لَمْ يَدُرْ بخاطر الفيلسوف السِّياسي نيكولو ميكافيللي الذي ولِدَ في مدينة فلورنسا الإيطاليَّة إبَّان عصر النهضة في أوروبا، والذي ألَّف كتاب «الأمير» وهو في منفاه، أنَّ مقولته الشهيرة «الغاية تبرِّر الوسيلة» بكُلِّ ما تحمله من مبدأ يدعو الإنسان إلى أن يرميَ بأخلاقه ومبادئه وراء ظهره حتَّى يفسحَ الطريق للوصول إلى أهدافه (غير الأخلاقيَّة) أن تصبحَ منهجًا للعديد من النَّاس بعد تفشِّي وباء العجز الاقتصادي في مُجتمعات عدَّة من عالَمنا العربي، تبعه إجراءات تقشُّف، وإجراءات استباقيَّة لِمَا هو قادم مع استمرار الحالة الاقتصاديَّة المُتردِّية، أفرز نمطًا جديدًا من الحياة لا تألفه مُجتمعاتنا من قَبل، إلَّا أنَّ كُلَّ ذلك قَدْ يكُونُ مقبولًا في حالات تُسمَّى فرديَّة نتيجة تأثرها بأزمات محليَّة أو عالميَّة.
لكنَّ الأخطر هو قمَّة الهرم الاجتماعي الذي أخذ معه العديد من اضطراب التغيُّرات التي أفرزتها الحاجة إلى مواصلة الحياة بعد أن جفَّت منابع القدوة والتأثر بالأُسوة الحسَنة، فتخرج إلَيْنا وبشكلٍ يومي أخبار عن الأحداث المؤسفة لأسباب أصلها العجز المالي، ومِنْها الانفصال بَيْنَ الأزواج أو الحجر على أموال الوالدَيْنِ، أو التنافر بَيْنَ الإخوة من أجْل الميراث، ممَّا فرض حالة سيكوـ اجتماعيَّة في بعض المُجتمعات التي تعاني، لتخلعَهم من الواقع وتضعَهم في قالب الاغتراب عن الأصل والولوج إلى الإغراءات المادِّيَّة، تحت مُسمَّى (الغاية تبرِّر الوسيلة). هذه الأحداث تدقُّ ناقوس الخطر في أنَّنا نذهب إلى نفَقٍ شديد الظلام، ممَّا يجعلنا إلى البدء في الحديث مع النَّفْس أوَّلًا ليس عن الأسباب التي أدَّت إلى ذلك، بل إلى الحلول التي تخلعنا من هذه الحالة، مع تأمُّل الأبعاد الحسيَّة والميتافيزيقيَّة والإقليميَّة خلال السنوات الماضية التي مرَّت على منطقتنا فأفرزت هذه الحالة. وحتَّى لا نشعرَ في أوطاننا بالاغتراب وأبعاده الاجتماعيَّة وإن تطلَّب الأمْرُ الحياد عن الطُّرق المألوفة، يجِبُ علَيْنا أوَّلًا أن نستدعيَ تراثنا الديني والاجتماعي وأوَّلها هو الخوف من الله، وبناء الأخلاق، فهي أساس نجاح المُجتمعات. ومبادئ الأخلاق تتمثل في العدل، الصِّدق، الأمانة، التقوى، الصبر، التواضع، الإحسان، العفو، التسامح، كُلُّ هذه المبادئ حثَّ عليها الإسلام وتناقلتها مُجتمعاتنا في المراحل التعليميَّة المختلفة، كما كان للأُسرة والأصدقاء دَوْر في تعليم مبادئ الأخلاق الحسَنة. وهذا ما نفتقده اليوم في عصر الاغتراب عن أخلاقنا وإحياء شهوة المادِّيَّات، فنرى بعض الأُمَّهات وهن قدوة لأبنائهن يقضين يومهن أمام المرآة ونشر أخبارهن وحالاتهن بابتذال من خلال برامج التواصل الاجتماعي، فيخرج من ورائهن جيل لا يهتمُّ بمبادئ الأخلاق، وحين يتعرض للأزمات الاقتصاديَّة لا يهتمُّ بشرعيَّة الوصول إلى هدفه بقدر اهتمامه في كيفيَّة الحصول على هدفه؛ نتيجة الأزمة التي يعيش أحداثها أبناء العصر الحالي مع مبرِّرات الإخفاق والتي تستعيض بمبادئ ميكافيلليَّة بدلًا من التعاطف والتعاضد. فنحن محظوظون بروافد الأنبياء والرسل والأديان السماويَّة، وفي مقدِّمتها الدِّين الإسلامي، والتي تدعو إلى الرحمة والمساواة والعمل والعدل والتي ترجمت عمليًّا بعيدًا عن الغاية والوسيلة. إنَّنا أصبحنا في حاجة إلى إعادة توجيه برامجنا وأدواتنا التعليميَّة إلى النواحي الأخلاقيَّة والدينيَّة لِنخرجَ معافين من حالة التردِّي الاقتصادي الذي أصابنا في مقتل أخلاقي.
جودة مرسي
godamorsi4@yahoo.com
من أسرة تحرير «الوطن»
المصدر: جريدة الوطن
إقرأ أيضاً:
لقجع: 45 مليار درهم للحوار الاجتماعي
قال فوزي لقجع، الوزير المنتدب المكلف بالميزانية، إن الحكومة خصصت 45 مليار درهم للحوار الاجتماعي.
ووصف لقجع، في معرض تعقيبه على مداخلات أعضاء لجنة المالية والتخطيط والتنمية بمجلس المستشارين، هذا الرقم بـ”غير المسبوق” مقارنة بماضي الحكومات السابقة، التي كانت أعلى ميزانية خصصتها للحوار الاجتماعي هي 12 مليار درهم.
ودخل لقجع في نقاش حاد مع برلمانيين نقابيين، حول “هزالة” الدعم الاجتماعي وحرمان المؤشرات مئات الآلاف من الاستفادة. ورد قائلا “من لديه تصور واضح للرفع من قيمة الدعم فليقدمه في برنامجه الانتخابي”.