(نص + فيديو) المحاضرة الرمضانية الثامنة للسيد القائد 1446هـ
تاريخ النشر: 9th, March 2025 GMT
أَعُـوْذُ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّداً عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.
الَّلهُمَّ اهْدِنَا، وَتَقَبَّل مِنَّا، إنَّكَ أنتَ السَّمِيعُ العَلِيم، وَتُبْ عَليَنَا، إنَّكَ أنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمْ.
أيُّهَا الإِخْوَةُ وَالأَخَوَات:
السَّـلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛
وصلنا بالأمس إلى قوله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، في قصة نبي الله إبراهيم "عَلَيْهِ السَّلَام"، في الآيات المباركة من (سورة الأنعام): {إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}[الأنعام:79].
كُنَّا بدأنا بالحديث عن هذه المفردة المهمة: (حَنِيفاً)، وكيف أنها تكررت في الحديث عن نبي الله إبراهيم "عَلَيْهِ السَّلَام" في مقامات متعددة، وفي الحديث عن مقامات مشابهة، فيما ينبغي أن يكون عليه الإنسان المسلم، في توجهه نحو الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" بالعبادة بمفهومها الشامل، وكذلك فيما ذكره الله عن الأمم السابقة من قبلنا، أنَّها كانت مأمورةً بذلك.
وتحدثنا عن المفهوم بمدلوله الواسع، بما تعنيه مفردة (حَنِيفاً)، وأنَّها ذات أهمية كبيرة غفل عنها المسلمون، يعني: ليس هناك تركيز على هذه المفردة بمفهومها بمدلوله الواسع.
وتحدثنا أن البعض من المفسرين قَزَّمُوا هذا المفهوم في نطاق محدود، تحدثنا عمَّا يعنيه هذا المفهوم، من اتِّجاهٍ للعبادة إلى الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، وانطلاقةٍ إيمانيةٍ باستمرار، وثبات، وإخلاص، ومحبة، وخضوع وخشوع لله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، هذا هو روح الانطلاقة الإيمانية، المعبِّر عن حالة التسليم لله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، والاستجابة لأمره برغبة، والالتزام بتعليماته وتوجيهاته بانطلاقة جادّة وصادقة.
وَنَبَّهْنَا عن الخطورة الكبيرة على الإنسان، عندما تكون انطلاقته الإيمانية متعثرة، يتحرك فيها وهو يعاني من الترسبات الكبيرة، المؤثِّرة في نفسه، ترسبات لم يُزَكِّ نفسه للتخلص منها، من الأمور السيئة، المؤثِّرة تأثيراً سيئاً على نفسية الإنسان، التي تتحول إلى عوائق، عوائق عن الاستجابة السريعة لله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى".
ولـذلك- كما ذكرنا بالأمس- أتى أيضاً الحديث عن نبي الله إبراهيم "عَلَيْهِ السَّلَام" بمواصفات هي في هذا الاتِّجاه: اتِّجاه الاستجابة بخضوع لله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، وخشوع لله، في مثل قول الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" وهو يتحدث عنه: قَانِتاً، {قَانِتًا لِلَّهِ}[النحل:120]، فهو بهذا التَّوجُّه الذي يُعبِّر القرآن عنه أيضاً في عبارة أخرى تحدثنا عنها بالأمس.
هذا يلفت نظرنا إلى واقعنا نحن، في انطلاقتنا الإيمانية، كيف نحرص، وكيف نسعى إلى أن تكون انطلاقتنا الإيمانية مبنية على الاستجابة لله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، والطاعة بخضوع وخشوع، بمحبة لله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، وأن نتخلص من العوائق في النفوس، التي تجعل الإنسان ينطلق انطلاقة متعثرة وهو مُكَبَّلٌ، ويخضع للتأثيرات السلبية، التي تُعِيقه عن المبادرة، عن الاستجابة.
الإنسان إذا انطلق انطلاقةً صحيحة، يكفيه فيما ينطلق فيه من الأعمال، أن يكون فيه مرضات الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"؛ لأنه يحمل الحرص في نفسه على الاستجابة لله، على الطاعة، على الانقياد التام.
ولـذلك الحالة الأخرى المختلفة عن ذلك لدى البعض من الناس: قد ينطلق، حتى البعض انطلاقتهم إيمانية، لكنه ليس سريع الاستجابة، وليس متجهاً بدون عناء، يحتاج إلى عناء دائماً، أو في كثير من الأمور، إلى إقناعه ليستجيب، إذا اختلفت المسألة عن رغبته الشخصية، أو طموحاته الشخصية، فهو ذلك المتعب، المتعب جدًّا، الذي يعتمد على العناد، على العناد، فلا يستجيب إلَّا بعناء، لا يتحرك إلَّا بعناء، لا يتفهَّم إلَّا بعناء، لا تُدرس معه الأمور العملية إلَّا بعناء، هذه الحالة حالة سلبية لدى الإنسان، حالة سلبية بكل ما تعنيه الكلمة.
والحالة بالنسبة للعناد لدى الإنسان هي حالة ليست ايجابية أبداً؛ ولـذلك يصف الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" الجبابرة بالعناد في القرآن الكريم: {وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ}[إبراهيم:15]، (عَنِيدٍ): لا يتقبَّل الحق، فالبعض من الناس- فعلاً- لديه هذه الحالة النفسية: أنه وهو في انطلاقته الإيمانية هو متعبٌ جدًّا، لا يتحرك إلَّا بعناء، لا يتفهَّم إلَّا بعناء، لا يستجيب إلَّا بعناء، وقد يصرفه- بعد جهدٍ جهيد حتى ينطلق- قد يصرفه أبسط عائق، أو أي إشكال، أو أي استفزاز، ويؤثِّر عليه في مدى استجابته.
