عائلات أسرى العدو: نتنياهو حوّل حياة أبنائنا للعبة شطرنج
تاريخ النشر: 9th, March 2025 GMT
يمانيون../ أكدت هيئة عائلات الأسرى الصهاينة في غزة، مساء اليوم السبت، إن رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو حول حياة أبنائهم إلى لعبة شطرنج لخدمة مصالحه، داعية للنزول إلى الشوارع لمنع عودة الحرب.
وقالت عائلات الأسرى في مؤتمر صحفي أن “نتنياهو يتعمد إيجاد أزمة في محادثات الصفقة للعودة إلى الحرب” مشيرة إلى أن “نتنياهو يحاول تهيئة الرأي العام للعودة إلى الحرب بخلاف مصلحة “إسرائيل”.
وتساءلت “كيف يعقل أن الرئيس الأمريكي دونالد ترمب يهتم بحياة الأسرى أكثر من نتنياهو؟” مطالبة ترمب “بعدم السماح لنتنياهو بالتضحية بأرواح الأسرى لأن الحرب لن تعيدهم”.
وأردفت عائلات الأسرى “ما دامت “إسرائيل” في حالة حرب فنتنياهو يتهرب من قضايا محاكمته بالفساد”.
وأكدت أن “الحرب لن تعيد الأسرى بل ستقتلهم” مشددة على أن “صفقة تبادل فقط من دفعة واحدة ستنقذهم”.
وأشارت عائلات الأسرى إلى أن “مصالح نتنياهو لا تتماهى مع مصلحة “إسرائيل” التي تطالب بإعادة الأسرى”.
ولفتت إلى أن “نتنياهو عمل على تفكيك فريق المفاوضات وجمد المحادثات عمدا، ومستعد للتضحية بحياة الأسرى من أجل مصالحه السياسية والإجرامية.
وشددت عائلات أسرى العدو على أنها لن تسمح لنتنياهو بالتخلي عن أبنائهم.
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: عائلات الأسرى
إقرأ أيضاً:
أسرى فلسطين يقاومون ويردون على الكولونيالية الصهيونية بالكتابة
أدب الأسرى في فلسطين أحد تجليات الظاهرة الاستعمارية التي أدت إلى نشوء "دولة" احتلال، تعتمد على القوة والعنف والتعذيب، وتزج بمن يقاومها ومن يعترض على وجودها في المعتقلات والسجون اللاإنسانية.
وتبدو الكتابة في مثل هذا الحال فعل ضرورة ومقاومة يلجأ إليها الأسير، ويخوض صراعات دامية وقاسية ليستحقّها ويسمح له ببعض أدواتها.
وذلك أن السجان الكولونيالي يحاول عزله عن العالم ويحاول قتله وتدميره بكل السبل النفسية والجسدية، فتغدو الكتابة نافذة من نوافذ الحفاظ على الحياة والاتصال بالآخرين وبالعالم الخارجي.
ويحاول الأسير من خلالها التمسك بالصمود والحفاظ على حياته الفعلية والنفسية قدر ما يستطيع، ومعنى هذا أن كتابة الأسرى ليست ضربا من ترف الكتابة أو التعبير عن ميول أدبية طارئة وإنما هي لون أصيل من ألوان التعبير الإنساني، وسبيل من سبل الحياة بأوسع معانيها ومتطلباتها.
ويبدو كتابة الأسرى أقرب إلى أدب تجربة واقعية وتاريخية أكثر مما هو أدب ضارب في التخييل، وإذا كنا نربط بين المبنى والمعنى والشكل والمضمون ونراهما وجهين لكيان واحد يصعب فصل أطرافه ومكوناته، فإننا في أدب الأسرى نرى المضمون يسابق الشكل، ونرى المعنى يستعجل الظهور قبل المبنى.
إعلانومن المسوّغ أن يكون للمضمون أسبقيته وأولويته، فالتجربة تضغط على الكاتب الأسير وظروف الأسر لا تمنحه رحابة في الوقت والتأمل بما يكفي ليصقل الشكل والمبنى صقلا ظاهرا، فيكتفي منه بالحدود الدنيا الكافية لإيصال المعنى.
