ألقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كلمة أمام الضيوف والمشاركين خلال اجتماع قمة "بريكس" بصيغته الموسعة، في إطار القمة الخامسة عشرة للمنظمة المنعقدة في الفترة من 22-24 أغسطس الجاري.

ويحمل الاجتماع عنوان "بريكس وإفريقيا: الشراكة من الأجل النمو المشترك المتسارع والتنمية المستدامة والتعددية الشاملة"، حيث ناقش قادة دول "بريكس" الخمس (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا) القضايا الراهنة على جدول الأعمال العالمي والإقليمي، والإنجازات ومهام الشراكة الاستراتيجية للدول الأعضاء في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والإنسانية.

وفيما يلي نص كلمة الرئيس:

عزيزي الرئيس رامافوزا، عزيزي الرئيس لولا، عزيزي رئيس الوزراء مودي، عزيزي الرئيس شي جين بينغ!

الأصدقاء الأعزاء والزملاء!

إقرأ المزيد ما الحاجة إلى "بريكس"؟ وهل تشكل تهديدا للولايات المتحدة؟

بادئ ذي بدء أود أن أشكر أصدقاءنا في جنوب إفريقيا على كل ما بذلوه من جهد خلال رئاستهم لمجموعة "بريكس" هذا العام.

لقد قدم الزملاء الذين تحدثوا بالفعل تقييما إيجابيا لأنشطة مجموعة "بريكس"، وبشكل عام، فإننا نشارك هذه التقييمات. لقد نجحت الدول الخمس في ترسيخ مكانتها على الساحة العالمية باعتبارها هيكلا موثوقا يتعزز تأثيره في الشؤون العالمية باستمرار.

إن المسار الاستراتيجي للتوحيد موجه نحو المستقبل ليمس الجزء الرئيس من المجتمع الدولي، ما يسمى بالأغلبية العالمية. ومن خلال العمل بتنسيق، وعلى أساس مبادئ المساواة ودعم الشراكة ومراعاة مصالح بعضا البعض، فإننا نتعامل مع القضايا الأكثر إلحاحا على جدول الأعمال العالمي والإقليمي.

إلا أن الأمر الرئيسي هو أننا جميعا متفقون على تشكيل نظام عالمي متعدد الأقطاب يكون عادلا حقا، ويستند إلى القانون الدولي مع مراعاة المبادئ الأساسية لميثاق الأمم المتحدة، بما في ذلك الحق في السيادة، واحترام حق الشعوب في تقرير المصير، واختيار نموذج التنمية الخاص بهم. نحن ضد أي نوع من الهيمنة وضد ما تروج له بعض الدول من استثنائيتها، وما يترتب على تلك الفرضية من سياسة جديدة ألا وهي سياسة استمرار الاستعمار الجديد.

أريد أن أشير إلى أن هذه الرغبة تحديدا في الحفاظ على الهيمنة العالمية لبعض الدول هي ما أدى إلى الأزمة الحادة في أوكرانيا. فتم تنفيذ انقلاب غير دستوري في هذه الدولة أولا، بمساعدة الدول الغربية، ثم شنت حرب ضد من لم يوافقوا على هذا الانقلاب، حرب وحشية، حرب إبادة استمرت لمدة 8 سنوات.

قررت روسيا دعم هؤلاء الذين يقاتلون من أجل ثقافتهم وتقاليدهم ولغتهم ومستقبلهم. إن تحركاتنا في أوكرانيا يمليها شيء واحد فقط: وهو وضع حد للحرب التي أطلقها الغرب وتابعوه في أوكرانيا ضد سكان دونباس.

ونحن ممتنون لزملائنا في مجموعة "بريكس" الذين يشاركون بنشاط في محاولة إنهاء هذا الوضع وتحقيق تسوية عادلة من خلال الوسائل السلمية.

