنْه هذه الوساطة العُمانيَّة التي ارتكزت على وقف شامل لإطلاق النار في اليمن وهدنة ما زالت صامدة بمتابعة عُمانيَّة مستمرَّة. لكن ـ للأسف الشديد ـ حتَّى الآن لَمْ يحدث شيء على أرض الواقع، فلا العمليَّة الإنسانيَّة مضَتْ قُدُمًا للأمام لتخفيف المعاناة عن أبناء الشَّعب اليمني، ولا الوساطة وصلت إلى نقطة التوافُق للبناء عليها. وللأسف يبرز في المشهد اليمني خِطاب سياسي متزمِّت وتعقيدات تُمثِّل العنوان الأبرز في الأزمة.
ما رشح عن زيارة الوفد العُماني لَمْ يُعلن حتَّى الآن على أمل إيجاد بصيص من الأمل في سبيل إنجاح هذه الوساطة، ومع كلمات الإشادة بالجهود العُمانيَّة، إلَّا أنَّ بعض الإشارات الواردة من اليمن غير مطمئنة بعد توارد بعض التصريحات المتزمِّتة بأنَّ «ما لَمْ يتمَّ الحصول عليه بالحرب لَنْ يتحقَّق بالسَّلام» وهو خِطاب حادٌّ ـ للأسف ـ يصدر من مختلف الفرقاء في الأزمة اليمنيَّة. وهذه المواقف المتزمِّتة قَدْ تُعِيد الأزمة إلى مربَّعها الأوَّل، فهل تنجح السَّلطنة في اختراق هذا الجمود وإنهاء الأزمة في اليمن؟
قال تعالى في مُحكم كتابه العزيز: «وَإِنْ جَنَحْوَا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ» صدق الله العظيم. ولا شكَّ أنَّ الواقع اليمني ـ يُشكِّله أكثر من ٣٠ مليون مواطن يمني وعدد من القوى السِّياسيَّة ـ لا يُمكِن فيه إقصاء أحد أو تجاهل بقيَّة أطراف المعادلة اليمنيَّة، والظروف الدوليَّة الراهنة كُلُّها تقتضي الانصياع لصوت العقل والحكمة لإنهاء هذه المأساة الإنسانيَّة التي يعيشها اليمن، وبالتَّالي فإنَّ تقديم التنازلات اليوم يُعدُّ تنازلات الشجعان من أجْل اليمن، وهي تنازلات من موقع قوَّة إنْ تمَّت.
اليوم من هذا المنبر ندعو جميع الأشقَّاء في اليمن إلى تحكيم الأمانة الوطنيَّة والمسؤوليَّة الشرعيَّة والدينيَّة والإنسانيَّة لتقديم ما يُمكِن تقديمه من أجْل اليمن لإتمام هذه الجهود، وإنهاء المأساة التي تعصف باليمن. فلا بُدَّ من قَبول الآخر وتخفيف حدَّة الخِطاب، وتقديم التنازل من أجْل الوطن، نرجو عدم إفشال هذه الجهود والوساطة بمواقف متزمِّتة، وهذا الشَّعب الصابر يستحقُّ من نُخَبه السِّياسيَّة تخفيف المعاناة عَنْه وتحسين ظروفه المعيشيَّة، وهذا لَنْ يحدُثَ إلَّا بإدراك هذه المسؤوليَّة التي تضعكم أمام الله والوطن والشَّعب، لذا نأمل اغتنام فرص السَّلام التي قَدْ لا تتكرر.

خميس بن عبيد القطيطي
khamisalqutaiti@gmail.com

المصدر: جريدة الوطن

كلمات دلالية: ة فی الیمن الع مانی ة التی ع مانی

إقرأ أيضاً:

توكل كرمان من لاهاي أمام تجمع عالمي: العالم يواجه الآن خطراً خطيراً يتمثل في الحرب السيبرانية التي قد تؤدي إلى تقويض الأمن والخصوصية

قالت الناشطة الحائزة على جائزة نوبل للسلام توكل كرمان إن العالم يواجه الآن خطراً جديداً وخطيراً يتمثل في الحرب السيبرانية، التي قد تؤدي إلى تقويض الأمن والخصوصية، مما يؤثر على المجتمعات على مستوى العالم.