وفيما يأتي إضاءات لعدد من التجارب الدالة في سياق هذه الظاهرة الأدبية والإنسانية الجديرة بالتأمل والتحليل والتعميم.
View this post on InstagramA post shared by الجزيرة (@aljazeera)
باسم خندقجي.. التحليق خارج السجناعتقل باسم خندقجي (مواليد نابلس عام 1983) في سنته الدراسية الأخيرة في جامعة النجاح الوطنية عام 2004، وحكم عليه بعدة مؤبدات وما زال في سجنه حتى اليوم.
وقد رسخ خندقجي خلال سنوات سجنه صورته أديبا وشاعرا وكاتبا، أكثر من كونه أسيرا يستعين بالكتابة أو يستعملها لصالح تجربة أسره وظروفها الخاصة.
وكرّس هذا الشاب جلّ وقته للقراءة والكتابة، وطوّر موهبته وقدرته بصورة لافتة، حتى حقّقت روايته "قناع بلون السماء" المنشورة عن دار الآداب، بيروت، عام 2023 الفوز بالجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر) في موسمها السابق لعام 2024.
واختار خندقجي أن يتحرر من السجن من خلال الكتابة، وألا يحصر نفسه بعالم السجن وبيئته وتجربته، بل يحاول أن يتجاوز التجربة المعيشة والقريبة ويكتب عن تجارب وأحوال أبعد وأوسع، وبذلك يحاصر السجن والمعتقل، ويضيق المساحة المخصصة لهما، فلا يغيب ذلك تغييبا تاما، ولكنه أيضا لا يتيح له أن يبتلع حياته وخياله وتفكيره.
ولا شك أن هذا الاختيار لا يلغي أهمية التجارب التي تتأمل عالم السجن وتجارب الأسر والاعتقال، ولكنه أيضا يلفت الانتباه كأحد اختيارات الأدباء الأسرى التي يمكن أن تتسع في المراحل اللاحقة.
وفي رواية "قناع بلون السماء" نجد شخصية نور الشاب الفلسطيني يرتدي قناع "أور" الإسرائيلي، ضمن ملابسات مركّبة تهيئ له هذا التنكر، ليمكنه الإطلالة على العالم الكولونيالي الذي يعيش فيه.
إعلانوعبر حركته بين الهويتين: الأصلية والمزيفة يعبّر عن تجارب متعددة يعيشها في إطار الرواية لتقديم تعبير روائي جديد في مسيرة الصراع الفلسطيني مع قوى الاحتلال ومع ثقافة الاحتلال ووعيه المستحوذ ونظرته العنصرية.
ويتحرك نور/أور في أمكنة فلسطينية الأصل ولكنها غدت (كيبوتسات) أو مستعمرات، أي: أماكن معادية مخيفة، ولكن في طبقة أخرى خفية منها تخبّئ المكان الأصلي الذي لا بد من الحفر والنبش لكشفه.
وقد فعل نور/أور شيئا من هذا ولكن فعله بقي محدود التأثير لسرّيته ولأنه بلا هدف عام، وإنما ينحصر في بحثه الشخصي عن مروية "مريم المجدلية" وإن التقى بالعام من خلال التذكير بقرية أبو شوشة المهجرة التي بنيت المستعمرة على أطلالها.
ولقد أزيح المكان الأصلي وحل مكانه مكان جديد استعماري يتظاهر بالحداثة، ويخفي وراءه الجنود وجيش الاحتلال.
وقد تعرض نور وأسرته إلى الإزاحة من قريتهم الأصلية، فهم حتى مع استمرار حياتهم في فلسطين يحملون صفة اللاجئ، ويعيشون في المخيم الذي يمثل مكانا معاصرا شاهدا على أوسع إزاحة تعرض لها شعب من الشعوب المعاصرة، لا أحد يدقق في معنى المخيم، والكل يريد محوه وتكييفه مع محيطه الذي يصعب أن يتكيف معه.
