لقد استوقفني شعار احتفال هذا العام بيوم المرأة العالمي، الذي يحمل شعار "الحقوق والمساواة والتمكين لكافة النساء والفتيات". وأثناء مروري بمرحلة الكهولة، تعجبت: لماذا ظلت هذه المطالب البسيطة في جوهر العدالة أمراً عصياً على التحقيق؟ كيف أمضينا أعمارنا في السعي وراء هذه الحقوق ولم نحقق بعد ما نصبو إليه؟ تخصيصاً في ظل هذه الحرب، انتهى الحال بالنساء إلى البحث عن أساسيات الحياة من سكن، أمن، غذاء ، كساء وعلاج! ثم مرّ في ذاكرتي بعض من مظالم حياتنا في ظل دولة أوليغارشية يحرسها علماء السلطان والعسكر.
حين دق جرس الطابور، تم جمعنا في باحة المدرسة. تم الإعلان عن أن جميع المدارس ستخرج اليوم لاستقبال "السيد" محمد عثمان الميرغني. كانت فرحتنا العارمة لأن اليوم سيكون بلا جهد دراسي. نعم، كان هذا الدرس الأول في التسييس. مشهد أطفال تحت شمس الظهيرة الحارقة، بلا ماء، يقفون لساعات طويلة في انتظار وصول قطار السيد. في بلد لم تعرف قيمة الزمن إلا في ظل الاستعمار، كان زعماء القبائل والإدارات الأهلية هم الأجهر صوتاً والأطول في الصفوف الأمامية. وأطل السيد ملوحاً بيده من نصف نافذة القطار، بينما الشعب يهتف متدافعًا عاش (أبو هاشم)! لم نشاهده. ثم شهدنا أحزابًا طائفية لم تُفطم عن التعلق بالسلطة.
وفي الديمقراطية القصيرة، تم حشدنا لكي نمارس التصويت في الانتخابات. لفونا بالثياب وأعطونا أسماء نساء غائبات. بعد الاقتراع، مددنا أصابعنا النحيفة ليخط لنا الرجال "الكذبة" علامة بالحبر (الكوبيا) على أننا قد قمنا بالتصويت. كانت هناك لجان خارجية وأخرى تضم شيوخ الحي المحترمين! الجميع كان يعلم أن هذه الكشوفات مزورة، وأننا كنا مجرد ممثلين. هكذا تم تشويه الديموقراطية في أعيننا كصبايا. تلك بدايات سابقة لانتخابات "الخج" التي برعت فيها حكومة الاخوان المسلمين، على نحو يؤكد أن السياسة كانت مجرد لعبة ذكورية بلا أخلاق.
شيطنة الحركة الإسلامية في مشروعها المزعوم "إعادة صياغة الإنسان السوداني" كان هدفها الأول هو التمكين. تم تحويل حظ أخوات نسيبة إلى مجرد صفقات بين الاستثمار والبرلمان. تُمرر قرارات لقهر النساء، ويتم تشريع قوانين تهينهن بدلاً من أن تحميهن، كما فعلت القانونية بدرية سليمان، التي شرعت معهم قوانين سبتمبر 1983 ً. وتبارت اللجان الأمنية والعسكر في سبيل رضا الحكام، فسنوا قوانين النظام العام، وأقاموا محاكم للزي ومخالفة الآداب العامة. بينما قادة الإسلاميين لا يتورعون عن ارتكاب الزنا وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، بل في شهر رمضان، دون عقاب أو رادع. ويشرّع لهم الفقهاء بأن عورة النساء أشد جرماً من فساد الحكام.
قد عانت النساء المناضلات من أجل كسب مزيد من الحقوق ورفع التمييز من أولئك الذين يرفعون المصاحف على أسنة الرماح. فقد تم استخدام التشريعات المستمدة من الشريعة الإسلامية، التي لا تصلح قوانينها لتطبيقها في حاضر النساء اليوم، كأداة للتمييز الاجتماعي والقانوني. وقد شرّعت تلك القوانين لوصاية الرجل على المرأة، وأضفت طابعاً للعنف الممنهج من خلال سيادة قوانين الأحوال الشخصية. وفي الوقت الذي يتعجب فيه البعض كيف لدولة تدعي تحكيم الشريعة الإسلامية أن يكون فيها منصب "اختصاصي اغتصاب"، يغضون الطرف عن حرب دارفور، حيث كان "ربها" البرهان وحليفه حميدتي (حمايتي) يتفنّنان في استخدام سلاح الاغتصاب. مرورًا باعتصام القيادة وحرب 15 أبريل اللعينة، ومسرح حربهم أجساد النساء.
