إيقاف عرمان: أبحث بعيداً عن الإنتربول

فيصل محمد صالح

أثارت قضية احتجاز القائد السياسي السوداني ياسر عرمان في العاصمة الكينية نيروبي نهار الأربعاء الماضي كثيراً من الجدل القانوني والسياسي، بخاصة أنها تمت تحت غطاء المنظمة الدولية للشرطة الجنائية (إنتربول). وصل عرمان إلى مطار جومو كينياتا في العاصمة، وفوجئ باحتجازه من قِبل بعض الضباط بحجة أنه مطلوب من قِبل الشرطة الدولية (إنتربول)، ثم أخذوه إلى مكاتب الفرع الوطني للإنتربول في نيروبي.

المعلومات التي قدموها لعرمان تقول إنه مطلوب بموجب نشرة حمراء صادرة من الشرطة الدولية بطلب من الحكومة السودانية. وفور وصوله بدأت بعض الاتصالات تتم من جهات كينية رسمية للاستفسار عن الحالة وسبب الاحتجاز، وتم تحويله إلى فندق للإقامة فيه إلى حين حسم الأمور.

صباح أول من أمس (الخميس) تغير الموقف تماماً، وبدا أن هناك شيئاً ما يحدث في مكان ما لا علاقة له بالشرطة الدولية (إنتربول)، وتدخلت جهات رسمية كينية وصلت حتى مؤسسة الرئاسة، ثم تقرر قفل الملف وإنهاء عملية الاحتجاز، مع تقديم الاعتذار لياسر عرمان.

ومعلوم أن الحكومة السودانية كانت قد أصدرت سابقاً قائمة لمطلوبين تضم نحو 45 من القيادات السياسية والصحافية، بينهم رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك، وطالبت الإنتربول بتوقيفهم وتسليمهم بتهم تتعلق بتقويض النظام وإثارة الحرب ضد الدولة. ولم تكن هذه المرة الأولى التي تفعل فيها الحكومة السودانية هذا الطلب للإنتربول، فقد كررته كثيراً في مرات سابقة، لكن كان الأمر ينتهي عند أرشيف الشرطة الدولية، لسبب بديهي وبسيط أن الشرطة الجنائية الدولية لا تتدخل في القضايا السياسية، بحسب المادة (3) من دستورها. فور احتجاز عرمان بدأت جهات قانونية وسياسية وإعلامية تبحث عن علاقة الإنتربول بهذه القضية السياسية الطابع، وتوصلت لنتائج مدهشة. الإنتربول يقبل البلاغات من الدول الأعضاء وفق معايير محددة، بخاصة عند طلب إصدار النشرة الحمراء، التي تعدّ بمثابة طلب دولي لتحديد مكان شخص مطلوب واعتقاله مؤقتاً بانتظار تسليمه أو اتخاذ إجراءات قانونية أخرى. ومن شروط قبول الإنتربول البلاغات وإصدار النشرة الحمراء: وجود مذكرة توقيف قضائية، وأن يتعلق الأمر بمخالفات جنائية جسيمة، وعدم التسييس أو انتهاك حقوق الإنسان، ووجود تعاون دولي واحترام الإجراءات القانونية. وتقول لوائح الإنتربول إن النشرة الحمراء ليست مذكرة اعتقال دولية ملزمة، بل هي طلب تعاون، وتعتمد الاستجابة لها على قوانين كل دولة.

أخطر ما ظهر من خفايا القضية أن الإنتربول لم يصدر نشرة حمراء باسم ياسر عرمان ولا كل الذين طلبتهم الحكومة السودانية، وبحسب ما نشرته محررة «واشنطن بوست» كاثرين هوريلد، فقد تواصلت مع مصادرها في الإنتربول التي نفت إصدارهم نشرة حمراء باسم ياسر عرمان. فماذا حدث إذن في مطار نيروبي بالضبط…؟

الواضح أن هناك عملاً تم داخل المكتب الوطني للإنتربول في كينيا، وأنه تصرف وفقاً لتعليمات لا علاقة لها بالإنتربول، ولا بالإدارة السياسية العليا للبلاد، وهذا ليس بالشيء الغريب في بعض البلاد.

في التسعينات تم اعتقال السياسي والدبلوماسي السوداني المعارض الراحل نجيب الخير من دون الإنتربول أو نشرة حمراء في دولة أفريقية مجاورة، وتم أخذه إلى المطار حيث كان يشاهد طائرة سودانية متوقفة في المطار. وعلم أن التعليمات تقضي بأخذه مخفوراً إلى الطائرة قبيل إقلاعها بدقائق. بذل نجيب مجهوداً كبيراً لإقناع الحرس بالسماح له بإجراء مكالمة تلفونية، دفع مقابلها مبلغاً مالياً كبيراً. بعد دقائق انقلب الوضع في المطار، وحضر مسؤولون كبار من تلك الدولة ليخلوا سبيله، واتضح أن اتفاقاً خاصاً جرى بين ممثل للحكومة السودانية ومسؤول أمني في تلك الدولة لتنفيذ أمر الترحيل في سرية كاملة.

وهناك حالات أخرى لسياسيين سودانيين تم ترحيلهم في عهود سياسية مختلفة من بعض البلاد، باتفاق ثنائي، وترحيلهم للخرطوم. وأشهر تلك الحالات تتعلق بالصحافي السوداني محمد مكي، رئيس تحرير صحيفة «الناس»، الذي اعتُقل في عاصمة عربية عام 1969، وتم ترحيله للخرطوم، ولم يظهر له أثر حتى الآن.