وبما في ذلك المخيمات التي نشأت في العالم العربي القريب من فلسطين، يتحرك نور/أور في وطنه بهوية مزورة وبشخصيتين متباينتين متصارعتين، تمكّنانه من لعب دورين متصارعين.
وتعلم نور إلى جانب لغته العربية العبرية والإنجليزية واستعان بهما في تخفّيه وتقنّعه، ولكنهما أول الأمر ومنتهاه لغتان استعماريتان، يفارقهما بمجرد أن يكون في غرفته أو مكانه الخاص.
ويؤوب إلى تسجيل بطاقاته الصوتية على هاتفه بالعربية همسا، بينما بمقدوره أن يجهر باللغتين الأخريين كما يشاء. واللغة هوية هنا لا يستطيع أن يستعملها أو أن يسوغ استعمالها في وسط معاد ومحتل.
إعلانوخلاصة تجربة (نور/أور) أن هذا الاستعمار لا يعترف بالفلسطيني ويريد إتمام اجتثاثه بكل السبل، ويتخذ منه موقفا عنصريا، قائما على العداء، وعلى أن الفلسطيني الجيد هو الفلسطيني المقتول أو المهجَّر من أرضه.
وفي نهاية التجربة يخرج نور من تنكّره ويعود إلى هيئته الأولى مكتفيا بالإطلالة المؤقتة على الكولونيالية الصهيونية من داخلها، مسجلا لنا بعض مواقفها ونظرتها المعادية التي لا فكاك منها إلا بإزالة الاحتلال والتحرر منه بصفة نهائية.
ولا يأتي ذكر السجن والأسر إلا عرضيا، من خلال شخصية مراد صديقه نور الأسير، وأمه (أم مراد) التي تنتظر دوما مواعيد الزيارات بمساعدة نور أحيانا، ولكنها في أكثر الأحيان تمنع من زيارته.
أما عدا هذه الشخصية فإن الرواية تتحرك في الماضي من خلال فكرة الحفريات الأثرية التي يشارك نور (بشخصيته المتنكرة) في واحدة منها، والزمن الحاضر الذي يتصل بالطبيعة الأمنية والعسكرية لهذا المجتمع الكولونيالي وتركيزه على التفتيش والتدقيق والحراس والجنود، فلا وجود لمثل هذا المجتمع دون حراسة دائمة ودون قوة غاشمة، فهو موجود بالقوة وليس بالفعل.
وأما المستقبل فيشتق من هذين الظرفين، الماضي والحاضر، وبالرغم من القوة والظلم والعسف فإن الوجود الفلسطيني هو الراسخ فيهما، ويصعب نزعه ومحوه وإزاحته فهو متجذر في وطنه منتم إليه انتماء أصيلا.
وبما في ذلك أهل الأرض المحتلة الذين مثّل وجودهم من خلال شخصية (سماء) الفتاة الحيفاوية (من حيفا المحتلة) التي شاركت في الحفرية الأثرية، وكانت نظرة الإسرائيليين إليها عنصرية عدائية بالرغم من حملها هوية دولة الاحتلال وأنها مواطنة إسرائيلية رسميا.
كما حرص الراوي أن يبين التزامها بثقافتها الخاصة من خلال حفاظها على عادات الصوم والصلاة في موقع الحفرية الأثرية، كأحد ألوان الالتزام الذاتي بما تفرضه هويتها بعيدا عن الذوبان أو الخجل من المحيطين بها المختلفين عنها.
إعلان كميل أبو حنيش: المقاومة بالثقافة والكتابةوهناك كتابات أخرى ثمينة لعدد واسع من الأسرى الكتاب، منها كتابات كميل أبو حنيش (مواليد عام 1975 بيت دجن، نابلس، فلسطين) والذي تخرج في جامعة النجاح بشهادة بكالوريوس في الاقتصاد عام 1999.
