يستضيف الأردن الأحد، اجتماعات حساسة لدول الجوار السوري، والاجتماع سيبحث ملفات كثيرة من بينها الارهاب، وتهريب السلاح والمخدرات، ووسائل دعم السوريين.
سيشارك في الاجتماع وزراء الخارجية ووزراء الدفاع ورؤساء هيئات الأركان ومديرو أجهزة المخابرات في الأردن، وتركيا، وسورية، والعراق، ولبنان، وهي دول جوار سورية، مع الإدراك هنا ان عدد الاطراف التي على صلة بالملف السوري، تتجاوز الجوار ايضا.
للمفارقة تأتي هذه الاجتماعات بعد يومين من فوضى الساحل التي اشعلها خارجون عن القانون من ايتام النظام السابق، وهي فوضى بدأت عند توقيت الافطار، وانتهت مع تواقيت السحور، بما يثبت انها ثورة مضادة فاشلة وقصيرة زمنيا، وادت الى قتل ابرياء سوريين، وتسببت برد فعل قاس ايضا من دمشق الجديدة، حيث كنا جميعا امام مشهد يقول ان قدر السوريين بات دمويا، اما عبر ممارسات نظام الاسد، واما عبر جماعات النظام التي تريد الانتقام لصالح النظام البائد، فتتسبب بموجة دموية يدفع ثمنها كل الاطراف في سورية الحالية، بما فيها الحكم الجديد وجماعاته العسكرية وقواته الامنية المختلفة.
ما دمنا امام اجتماعات عمان فلا يمكن للداخل السوري ان يهدأ، ويتجنب سيناريوهات التثوير او التقسيم، إلا بتوقف التدخل الاجنبي، وهذا التدخل تمثله قوى مختلفة، على رأسها اسرائيل التي تريد احتلال مناطق جنوب سورية كاملة، وتريد تقسيم سورية ايضا، وتوليد دويلات طائفية، ولها جماعاتها وعملاؤها، وبالمقابل فإن الولايات المتحدة ايضا تحتفظ بجماعات عسكرية ضاغطة لصالحها تتمثل بالاكراد، وامتداد واشنطن يصل الى الدروز، اضافة الى تأثير الاميركيين على السلطة الحالية من خلال تركيا، ثم تأتي ايران التي تعاني من جراح الخسائر الاخيرة، وتحاول ترميم وجودها، وهي تحاول ايضا منع اقامة هلال سني في المنطقة، بعد الاضرار التي تعرض لها الهلال الشيعي، وقطع هذا الهلال من خلال ما حدث في سورية ولبنان، حيث ان طهران لن تتراجع كليا عن مشروعها القديم، الا بصفقة مع واشنطن.
خشية اسرائيل هنا تتضاعف من اقامة هلال سني مناوئ لها يحيط بها، تكوينه من الجماعات الاسلامية، خصوصا، في سورية، وداخل فلسطين، والمخاوف من نسخ التجربة السورية في دول عربية ثانية، وللمفارقة فإن اسرائيل التي لا تريد الهلال الشيعي وتعمل على تكسيره، لا تريد ايضا اي هلال سني مناوئ لها، بل تريد تكريس نفسها قوة عظمى تسيطر على الجوار الاسلامي والمسيحي لفلسطين، ضمن رؤيتها للشرق الاوسط الجديد.
المعنى ان اغلب القوى تريد شطب هوية المنطقة، وكأننا امام مشروعين، اما الهلال الشيعي، او التثوير والتقسيم والاحتلال، ولكل مشروع رعاته، الذين لا يريدون النزول عن اكتافنا.
على الرغم من اهمية اجنماعات عمان السورية، إلا أن نجاحها مرهون بتحقق 7 شروط بحاجة الى شركاء خارج مجموعة الاجتماعات، وأول هذه الشروط مساعدة سورية ماليا وعسكريا، ورفع العقوبات عنها، حتى تتمكن من تحريك الاقتصاد، واستعادة مواطنيها اللاجئين، وثانيها وقف التدخل الاجنبي السري والعلني، الذي تمثله الاطراف السابقة، اضافة الى الروس بطبيعة الحال، وثالثها اخراج اسرائيل تحديدا من المعادلة السورية، ورابعها مساعدة دمشق الجديدة بالانتقال من "صيغة حكم ادلب" التي نجحت سابقا، الى "صيغة الدولة" بما تعنيه من تنوع عرقي وطائفي وديني وشيوع العدالة والقانون، والفرق بين الحالتين كبير، وخامسها توافق الدول العربية المركزية على وصفة واحدة لسورية، وعدم التنافس السري بين هذه الدول بشأن الملف السوري، وسادسها خفض الاستثمار في المظلوميات التي تتفنن بها كل الاطراف التي خسرت بسقوط النظام مثل العلويين، او تحاول الاستفادة من سقوطه مثل الاكراد او الدروز، وهي اطراف تستدرج التدخل الاجنبي بالمحصلة وتبحث عن امهات حاضنات لهذه المظلوميات، وتتورط مباشرة في تدمير بنية سورية الداخلية، وسابعها ان تقرر الدولة سورية هويتها الجديدة وتعريفاتها دون تأخير وما الذي تريده بشكل محدد، وما هي مستهدفاتها، وجغرافية موقعها السياسي في الاقليم، بدلا من التيه الجزئي بسبب الظروف القائمة.