جاء في كلمة لها عن السلام والعدالة خلال تجمع عالمي بعنوان "ما بعد 125 عامًا: تأمين مستقبل عالمنا الرقمي"، في قصر السلام بمدينة لاهاي في هولندا، نظمته مدينة لاهاي ومعهد السلام السيبراني" (CyberPeace) والتحالف السيبراني العالمي.

وأضافت توكل كرمان: يشكل ارتفاع الهجمات السيبرانية خطراً كبيراً، وبعد 125 عاماً، يتعين علينا أن نواجه هذا العصر الجديد من الصراع.

وتابعت كرمان: إن الحرب السيبرانية لا يرتكبها القراصنة أو المنظمات الإجرامية فحسب؛ بل أعتقد أنه تنفذها الحكومات أيضًا. ونحن بحاجة إلى معالجة هذه التحديات بشكل جماعي وإيجاد طرق لحماية مجتمعاتنا من هذا التهديد المتطور.

وأوضحت كرمان أن أحد العوامل الرئيسية التي تدفع إلى ارتكاب الجرائم والهجمات السيبرانية هو إساءة استخدام التكنولوجيا من قبل الحكومات كجزء من سياساتها الحربية أو ضد شعوبها.

وقالت كرمان: أستطيع أن أتحدث من تجربتي الشخصية؛ فقد كنت ضحية لهجوم سيبراني حكومي في ظل دكتاتورية عبد الله صالح.

وأشارت كرمان إلى أنه غالبًا ما يستخدم الدكتاتوريون أدوات الإنترنت للتجسس على مواطنيهم، وانتهاك خصوصيتهم، وقمع المعارضة، لافتة إلى أنها واجهت مثل هذه الهجمات، وواجهها العديد من الآخرين أيضًا.

وأفادت كرمان: على سبيل المثال، نفذت سلطات الإمارات العربية المتحدة برامج مراقبة تستهدف الأفراد، بما في ذلك الناشطون والمعارضون.

وقالت كرمان: لقد تصاعد استغلال الفضاء الإلكتروني، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى الافتقار إلى المساءلة والخبرة المستخدمة لإيذاء الأبرياء. وقد حدث موقف مماثل مع صديقي جمال خاشقجي، الذي استُهدف أيضًا بهذه الطريقة، مشددة على ضرورة الحاجة إلى معالجة هذه القضايا ومحاسبة المسؤولين عنها.

واعتبرت كرمان أن المشكلة الرئيسية في استخدام هجمات الجرائم الإلكترونية ضد دول أخرى هي أنه لا يوجد إعلان رسمي للحرب، وهذا يؤثر على العديد من الناس، مضيفة: كنت أحد ضحايا هجوم إلكتروني حكومي. لقد استخدموا وسائل التواصل الاجتماعي لمهاجمتي وتقويض خصوصيتي. كنت أحد الضحايا في ذلك الوقت.

وبيّنت كرمان أن الحكومات الأجنبية، بما في ذلك الولايات المتحدة، لديها خبرة في هذه التكتيكات الإلكترونية، مستدركة بالقول: هذه الخبرة لا تُستخدم لحماية الناس ولكن للدفاع عن النظام. نفس الشيء حدث لصديقي.

وأكدت كرمان أن الأمر لا يتعلق بمنع البلدان من استخدام هذا النوع من الحرب؛ إنه يتعلق بالاعتراف بأننا لا نريد الحرب على الإطلاق. أنا شخص يحب العالم أجمع ويؤمن بالوحدة.

وشددت كرمان على أن الحل لا يتعلق فقط باللوائح؛ بل يتضمن أيضًا ضمان احترام حقوق الأفراد. لا ينبغي فرض شروط على حقوق الأفراد في التعبير. هذا أمر بالغ الأهمية، وخاصة في مشهد الأمن السيبراني اليوم، حيث قد تستخدم الحكومات الاحتجاجات لتقويض الحقوق الخاصة. إننا بحاجة إلى التركيز على حماية هذه الحقوق مع تعزيز نهج أكثر شمولاً وسلمية.