إقرأ المزيد اقتراحات قادة "بريكس" لنقل التعاون إلى مستوى جديد

الزملاء الأعزاء، إن الشيء الرئيسي هو أننا جميعا متفقون على نظام عالمي متعدد الأقطاب يكون عادلا حقا ويستند إلى القانون الدولي.

وعاما وراء الآخر، تعمل دول "بريكس" على بناء إمكاناتها، وكما ذكرت من قبل، فإن حصة دول "بريكس" الخمس، حيث يعيش أكثر من 3 مليارات نسمة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي قد تجاوزت بالفعل حصة ما يسمى بالدول الصناعية السبع من حيث تعادل القوة الشرائية. وعلى مدى العقد الماضي، تضاعفت استثمارات دول "بريكس" في الاقتصاد العالمي، وبلغت صادراتها مجتمعة 20% من الإجمالي العالمي.

كما يجري تنفيذ استراتيجية الشراكة الاقتصادية لدول المجموعة حتى عام 2025 بنجاح، وعلى وجه الخصوص، يجري تعزيز التعاون الخماسي في مجالات مثل تنويع سلاسل التوريد، وإلغاء الدولرة، والانتقال إلى العملات الوطنية في التسويات المتبادلة، والاقتصاد الرقمي، ودعم المؤسسات الصغيرة ومتوسطة الحجم، والنقل العادل للتكنولوجيا.

وبطبيعة الحال، تقوم دوائر الأعمال بدور نشط في هذه العمليات، حيث يتم إنجاز الكثير من العمل من خلال مجلس أعمال "بريكس" وتحالف أعمال المرأة، وهو ما ذكره بالفعل مضيف اجتماعنا اليوم، الرئيس رامافوزا، وقادة هذه المنظمات حاضرون في هذا الاجتماع.

إن من بين الأولويات المهمة لتفاعل "بريكس" إنشاء طرق مستدامة وآمنة. وفي حديثي أمام المشاركين في منتدى أعمال "بريكس"، تحدثت بالفعل عن أهمية التطوير المتسارع للطرق العابرة للقارات، مثل الممر بين الشمال والجنوب، الذي سيربط الموانئ الروسية في البحار الشمالية وبحر البلطيق بالمحطات البحرية على ساحل الخليج والمحيط الهندي، لتكون في المستقبل قادرة على توفير عبور يصل إلى 30 مليون طن من البضائع سنويا.

ونعتقد أن الوقت قد حان لإنشاء لجنة نقل دائمة في إطار مجموعة "بريكس"، تتعامل ليس فقط مع مشروع الشمال والجنوب، ولكن أيضا بالمعنى الأوسع، مع تطوير ممرات النقل والإمداد على المستويين الإقليمي والعالمي. وإذا وافق الشركاء، يمكن للجانب الروسي العمل على هذه الفكرة كجزء من رئاسة "بريكس" لعام 2024.

إقرأ المزيد اقتراحات قادة "بريكس" لنقل التعاون إلى مستوى جديد

وبالطبع، نرحب بتعزيز التفاعل بين الدول الخمس في مجال الابتكار العالمي، ونتطلع إلى تكثيف التعاون في إطار مبادرة الشبكة العالمية للبنى التحتية البحثية لمجموعة "بريكس"، والتي يمكن دعمها وتطويرها من خلال صندوق خاص موجه. وروسيا، من جانبها، مستعدة لتقاسم خبراتها المتراكمة، وأفضل ممارساتها، بما في ذلك في مجال التحول الرقمي واستخدام الذكاء الاصطناعي.

نحن كذلك مصممون على المشاركة بنشاط في تنفيذ الاتفاقيات التي تم التوصل إليها بشأن إنشاء فريق عمل مشترك معني بالطب النووي، ونحن مهتمون بتحويل تلك الاتفاقيات إلى المستوى العملية لأنشطة "بريكس" للتعاون في مجال التعليم المهني المتوسط، ونؤيد بالكامل اقتراح زملائنا في جنوب إفريقيا بتنظيم اجتماع وزاري منفصل بشأن شؤون المرأة، التي مما لا شك فيه أن دورها في الحياة السياسة والاقتصادية والاجتماعية لدولنا يجب أن يتوسع.