وفي حوار سابق أبو حنيش، أجراه عقل صلاح ومنشور على موقع مركز دراسات الوحدة العربية 2023، أوضح بعض العوامل التي دفعته إلى العمل المقاوم، مشيرا إلى أن انتقاله من النشاط الطلابي إلى النشاط المقاوم لم يكن تحولا مفاجئا، بل كان امتدادا طبيعيا لمسيرته النضالية. فقد نشأ في بيئة تحت الاحتلال، حيث اختزن وعيه منذ الصغر صورًا لممارسات الاحتلال الإجرامية، من اعتقالات ومداهمات ومصادرة أراض وعمليات قتل.
ومع اندلاع الانتفاضة الأولى، أحدث زخمها تحولا في وعي الشعب وثقافته، إذ كسر الفلسطينيون حاجز الخوف وواجهوا الاحتلال. وخلال تلك المرحلة، انخرط أبو حنيش بقوة في فعاليات الانتفاضة، حيث تلقى مفاهيم ثورية وقتالية داخل "مدرسة الجبهة" وتشبع بصور الرموز النضالية والأبطال. وكان لأدب غسان كنفاني تأثير كبير في انشداده لفكرة المقاومة المسلحة، مؤكدًا أنه لو توفر لديهم السلاح آنذاك لما ترددوا بالانخراط في العمل المسلح.
وكحال كثير من القيادات والمقاومين، تعرض أبو حنيش للملاحقة والمطاردة، كما تعرضت أسرته للتنكيل حتى اعتقل منتصف أبريل/نيسان 2003 في إحدى البنايات بمدينة نابلس. ورغم الأسر، يرى أبو حنيش أن السجن لم يكن مجرد محنة بل كان "فترة لتعزيز الصمود والتثقيف الذاتي والإنتاج الثقافي والأدبي".
وخلال نفس الحوار يلخص أبو حنيش نشاطه الأدبي والثقافي. فعلى صعيد الكتابة والثقافة العامة، كان مثابرا منذ البداية على القراءة والكتابة، وتمكن من إنجاز أكثر من 15 كتابا متنوعا بين الرواية والقصة والديوان الشعري والكتب النقدية والسياسية البحثية. وطبع من هذه الأعمال حتى الآن 8 كتب، بينما لا تزال البقية قيد الطباعة.
إعلانومن أبرز كتاباته الروائية: "خبر عاجل"، "بشائر"، "الكبسولة"، "وجع بلا قرار"، "مريم مريام"، "الجهة السابعة"، "تعويذة الجليلة". كما أنجز كتابا نقديا بعنوان "جدلية الزمان والمكان في الشعر العربي" وشارك في تأليف كتاب "التجربة التنظيمية والاعتقالية لمنظمة فرع السجون" مع الأسير وائل الجاغوب. بالإضافة إلى ذلك، كتب قصة قصيرة بعنوان "عقدة العصفور" وساهم في تأليف كتاب "إسرائيل دولة بلا هوية" بالتعاون مع الدكتور عقل صلاح.
ويشير أبو حنيش إلى أنه لا يزال لديه عدد من الكتابات قيد الطباعة، وسيتم الإعلان عنها تباعا فور صدورها.
وهناك كتابات أخرى ثمينة، ينتمي بعضها لأدب الرسائل والخواطر والتأملات والمقالات، وألوان من كتابة الذات والتجربة كالمذكرات واليوميات والشهادات ونحوها.
كما تنتمي طائفة منها للكتابة الفكرية والسياسية التي تتأمل الصراع مع المحتل، وتفكك أساليبه وأهدافه وأدواته التي تحاول النيل من الأسير/السجين، فليس ذلك إلا جزءًا أو فصلًا من فصول الصراع الطويل.
