جريدة الوطن:
2025-03-09@03:43:01 GMT

التردي الاقتصادي والبعد الأخلاقي

تاريخ النشر: 23rd, August 2023 GMT

التردي الاقتصادي والبعد الأخلاقي

لَمْ يَدُرْ بخاطر الفيلسوف السِّياسي نيكولو ميكافيللي الذي ولِدَ في مدينة فلورنسا الإيطاليَّة إبَّان عصر النهضة في أوروبا، والذي ألَّف كتاب «الأمير» وهو في منفاه، أنَّ مقولته الشهيرة «الغاية تبرِّر الوسيلة» بكُلِّ ما تحمله من مبدأ يدعو الإنسان إلى أن يرميَ بأخلاقه ومبادئه وراء ظهره حتَّى يفسحَ الطريق للوصول إلى أهدافه (غير الأخلاقيَّة) أن تصبحَ منهجًا للعديد من النَّاس بعد تفشِّي وباء العجز الاقتصادي في مُجتمعات عدَّة من عالَمنا العربي، تبعه إجراءات تقشُّف، وإجراءات استباقيَّة لِمَا هو قادم مع استمرار الحالة الاقتصاديَّة المُتردِّية، أفرز نمطًا جديدًا من الحياة لا تألفه مُجتمعاتنا من قَبل، إلَّا أنَّ كُلَّ ذلك قَدْ يكُونُ مقبولًا في حالات تُسمَّى فرديَّة نتيجة تأثرها بأزمات محليَّة أو عالميَّة.

لكنَّ الأخطر هو قمَّة الهرم الاجتماعي الذي أخذ معه العديد من اضطراب التغيُّرات التي أفرزتها الحاجة إلى مواصلة الحياة بعد أن جفَّت منابع القدوة والتأثر بالأُسوة الحسَنة، فتخرج إلَيْنا وبشكلٍ يومي أخبار عن الأحداث المؤسفة لأسباب أصلها العجز المالي، ومِنْها الانفصال بَيْنَ الأزواج أو الحجر على أموال الوالدَيْنِ، أو التنافر بَيْنَ الإخوة من أجْل الميراث، ممَّا فرض حالة سيكوـ اجتماعيَّة في بعض المُجتمعات التي تعاني، لتخلعَهم من الواقع وتضعَهم في قالب الاغتراب عن الأصل والولوج إلى الإغراءات المادِّيَّة، تحت مُسمَّى (الغاية تبرِّر الوسيلة). هذه الأحداث تدقُّ ناقوس الخطر في أنَّنا نذهب إلى نفَقٍ شديد الظلام، ممَّا يجعلنا إلى البدء في الحديث مع النَّفْس أوَّلًا ليس عن الأسباب التي أدَّت إلى ذلك، بل إلى الحلول التي تخلعنا من هذه الحالة، مع تأمُّل الأبعاد الحسيَّة والميتافيزيقيَّة والإقليميَّة خلال السنوات الماضية التي مرَّت على منطقتنا فأفرزت هذه الحالة. وحتَّى لا نشعرَ في أوطاننا بالاغتراب وأبعاده الاجتماعيَّة وإن تطلَّب الأمْرُ الحياد عن الطُّرق المألوفة، يجِبُ علَيْنا أوَّلًا أن نستدعيَ تراثنا الديني والاجتماعي وأوَّلها هو الخوف من الله، وبناء الأخلاق، فهي أساس نجاح المُجتمعات. ومبادئ الأخلاق تتمثل في العدل، الصِّدق، الأمانة، التقوى، الصبر، التواضع، الإحسان، العفو، التسامح، كُلُّ هذه المبادئ حثَّ عليها الإسلام وتناقلتها مُجتمعاتنا في المراحل التعليميَّة المختلفة، كما كان للأُسرة والأصدقاء دَوْر في تعليم مبادئ الأخلاق الحسَنة. وهذا ما نفتقده اليوم في عصر الاغتراب عن أخلاقنا وإحياء شهوة المادِّيَّات، فنرى بعض الأُمَّهات وهن قدوة لأبنائهن يقضين يومهن أمام المرآة ونشر أخبارهن وحالاتهن بابتذال من خلال برامج التواصل الاجتماعي، فيخرج من ورائهن جيل لا يهتمُّ بمبادئ الأخلاق، وحين يتعرض للأزمات الاقتصاديَّة لا يهتمُّ بشرعيَّة الوصول إلى هدفه بقدر اهتمامه في كيفيَّة الحصول على هدفه؛ نتيجة الأزمة التي يعيش أحداثها أبناء العصر الحالي مع مبرِّرات الإخفاق والتي تستعيض بمبادئ ميكافيلليَّة بدلًا من التعاطف والتعاضد. فنحن محظوظون بروافد الأنبياء والرسل والأديان السماويَّة، وفي مقدِّمتها الدِّين الإسلامي، والتي تدعو إلى الرحمة والمساواة والعمل والعدل والتي ترجمت عمليًّا بعيدًا عن الغاية والوسيلة. إنَّنا أصبحنا في حاجة إلى إعادة توجيه برامجنا وأدواتنا التعليميَّة إلى النواحي الأخلاقيَّة والدينيَّة لِنخرجَ معافين من حالة التردِّي الاقتصادي الذي أصابنا في مقتل أخلاقي.