الزملاء الأعزاء!

في العام المقبل، ستنتقل رئاسة مجموعة "بريكس" إلى روسيا. وستكون رئاستنا تحت شعار "تعزيز التعددية من أجل التنمية والأمن العالميين العادلين"، ونخطط لحوالي 200 فعالية سياسية واقتصادية واجتماعية ستستضيفها أكثر من 12 مدينة روسية.

في الوقت نفسه، نخطط لعقد اجتماع قمة "بريكس" في أكتوبر 2024 في مدينة قازان، وسوف نتفق على المواعيد المحددة مع زملائنا من خلال القنوات الدبلوماسية، كما ستقام هناك أيضا فعاليات بصيغة "بريكس+ " المفيدة.

وخلال رئاستنا، نعتزم بذل كل ما في وسعنا للمساهمة بشكل فعال في تنفيذ القرارات المتخذة في القمة الحالية، بما في ذلك المتعلقة بتوسيع دائرة المشاركين في المجموعة. وسنقوم بالتنسيق الوثيق مع الشركاء بشأن ملف السياسة الخارجية، وسنعمل معا في المنصات الدولية الرئيسية، وفي المقام الأول في الأمم المتحدة، وسنواصل إجراء الاجتماعات المنتظمة للممثلين رفيعي المستوى بشأن القضايا الأمنية.

وبطبيعة الحال، سنولي الأولوية للاهتمام بالمهام العاجلة مثل مكافحة الإرهاب وانتشار الفكر الإرهابي، فضلا عن مكافحة غسل الأموال، وإعادة الأصول التي تم الحصول عليها بوسائل إجرامية.

وبالمناسبة، فنحن ممتنون لشركائنا على دعمهم في فرق العمل المعنية بالإجراءات المالية المتعلقة بغسل الأموال FATF، ونأمل أن تستمر روح التضامن هذه في المستقبل.

وسنساهم في التنفيذ الشامل لاستراتيجية الشراكة الاقتصادية لدول "بريكس" حتى عام 2025، وتطوير مبادئ توجيهية جديدة طويلة الأجل للتعاون. ومن بينها زيادة دور دولنا في النظام النقدي والمالي الدولي، وتطوير التعاون بين البنوك، وتوسيع استخدام العملات الوطنية، وتعميق التفاعل من خلال سلطات الضرائب والجمارك ومكافحة الاحتكار.

مما لا شك فيه أن أولويات روسيا تشمل بناء الشراكات في مجالات العلوم والإبداع، والرعاية الصحية، والتعليم، وتطوير العلاقات الإنسانية بشكل عام، حيث يعد التنوع الثقافي والحضاري أحد الركائز الداعمة للنظام العالمي الجديد متعدد الأقطاب، وهو ما يعني ضمنا خلق مساحة حرة شاملة للتبادل الثقافي والفني والإبداعي.

إقرأ المزيد بوتين: الغرب يسعى للهيمنة و"بريكس" توسع قدراتها

ويبدو أن الوقت قد حان لإجراء مناقشة جادة مع شركائنا في مجموعة "بريكس"، وشركاء منظمة شنغهاي للتعاون وشركائنا في رابطة الدول المستقلة وغيرهم من الدول حول مستقبل الثقافة في العالم، وحول الحفاظ على التراث الثقافي العالمي وتعزيزه. بالمناسبة، فإن المنتدى الثقافي الدولي التاسع، المقرر عقده بالفعل في مدينة بطرسبورغ، في روسيا، الذي سيقام في الفترة من 16-18 نوفمبر من هذا العام، يمكن أن يصبح منصة مناسبة لمثل هذا الحوار.