ومن هذه الكتابات نمثل بالأعمال الآتية:
أحمد سعدات، وهو القائد والسياسي الفلسطيني المعروف من قيادات الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في الضفة الغربية، وقد وضع عدة كتابات منها "صدى القيد" خلال فترة سجنه، ويتكون الكتاب من عدة فصول أو مقالات متتابعة، أقرب إلى المقالات الفكرية والسياسية التي يشعر القارئ لشدة استبصارها ومتانتها أنها كُتبت خارج السجن، ودون تأثير مباشر منه، ومدارها سياسة العزل التي انتهجتها قوى الاحتلال، والكتاب رغم استناده إلى تجربة خاصة وذاتية إلا أنه خلاصة ثمينة للتثقيف والاطلاع على تطور هذه السياسة وإجراءاتها وآثارها وكيفية مواجهتها بصبر وثبات وصمود. وفي نهاية الكتاب ملحق يصور عدة شخصيات من المناضلين والسجناء الذين تواصل معهم الأسير المؤلف، أو عرف تجاربهم ولفتت انتباهه ورأى فيها ما يستحق التسجيل والتحليل."لغة جميلة فيها قدر من الشاعرية وعبر التأملات المستفيضة الساعية إلى كشف دواخل النفس البشرية.. يكتب عن الإنسان الفلسطيني داخل السجن الإسرائيلي وخارجه.. ويحاكم بموضوعية وتجرد سلوك أبطال قصصه محاولًا اختبار القدرة على احتمال الصعاب والصمود خلف جدران الزنازين وأمام القمع والإذلال ومحاولات تدجين الأسرى بأساليب مباشرة وغير مباشرة".
(كلمة الغلاف).
أسامة الأشقر، نشر عدة كتب منها "للسجن مذاق آخر" و"رسائل كسرت القيد" موجهة إلى أدباء ومثقفين وسياسيين تواصلوا معه أو أثروا فيه، فيجد في كتابة الرسائل سبيلًا لتحيتهم والتواصل والحوار معهم عن أفكار ومواقف يراها مهمة. وقد كُتبت بلغة أدبية، وفيها علامات راسخة لثقافة كاتبها ووعيه وصموده، فالسجن ومكان الأسر ليس إلا إحدى ساحات الصمود والمواجهة، وهو لا يثنيه عن الكتابة ولا عن التواصل مع من يحب ويقدر، وهو يناقش ويحاور ويعبر بمهارة واقتدار في واحدة من صور الحياة المتجددة حتى داخل السجون.ومن مؤلفاته الأدبية: رواية "الشتات الحب والمقاومة السجن والحرية" ورواية ثانية بعنوان "عاشق من جنين" وعدد من الدراسات حول حركة الأسرى وثقافتها وأدبها وأحوالها. مبادرة أسرى يكتبون
ومن صور الاهتمام اللافتة بأدب الأسرى مبادرة "أسرى يكتبون" وهي من مبادرات رابطة الكتاب الأردنيين بالتعاون مع اتحاد الكتاب والأدباء الفلسطينيين. وأشرف عليها الروائي عبد السلام صالح، وحرص على استمرارها مع عدد من زملائه الكتاب والأدباء، منهم صالح حمدوني وأحمد أبو سليم وصلاح أبو لاوي.
إعلانوحظيت المبادرة بدعم جهات وشخصيات من المهتمين والداعمين للحركة الأسيرة، منهم المحامي والكاتب حسن عبادي (حيفا) والأديب والقاص محمود شقير، والأديب الراحل رشاد أبو شاور، وغيرهم. وقد جرى توثيقها في كتاب منشور بعنوان "المبادرة" يعرّف بعدد كبير من هؤلاء الأسرى الكتّاب، إلى جانب عرض إنتاجهم الأدبي والتعريف به ونقده ودراسته.
وتضمنت المبادرة، عبر ندواتها ومناسباتها على مدى عدة سنوات، عرض التجارب الأدبية والكتابية للكتاب الأسرى، الذين بلغ عددهم 26 كاتبًا/أسيرًا، وضعوا كتبًا عن تجربة أسرهم، وجرت مناقشتها ضمن لقاءات "أسرى يكتبون" وهؤلاء هم:
كميل أبو حنيش، حسام شاهين، باسم خندقجي، أسامة الأشقر، منذر مفلح، أحمد سعدات، هيثم جابر، نادية الخياط، وداد البرغوثي، معتز الهيموني، أيمن الشرباتي، مي الغصين، عمار الزبن، وليد دقة، راتب جريبات، عمار محمود عابد، ثائر حنيني، رائد السعدي، أماني حشيم، أحمد العارضة، ناصر الشاويش، محمود العارضة، سائد سلامة، قتيبة مسلم، رأفت البوريني، عنان الشلبي.