بدون تحقيق الشروط السبعة، ستبقى كل الملفات في سورية مفتوحة وسوف تقود البلد الى كل الخيارات، وهي خبارات سيئة من الحرب الاهلية، وصولا الى التقسيم.
عقدة اجتماعات عمان تكمن في الشروط السبعة، ومن سيساعد في تحقيقها، او عرقلتها.
(الغد الأردنية)
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه سوريا الاردن المخدرات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة من هنا وهناك صحافة مقالات سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی سوریة
إقرأ أيضاً:
سورية بعد السقوط.. غياب التذمر لا يعني رضا الناس
يمانيون ـ محمد محسن الجوهري*
اعتاد السوريون في ظل حكم نظام الأسد، على التذمر العلني من سوء الخدمات وتدهور الوضع المعيشي، وقد تجلى ذلك في إعلامهم ومسلسلاتهم، والمسرحيات الساخرة، وكافة أشكال الإنتاج الفني والثقافي. كان النقد الشعبي طبيعياً حتى ضمن المساحات الضيقة المتاحة، لأن المواطن كان يؤمن أن له حقاً في حياة أفضل. وكانت دمشق وحلب واللاذقية وسائر المدن تردد، بشكل مباشر أو رمزي، مطالب تحسين المعيشة وتوفير الحد الأقصى من الرفاهية التي تحظى بها مناطق أخرى في العالم.
لكن منذ ديسمبر 2024، حين فرضت الجماعات التكفيرية سيطرتها الكاملة على سورية، تغيّر المشهد جذرياً. لم يعد التذمر الشعبي موجوداً، لا لأن المشاكل اختفت، بل لأن الخوف عمّ، والصمت أصبح قانوناً غير مكتوب. بات السوري يمرّ على أزمات مضاعفة في الكهرباء، والماء، والدواء، وانهيار العملة، وانعدام فرص العمل، دون أن ينبس ببنت شفة. فالشكوى لم تعد رأيًا شخصيًا، بل “جريمة” تُعرّض صاحبها للاعتقال أو الاختفاء.
وقد وثّقت منظمات حقوق الإنسان، خلال الأشهر التي تلت هذا التحول، الآلاف من حالات الاعتقال والتنكيل بأشخاص لمجرد نشرهم مقطعًا يوثق معاناة الناس في الطوابير أو صعوبة الحصول على الخبز والوقود. في مناطق الجنوب والشمال والشرق، من درعا حتى القامشلي، باتت الحياة خاضعة لحسابات الولاء والسكوت، لا للقانون أو حتى الرحمة.
فقد ألغيت المحاكم المدنية، واستبدلت بمحاكم شرعية تعتمد تفسيرات متطرفة، لا تعترف بالحقوق الفردية. أُغلقت مراكز الفن والموسيقى، وتوقفت الصحف والمجلات، ولم يعد في الأفق صوت ينقل معاناة الناس أو يحاول التعبير عنها، ولو على استحياء.
يُضاف إلى ذلك أن التعليم انهار بالكامل، حيث فرضت الجماعات التكفيرية مناهج دينية صارمة، وألغت المواد العلمية أو خفّضت نسبتها، ما ترك جيلاً كاملاً خارج نطاق العالم الحديث. وبدلاً من الجامعات والبحوث، بات الطلاب يُلقنون العقيدة ومفاهيم الطاعة، تحت أعين رقابة مسلحة.
واليوم، يعيش المواطن السوري في كل شبر من البلاد تحت معادلة واحدة: إن نجوت اليوم، فأنت محظوظ. لم تعد الحياة تتعلق بتحسين المستوى المعيشي، أو المطالبة بحقوق، أو حتى الحلم بمستقبل، بل بالنجاة اليومية من بطش المسلحين، ومن عقوبات متقلبة لا تُعرف أسبابها.
لقد أصبح غياب التذمر نفسه دليلاً على حجم الرعب، لا على الرضا. فمن يرفع صوته، يُقطع رزقه أو يُنتزع من أهله. ومن يكتب رأيًا، قد لا يعود إلى منزله. ومن يحاول النقد، يجد مصيره على أعتاب محاكم لا تعرف الرحمة.
أمام هذه التحولات، لم تعد الحياة اليومية في سورية تُشبه أي شيء مما كان عليه قبل 2024. حتى سنوات الحرب الأولى كانت أقل قسوة على النفس والكرامة. ما نعيشه اليوم هو نموذج قهر شامل، قتل الشخصية السورية التي كانت يومًا ما محبة للحياة، ساخرة، ناقدة، باحثة عن فسحة أمل.
الشارع السوري اليوم صامت. لا لأن الحياة صارت أفضل، بل لأن الصمت صار وسيلة النجاة الوحيدة.
* المقال يعبر عن رأي الكاتب