بالطبع، ستواصل روسيا، بكل الطرق الممكنة، تعزيز تطوير الاتصالات في مجال الرياضة والتبادلات الشبابية، وعلى وجه الخصوص، فمن المقرر عقد ألعاب "بريكس" في يونيو 2024. وسنكون سعداء بالترحيب بفرق من دول الاتحاد في البطولة الدولية "ألعاب المستقبل"، التي ستقام العام المقبل في قازان، حيث تمثل هذه المباريات مزيجا فريدا من التخصصات الرياضية الديناميكية مع ألعاب الفيديو والأجهزة التكنولوجية الأكثر شهرة. كما أن هناك فرصة أخرى جيدة للاتصالات والتواصل الودي في مارس 2024 في مهرجان سوتشي العالمي للشباب.

في الختام، أود التأكيد مرة أخرى على أن روسيا، من خلال رئاستها، سوف تتفاعل بطريقة بناءة للغاية مع شركائها في مجموعة الدول الخمس من أجل زيادة تعزيز دور وسلطة مجموعة "بريكس"، التي سوف تنمو فقط بطبيعة الحال.

أشكر اهتمامكم.

المصدر: RT

المصدر: RT Arabic

كلمات دلالية: كورونا الأزمة الأوكرانية الاتحاد الأوروبي الجيش الروسي العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا الكرملين بريكس حلف الناتو عقوبات اقتصادية عقوبات ضد روسيا فلاديمير بوتين وزارة الدفاع الروسية فی أوکرانیا إقرأ المزید من خلال فی مجال

إقرأ أيضاً:

عمان في مؤشر السلام العالمي 2024

يشكِّل السلام جوهر الحياة الإنسانية وسر ازدهارها، فلا يمكن أن ينعم أي شعب بالرفاهية والحياة الكريمة ما لم يتحقَّق له السلام والأمان؛ لأنه لا يدُّل على انعدام العنف وحسب، بل أيضا يشير إلى أنماط الحماية الشاملة والحفاظ على حقوق الإنسان في المجتمعات، إضافة إلى تحقيق المساواة والعدل والرفاه وحرية التعبير وغير ذلك مما يحفظ كرامة الإنسان ويمتِّعه بحياة آمنة مطمئنة.

ولهذا فإن مفهوم السلام يتطوَّر بتطوُّر المجتمعات وتغيُّر احتياجاتها، من هنا برزت الحاجة إلى الحماية الاجتماعية وقدرة المؤسسات على إيجاد أنظمة وسياسات توازن بين احتياجات أفراد المجتمع وأولويات الدولة، ولهذا يُنظر إلى مفاهيم السلام الإيجابي باعتبارها مفاهيم تحويلية تتخذ أساليب وطرق أكثر مرونة وقدرة على إيجاد سبل واضحة وآمنة في تطوير المجتمعات وازدهارها وفق إمكانات تضمن تحقيق ممكنات السلام.

فبحسب تقرير السلام الإيجابي 2024، الصادر عن معهد الاقتصاد والسلام (IEP)، فإن الدول التي تتمتع بالسلام الإيجابي هي تلك التي تتميَّز بمستويات عالية من «المرونة وقادرة على تقديم حماية أكثر فاعلية لمواطنيها ضد الصدمات السلبية، سواء أكانت سياسية أو بيئية أو اقتصادية»، ولهذا فهي سريعة التعافي من الصدمات وأكثر قدرة على مواجهة التحديات وتخطيها لتصل إلى أفضل النتائج وأسرعها نموا، وبالتالي تحقيق تنمية مجتمعية مزدهرة.

إن السلام الإيجابي مفهوم تحويلي لأنه يحوِّل الظروف ويوجهها نحو إيجاد سياسات تعزِّز السلام من خلال دعم أكبر لمستويات المرونة وإيجاد مقاييس أفضل للرفاهية، وضمان تطوُّر المجتمع وتحوُّله نحو الرفاه الاجتماعي المنشود، لذا فإن معايير السلام تشمل تحقيق مستويات (الثقة والتعاون والشمولية) اللازمة لمواجهة التحديات وتخطيها بأفضل الوسائل، خاصة في ظل تنامي التقنيات الحديثة والتطورات التي عزَّزت أهمية السلام الإيجابي للمجتمعات باعتباره إطار شامل ومنهجي.