الاتِّجاه إذا كان بإخلاص تام لله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، بمحبةٍ لله، بخشوعٍ لله، بخضوعٍ لله، فالإنسان يتحرك فيه بمبادرة، باستجابةٍ تامة، بطاعةٍ تامة، بانقيادٍ تامٍ لأمر الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، وبرحابة صدر، وبرغبة، وهذه المسألة مهمةٌ جدًّا؛ لأن البعض من الناس- فعلاً- حتى في طريق الجهاد في سبيل الله، لا يتَّجه هذا الاتِّجاه الذي يصف الله به عباده المؤمنين بأنهم (حُنَفَاءَ)، بأنهم كما يصفهم: {وَالْقَانِتِين}[آل عمران:17]، في مواصفاتهم في (سورة آل عمران)، كما يصفهم أيضاً بأنهم مُخْبِتِين إلى الله؛ وبالتالي منقادين، مستجيبين، لا يحتاج الأمر معهم إلى عناء، وعراقيل، وتعب، ولا يمكن للناس أن يُنْجِزوا خطوةً عملية في مسيرتهم الإيمانية والجهادية، إلَّا بعناء شديد، إلَّا بتعب، إلَّا بحلحلة الكثير من العقد... وهكذا، هذا درسٌ مهمٌ جدًّا؛ لأنه يمثِّل الروح للانطلاقة الإيمانية، كيف تكون بهذا المستوى: انطلاقة سليمة من العوائق السلبية.
{وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}[الأنعام:79]، وهذه براءةٌ أيضاً، هو تبرأ من الشرك، وتبرأ أيضاً من المشركين، وتحدثنا بالأمس عن أهمية البراءة، وفي طريق الإيمان، الإنسان مع إيمانه له موقف، موقفٌ من الباطل، من الضلال، من الكفر، من الشرك، ليست المسألة مع الشرك، مع الباطل، مع الكفر بالله، مع الانحراف عن نهج الله، مع الصد عن سبيل الله، أنَّها وجهات نظر، يمكن التأقلم معها والتفهُّم لها، ثم ينظر الإنسان إلى الأمور في الحياة مثل نظرة البعض، وكأن المسألة وجهات نظر هنا وهنا وهنا، وجهة نظر عن الإيمان بالله، ثم وجهة نظر عن الكفر، والشرك، والفساد، والطغيان، والإجرام، والكفر، وسابر، كله سابر، لا، ليست المسألة كذلك، لابدَّ أن يكون للإنسان موقفٌ.
هذه البراءة من الشرك، من المشركين، عبَّر عنها القرآن الكريم في مقامات أخرى، فنبي الله إبراهيم "عَلَيْهِ السَّلَام" هو أيضاً رمزٌ وقدوةٌ في البراءة، في البراءة من أعداء الله، {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ}[الممتحنة:4]، فالله قدَّم لنا نبيه إبراهيم في القرآن الكريم على أنه رمزٌ للبراءة من أعداء الله، فعندما يحاول الأمريكي والإسرائيلي، ومن يدور في فلكهم من عملائهم الموالين لهم من العرب، أن يقدِّموه رمزاً للتطبيع والولاء لأعداء الله، فهذا إساءةٌ كبيرةٌ إليه، وتناقضٌ تامٌ مع الحقيقة، التي أكَّد الله عليها في القرآن الكريم، وسيأتي- إن شاء الله- في مقامات أخرى، تسليط الضوء من خلال الآيات القرآنية المباركة على هذه المسألة أكثر.
بعد هذا العرض، وبعد هذا الإعلان للموقف، الذي هو يوجِّه أيضاً دعوة ضمنية لهم، يعني: هو يُعبِّر عن موقفه هو، عن إيمانه، عن توحيده لله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، ويتضمن في معناه وفي فحواه الدعوة الصريحة لهم، إلى ترك ما هم عليه من الشرك، وإلى التوحيد لله والإيمان به "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، ولكن بهذا الأسلوب، الذي كان هو الخطوة الأولى المناسبة معهم، التي يخترق بها الحاجز الكبير، والعوائق الكثيرة جدًّا، فيصل بهم، من خلال هذا الأسلوب العملي المتدرج، إلى أن يتفهَّموا الحقيقة، إن أرادوا أن يتفهَّموها، تُصبح مُتاحةً لهم.
كيف كانت ردة فعل قومه بعد هذا؟
ردة فعلهم تدل على أنه نجح- فعلاً- في لفت نظرهم إلى الحقيقة المهمة، في أن الكمال لله وحده، وفي نقص معبوداتهم المُزَيَّفة، التي يُسمُّونها بالآلهة، عن مقام الألوهية، ونجح بأسلوبٍ مناسب، يعني: لم تكن ردة فعلهم- مع أن الموضوع حساس للغاية- لم تكن ردة فعلهم عنيفة جدًّا، أو متصلِّبة جدًّا، هُمْ صُدِموا بالموقف، وتفاجأوا بالمسألة وبما وصل بهم إليه من حقيقة، لكن ردة فعلهم لم تكن بمستوى سخط كبير جدًّا، أو عقدة شديدة؛ لأن الأسلوب بنفسه، والبداية كانت بداية موفَّقة، بداية قدَّم نفسه فيها في صورة الباحث عن الحقيقة، كانت الدعوة فيها لهم دعوة ضمنية، بلفت أنظارهم إلى الموضوع، كان التصور بالنسبة لهم أنه يُعبِّر عن موقفه الشخصي، وتوجهه الشخصي، ولـذلك كانت أقل حساسية من المقامات التالية؛ لأن له ما بعد هذا المقام مقامات أخرى، كانت موجهةً لهم بشكلٍ أكبر، ودخل بهم إلى مرحلة أخرى من الاحتجاج، من الدلائل، من التوبيخ، من التذكير... إلى غير ذلك.