كنا نعلم ونحن نناهض قضايا التمييز المدعومة من رجال الدين أن قضية المواطنة المتساوية تبدأ من "حصة الدين"! دخل علينا في الثانوية مدرس التربية الإسلامية الذي كان الجميع يلقبه بمولانا شيخ حسن، وكان يصلي بالناس في المدينة صلاة الجمعة. طرح شيخ حسن قضية التعدد بشكل لم يترك لتلك الفتيات خياراً سوى فهم أنهن سلعة تُشترى وتُباع! وحين كنت مسنودة بفهم من داخل سوح الإسلام، يناهض فهم رجال الدين القاصر لحقوق المرأة، كنت أؤمن بأن هناك نصوصاً أصلية في الدين تسمح بالمساواة التامة بين الرجل والمرأة. الرجل الواحد يجب أن يقترن بالمرأة الواحدة، وليس من العدل أن يكون نصيب المرأة في الزواج ربع رجل! انتهى بنا النقاش إلى حرماني من الحصة طوال العام، بينما يبدأ درسه، رحمه الله قائلاً (الحصة دين، على المسيحيين والجمهوريين مغادرة الصف).
خلاصة الأمر، لم يكن التمييز والتهميش في بلادي حكراً على فئة نسوية دون أخرى، فالمعاناة التي لاقتها النساء في ظل تلك الحكومات لا توصف إلا بأنها تثير العار في السلم والحرب! وعلاج هذه المظالم يكمن في حل إشكالية كيفية حكم السودان. أصبح من الواضح أنه لا يمكن تحقيق ذلك من خلال فهم ضيق وفئوي مهما كان الوهج الذي يحيط به، بل يتطلب الأمر برنامجًا وطنيًا شاملًا يعزز السلام ويقوي الوحدة بين جميع شعوب السودان، بعيدًا عن فكرة تقسيم البلاد.
tina.terwis@gmail.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
حملة التطهير مستمرة..إدارة ترامب تُقيل مسؤولين كبار في وزارة العدل
قال منشور على وسائل التواصل الاجتماعي، ومصادر مطلعة، إن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أقالت أمس الجمعة، مسؤولين اثنين على الأقل في وزارة العدل من بينهم ليز أوير مديرة مكتب محامي العفو المسؤولة عن التعامل مع طلبات العفو الرئاسي.
وعملت أوير مديرة للمكتب منذ 2022، قبل إقالتها "بأثر فوري" وفق مذكرة نشرتها على موقع "لينكد إن" تستشهد بسلطة ترامب التنفيذية بموجب دستور الولايات المتحدة.Several top career officials ousted at Justice Department, via @PerryStein @shaynajacobs @CarolLeonnig & @amarimowhttps://t.co/iNVbbZ6qeK
— Manuel Roig-Franzia (@RoigFranzia) March 8, 2025وكان مكتب أوير السابق معنياً بمراجعة طلبات العفو المقدمة من المدانين بجرائم اتحادية وتقديم توصيات إلى البيت الأبيض حول الذين ينبغي للرئيس العفو عنهم.
وقال مصدر مطلع إن وزارة العدل أقالت أيضاً بوباك تالبيان مدير مكتب سياسة المعلومات المسؤول عن التعامل مع طلبات السجلات العامة بموجب قانون حرية المعلومات الأمريكي.
وتشكل هذه الإجراءات أحدث مثال على إقالة أو تهميش مسؤولين متمرسين في وزارة العدل والذين عادة ما يستمرون في مناصبهم بمختلف الإدارات الرئاسية. ولم يرد متحدث باسم وزارة العدل على الفور على طلب للتعليق.
وسبق أن نقل مسؤولون عينهم ترامب عدداً من ممثلي الادعاء العام البارزين في قضايا الأمن القومي والقضايا الجنائية إلى مكتب جديد مكلف بشؤون الهجرة. كما استقال كبير مسؤولي الأخلاقيات المهنية في وزارة العدل بعد نقله إلى منصب آخر بطريقة مشابهة.
وأجبر 8 من كبار المسؤولين في مكتب التحقيقات الاتحادي على الاستقالة قبل تصديق مجلس الشيوخ على تعيين كاش باتيل الذي رشحه ترامب لمنصب مدير المكتب.