يقيس مؤشر السلام الإيجابي 2024 مستوى المرونة المجتمعية لـ (163) دولة في العالم، فهو لا يركِّز على المرونة في حل القضايا السياسية أو القضاء على العنف وحسب، بل أيضا الحوكمة والتنمية الاقتصادية والرفاه والأداء البيئي، إضافة إلى التطور التقني، وصُنفت الدول بحسب ما تقدِّمه من مستويات تلك المرونة، وقد جاءت عُمان في هذا المؤشر في المرتبة (62)، فبالرغم من تراجعها مرتبتين عن مركزها في العام الفائت، إلاَّ أنها تأتي من بين 40 دول من العالم تتمتع بسلام إيجابي جيد، ونمو مزدهر في معايير المؤشر الخاصة بالتنمية المجتمعية.

ولأن عُمان تتمتع بمقومات محفزِّة للسلام الإيجابي فإنها تُعد من الدول التي تتخذ أنظمة راسخة في التنمية المجتمعية من حيث اتباع أفضل الممارسات في تنمية القطاعات وأنظمة الحوكمة والحماية الاجتماعية بما يضمن مرونة الأداء والقدرة على الصمود في الظروف الصعبة وتحقيق شراكة أكبر مع المجتمع (مؤسسات وأفراد)، وبالتالي فإنها بيئة قادرة على تطوير أنظمتها وممارساتها وفقا للأولويات من ناحية ومسارات تطوُّر المجتمع من ناحية أخرى.

يخبرنا مؤشر السلام العالمي للعام 2024، الصادر عن المعهد نفسه، أن العالم يعاني من «تدهور متوسط مستوى السلام القُطري بنسبة 0.56%» للسنة الخامسة على التوالي؛ حيث سجَّلت 65 دولة فقط تحسنا في مجال السلامة والأمن، في حين تدهورت 97 دولة في المؤشر ضمن مجالي النزاع المستمر والعسكرة، الأمر الذي يعني أن هناك تداعيات كثيرة تحدث في العالم جرَّاء الصراعات المختلفة وخاصة الجيوسياسية التي تحدث في أقاليم عدة من العالم.

إن هذه الصراعات العسكرية تؤثر بشكل مباشر على القطاعات التنموية كلها خاصة الاقتصادية، وهي هنا لا تؤثر على الدول التي تحدث فيها تلك الصراعات وحسب، بل أيضا ينعكس على دول العالم كلها خاصة الدول الواقعة في الإقليم نفسه، أو تلك التي تتعامل معها ضمن الشراكات التجارية والمالية، إذ يكشف لنا تقرير مؤشر السلام العالمي 2024 أن التأثير الاقتصادي للعنف بلغ «19.1 تريليون دولار في عام 2023، أي ما يُعادل 13.5% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي»، وهو أمر يكشف بوضوح التأثير الكبير للعُنف والنزاعات العسكرية المسلحة التي ينتج عنها دمار وتشرُد ولجوء ونزوح على المستوى الإنساني وتدهور على المستوى الاقتصادي.

احتلت عُمان في مؤشر السلام العالمي للعام 2024 المرتبة (37)، حيث جاءت من بين الدول التي تتمتع بمؤشرات سلام جيدة، فهي في المرتبة الثالثة بين دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، رغم أن المنطقة تعاني من الكثير من النزاعات بسبب ما تشنه إسرائيل من حرب انتقامية جائرة على غزة، وما تعانيه سوريا والسودان واليمن من نزاعات وظروف قاسية، إلاَّ أن عُمان تأتي في مرتبة الدول التي تتميَّز بمؤشرات سلام وأمان جيدة، إذ تأتي من بين (50) دولة من العالم حافظت على السلام والأمان في مجتمعها، بل وقدمت أدوارا مهمة في الحفاظ على ممكناته بين دول المنطقة والعالم، إضافة إلى ما تبذله من جهود في الإنفاق العسكري والحفاظ على الأمن الوطني وحماية المجتمع.