ويُضاف إلى هؤلاء كتاب "ترانيم اليمامة" الذي ضم شهادات أسيرات فلسطينيات سجلن رؤيتهن لتجربة أسر الفتيات والنساء في سجون الاحتلال، وهن:
مي الغصين، شريفة أبو نجم، تغريد سعدي، عطاف عليان، أريج عروق، لينا جربوني، جيهان دحادحة، نهاد وهدان، منى حسين قعدان، عهود شوبكي.
الكتابة على ضوء شمعةإلى جانب ذلك، نذكر جهود المحامي والكاتب حسن عبادي من حيفا المحتلة، وهو لا يملّ من متابعة شؤون الأسرى وقضاياهم والتواصل معهم، ودعم كتاباتهم. ومن جهوده نشر كتاب بعنوان "الكتابة على ضوء شمعة" بالاشتراك مع فراس حج محمد، ويضم الكتاب 36 شهادة إبداعية لكتّاب أسرى، سواء من الأسرى المحرّرين أو أسرى ما زالوا قيد الأسر.
وتتمثل قيمة هذا الكتاب في توثيق ظروف الكتابة وعاداتها، وكذلك ظروف القراءة والثقافة داخل السجون، فالأمر مختلف عما هو مألوف خارج السجن. فالأسير يعاني ويعيش ظروفًا صعبة، ولا ينال حقه من حرية الكتابة والقراءة. وأحيانًا تُصادر كتابات الأسير، ويتم تهريبها بطرق عديدة، منها أسلوب "الكبسولة" أو من خلال استغلال الوقت المتاح للتواصل الهاتفي، حيث يستثمره السجين بإملاء بعض كتاباته ونصوصه الأدبية على فرد من عائلته.
إعلانونعرف من شهادة حسام شاهين ابتكار بعض الأسرى لأداة يسمّونها "الكتّابة" وهي أشبه بمكتب كرتوني بدائي، من ضمن الأدوات التي يكتبون عليها. ويعرّفها شاهين بأنها:
"عبارة عن تجميع أرضيات كراتين الخضار ولصقها فوق بعضها باستخدام الصمغ الخاص بالأسرى، والذي تتم صناعته بمزج بياض البيض مع صابون الجلي والقليل من النشاء، ثم يتم كبس طبقات الكرتون بوضعها لعدة أيام تحت فراش الأسير للاستعانة بثقل جسمه لهذه الغاية.. وبعد مرحلة الكبس يتم تجليد (الكتّابة) بقطعة قماش منزعة من وجه مخدة أو فرشة وحياكتها بمهارة عالية حول الكرتون المقوى بحيث تكون مشدودة وغير قابلة للحركة".
وهذه الكتّابة، على ما في صناعتها من عناء، تتعرض للمصادرة، فيعود الأسير من جديد لاتخاذ أخرى، مما يتطلب انتظارًا وصبرًا. ومؤدى الفكرة أن ظروف المعتقل والسجن مختلفة تمامًا عن الظروف خارجه، فالاحتلال لا يلتزم بالمواثيق الدولية التي تسمح للسجين بالكتابة والحصول على أدواتها، بل يرتاب دائمًا في الأسرى وفي كل ما يقومون به أو يكتبونه، إذ يحمله على المدلول الأمني، في دولة احتلال ذات طابع عسكري أمني.