عموماً، عبَّر القرآن الكريم عن ردة فعلهم بقول الله تعالى: {وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ}[الأنعام:80]، يعني: اتَّجهوا إلى أن يجادلوه في موضوع التوحيد، وموقفه من الشرك، وبالتأكيد أنهم لا يمتلكون الحجج، لا يمتلكون الحجج، ليس لديهم الأدلة التي يمكن أن تصمد، في مقابل ما قدَّمه هو من الحجة والبرهان.
{قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ}[الأنعام:80]، هو هنا يلفت نظرهم إلى خطأهم الكبير في الجدال في الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"؛ لأن مسألة ادِّعاء الربوبية لغير الله تعالى والألوهية، فيه إساءةٌ إلى الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"؛ لأن الله ليس له ندٌّ، ولا كفؤٌ، وهو "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" مُقَدَّس، مُعَظَّم، مُنَزَّه عن النِدّ والشريك، لا يحتاج إلى معاون؛ لأنهم عندما نسبوا إلى الألوهية شركاء مع الله، يزعمون أنهم يعينون الله، وأنهم مشتركون معه في تدبير أمور الخلق، فهم بذلك يسيئون إلى الله تعالى، وهو "جَلَّ شَأنُهُ" الذي له الكمال المطلق، والمنزَّه عن النِدّ والشريك، ومُنَزَّهٌ في عظمته وفي جلاله.
{وَقَدْ هَدَانِ}[الأنعام:80]، يعني: بعيدٌ أن أستجيب لكم، لا يمكن أن أستجيب لكم، الله قَدْ هَدَانِ، وما أمتلكه من الحجة والمعرفة في كمال الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، وتوحيده، وتنزيهه، هو بما يدحض باطلكم بكله؛ لأن الحقيقة واضحة في بطلان الشرك، حقيقة واضحة، حقيقة جليَّة.
هذا المنطق هو منطق يُعبِّر عن ثقة بما هو عليه، ثقة تامة، وعن ثبات بما هو عليه، وهذا مهمٌ جدًّا؛ لأنه يزرع اليأس لدى المجادلين، حينما يُعبِّر بكل هذه الثقة، وبكل هذا الثبات: [لن أستجيب لكم، كيف أستجيب لكم وأنتم تجادلون في الله؛ من أجل أصنام عاجزة، لا تملك لا نفعاً، ولا ضراً، ولا حياةً، ولا موتاً، ولا نشوراً... ولا أي شيء؟!]، فهو يعبِّر عن هذا الثبات، وعن هذه الثقة، تجاه ما هو عليه من الموقف؛ لأنه يستند فيه إلى هداية الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى".
هنا كما لفتنا النظر سابقاً: أن الإنسان في معتقداته الدينية، في توجهه الديني، يجب أن يكون معتمداً على هدى الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، هذا هو المستند، والمعتمد الذي ينبغي أن يعتمد عليه الإنسان، وليس على الخرافات، وليس على الأساطير، وليس على التَّخَرُّصات والظنون والأوهام، وبالحذر عن طرق الباطل، وأهل الباطل... وغير ذلك.
فالعبارة نستفيد منها أيضاً في قوله: {وَقَدْ هَدَانِ}[الأنعام:80]، الاعتزاز بالهدى، وإدراك قيمة الهدى، وعظمة أن تكون في طريق الهدى، وهذه مسألة مهمة جدًّا للإنسان، حينما يوفِّقك الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" أن تكون في طريق الهدى، فاعرف قيمة وعظمة وأهمية ما أنت فيه، ونعمة الله عليك، هي نعمة عظيمة، الإنسان إذا لم يكن للهدى عنده عظمة، أهمية، قيمة، قدر؛ يمكن أن يبتذل الهدى، أن ينحرف عن طريق الهدى، أن يتأثر بأي بدائل من الضلال والباطل، وهذه حالة سلبية لدى الإنسان، حتى فيما يتعلق بالتوفيق الإلهي، إذا كان الإنسان لا يقدِّر نعمة الهدى، فهو لا يُقدِّر النعمة عليه، يعني: حتى من باب الشكر لله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" على النعمة؛ لأن أعظم النعم على الإطلاق هي نعمة الهدى، {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}[الفاتحة:7].
وكما نَبَّهنا، الهُدى والضلال هما عنوانان بارزان وأساسيان في مسيرة حياة البشر، فإما أن يكون الإنسان في مسيرة حياته على هدى، وإلَّا فالبديل هو الضلال، هو الضلال والعياذ بالله، والمسألة ليست مجرد دعاوى، يعني: أن تلك الطريق تعتبر طريق هدى؛ لأن الذين على رأسها يدَّعون ذلك، أو الذين يتحركون فيها يدَّعون لأنفسهم ذلك.
فرعـون، بكل ما هو عليه من الضلال والباطل، يُخاطب قومه، يقول لهم: {وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ}[غافر:29]، يَدَّعي الهداية لنفسه. المشركون، فيما هم عليه من الضلال الرهيب، يقولون وهم يوجهون التهمة إلى من؟ إلى رسول الله محمد "صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم"، الذي هو رسولٌ من الله، ومنحه الله الهدى، ودعوته دعوة حقٍّ وهدى، يقولون: {إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلَا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا}[الفرقان:42]، يعني: يتهمونه بالضلال. وهكذا هي المقامات التي أشار الله إليها، وتحدث عنها في القرآن الكريم، كثيرة من هذا القبيل؛ فلـذلك المسألة ليست مرتبطة بمجرد الدعوى، هناك طريقٌ واضح للهدى: طريق كتب الله ورسله، والهداة من عباده، الذين يسيرون في دربهم، وفي طريقهم.