فلطالما كانت عُمان نموذجا لمعايير السلام في العالم، خاصة تلك المتعلِّقة بالعلاقات السياسية وحسن الجوار والدعوة إلى الحوار والمساهمة في فض النزاعات والخلافات، وبالتالي فإن مبادئ السلام التي تتخلَّق بها تجعلها من بين تلك الدول الرائدة في نبذ العنف والدعوة إلى التسامح والتفاهم والحوار البنَّاء بما يُعزِّز أواصر الخير والمحبة بين شعوب العالم، إضافة إلى دورها في حماية أفراد المجتمع وتنمية القطاعات بما يضمن الحياة الكريمة وتحقيق الرفاه، وحماية البيئة وحقوق الإنسان وثقافة المجتمع.

لذا فإن وجود عمان من بين الدول المتقدمة في مؤشر السلام العالمي لهذا العام، لا يكشف سوى جزء يسير مما تقدِّمه لمواطنيها من حماية، وما تنفذه من سياسات حوكمة ومحاربة للفساد، وما تقوم به من برامج اقتصادية وتنموية في كافة القطاعات، وما تؤديه من دور محوري في العديد من قضايا المنطقة، وما تبذله من تطوير في المنظومة التقنية والعسكرية، إذ ليس من الغريب أن تقفز في المؤشر إلى المراتب الأكثر تقدما في تقارير الأعوام اللاحقة، فهي من بين تلك الدول القادرة والمؤهلة لذلك.

إن السلام والأمان مطلب أساسي للمجتمعات، وما أحوجنا إلى القبض بممكناته وأسبابه في ظل تزايد الصراعات العسكرية العنيفة والجائرة على العديد من دول العالم، وما تمر به الشعوب من ظلم وتعدٍّ على حقوقها وإنسانيتها، فما ننعم به من أمن وسلام يعود إلى حرص دولتنا وعنايتها بتلك الممكنات وتوفير أسبابها، ودور مجتمعنا الواعي في ترسيخ قيم التسامح والتفاهم على المستوى الوطني والإقليمي، ومشاركته الفاعلة في التنمية المجتمعية وتعاونه المستمر ودعمه لكل ما من شأنه تعزيز تلك المبادئ والقيم وتأصيلها.

إننا جميعا جزء أساسي في تنمية مجتمعنا وترسيخ مبادئه القائمة على التفاهم وحسن الجوار، والبناء والعطاء والتطوير والتغيير للأفضل، وما تعكسه المؤشرات العالمية من نتائج، يكشف هذا الدور المتكامل بين المؤسسات بأنواعها وبين أفراد المجتمع، وكُلنا نعمل على تحقيق الوعد في أن تكون عُمان (في مصاف الدول المتقدمة).

عائشة الدرمكية باحثة متخصصة في مجال السيميائيات وعضوة مجلس الدولة

مقالات مشابهة

  • عمان في مؤشر السلام العالمي 2024
  • اجتماع لوزراء زراعة مجموعة بريكس بموسكو
  • الأمن الغذائي العالمي.. رؤية مصر لبريكس
  • بوتين.. الغائب الحاضر في مناظرة ترامب-بايدن.. فكم مرة ذكر اسمه؟
  • آخر تطورات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا /28.06.2024/
  • بايدن يدلي مجددا بتصريح غير لبق بحق بوتين خلال المناظرة مع ترامب
  • ترامب: شروط بوتين للسلام في أوكرانيا غير مقبولة
  • خلال مناظرة CNN.. ترامب يعلق على شروط بوتين لإنهاء حرب أوكرانيا
  • ماليزيا تعلن نيتها الانضمام إلى "بريكس"
  • صحيفة أمريكية: بوتين يرسل تحذيرات حادة إلى الغرب