جودة مرسي
godamorsi4@yahoo.com
من أسرة تحرير «الوطن»

المصدر: جريدة الوطن

إقرأ أيضاً:

عضو حماة الوطن: غياب القيم الدينية والوطنية في دراما رمضان يهدد الأخلاق والهوية

أعرب اللواء سامح لطفي، عضو هيئة مكتب حزب حماة الوطن، عن استيائه الشديد من غياب القيم الدينية والوطنية في المشهد الإعلامي الحالي، خاصة خلال شهر رمضان المبارك، الذي يُعد فرصة عظيمة لتعزيز الأخلاق والقيم التي تُبني عليها المجتمعات.

 المسلسلات التي لا تحمل رسالة واضحة

وقال اللواء سامح لطفي في بيان له إنه من غير المعقول أن يغيب عن الساحة الفنية والإعلامية أي عمل ديني أو وطني يجسد قصص الشهداء الذين ضحوا بحياتهم من أجل هذا الوطن، في الوقت الذي نشهد فيه زخماً كبيراً من المسلسلات التي لا تحمل رسالة واضحة، بل قد تساهم في هدم القيم والتقاليد التي تربينا عليها".

وتطرق لطفي إلى بعض البرامج التي تُعرض خلال الشهر الفضيل، مشيراً إلى أحد البرامج الذي يقدم نموذجاً سلبياً من خلال إظهار شخصية بلطجية توزع المال في مشاهد استعراضية تستغل احتياج الناس، وهو أمر يتنافى مع فكرة العمل الخيري الذي يجب أن يتم في الخفاء وبعزة نفس".

كما انتقد البرامج الترفيهية التي وصفها بأنها تعكس "الانحطاط"، مشيراً إلى أحد البرامج التي تُطرح فيها أسئلة ساذجة وغير مفيدة مثل "مسابقة على لون شراب أو فانلة"، مؤكداً أن مثل هذه المحتويات لا تليق بالشعب المصري العظيم، الذي كان في الماضي يشارك في مسابقات محترمة قائمة على الفكر والثقافة.

وأضاف اللواء سامح لطفي: "ما نشهده اليوم هو محاولة للقضاء على الهوية المصرية والقيم الجميلة التي نشأنا عليها، وهو أمر يستدعي وقفة جادة لإعادة توجيه الإعلام نحو مسار يحترم عقل المشاهد ويعزز من قيمه الوطنية والدينية".

وأكد في ختام بيانه أن "شهر رمضان المبارك هو شهر القيم والروحانيات، ويجب أن يكون الإعلام فيه وسيلة للارتقاء بالمجتمع وليس العكس".

مقالات مشابهة

  • نصيحة رمضانية.. خبيرة تربوية: استثمروا رمضان لتعزيز الأخلاق الحميدة لدى أبنائكم
  • مفتي الجمهورية: الصبر من أعظم الأخلاق في شهر رمضان
  • كادت تشعل نزاعا.. أحمد عمر هاشم يروي كيف عالج الرسول أشد الأزمات بحكمته
  • رئيس جهاز الاستخبارات العامة السيد أنس خطاب: لا صحة لما تداولته بعض الصفحات على شبكة الإنترنت حول الرسائل التي نشرت مؤخرًا والتي ادعى كاتبها أنها صادرة عن رئيس جهاز الاستخبارات السوري. (تغريدة على X)
  • قانون الضمان الاجتماعي.. تعرف على الحالات التي تحرمك من الدعم النقدي
  • عمر هاشم: أخلاق النبي ليست مستمدة من الشريعة قبل البعثة بل فطرية
  • أحمد عمر هاشم: أخلاق النبي قبل البعثة كانت على الفطرة النقية
  • مدير أمن محافظة اللاذقية لـ سانا: المجموعات المسلحة التي تشتبك معها قواتنا الأمنية في ريف اللاذقية كانت تتبع لمجرم الحرب “سهيل الحسن” الذي ارتكب أبشع المجازر بحق الشعب السوري
  • عضو حماة الوطن: غياب القيم الدينية والوطنية في دراما رمضان يهدد الأخلاق والهوية
  • إدارة الأمن العام بدرعا لـ سانا: صباح أمس الأربعاء وصلت تعزيزات من قواتنا لمداهمة أماكن تواجد المجموعات المسلحة الخارجة عن القانون والتي تبين أن بعضها يتبع لتنظيم الدولة، حيث دارت اشتباكات عنيفة استمرّت لعدة ساعات