هم فشلوا في مسألة الاحتجاج؛ لأنهم لا يمتلكون حجةً من الأساس، يعني: المسألة بالنسبة لهم استناد إلى عاداتهم، إلى تقاليدهم، إلى أشياء لا تمثل- بنفسها- حُجةً لهم فيما هم عليه من الباطل، فانتقلوا من مسألة الاحتجاج إلى العامل النفسي؛ بهدف التأثير بالتخويف من الأصنام؛ لأنهم لا يمتلكون حُجةً مقنعة، حُجةً من الأساس يعني، اتَّجهوا إلى العامل النفسي؛ بهدف التأثير بالتخويف من الأصنام.
فهم حاولوا أن يخوِّفوه، وأنه سيسبب لنفسه مصائب، ومشاكل... وغير ذلك، فهو رد عليهم بطريقة حاسمة وحكيمة، ومهتدية في نفس الوقت: {وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ}[الأنعام:80]، لا أخاف، في مقابل حملة التخويف التي استخدموها معه، وأسلوب التخويف هو أسلوب يعتمده أهل الباطل، حتى لو قد اتَّضح باطلهم، يعني: هم يحاولون أن يكون وسيلة للضغط، للضغط على الإنسان؛ للتراجع عن الحق الذي هو حقٌّ واضح، من أجل باطلهم الذي هو باطلٌ واضح، بأسلوب التخويف، وحملات التخويف، فهو لم يتأثر بأسلوب التخويف، وكان رده مُفحماً لهم؛ لأنه لا يخاف مما يشركون به، من أصنامهم تلك، هو يعرف حقيقتها: أنها لا تملك النفع ولا الضر، ولا تملك أي قدرة أصلاً، لا للإيجابية بأن تنفع، ولا سلبية بأن تضر، وهو يُقدِّم مقارنة- ستأتي- هي مقارنة مهمة جدًّا في مسألة الخوف، من يجب أن يخاف، من حيث أنه مذنب، ومن حيث أنه في مقام المؤاخذة من الله المقتدر، ومن حيث العقوبة الإلهية، من يجب أن يخاف؟ ستأتي هذه المقارنة.
هو في البداية يقول لهم: {وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا}[الأنعام:80]، هذا الاستثناء يأتي في حديث الأنبياء، ومع أكثر من نبيٍ في القرآن الكريم، وهو استثناء مهم جدًّا، يعني: هم لا ينطلقون من منطلقات شخصية في مواقفهم، وحتى المقام هنا ليس في مقام الاعتماد على النفس، يعني: بالاعتماد على نفسي، لا أخاف ما تشركون به، معتمداً على نفسي، على قوتي، على قدرتي، ليس كذلك، الأنبياء يحرصون على أن يربطوا موقفهم بالله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، وأن يشدَّوا الناس إلى الله "جَلَّ شَأنُهُ"، وأن يترفَّعوا عن الاعتبارات الشخصية، والمواقف الشخصية، وهذه مسألة مهمة جدًّا.
هو هنا يُعبِّر عن أنه ينطلق عبداً لله، مُسَلِّماً نفسه لله، وأن الأمر كله لله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، ويعبِّر عن توكله على الله، وتسليمه لأمر الله، فيشبه ما ذكره الله في تعليماته لنا في القرآن الكريم لنبيه وللمؤمنين: {قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا}[التوبة:51]؛ لـذلك هذا المنطق مهم جدًّا: {إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا}[الأنعام:80]: يعني: لن يأتي شيءٌ من جهة الأعداء لا يعلمه الله، هو الواسع علماً، المحيط علماً بكل شيء، فأنا مخلصٌ له، ومهتدٍ بهديه، ومؤمنٌ به وحده، وأعلم أنه بكل شيءٍ عليم، فلن يحصل شيءٌ يضرني في وقتٍ يكون الله غير عالمٍ به، فهو الذي لا يخفى عليه شيءٌ، وأنا أستند إلى رعايته تعالى، وأُسلِّم أمري له "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، فإذا أتى شيءٌ بعلم الله، فليكن ما كان، يُعبِّر عن ثقته بالله، عن التجائه إلى الله، عن اعتماده على الله، عن توكله على الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى".
{أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ}[الأنعام:80]، وهو هنا بعد أن ذكَّرهم بالحق، لفت نظرهم إلى الحقيقة، إلى ما كانوا غافلين عنه، جاهلين به، والمفترض بالإنسان في مثل هذه الحالة أن يتفاعل، بالتقبُّل، بالاستجابة، عندما يكون الإنسان في الاتِّجاه الخطأ، وأتى من يُذكِّره، ومن يلفت نظره، ومن يُنَبِّهه، فالاتِّجاه الصحيح للإنسان الذي يدل على الرشد، يدل على الإنصاف، هو: أن يتفاعل إيجاباً، أن يتقبَّل؛ بينما إذا كان الإنسان مُتبلِّد الذهن، ومعقَّد النفس، لا ينفع فيه أن يُذَكَّر، تُعرَض له الحقائق، تُعرَض له البراهين، تُقدَّم له الحُجج، لا ينفع معه شيء، مهما كانت الحُجَّة، مهما كان وضوح الحق، مهما كان وضوح الحقيقة؛ يبقى معانداً، لا يتفاعل؛ لأنه مقفل الذهن، متبلِّد الذهن، وهو في نفس الوقت معقَّد النفس، ومكبَّلٌ بالضلال، وأسيرٌ للباطل، البعض من الناس يصل به الحال إلى هذا المستوى: أن يكون أسيراً للباطل، ومُكبَّلاً بالضلال.
{وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ}[الأنعام:81]، يستمر في مخاطبتهم تجاه مسألة التخويف، التي حاولوا أن يؤثِّروا عليه بها، {وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}[الأنعام:81]، هنا قدَّم مقارنة مهمة جدًّا:
- (كَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ): الأصنام التي تنحتونها أنتم، لا تملك شيئاً، لا حياةً، ولا نفعاً، ولا ضراً، ولا أي شيء، وليس لها أي قدرة، هل أخاف منها؛ لأنكم منحتموها أنتم وسام الألوهية كصفة زائفة، ليس لها أي حقيقة في الواقع، اسم فقط، اسم ليس له حقيقة ولا واقع، {وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ}.
- {وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا}[الأنعام:81]، يعني: أنتم المذنبون، أنتم الذين يجب أن تخافوا من ذنب شرككم بالله تعالى، فأنتم تُقِرُّون بالله، وَتُقِرُّون بقدرته على كل شيء، وأنه الذي فطر السماوات والأرض، وعلى كل شيءٍ قدير، ونؤمن جميعاً نحن وأنتم به؛ إذاً يجب أن تخافوا أنتم؛ لأنكم أنتم المذنبون ذنبًا خطيرًا جدًّا، وأنتم في مقام المؤاخذة الإلهية، في مقام العقوبة الإلهية، أنتم في الموقف الخطر جدًّا، يعني: في الذنب، الذي هو ذنب خطير على الإنسان: من حيث المؤاخذة من الله، من حيث العقوبة من الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، من حيث أنه يصبح في مشكلة مع الله "جَلَّ شَأنُهُ"، فأنتم الذين يجب أن تخافوا أنكم أشركتم بالله.
{مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا}[الأنعام:81]، وهذا كما نَبَّهْنا في كل المواطن الماضية: أن المستند والأساس في المعتقدات الدينية هو ما ثبت أنه من الله، بالحُجَّة، وبالبرهان، وليس بالشبه وبالادِّعاءات الفارغة، بالحُجَّة وبالبرهان؛ ولـذلك يجب أن يكون الإنسان مُتنبِّهاً لهذه المسألة، إيمانك يكون مبنياً في مبادئه، في أسسه، في عقائدك الدينية، على أساس ما هو من الله، من هدى الله، ببرهانٍ واضح، بدليلٍ واضح من هدى الله "جَلَّ شَأنُهُ"، وأن يكون الإنسان حذراً من الآراء الباطلة، والزخارف الزائفة، والخرافات التي باسم أنها من دين الله وليست من دين الله؛ لأن هناك من يفترون على الله الكذب، هناك من يزخرفون زخارف القول؛ للإقناع بالباطل، فئات ضالَّة، أهل الضلال، ينشطون في التضليل للناس، اليهود في هذا العصر لهم نشاط هائل، ويركِّزون على الاختراق الفكري، والثقافي، والعقائدي، ولهم ناشطون، كُتَّاب يكتبون في مواقع التواصل وغيرها، في شبكة الإنترنت، في القنوات الفضائية التي هي منابر للضلال، وتستخدم للضلال من قِبَلِهِم، القنوات التابعة للمُضِلِّين.
فهو هنا يُنَبِّه على هذه الحقيقة: {أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا}[الأنعام:81]، يعني: ليس لكم مستندٌ في باطلكم من الله، ليس هناك حُجَّة، ليس هناك برهان، لا هدى من الله، ولا كتاب من كتب الله، تستندون إليه فيما قمتم به، فيما وصلتم إليه من الانحراف، بالشرك بالله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى".
{فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}[الأنعام:81]، من الذي هو آمن، ويستحق أن يقال له: هو آمن، {إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}؟ والفريقان في الآية، حين قال: {فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ}:
- فريق من آمن بالله، وأخلص له، إيماناً سليماً من الشوائب.
- والفريق الآخر: الفريق الذي أشرك بالله ما لم يُنزِّل به سلطاناً.
{إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}[الأنعام:81]، يعني: تفهمون الأشياء برؤية واضحة من خلال المقارنة.
المقارنة في موضوع التخويف درسٌ مهمٌ جدًّا، من أحوج ما نحتاج إليه في هذا الزمن؛ لأن من أكثر ما يركِّز عليه الطغاة والمجرمون، والضالُّون، والمضلُّون، والمنافقون، كل فئات أولياء الشيطان، هو: التخويف، وكل القائمة التي يخوِّفون منها هي في قائمة: {وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ}[الزمر:36]، يخوِّفونك بأمريكا، بما تمتلكه أمريكا من قوات عسكرية، وقدرات عسكرية، بما تقوم به من ضغوط اقتصادية... وغير ذلك، ويؤثِّر التخويف على الكثير من الناس، يعتبر التخويف من أكثر العوامل المؤثِّرة على الكثير من الناس.