خلاصة الأمر، أن لا علاقة للإنتربول بالأمر، وأنه لن يصدر نشرات للمطلوبين في قضايا سياسية. بل إن بعض القضايا ذات الطابع الجنائي والتي يتم اكتشاف أبعاد سياسية لها يرفض الإنتربول التدخل فيها. وإن ما تم لا يعدو أن يكون عملية اختراق لبعض الأجهزة تم اكتشافها لحسن الحظ، وتلافي نتائجها السلبية.

* نقلاً عن صحيفة الشرق الأوسط

الوسومالإنتربول الحكومة السودانية الخرطوم الشرق الأوسط النشرة الحمراء صحيفة الناس فيصل محمد صالح كينيا محمد مكي مطار نيروبي نجيب الخير ياسر عرمان

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الإنتربول الحكومة السودانية الخرطوم الشرق الأوسط النشرة الحمراء صحيفة الناس فيصل محمد صالح كينيا محمد مكي مطار نيروبي ياسر عرمان الحکومة السودانیة الشرطة الدولیة النشرة الحمراء یاسر عرمان نشرة حمراء

إقرأ أيضاً:

خامنئي يعلق على المحادثات والحرس الثوري يضع خطوطا حمراء

قال المرشد الإيراني علي خامنئي اليوم الثلاثاء إنه تم اتخاذ خطوة المحادثات ونفذت مراحلها الأولى بشكل جيد، بينما أكد الحرس الثوري الإيراني أن قدرات إيران العسكرية "خط أحمر" في المحادثات غير المباشرة مع الولايات المتحدة حول برنامج طهران النووي التي تعقد جولة جديدة منها السبت.

واعتبر خامنئي أن محادثات عُمان واحدة من عشرات المهمات التي تقوم بها وزارة الخارجية، وتابع قائلا "لا ننظر إلى هذه المحادثات بتفاؤل أو تشاؤم مفرطين ولا نربط قضايا البلاد بها".

كما أضاف المرشد الإيراني "ليس لدينا ثقة بالجانب المقابل لكننا نثق بقدراتنا".

من جانبه، قال الناطق باسم الحرس الثوري علي محمد نائيني الذي أوردت كلامه هيئة البث الإيرانية إريب "الأمن والدفاع الوطني والقوة العسكرية من الخطوط الحمر لجمهورية إيران الإسلامية لا يمكن مناقشتها في أي ظرف".

والسبت الماضي، استضافت سلطنة عمان أولى جولات المحادثات الإيرانية الأميركية بمسقط، وسط ترحيب عربي، في حين وصفها البيت الأبيض بأنها كانت إيجابية للغاية وبناءة، وستعقد جولة ثانية من المحادثات غير المباشرة بين البلدين في 19 أبريل/نيسان الحالي.

وقال البيت الأبيض، في بيان، إن ستيف ويتكوف، المبعوث الخاص للرئيس الأميركي إلى الشرق الأوسط، أجرى محادثات مع وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، استضافها وزير الخارجية العماني بدر بن حمد البوسعيدي.

إعلان

محادثات وآراء

وأعربت إدارة دونالد ترامب عن رضاها عن الجولة الأولى من المحادثات في عُمان، وقالت إنها "سارت وفقا للخطة الموضوعة، وحققت هدفها المتمثل في تغيير شكل المحادثات من غير المباشرة -عبر وسطاء- إلى المباشرة، حيث يتبادل المسؤولون أطراف الحديث مباشرة".

من جانبها، أفادت الخارجية الإيرانية، في بيان السبت، بأن المحادثات دامت أكثر من ساعتين ونصف الساعة، وشهدت تبادلا للآراء من خلال وزير الخارجية العُماني.

وذكرت الخارجية الإيرانية أن رئيسي الوفدين -الإيراني والأميركي- تحدثا معا لبضع دقائق أثناء مغادرتهما المحادثات بحضور وزير الخارجية العُماني.

وكانت المحادثات التي عقدت في عُمان يوم السبت هي الأولى بين إيران وإدارة يقودها ترامب، بما في ذلك الإدارة الأميركية خلال ولايته السابقة بين 2017 و2021.

مقالات مشابهة

  • الحكومة ترصد 30 مليون درهم لدعم حضور صادرات الصناعة التقليدية في الأسواق الدولية
  • أوفر دوز وحرق جـ.ـثة.. تفاصيل مثيرة في جريمـ.ـة سيدة أوسيم بعد سهرة حمراء
  • بريطانيا تتجاوز الحكومة السودانية.. (مؤتمر لندن).. صفر كبير!!
  • البرهان إلي القاهرة.. وتعهدات من الحكومة المصرية بشأن الأزمة. السودانية
  • تعهدات أممية بدعم الحكومة السودانية
  • الخارجية السعودية تحذر من  الحكومة الموازية وتقدم رؤيتها لحل الأزمة السودانية
  • خامنئي يعلق على المحادثات والحرس الثوري يضع خطوطا حمراء
  • هند صبري تخطف الأنظار بإطلالة حمراء أنيقة
  • بإطلالة حمراء.. أحدث ظهور لـ هند صبري
  • غياب الحكومة السودانية عن مؤتمر في لندن ووزير الخارجية يعلن عن دول صديقة ستعبر عن موقف السودان