ولحسن عبادي كتاب آخر صدر مؤخرًا بعنوان "يوميات الزيارة والمَزُور" يتضمّن تسجيله بأسلوب أدبي حيوي، يقص فيه زيارات مكثفة قام بها لـ70 أسيرًا، لكل منهم قصة وحكاية. ويسجل الكتاب وقائع الزيارات، وبعض ما يدور فيها، وما يدور في قلب الأسير وروحه، مما يعد أيضًا نافذة أخرى تطل بنا على عالم الأسرى، وحياتهم، وظروفهم، ومعاناتهم اليومية.
فالكتاب بذلك يغدو "متنفسًا عبر القضبان" كما وصفه مؤلفه في عنوانه الفرعي. وهو يفيد القرّاء الذين يريدون التعرف عن قرب على شخصية الأسير وأحواله ونفسيته وطريقته في التفكير، كما يحمل جانبًا من رسالة الأسير وقضيته. ويعد الكتاب ضربًا من التذكير بالحركة الأسيرة وظروفها الصعبة، والمشاق التي يتحملها هؤلاء الأبطال، في واحدة من صور التضحية النادرة، قبل السجن وأثناءه وبعده.
كما نلاحظ اعتماد أدب الأسرى اعتمادًا موسعًا على التجربة الذاتية، ونلاحظ كثرة "كتابات الذات" مما يظهر في أشكال فرعية تشمل:
السيرة الذاتية. الخواطر الشخصية. ما يقرب من المذكرات واليوميات والتأملات. ألوان من كتابة الرسائل والخطابات والشهادات والمشاهدات.وتسجل هذه الألوان من الكتابة تجارب قيمة يصعب العثور عليها خارج أدب الأسرى، نظرًا لقيمتها الإنسانية وما تختزنه من صراع وشقاء وصمود وقسوة وآلام.
إعلانونجد في كتابات الأسرى اهتمامًا تلقائيًا معمقًا بالمناطق النفسية وبما وراء الظاهر، ذلك أن أقسى ما في السجن ما يتسبب فيه من إرهاق نفسي، ومحاولات مستميتة لقتل روح الأسير وضربه معنويًا ونفسيًا، ووضعه في جو من الصراع والاضطراب النفسي.
ولذلك، فإننا واجدون في هذا الأدب مساحة واسعة تعكس تلك الأجواء من الاضطرابات والاختلالات، مما تسببه بيئة السجن والمعتقل، وظروف التحقيق، وممارسات السجّانين. ويترك الاعتقال آثارًا لا تُمحي جسدية ونفسية يحتفظ أدب الأسرى بكثير من معالمها وصورها، في تثبيته لألوان من الجريمة التي لا تظهر بيسر، ولكن الكتابة الأدبية يمكنها أن تعكسها، وأن تؤرخ لتلك الجراح الغائرة، التي تضاف إلى ألوان التضحيات والمواجهات التي يقدمها الشعب الفلسطيني.
وأخيرًا، فقد تطور أدب الأسرى على مر السنين، وتجاوز مراحل البدايات، واتجه إلى النضج، ويمكن أن نرى طبقة نادرة من الأدباء قد أفرزتها هذه الظاهرة. ونجد لديهم تمثيلات للأنواع الأدبية المختلفة، تشترك في أنها على صلة وطيدة بالتجربة القاسية التي عاشوها أثناء أسرهم.
بل إن بعضهم تعمقت رؤيته ونظرته، فمضى يعاين أبعاد الصراع ماضيه وحاضره ومستقبله، بنظرة ترى الوطن كله مأسورًا، وترى علامات السجن والاعتقال على امتداد أرض فلسطين. وما المعتقل والسجن إلا نموذج مصغر من سجن أكبر، قد يكون أكبر سجن كولونيالي في العصر الحديث.
فاتجهت الكتابة إلى الخروج من السجن الصغير إلى السجن الكبير، وتناولت قضايا موسعة تتصل بالهوية والصراع الوجودي بين صاحب الأرض والمحتل، وتحاجج المحتل فيما يدعيه من مزاعم، وفيما يطلقه من اتهامات.
وبهذا المعنى، تغدو الكتابة لونا آخر من ألوان الصمود والتعبئة والتعبير عن التثبيت، مقابل محاولات المحو والإزاحة.