يعني: ربما لو نتأمل في واقع أمتنا الإسلامية، كيف تتعامل مع قضايا واضحة، الحقُّ فيها واضحٌ تماماً، ليس هناك التباس لدى الناس فيها، مثل: القضية الفلسطينية، والمظلومية الفلسطينية، مظلومية الشعب الفلسطيني، وهذا التخاذل في واقع الأمة، أكبر سببٍ فيه لدى الكثير هو الخوف، لم يتحركوا، لم يجرؤوا أن يكون لهم موقف؛ خوفاً من أمريكا، على مستوى الحكومات والأنظمة، وكذلك خوفاً من الحكومات والأنظمة على مستوى الكثير من الشعوب، وهذه إشكالية خطيرة على الناس؛ لأنها ليست منجية، يعني: ما يخاف منه الناس، وبالتالي يتنصلون عن مسؤولياتهم الإيمانية والدينية، هم يسببون لأنفسهم من سخط الله، وغضب الله، وعذاب الله، ما هو الشيء الذي يجب أن يخافوا منه فعلاً، وما لا يُقارن، ما يخافون منه، وقد تخلَّوا عن ذلك بسببه، يعني: عندما يخافون من أمريكا- مثلاً- من قدراتها العسكرية، ما هي قدرات أمريكا العسكرية في مقابل عذاب الله وسخط الله، في مقابل لحظة واحدة من جهنم، عذاب الله في الدنيا والآخرة؟ لا شيء، أو في مقابل ما بحوزة إسرائيل من قدرات للقتل والبطش والجبروت؟ كذلك لا يساوي ساعة واحدة في نار جهنم، ولا لحظة واحدة في نار جهنم.
ولـذلك يجب أن يكون الإنسان واعياً، يعني: حتى بحساب الخوف، بحساب الخوف، ما هو الذي يجب أن أخاف منه؟ أين هو الخطر الأكبر؟ أين هو الضرر الأشد، الذي يجب أن أحسب حسابه: ما يأتيني من جانب الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، إن عصيته، إن فرَّطت في مسؤولياتي، إن تنصلت عن واجباتي، إن خالفت هدى الله وتعليماته؛ أو ما يأتيني من جهة الناس؟ ما يأتي من جهة الناس هو لا شيء في مقابل عذاب الله وسخط الله.
ولـذلك يجب أن يكون المعيار في مسألة ما يجب أن نخاف منه، يجب أن يكون المعيار معيار القرآن الكريم، فأولئك الذين اتَّجهوا من أبناء هذه الأمة للخضوع لأمريكا، وطاعتها، والولاء لها، وتقديم الدعم لها (المال)، والطاعة لها؛ هُمْ ابتعدوا عن الله، أصبحوا في واقعهم يعتبرون أمريكا وكأنها أكبر من الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، وكأنها نِدٌّ لله "جَلَّ شَأنُهُ"، هُمْ في الموقف الخطير على أنفسهم من عذاب الله، ومن سخط الله "جَلَّ شَأنُهُ"؛ لأنهم بخضوعهم لأمريكا يدعمون الباطل، يقفون مع الباطل، يخدمون الباطل، يُتيحون المجال للظلم، للإجرام، أكبر عامل استفادت منه إسرائيل، في عدوانها على الشعب الفلسطيني، هو: تخاذل الأمة، أمكن لها أن تفعل ما تفعل، بذلك المستوى من الوحشية والإجرام والطغيان.
الآن، على مستوى أكبر، ومستوى يُعبِّر عن المبادئ والدين، ما الذي يعيق أكثر الأمة عن الاتِّجاه وفق هدى الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، أن يكون لهم الموقف القرآني، أن يتحركوا وفق توجيهات الله "جَلَّ شَأنُهُ"؟ هو الخوف، مؤثرٌ عليهم إلى درجة كبيرة جدًّا.
ولـذلك يجب أن يكون هناك تذكير بهذه المقارنة، وترسيخ لها؛ لأنها سَتُمثِّل علاجاً وحلاً لهذه العقدة، لهذه العقدة لمن يتذكر، لمن يتفهَّم. من هو في الموقف الأقوى: من يعتمد على الله، ويتوكل عليه، ويعتمد على نصره وتأييده، أو من باءوا بغضبٍ من الله، وسخطٍ من الله، ولهم الوعيد الشديد في القرآن الكريم توعدهم الله به، ومن يواليهم؟
{إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}[الأنعام:81]، أنت عندما تخاف من عذاب الله، وتتَّجه لما يقيك من عذابه؛ فأنت أولاً ستأمن من عذابه، والله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" هو قادرٌ أيضاً على أن يُؤمِّنك من ضُرِّ الآخرين، ونجد الدرس العظيم في قصة نبي الله إبراهيم "عَلَيْهِ السَّلَام"، كما سيأتي في مقامات أخرى، حاولوا حتى أن يحرقوه بالنار، لكنهم فشلوا في ذلك؛ ولـذلك هذه المقارنة مهمة جدًّا.
نكتفي بهذا المقدار.
وَنَسْألُ اللَّهَ "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" أَنْ يُوَفِّقَنَا وَإِيَّاكُم لِمَا يُرْضِيهِ عَنَّا، وَأَنْ يَرْحَمَ شُهْدَاءَنَا الأَبْرَار، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّجَ عَنْ أَسرَانَا، وَأَنْ يَنْصُرَنَا بِنَصْرِه، إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاء.
وَالسَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛
المحاضرة الرمضانية الثامنة للسيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي 08 رمضان 1446هـ 08 مارس 2025م pic.twitter.com/pdbNlsttVP
— الإعلام الحربي اليمني (@MMY1444) March 8, 2025المصدر: ٢٦ سبتمبر نت
كلمات دلالية: فی القرآن الکریم نبی الله إبراهیم أن یکون الإنسان البعض من الناس الإنسان فی الله تعالى لا یمتلکون ما هو علیه الکثیر من عذاب الله ردة فعلهم فی مقامات ع ل ى آل س ل ط ان ا س ب ح ان ه ت ع ال ى ت ع ل م ون هدى الله على الله من الشرک فی مقابل لیس هناک إلى الله الذی هو علیه من من عذاب فی مقام من الله مهمة جد فی طریق لا تملک بعد هذا لیس له ما کان هو هنا کل شیء التی ی من حیث التی ت الذی ی على أن
إقرأ أيضاً:
مرايا الوحي.. المحاضرة الرمضانية (6) للسيد القائد 1446
يمانيون/ مراد شلي مرايا الوحي: حكايات المحاضرات الرمضانية للسيد القائد (تجسيد المحاضرات الرمضانية كـ”مرايا” تعكس أنوار المعرفة الإلهية بطريقة السرد الروائي). (المحاضرة الرمضانية السادسة)
استدراك :
ستظل شخصيات الدكتور أحمد ونجليه صلاح ومُنير تتواجد في جزئية محاضرات القصص القرآنية؛ لاتساقها مع موضوع المحاضرة وعدم تشتيت انتباه القارئ.
