عبدالمعين بن مريسي الحارثي
عندما رفع أذان العشاء من يوم الثلاثاء الموافق 1946/8/19هـ صعدت الروح الطاهرة؛ روح أخي محمد بن مريسي الحارثي إلى السماء، تحيط بها عناية الله ورعايته. كان أبناؤه وإخوانه يحيطون به، ويتناوبون على وداعه وتقبيل رأسه واحدًا تلو الآخر، ولم يكن هناك شواهد احتضار، أو أنين أو معاناة؛ بل كان محياه مضيئًا، وهو يستقبل ضيفًا من السماء.
وهكذا طويت صفحة تحمل إثراءً ثقافيًا علميًا وأدبيًا، ورحل من كرسّ حياته لخدمة التعليم وطلابه.
رحل الناقد والأديب والشاعر، بعد أن كان فارسًا متميزًا في تجديد الحركة الأدبية والنقدية في العالم العربي، وتؤكد أبحاثه ومؤلفاته على أنه جامعة نقدية أدبية، ساهمت في تجديد وتطوير المشهد الثقافي والأدبي.
رحل عراب الأندية الأدبية والمنابر الإعلامية.. عندما يصعد ويتحدث يعلو التصفيق من جمهور المثقفين وطلاب العلم؛ احترامًا وتقديرًا لشخصية أحبوها، وحضروا من أجلها؛ لينهلوا من علمه، ويستمتعوا بحديثه، وعندما يكون محكمًا أو ناقدًا يشير إلى جماليات النصوص أولاً، ثم يستعرض النصوص الضعيفة متجردًا من المجاملات وبأسلوب رائع في ظل دائرة الاحترام، وبعيدًا عن التقليل من الجهود.
كان له حضوره خارج الوطن، وكان يوظف الثقافة الأدبية لتعريف الشعوب؛ بما تقدمه الدولة من دعم الثقافة العربية والعالمية. شارك في الكثير من المؤتمرات العلمية في العديد من عواصم العالم.
رحل عميد أسرتنا، وترك لنا إرثًا معرفيًا ومسؤولية اجتماعية؛ سوف نعمل جاهدين على أن نضيف ما يجملنا منه عندما نلقاه. كيف لا، وهو قدوتنا ومعلمنا والشخصية التي من الصعب أن نملأ مكانها.
رحل رجل المواقف وصاحب العلوم الغانمة والمكانة الرفيعة، صاحب الأيادي البيضاء، يحمل من القيم والصفات أجلها، ينصر المظلوم ويغيث الملهوف ويكرم الضيف.
هكذا هم العظماء عندما يختارهم الله إلى جواره، تتناول سيرتهم الأقلام، وتتردد أسماؤهم على المنابر، ويعبر الشعراء والأدباء والمؤثرون بما تجود به أفكارهم عن هؤلاء، الذين كرسوا حياتهم لتعزيز القيم ونشر الفضيلة.
اللهم إني أسألك أن تكرم ضيافته بجوارك، اللهم إني أسألك أن تعلي مكانته في الجنة كما أعليت مكانته في الدنيا.
وداعًا أبا مشهور في أمان الله.
المصدر: صحيفة البلاد
كلمات دلالية: محمد الحارثي
إقرأ أيضاً:
قناة الأمة
لم أُفزع عندما سمعت مَن يطلب مرور سفن بلاده مجانًا من قناة السويس، وذلك لأن الأمة التي قام زعيمها جمال عبد الناصر عام 56 بتحدي أعتى الدول وأعلن تأميمه لقناة السويس، ثم تصدى هو وشعبه للعدوان الثلاثي على بورسعيد، حتمًا لن يرهبها تصريحات هنا أو هناك. فهذه القناة هي قناة الأمة المصرية كلها، أُريقت دماء المصريين من أجلها، سواء في حفرها أو في الدفاع عنها.
لا يحتاج الرئيس السيسي للرد على تصريحات أو تصرفات، فالرد سيكون من خلال أبناء الوطن أنفسهم، صغارًا وكبارًا، شبابًا وشيوخًا، نساءً ورجالاً، الكل سيدافع عن قناة السويس لأنها أصبحت قناة الأمة.
عبد الناصر عندما أعلن تأميم القناة، كان يعلن نقل ملكية القناة للشعب الذي تحمَّل كل الصعوبات للدفاع عنها، قناة السويس ليست محلاًّ للعبث أو المتاجرة بها أو استغلالها، آلافٌ راحوا فداءً للقناة، دماء سُفكت من أجلها، أبطال العبور الذين ضحوا بأنفسهم كانوا يدافعون عنها.
مصر وأبناؤها البواسل لن يكون ردهم بالكلمات، بل بالتضحيات، مثلما فعل أجدادنا وآباؤنا، وسيفعل أبناء الوطن المخلصون بالانتفاضة للدفاع عنها إذا فكّر أحد في الاقتراب منها.
مصر تملك كل الاختيارات في الدفاع عن أرضها، ولديها القدرات والإمكانيات والتحركات التي تجعلها تحافظ على قناة السويس، وهي القناة التي رفضت أجيالٌ متعاقبةٌ التفريط فيها، ولا يمكن أن نفرط فيها الآن. فهي قناة أمة دفعتِ الكثير من دماء أبنائها المخلصين لكي تظل قناة الأمة المصرية.