وقالت توكل كرمان: يمكن اعتبار معاهدة الجرائم الإلكترونية بمثابة سيف ذو حدين. فمن ناحية، قد تنتهك الحقوق الحصرية والابتكارات؛ ومن ناحية أخرى، تقدم فرصة للتغيير الإيجابي. ونحن بحاجة إلى التركيز على استخدام التكنولوجيا ليس فقط كتهديد، بل كوسيلة لتعزيز السلام.

وأعربت كرمان عن اعتقادها بأن المستقبل يمكن أن يكون مشرقًا، وخاصة مع الأفراد المخلصين الذين يتحملون مسؤولية خلق عالم أفضل. يجب ألا نغفل عن وطننا وقيمنا وقيادتنا. من الأهمية بمكان تعزيز التعاون وضمان خدمة بعضنا البعض بمسؤولية.

وتابعت كرمان: تقع علينا مسؤولية كبيرة لوقف الحروب وتعزيز السلام في عالم يتأثر بشكل متزايد بقضايا الإنترنت. يجب أن تكون حماية الخصوصية ومنع الصراع في طليعة جهودنا. ومع ذلك، فإن معالجة هذه التحديات من خلال المعاهدات والإجراءات الصحيحة هي قضية معقدة نواجهها جميعًا معًا.

وشددت كرمان على الحاجة إلى إصلاحات جوهرية توضح من هو المسؤول عن خدمة الصالح العام. وهذا أمر ضروري لتقدمنا الجماعي. وبالإضافة إلى ذلك، تقع علينا مسؤوليات كبيرة، وخاصة في منع الصراعات. ولا ينبغي النظر إلى وقف الحروب باعتباره عملاً تقليدياً فحسب؛ بل يتطلب الأمر اتباع نهج مبتكر لحماية الخصوصية ومعالجة التهديدات السيبرانية مع السعي أيضاً إلى منع الصراعات في المستقبل.

وقالت كرمان إن مجلس الأمن نفسه يتطلب الإصلاح من أجل حماية الناس بشكل أفضل من أشكال مختلفة من انعدام الأمن. وفي الوقت الحالي، غالباً ما يخدم مجلس الأمن مصالح خمس دول أعضاء فقط، وهو ما يحد من فعاليته. ونحن بحاجة إلى تمكين المحكمة الجنائية الدولية وغيرها من منظمات العدالة التي تعمل من أجل السلام والعدالة، وضمان حصولها على السلطة اللازمة للتصرف دون تدخل من الدول القوية.

وأكدت كرمان وجوب أن تكون هذه المنظمات مجهزة بالكامل للعمل بشكل مستقل، مما يسمح لها بعبور أي حواجز في مهمتها دون الحاجة إلى إذن من سلطات خارجية. إن معالجة هذه الإصلاحات تشكل تحدياً كبيراً يتعين علينا جميعاً مواجهته معاً

 

مقالات مشابهة

  • وسط احتدام الأزمة مع إثيوبيا.. الصومال يبحث الترتيبات الأمنية لعام 2025.. ويؤكد: أديس أبابا تخدم وتروج للجماعات الإرهابية
  • تعرف على خصائص السيارة الكهربائية التي دخلت السوق اليمني لأول مرة
  • توكل كرمان من لاهاي أمام تجمع عالمي: العالم يواجه الآن خطراً خطيراً يتمثل في الحرب السيبرانية التي قد تؤدي إلى تقويض الأمن والخصوصية
  • اليمن: نبارك العملية الإيرانية التي ضربت الأهداف الإسرائيلية
  • تحذير من أممي حول الأوضاع في اليمن
  • حزب الاتحاد: الحوار الوطني يدعم الدولة في مواجهة الوضع الإقليمي المعقد
  • حكومة السوداني:رغم العجز المالي ومديونية العراق التي تجاوت (90) مليار دولار لكننا سنعمر الجنوب اللبناني ونستمر في دعم حزب الله اللباني
  • غروندبرغ: الحرب على غزة ولبنان أعاقتنا في اليمن
  • اليمن تطالب بحماية السفارات وتدعو لحل الأزمة السودانية وتخفيف المعاناة الإنسانية
  • الشاوش: تعيين محافظ جديد للمصرف ونائب له جاء استجابةً للظروف الخانقة التي تمر بها البلاد