“الدكتور أحمد أستاذ الفقه المقارن في كلية العلوم الإسلامية بجامعة الجزائر.
أما نَجَلاه صلاح ومُنير، فيدرسان في كلية الطب بالجامعة ذاتها.”
استضاف الدكتور احمد ابن شقيقه حازم ليتناول معهم الفطور والعشاء
” حازم من رفاق صلاح ومنير يدرس الهندسة المعمارية والده احد ضحايا العشرية السوداء التي شهدتها الجزائر بسبب الجماعات المتطرفة ”
انتهوا ثلاثتهم من العشاء وبدأو باخذ اماكنهم للاستعداد لمشاهدة محاضرة الليلة ومنير يتحدث مع حازم :
– اليوم سنهديك هدية من نوع خاص ستشاهد محاضرة اليوم للسيد عبدالملك الذي اخبرناك عنه وستخبرنا برأيك.
انطلقت المحاضرة للتو وشد الاربعة حواسهم لمتابعتها بكل اهتمام :-
يقول الله سبحانه وتعالى: {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ}[الأنعام:75]، تحدثنا بالأمس بداية الحديث عن هذه الآية المباركة، وعن سنة الله تعالى في إعداد أنبيائه ورسله لمهامهم العظيمة، وعن مستوى الأهمية لمهام الرسل والأنبياء، واختلافها عن الكثير من المهام، باعتبارها ذات خصوصية كبيرة جداً، تحتاج إلى مستوى عالٍ من الإعداد الكبير والتهيئة .
– يتحدث حازم ليتني استمعت لمحاضرة الامس فقد فاتني الحديث عن هذه الآية المباركة وسنة الله تعالى في إعداد أنبيائه ورسله لمهامهم العظيمة.
ولـذلك نلحظ فيما يتعلق بخاتم النبيين، وسيِّد المرسلين محمد “صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ”، أن الله أخبر أنه منحه من هذه الرعاية، من ضمن ذلك قوله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ}[الإسراء:1]، ما هو الهدف من هذه الرحلة العجيبة بما فيها من الآيات العجيبة؟ قال الله جل شأنه: {لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}[الإسراء:1]، فلها هذا الهدف: الإعداد النفسي والمعنوي، والإعداد على مستوى اليقين والمعرفة، والعمق، العمق في المعرفة نفسها وترسيخها، وفي نفس الوقت مستوى الثقة واليقين.
– هل سمعتم يا ابنائي الهدف الروحي من هذه الرحلة العجيبة بما فيها من الآيات العجيب كما شرحها السيد عبدالملك .
درجة اليقين عندما تكون درجة عالية ومستواه، لهذا أهمية كبيرة جداً فيما يتعلق بأداء المهام الكبرى، والمسؤوليات الكبرى، تحتاج ليس فقط إلى مستوى الإقرار، أو الإيمان بشكل مبدئي وعادي، تحتاج إلى درجة عالية من اليقين، ومستوى عظيم من اليقين،
مادة اليقين هي المعرفة الراسخة، والقناعة التامة، القناعة التامة بالحق، والإيمان الراسخ، والفهم العميق وبالتالي تكون رؤية الإنسان وقناعته ثابتة وقوية، وموقفه ثابت، ويستند إلى الحقائق التي يتيقنها ويتأكد منها، والحجج الدامغة، فهو على بصيرة، على بينة؛ وبالتالي على قناعة تامة وثقة، ثقة تامة، ليس هناك ولا أي نسبة بسيطة من الشك، أو الاضطراب، أو التردد.
اليقين مسألة مهمة وأساسية في دين الله، يعني: ليس فقط على مستوى الأنبياء، الأنبياء درجتهم في اليقين درجة عالية جداً، رسل الله وأنبياؤه لن يصل أحد إلى مستوى يقينهم، لكن مسألة اليقين هي مسألة أساسية في طريق الإيمان بالله سبحانه وتعالى، لكل المؤمنين،
ولهذا يأتي في مواصفات المتقين في القرآن الكريم يقول الله تعالى: {وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ}[البقرة:4]، يقول الله جل شأنه: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ}[الحجرات:15].
{ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا}،
آثار وتجليات اليقين، فهي:
في بدايتها: حالة الاطمئنان التام، حالة الاطمئنان التام والثقة التامة بما أنت عليه، ما أنت عليه من الحق، من الموقف، من الإيمان، تنطلق بيقينك وأنت مطمئن النفس، واثق، واثقٌ تماماً، ليس عندك أدنى تردد، أو قلق، أو اضطراب.
كذلك أن تكون عظيم الثقة بالله سبحانه وتعالى؛ وبالتالي أنت من يتفاعل من موقع الثقة التامة مع وعوده سبحانه وتعالى، ما وعد به، ومع وعيده
– تحدث حازم بكل حماس واعجاب :
– لم استمع يوما عن اليقين بهذه الطريقة الروحية المتكاملة التي طرحها السيد اليمني.
أومأ ثلاثتهم برؤوسهم موافقين و مبتسمين له .
تشاهد الأمة في قضية واضحة، من أوضح القضايا، مظلومية الشعب الفلسطيني، تشاهد الأمة ما يجري هناك من طغيان، وعدوان، وإجرام أمريكي وإسرائيلي، وهي قضية ليس فيها أي التباس أبداً، في كونها قضية حق واضح للشعب الفلسطيني، ومظلومية واضحة، مع ذلك الغالب على موقف الكثير من أبناء الأمة، وفي المقدم الحكومات والأنظمة والزعماء، هو عدم القيام بمسؤوليتهم، التي هي مسؤولية دينية يحاسبون عنها يوم القيامة، بل لتفريطهم فيها تبعات وعقوبات، منها ما يأتي في عاجل الدنيا، ومنها ما يأتي في الآخرة، هو انعدام اليقين
– هل استمعتم كيف ربط السيد عبدالملك قضية فلسطين وموقف القادة وروساء الانظمة والبلدان من ابناء الامة الاسلامية بقضية عدم اليقين . . هكذا تحدث الدكتور احمد .
في المقابل، نرى- مثلاً- البعض من أبناء أُمَّتنا ينطلقون من ظروف في نقطة الصفر، على حسب الإمكانات المادية، ولكنهم ينطلقون ويستجيبون لله تعالى بثقة، لماذا؟ ما الذي ميَّز موقف هؤلاء عن أولئك؟ هو اليقين، الثقة بوعد الله سبحانه وتعالى، كانوا متأكدين، ومتيقنين، وواثقين بأنهم حينما يستجيبون لله تعالى فهو سيفي بوعده لهم، فلليقين أهميته الكبيرة جداً في قوة الموقف، في الثبات على الموقف، في الاندفاعة اللازمة، التي هي تعبِّر عن تفاعل حقيقي.
– هل استمعتم كيف قدم السيد عبدالملك الموقف المقابل الموقف الاخر وهم موقف الاسناد لغزة رغم ضعف امكاناتهم وربطه بقوة اليقين لديهم .
في الوعيد الإلهي، عندما نرى وعيد الله في القرآن الكريم، في تقصير الإنسان بتقوى الله سبحانه وتعالى، وتفريطه في واجباته ومسؤولياته، وعصيانه لله تعالى في أوامره ونواهيه، أن العاقبة هي جهنم، بكل ما وصفها الله به من شدة العذاب:
الاحتراق بين جحيمها، ونيرانها المتسعرة، ولهبها الشديد.
وفي نفس الوقت شرب حميمها الساخن، وصديدها.
الحميم الذي يشوي الوجوه، ويقطع الأمعاء.
الصديد الذي يتجرعه من يتورط- والعياذ بالله- في ذلك العذاب ولا يكاد يسيغه.
الملابس التي هي ملابس نارية: {قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ}[الحج:19]، ومن القطران أيضاً، {سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ}[إبراهيم:50].
كل ذلك الهم، والغم، والحزن، والأسى، والكرب، والشدَّة، والضيق، وهم مقيدون بسلاسل جهنم، يتعذبون للأبد بين أطباق نيرانها، ويسحبون بين حميمها، أمر رهيب جداً
– ارتعدت اجسادهم وهم يستمعون لعقوبات وعيد الله في القرآن الكريم، في عصيان الإنسان لله تعالى وانواع العذاب التي سردها السيد عبدالملك
ولذلك برز نبي الله إبراهيم عليه السلام فتىً قوياً، مستبصراً، ثابتاً، وفي نفس الوقت حكيماً، قدَّم احتجاجاً قوياً، عرض براهين مقنعة لقومه، كان له فيهم مقامات متعددة، لكن الخطوة الأولى تتعلق بكيف يستخدم معهم طريقةً حكيمةً مناسبة، يتمكن من خلالها إلى إفهامهم بالحقيقة الكبرى، التي يريد أن يستوعبوها، وهي: أن تلك الأصنام غير جديرة بالألوهية، وأنه لا إله إلا الله وحده لا شريك له،
هو بحاجة إلى أن تكون الخطوة التي يبدأ بها معهم بالشكل الذي تلفت نظرهم، بالتدرج؛ حتى يوصلهم إلى استيعاب هذه الحقيقة؛ لأن الهدف هو هدايتهم، كيف يفهمون، هذه المسألة المهمة، يعني: ليس المطلوب أن يذهب من اليوم الأول، من اللحظة الأولى، ليستفزهم، وليفتعل معهم ضجة ومشكلة، وانتهى الأمر؛ هو رسولٌ إليهم ليهديهم؛ وبالتـالي مطلوبٌ أن يسعى لإيصال الحقيقة إليهم،
– هل ادركتم كيف بدأ نبي الله ابراهيم عليه السلام رحلة هداية قومه كما شرحها السيد عبدالملك .
ولأن الكثير من الناس أيضاً يحتاجون إلى الأساليب العملية، لا ينفع معهم الكلام، يحتاجون إلى أسلوب عملي ووقائع، حتى تتزحزح قناعتهم بالباطل، ويتقبَّلون الحق؛ لكثرة ما أدمنوا على الباطل، فاتَّجه في الأسلوب العملي، وفق ما ورد في القرآن الكريم، بصورة باحث عن الحقيقة، وذهب إليهم، واستعرض معهم هذا الاستعراض التأملي، الذي ورد في الآيات القرآنية: {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ (76) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (78) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}[الأنعام:76-79].
نتحدث على ضوء هذه الآيات المباركة في المحاضرة القادمة إن شاء الله.
– انتهت المحاضرة وجميعهم في حالة رضى واعجاب بطرح السيد عبدالملك ليقاطعهم حازم بسؤاله :
– متى موعد المحاضرة القادمة ؟ . .